الصلاة فيما يستر ظهر القدم دون الساق 

الكتاب : المستند في شرح العروة الوثقى-الجزء الثاني : الصلاة   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 4335


ــ[422]ــ

   [1318] مسألة 50 : الأقوى جواز الصلاة فيما يستر ظهر القدم ولا يغطّي الساق كالجورب ونحوه (1) .

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

جرم يختص بما إذا اتحدت الحركات الصلاتية مع التصرّف فيه حتى يقال بامتناع التقرّب بالمبغوض ، وهو منفي في المقام ، إذ المفروض أنّ المغصوب إنّما هو الطرف الواقع على الأرض غير المتحرّك بحركات المصلّي ، فلا يعد تصرفاً فيه بوجه ليحرم ويفسد .

   نعم ، هو معاقب على استيلائه على مال الغير ، لكن المانعية منوطة بالتصرّف المنفي في محلّ الكلام ، وإن صدق أنّه لابس له ، أو أنّه صلّى فيه ، لعدم دوران الحكم مداره كما عرفت .

   وأمّا الحرير والذهب ـ وإن لم يذكر الأخير في المتن ـ فموضوع الحرمة النفسية الثابتة لهما هو عنوان اللبس ، ولا لبس في المقام ، فانّه متقوّم باشتمال الملبوس على لابسه . ومن البيّن أنّه لا اشتمال في محلّ البحث ، بل المشتمل على الشخص ثوب من قطن ـ مثلاً ـ غير أنّ بعض أجزائه حرير أو ذهب ، من غير اشتمال أي جزء منه على لابسه .

   وكذلك الحال في الحرمة الغيرية ، أعني المانعية الثابتة لهما ولغير المأكول ، فانّ الموضوع فيها هو الصلاة في الحرير أو في الذهب أو في غير المأكول ، وأداة الظرف تدل على نوع من الاشتمال كاللباس ، وقد عرفت أنّه لا اشتمال في محلّ الكلام ، فلا يكاد يصدق أنّه صلّى في الحرير أو في الذهب أو في غير المأكول لعدم الاتصاف(1) بالمصلّي ولا حمله فضلاً عن أن يكون ظرفاً له .

   نعم ، يصدق أنّه صلّى في ثوب بعض أجزائه حرير أو ذهب أو غير المأكول ، وهو لا يستوجب البطلان فيها كما كان يوجبه في النجس بمقتضى لسان دليله حسبما عرفت . فلم تكن أدلّة هذه الموارد على سياق واحد كما يظهر من المتن .

   (1) كما عن غير واحد من المتأخرين وبعض القدماء كابن حمزة في

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) [لعل المناسب : لعدم الارتباط] .

ــ[423]ــ

الوسيلة(1) والشيخ في المبسوط(2) . كما أنّ القول بعدم الجواز منسوب إلى جماعة كثيرين منهم ، ولا يبعد أن يكون الأشهر بين المتأخّرين هو الجواز ، والأشهر بين القدماء عدمه . وقد اختلف القائلون بالجواز ، فبعضهم قال به عن كراهة وبعضهم بدونها ، وثالث خصّها بالنعل السنديّة والشمشك .

   وكيف ما كان ، فقد استدلّ لعدم الجواز بوجوه :

   أحدها : عدم فعل النبي (صلّى الله عليه وآله) والصحابة والتابعين ، فكانت سيرتهم جارية على العدم .

   وفيه : مع أنّه لم يثبت ، إذ لا شاهد عليه ، وقلّما تحرز السيرة على العدم ولعلّهم كانوا يلبسونها بعض الأحيان ، أنّ عدم اللبس لا يكشف عن المانعية وإلاّ لوجب الالتزام بها في كلّ ما لم يلبسوه كالساعة والمنظرة ونحوهما ، وهو كما ترى . نعم يكشف عدمه عن عدم الوجوب وإلاّ للبسوه .

   ثانيها : ما حكي عنه (صلّى الله عليه وآله) من قوله : «صلّوا كما رأيتموني أصلي»(3) ولم يصلّ فيما يستر ظهر القدم ولا يغطي الساق .

   وفيه : مع أنّه لم تثبت هذه الحكاية من طرقنا ، كما لم يثبت أنّه (صلّى الله عليه وآله) لم يصلّ فيه أنّه على تقدير الثبوت لا دلالة فيه على المانعية ، فانّ الحديث إنّما يدلّ عليها ، وكذا على الجزئية أو الشرطية فيما إذا اُحرز أنّه أتى بشيء أو تركه من جهة الصلاة ورعاية لما يعتبر فيها ، ولا سبيل إلى إحراز ذلك في المقام بوجه ، ولعلّه كان يتركه بحسب طبعه وعدم ميله ورغبته في لبسه .

 ثالثها : خبر سيف بن عميرة عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : «لا يصلّى على جنازة بحذاء ، ولا بأس بالخف»(4) فانّ الأمر في صلاة الجنازة أوسع من

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسيلة : 88 .

(2) المبسوط 1  : 83 .

(3) كنز العمال 7  : 281 / 18879 .

(4) الوسائل 3  : 118 / أبواب صلاة الجنازة ب 26 ح 1 .

ــ[424]ــ

صلاة الفريضة ، فاذا لم يجز الحذاء في الاُولى لم يجز في الثانية بطريق أولى .

   وفيه : مضافاً إلى ضعف السند حتى على مسلك الانجبار ، إذ لم يعلم استناد المشهور إليها بعد تعدّد ملاك المسألة ممّا عرفت وتعرف ، أنّ كيفية الحذاء المسؤول عنه بنحو ينطبق على المقام من ستر ظهر القدم دون الساق غيرثابتة . وعلى تقدير الثبوت لم يعلم أنّ المنع كان لهذه العلّة ، ولعلّه لجهة اُخرى لم نعرفها .

   على أنّه لم يعمل بهذ الرواية حتى في موردها ، لما ورد في بعض النصوص من جواز الصلاة على الجنازة مع الحذاء ، بل في بعضها استحبابها(1) ، فكيف يعمل بها في غير موردها .

   رابعها : ما رواه ابن حمزة في الوسيلة مرسلاً قال : «وروي أن الصلاة محظورة في النعل السندي والشمشك»(2) على ما نسب إليه .

   وفيه : مضافاً إلى ضعفها بالإرسال لو صحت النسبة ، إذ لا أثر لها في الأخبار ، وعدم الانجبار بفتوى المشهور حسبما عرفت ، كيف وأكثرهم أفتوا بالمنع مطلقاً لا في خصوص النعل والشمشك ، أنّه لم تعلم الكيفية في هذين الموردين ، ولعلّها كانت بحيث تمنع عن وصول إلابهامين إلى الأرض لدى السجود ، فتخرج عن محلّ الكلام .

   فتحصّل : أن الأقوى هو الجواز .

   وأمّا الكراهة ففي الموردين المزبورين وإن أمكن القول بها ، استناداً إلى الرواية المذكورة ، بناءً على قاعدة التسامح وعمومها للمكروهات ، أمّا في غيرهما فلم ترد حتى رواية ضعيفة ليصحّ التعويل عليها بناءً على تلك القاعدة إلاّ بناءً على شمولها لفتوى الفقيه ، وهو في حيّز المنع .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) [لم نعثر على ذلك ، بل عدّ النراقي في المستند 6 : 323 نزع النعلين من المستحبات حاكياً    عدم الخلاف فيه] .

(2) الوسائل 4  : 428 / أبواب لباس المصلي ب 38 ح 7 ، الوسيلة : 88 .

ــ[425]ــ

   والعمدة أنّ القاعدة ممنوعة من أصلها ، إذ مضافاً إلى اختصاصها ببلوغ الثواب دون العقاب فلا تشمل المكروهات ، أنّها إنّما تدلّ على الاستحباب الشرعي فيما إذا كان ترتّب الثواب بحكم الشرع ، كما لو ورد في رواية ضعيفة أنّ من أكل الرّمان يوم الجمعة يثاب عليه .

   وأمّا إذا كان ذلك بحكومة من العقل من أجل الانقياد كما هو مفاد أخبار الباب الناطقة بأنّ من بلغه ثواب على عمل فعمله برجاء ذلك ، فمثل هذا اللسان لا يكشف عن الاستحباب الشرعي بوجه ، وتمام الكلام في محلّه(1) .

   فتحصّل : أنّه لا دليل على الكراهة فضلاً عن الحرمة ، ومقتضى القاعدة هو القول بالجواز حسبما عرفت .

 ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) مصباح الاُصول 2  : 319 .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net