السجود على القير والزفت - السجود على الرماد والفحم 

الكتاب : المستند في شرح العروة الوثقى-الجزء الثالث : الصلاة   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 5807


   وأما القير والزفت ـ والظاهر اتحادهما وعدم الفرق إلا بلحاظ حالتي الميعان وعدمه ، فالمائع يعبّر عنه بالزفت ، والجامد بالقير ، وقد يطلق عليه القار كما في بعض الأخبار الآتية ـ فلو كنّا نحن ومقتضى القاعدة ، مع الغض عن الأخبار الخاصة الواردة في المقام ، لم يكن مجال للترديد في عدم جواز السجود عليها ، لخروجها عن اسم الأرض بالضرورة ، فانّها مادة سوداء تتكون داخل الأرض تستخرج منها وينتفع بها بعد العلاج في طلي السفن وتعبيد الطرق ونحوها ، وكذا عن نباتها ، وإن اطلق عليها النبات في بعض

ــ[143]ــ

الأخبار الآتية لكنه مأوّل كما ستعرف .

   إلا أن هناك أخباراً خاصة صحيحة السند قد دلت صريحاً على الجواز وبازائها ما يعارضها ، فلابد من النظر فيها وعلاجها .

   فنقول : روى الشيخ في الصحيح عن معاوية بن عمار قال : «سأل المعلى بن خنيس أبا عبدالله (عليه السلام) وأنا عنده ، عن السجود على القفر وعلى القير ، فقال : لا بأس به»(1) ، ورواه الصدوق أيضاً بسنده الصحيح عن المعلى بن خنيس(2) .

   وفي صحيحته الاُخرى : «أنه سأل أبا عبدالله (عليه السلام) عن الصلاة على القار ، فقال : لا بأس به»(3) .

   وفي صحيحته الثالثة قال : «سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن الصلاة في السفينة ـ إلى أن قال ـ : يصلي على القير والقفر ويسجد عليه»(4) . وكون مورد الأخيرة السفينة لا قرينة فيه على إرادة حال الضرورة ـ كما ادعاه صاحب الوسائل ـ لعدم الملازمة بينهما ، لجواز التمكن مما يصح السجود عليه حينئذ من خشبة ونحوها .

   وفي صحيح منصور بن حازم عن أبي عبدالله (عليه السلام) «قال : القير من نبات الأرض»(5) وقد عرفت أنّ القير ليس من نبات الأرض بالضرورة ، فلابدّ من التأويل ، والمراد أنّه بمنزلة النبات ـ بنحو الحكومة ـ في جواز السجود عليه كقوله : الفقاع خمر ، فيشترك مع النبات في حكمها تعبداً .

   وروى الشيخ باسناده عن إبراهيم بن ميمون «أنه قال لأبي عبدالله (عليه السلام) ـ في حديث ـ : نسجد (فأسجد) على ما في السفينة وعلى القير ؟ قال :

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 5 : 354 / أبواب ما يسجد عليه ب 6 ح 4 ، التهذيب 2 : 303 / 1224

(2) الفقيه 1 : 175 / 828 .

(3) ، (4) الوسائل 5 : 354 / أبواب ما يسجد عليه ب 6 ح 5 ، 6 .

(5) الوسائل 5 : 355 / أبواب ما يسجد عليه ب 6 ح 8 .

ــ[144]ــ

لا بأس»(1) لكن الرواية ضعيفة السند من جهة ضعف طريق الشيخ(2) إلى إبراهيم بن ميمون . مضافاً إلى عدم ثبوت وثاقة الرجل في نفسه .

   والعمدة إنما هي الروايات السابقة الصحيحة سنداً والصريحة دلالة . وبازائها رواية محمد بن عمرو بن سعيد عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام) «قال : لا تسجد على القير ولا على القفر ، ولا على الصاروج»(3) لكن الرواية ضعيفة السند من جهة علي بن إسماعيل السندي الواقع في الطريق فانه لم يوثق ، نعم وثقه نصر بن الصباح(4) ، لكن نصراً في نفسه ضعيف فلا عبرة بتوثيقه ، فهذه الرواية لا تصلح للمعارضة مع الروايات السابقة .

   وإنما الصالح لها هي صحيحة زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : «قلت له : أسجد على الزفت يعني القير ؟ فقال لا ، ولا على الثوب الكرسف ، ولا على الصوف ، ولا على شيء من الحيوان ، ولا على طعام ، ولا على شيء من ثمار الأرض ، ولا على شيء من الرياش»(5) فلابد من العلاج .

   وقد جمع بينهما بحمل الطائفة السابقة على مورد الضرورة أو موارد التقية ، لكنه كما ترى جمع تبرّعي لا شاهد عليه .

   وربما يجمع بحمل الرواية الأخيرة على الكراهة ، وهو أيضا يتلو سابقه في الضعف لما تقدم
قريباً(6) من أنّ هذا النوع من الجمع إنما يستقيم فيما إذا اختلفت الدلالتان في الظهور قوة وضعفاً فكانت إحداهما ظاهرة والأخرى نصاً أو

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 5 : 355 / أبواب ما يسجد عليه ب 6 ح 7 ، التهذيب 3 : 298 / 908 .

(2) ولكنها مروية بطريق الصدوق أيضاً [الفقيه 1 : 291 / 1324] وطريقه إليه صحيح  لاحظ المعجم 1 : 283 / 321 .

(3) الوسائل 5: 353 / أبواب ما يسجد عليه ب 6 ح 1 .

(4) رجال الكشي : 598 / 1119 .

(5) الوسائل 5 : 346 / أبواب ما يسجد عليه ب 2 ح 1 .

(6) في ص 131 .

ــ[145]ــ

أظهر ، فيرفع اليد عن الظهور بنصوصية الاُخرى أو أظهريتها ، بحيث لو اجتمعتا واقترنتا في دليل واحد لم تكونا من المتناقضين ، بل كان إحداهما قرينة صالحة للتصرف في الاُخرى كقوله : لا تفعل كذا ، مع قوله : لا بأس في ارتكابه ، أو قوله : افعل كذا ، مع قوله : لا بأس بتركه ، حيث إنّ النهي أو الأمر ظاهر في الحرمة أو الوجوب ، ونفي البأس صريح في الجواز ، فيرفع اليد عن الظهور بالنص ، ويحمل على الكراهة أو الاستحباب .

   ومن الواضح أنّ هذا الضابط غير منطبق على المقام ، فانّ الروايات السابقة وإن كانت صريحة في الجواز ، للتصريح فيها بنفي البأس ، لكنّ الرواية الأخيرة ـ أعني صحيحة زرارة المعارضة ـ أيضاً صريحة في عدم الجواز ، فانها وإن كانت بلسان النهي الظاهر في المنع إلا أن قرينة وقوعه في مقام التحديد تجعله كالنص فيه ، بشهادة عطف غيره من سائر ما لا يصح السجود عليه من ثوب الكرسف والصوف وشيء من الحيوان والطعام ونحوها عليه ، فذكر القير في سياقها وعدّه من جملة الموارد المقطوع عدم جواز السجود عليها الكاشف عن كونه (عليه السلام) في مقام التحديد ، قرينة واضحة على إرادة المنع من النهي ، فهو صريح في عدم الجواز ، وقد عرفت أنّ صحيحة زرارة صريحة في الجواز ، فهما بمثابة التعبير بـ : يجوز ، ولا يجوز ولا شك أنّ مثلهما من المتعارضين لدى العرف ، لورود النفي والاثبات على موضوع واحد ، بحيث لو جمع بينهما في دليل واحد عدّا من المتناقضين ، لتكافئهما في الصراحة وعدم صلاحية أحدهما للتصرف في الآخر ، فالحمل على الكراهة لا مسرح له في المقام كما هو ظاهر .

   وقد يقال : إنّ الطائفة السابقة وإن كانت صحيحة السند صريحة الدلالة إلا أن إعراض المشهور عنها يسقطها عن الحجية ، فان السند كلما ازداد قوة ازداد بالاعراض وهناً ، فتبقى صحيحة زرارة الصريحة في المنع سليمة عن المعارض .

 وفيه أوّلا : منع الكبرى ، لما ذكرناه في الاُصول(1) من أنّ الاعراض لا

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) مصباح الاُصول 2 : 201 وما بعدها .

ــ[146]ــ

وكذا ما خرج عن اسم النبات كالرماد والفحم ونحوهما . ولا على المأكول والملبوس كالخبز والقطن والكتان ونحوها(1) .

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

يستوجب الوهن ولا يسقط الخبر الصحيح عن الحجية ، كما أنّ العمل لا ينجبر به الضعف ، فالاعراض والعمل لا يؤثّران في السند قوة ولا ضعفاً ، وتمام الكلام في محله .

   وثانياً : منع الصغرى ، لعدم ثبوت الاعراض ، إذ من الجائز إنّ عدم عملهم بها من جهة ابتلائها بالمعارض ـ وهي صحيحة زرارة ـ وترجيحه عليها لجهة من الجهات ، لا لأجل الاعراض عن السند لخلل فيه ، فان الاعراض إنما يوجب الوهن إذا كان الخبر في نفسه صالحاً للعمل ، لسلامته عن المعارض كما لا يخفى .

   فالصحيح في طريقة الجمع : حمل الصحاح المتقدّمة(1) على صدورها تقية ، لموافقتها للعامة ، فيرجّح صحيح زرارة عليها بمخالفته لهم .

   مضافاً إلى موافقته لعموم السنة ، وهي الأخبار المانعة عن السجود على ما عدا الأرض ونباتها ، حيث إنّ القير ليس في شيء منهما كما عرفت ، فيجعل العموم مرجّحاً ثانياً للصحيح ، أو لا أقل من جعله مرجعاً بعد تساقط المتعارضين .

   فالأقوى عدم جواز السجود على القير والزفت كما عليه المشهور بل لم ينقل الخلاف عن أحد ، استناداً - بعد العمومات - إلى صحيح زرارة ، بعد دفع معارضه ، المؤيد برواية محمد بن عمرو بن سعيد المتقدمة(2) .

   (1) أمّا الرماد ، فلا شك في عدم جواز السجود عليه ، فانّ أصله وإن كان

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) في ص 143 .

(2) في ص 144 .

ــ[147]ــ

من النبات كالخشب ، والمادة المشتركة المعبّر عنها بالهيولى وإن كانت محفوظة ، إلا أنّه قد استحال وتبدلت صورته النوعية وانتقل إلى حقيقة اُخرى ، فهو بالفعل مباين مع أصله ذاتاً وصفة ، ولذا لو كان نجساً سابقاً يحكم بطهارته من جهة الاستحالة ، لانعدام الموضوع السابق وحدوث موضوع جديد ، فلا يصدق عليه فعلا عنوان الأرض ولا نبتها ، فيشمله عموم المنع ، وهذا ظاهر جداً .

   وأما الفحم ، فهو وإن كان يفترق عن الرماد في عدم تحقق الاستحالة في مورده ولذا لا يحكم بطهارة الحطب المتنجس بصيرورته فحماً لعدم تغيّره عما هو عليه بحسب الذات كما في الرماد ، إلا أنه مع ذلك لا يصح السجود عليه ، لتغيّر وصفه المقوّم لعدّه من النبات في نظر العرف .

   وبالجملة : تغيّر الوصف العنواني لا يستوجب تبدّلا في الصورة النوعية وانقلاباً في الذات والماهية الذي هو مناط الاستحالة ، ولذا لا يطهر الماء المتنجس بصيرورته ثلجاً ، فانه ماء منجمد لا حقيقة اُخرى ، فالذات باقية غايته أنّ صفة الميعان المقوّمة لهذا العنوان قد تغيّرت وتبدّلت ، ولذا ترتفع الأحكام المترتبة على العنوان بزواله ، كالاعتصام المترتب على الكر من الماء ، فانّ موضع الملاقاة ينفعل عند صيرورة الكرّ منه ثلجاً ، لعدم صدق الماء حينئذ عنواناً وإن لم ينعدم ذاتاً .

   وعليه فلا منافاة بين بقاء النجاسة وعدم جواز السجود عند صيرورة الحطب فحماً ، إذ العبرة في الأوّل ببقاء الذات في نظر العرف وعدم التبدل إلى حقيقة اُخرى ، فلا يحكم بالطهارة إلا عند الاستحالة وانقلاب الموضوع ذاتاً وصفة ، بحيث يعدّ موضوعاً جديداً مبايناً مع أصله ، وليس الفحم كذلك ، لبقاء ذات الحطب بحاله ، فانه خشب محترق . وأمّا في الثاني فمناطه تبدل وصفه المقوّم ، وحيث إنّ الفحم لا يتصف فعلا بصفة الحطبيّة لا يعدّ من النبات ، وإن كانت الذات باقية فلا يصح السجود عليه .

ــ[148]ــ

ويجوز السجود على جميع الأحجار إذا لم تكن من المعادن(1) .
ـــــــــــــــــــــــــ

   (1) قد عرفت أنّ المدار على صدق اسم الأرض ، والمعدنية لا تنافي الصدق المزبور .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net