تعداد أركان الصلاة - هل النيّة جزء أو شرط ؟ 

الكتاب : المستند في شرح العروة الوثقى-الجزء الرابع : الصلاة   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 6634


ــ[3]ــ

والخمسة الاُولى أركان (1) بمعنى أنّ زيادتها ونقيصتها عمداً وسهواً موجبة للبطلان ((1)) .

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

   (1) أمّا النيّة :  فليست بجزء كما مرّت الاشارة إليه ، فلا يحسن عدّها من الأجزاء الركنية .

   وأمّا القيام :  فالواجب منه في الصلاة ثلاثة : القيام حال تكبيرة الاحرام والقيام المتصل بالركوع ، والقيام بعد رفع الرأس عنه ، لكن الأوّل من شرائط التكبير لا أ نّه جزء مستقل في قباله ، كما أنّ الثاني من مقوّمات الركوع ، إذ هو ليس مجرّد الانحناء الخاص بل ما كان عن قيام ، ومنه قولهم : شجرة راكعة ، أي منحنية بعد ما كانت قائمة ، فليس هو أيضاً جزءاً مسـتقلاًّ ، نعم القيام بعد الركوع جزء مستقل لكنه ليس بركني ، لعدم بطلان الصلاة بنقصه السهوي كما لا يخفى .

   وأمّا تكبيرة الاحرام : فالمشهور بطلان الصلاة بالإخلال بها زيادة أو نقيصة عمداً أو سهواً، ومن هنا عدّوها من الأركان، لكن الأقوى عدم البطلان بالزيادة السهوية لعدم الدليل عليه ، كما سيجيء التعرض له في محلّه إن شاء الله تعالى(2) إلاّ أنّ ذلك لا يقدح في عدّها من الأركان ، فانّ المدار في صدق هذا العنوان بما أوجب نقصه البطلان حتى سهواً كما هو المناسب لمعناه اللغوي ، سواء أكانت الزيادة أيضاً كذلك أم لا ، فانّ مفهوم الركن متقوّم بما يعتمد عليه الشيء بحيث يوجب فقده زوال ذلك الشيء ، وأمّا الاخلال من حيث الزيادة فلا مدخل له في صدق هذا المفهوم ، ولم يرد لفظ الركن في شيء من الأخبار ، وإنّما هو مجرّد

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الأقوى أنّ زيادة تكبيرة الاحرام سهواً لا توجب البطلان .

(2) في ص 95 .

ــ[4]ــ

لكن لا تتصوّر الزيادة في النيّة (1) بناءً على الداعي ، وبناءً على الإخطار غير قادحة . والبقيّة واجبات غير ركنية فزيادتها ونقصها عمداً موجب للبطلان لا سهواً .

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

اصطلاح متداول في ألسنة الفقهاء .

   وبما أنّ نقص التكبيرة حتى سهواً يوجب البطلان فبهذا الاعتبار يصح عدّه من الأركان .

   وممّا ذكرنا يظهر أنّ الأجزاء الركنية ثلاثة : الركوع والسجود ، فانّ الاخلال بهما نقصاً أو زيادة ، عمداً أو سهواً يوجب البطلان بلا إشكال ، وثالثهما تكبيرة الاحرام بناءً على تفسير الركن بما عرفت كما هو الصحيح .

   (1) فانّه بناءً على تفسيرها بالداعي فلا ريب أ نّه مستمر إلى آخر العمل فلا تتحقّق معه الزيادة ، وبناءً على تفسيرها بالاخطار فهي غير قادحة بالضرورة كما نبّه عليه في المتن .

   لكن كان ينبغي له أن يلحق القيام بالنية ، فانّه مثلها في عدم تصوّر الزيادة أما القيام حال تكبيرة الاحرام ، فلأنّ زيادته إنّما تكون بزيادة التكبير الّذي هو من الأركان ، فلا يكون البطلان مستنداً إلى خصوص القيام ، وكذلك القيام المتصل بالركوع حيث إنّ زيادته أيضاً لا تمكن إلاّ بزيادة الركوع ، فلا يكون الاخلال إلاّ به لا غير ، بل هذا لا تتصور فيه النقيصة أيضاً إلا بنقص الركوع لتقوّمه بكونه هويّاً عن القيام كما مرّ. نعم، يتصوّر النقص في القيام حال التكبير لامكان التكبير جالساً كما يتصوّر في النيّة وهو ظاهر .

   وأمّا الزيادة والنقيصة في تكبيرة الاحرام ، فهما وإن كانا متصوّرين فيها إلاّ أنّ الأقوى كما عرفت عدم بطلان الصلاة بزيادة تكبيرة الاحرام سهواً . وعليه

ــ[5]ــ

فلا تكون التكبيرة من الأركان بالمعنى المصطلح، وهو ما تكون زيادته ونقيصته عمداً وسهواً موجباً للبطلان . نعم ، هو ركن بالمعنى اللغوي ، وهو ما يوجب نقصه البطلان ولو سهواً . وأمّا الاخلال من حيث الزيادة فلا دخل له في كونه ركناً إلاّ من جهة الاصطلاح ، وحيث إنّ كلمة الركن لم ترد في آية ولا رواية فلا مانع من عدّ التكبيرة ركناً بلحاظ المعنى اللغوي .

   ثم إنّه قد مرّت عليك في مطاوي كلماتنا (1) الاشارة إلى اختلاف القوم في أن النيّة هل اُخذت جزءاً في الصلاة أو شرطاً أو لا هذا ولا ذاك ، بل لها دخل في تحقّق المصلحة المقتضية للصلاة ؟

   فنقول : لا إشكال ولا خلاف في اعتبار النيّة في الصلاة ، وأ نّه لا بدّ من إتيان أجزائها بداعي القربة ، فلو أتى بها من غير قصد أو بقصد الرياء تكون الصلاة باطلة .

   ويدلّنا على ذلك : قوله تعالى : (وَأَقِمِ الصَّلاَةَ لِذِكْرِي )(2) وقوله تعالى : (فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ )(3) وغيرهما من الآيات والأخبار .

   وإنّما النزاع في أ نّه هل اُخذت النيّة ـ مضافاً إلى ذلك ـ بحيالها في قبال سائر الأجـزاء ، بحيث يعـتبر فيها جميع ما يعتبر في غيرها من الوقت والاستقبال والطهارة ونحوها ، ويكون موطنها قبل تكبيرة الاحرام أو لا ؟

   الحق عدم اعتـبار ذلك لعدم الدليل عليه ، فانّ ما ادعي من الاجماع بل الضرورة على اعتبار النيّة في الصلاة وغيرها من سائر العبادات ، المتيقن منه هو أن لا يكون شيء منها بغير داعي القربة ، وأما اعتـبارها في حدّ نفسها قبل

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) في ص 1 .

(2) طه 20 : 14 .

(3) الكوثر 108 : 2 .

ــ[6]ــ

العمل فلا دليل عليه ، وإلاّ كان اللازم جواز الاكتفاء بها وإن لم يأت بالأجزاء بداعي القربة . على أنّ الدليل قام على خلافه ، حيث دلّ على أنّ أوّل الصلاة التكبير ، وآخرها التسليم . فاحتمال الجزئية ساقط جزماً .

   وقد يقال :  بسقوط الشرطية أيضاً ، بتقريب أ نّه لا ريب في صحة قولنا : أردت الصلاة فصليت ، بلا عناية ولا تجوّز ، ومعه لا يمكن أن تكون النيّة مأخوذة لا جزءاً ولا شرطاً ، لا في المسمى ولا في المأمور به ، إذ على الأوّل يلزم اتحـاد العارض والمعروض على الجزئية ، وتقدم الشرط على نفسـه على الشرطية . وعلى الثاني بما أنّ الإرادة ليست باختيارية يمتنع تعلّق الأمر بما لا يكون اختيارياً ، سواء أكان لعدم اختيارية جزئه ، أم لعدم اختيارية شرطه . نعم ، هي دخيلة في المصلحة وبذلك تمتاز الصلاة عن التوصلي .

   ولكنّه بمعزل عن التحقيق ، أمّا أوّلاً :  فلأ نّه خلط بين الارادة بمعنى الشوق ، والارادة بمعنى الاختيار ، فانّ الأول أمر غير اختياري ، وهو ما يلائم الطبع من القوى الظاهرية أو الباطنية في قبال الكراهة التي هي ما ينافي الذوق كذلك ، فانّ هذا ليس أمراً اختيارياً . وأما الثاني وهو طلب الخير ، فهو وإن كانت مقدماته غير اختيارية إلاّ أنّ نفسه اختياري واختياريته بنفسه ، وإلاّ لزم الدور والتسلسل . وهكذا الحال في المشيئة في المبدأ الأعلى ، فانّ الأفعال الصادرة منه تعالى تكون بمشيئته ، وأمّا نفس المشيئة فهي بنفسها . وقد بيّنا تفصيل الكلام حول ذلك في الاُصول في مبحث الطلب والارادة (1) والأغلب في الاستعمال إنما هو المعنى الثاني أي طلب الخير دون الأوّل كما لا يخفى .

   وأمّا ثانياً :  فلو سلّمنا أنّ الاختيار أيضاً غير اختياري ، إلاّ أنّ الممنوع إنما هو عدم اختيارية الجزء، وأمّا التقييد بأمر غير اختياري الذي هو معنى الشرط

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) محاضرات في اُصول الفقه 2 : 36 .

ــ[7]ــ

فلا مانع منه(1) ألا ترى أنّ الوقت وعدم الحيض والقبلة ونحوها اُمور غير اختيارية ، ومع ذلك قد اشترط الصلاة بكل من ذلك ، فانّ إيقاع الصلاة في تلك الحالات أمر اختياري ، فنفس الارادة بمعنى الاختيار وإن فرض أنها أمر غير اختياري ، إلاّ أنّ إيقـاع الصلاة عن إرادة واشـتراطها بذلك حيث إنه أمر اختياري ، فلا مانع من أخذها شرطاً .

   وأمّا ثالثاً :  فلأنّ هذا التقريب أجنبي عن المقام بالكلية ، وذلك لأنّ النيّة تطلق في مقامين .

   أحدهما : القصد إلى الفعل والعزم عليه ، وهذا يشترك فيه العبادي والتوصلي فانّه لا بدّ في كون الشيء مصداقاً للواجب من أن يكون مقصوداً ، وإلاّ لم يكن مصداقاً للمأمور به . نعم ، يمكن أن يدل الدليل على حصول الغرض وسقوط الواجـب بذلك وهو أمر آخر .  والبحـث عن أنّ الارادة اختـيارية أو غير اختيارية إنما يتم على هذا المعنى .

   ثانيهما :  الاتيان بالفعل بداعي الأمر والانبعاث عن قصد التقرب ، وهذا هو محل الكلام في أنه جزء أو شرط ، وهو لا إشكال في كونه اختيارياً كما لا يخفى ، سواء أقلنا بأنّ الارادة أمر اختياري أو غير اختياري ، وسواء أقلنا إنّ الشرط أمر اختياري أم لا ، فانّ كل ذلك أجنبي عن المقام .

   فالحق أنّ النيّة إنما اعتبرت في الصلاة على نحو الشرطية لا غير .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) هذا إنّما يتجه في شرط الوجوب لا الواجب كالنيّة في المقام ، فانّ التقـيد به داخل تحت الطلب كنفس الجزء ، وما كان كذلك لا بدّ وأن يكون القيد اختيارياً ، كما صرّح (دام ظلّه) بذلك في مطاوي ما تقدّم من مباحث اللباس المشكوك [ شرح العروة 12 : 216 ] .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net