دوران الأمر بين ترك القيام رأساً وبين تفريج الرجلين - صور المعارضة بين القيود المعتبرة في القيام 

الكتاب : المستند في شرح العروة الوثقى-الجزء الرابع : الصلاة   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 3952


   وفيما إذا دار الأمر بين الصلاة قائماً مع التفريج الفاحش بين الرجلين ، وبين الصلاة جالساً قدّم الأوّل كما في المتن .

   وهذا وجيه فيما إذا كان التفريج المزبور بمثابة يصدق معه عنوان القيام ، بل قد تقدّم (3) جواز ذلك حتى اختياراً فضلاً عن صورة الدوران ، لعدم الدليل على قدح مثله ما  لم يستوجب الاخلال بالقيام، وأمّا لو أخلّ به بحيث لم يصدق معه عنـوانه ، بل تشكلت هيئة اُخرى في مقابل القيام والجلوس ، فيشكل التقديم حينئذ ، بل هو ممنوع كما لا يخفى .

ـــــــــــــ
(3) في ص 190 .

ــ[207]ــ

ولو دار الأمر بين التفريج الفاحش والاعتماد ، أو بينه وبين ترك الاستقرار قدّما عليه (1)

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

   ودعوى أنّ هذه الهيئة أقرب إلى القيام فتجب بقاعدة الميسور ـ كما ترى ـ فانّها تشبه الاجتهاد في مقابلة النص ، إذ النصوص المتكاثرة قد دلت على أنّ وظيفة العاجز عن القيام إنّما هي الانتقال إلى الجلوس ، فايجاب هيئة ثالثة اجتهاد تجاه النص .

   على أنّ القاعدة غير تامة في نفسها كما مرّ مراراً ، ولو تمّت لم تنفع في المقام لما عرفت من دلالة النصوص على وجوب الصلاة جالساً لمن لم يتمكّن من القيام، والمفروض أنّ تلك الهيئة ليست بقيام، فلا جرم تنتقل الوظيفة إلى الصلاة عن جلوس .

   هذا كله فيما إذا دار الأمر بين القيام الاضطراري بأقسامه وبين الجلوس ، أي ترك أصل القيام وبين الاخلال ببعض القيود المعتبرة فيه ، وقد عرفت لزوم تقدّم القيام في الجميع ، وأمّا لو دار الأمر بين تقديم بعض القيود على البعض الآخر مع المحافظة على أصل القيام ، فسيأتي الكلام عليه في التعاليق الآتية من هذه المسألة .

   (1) فيما إذا كان التفريج المزبور مخلاً بصدق القيام ، لرجوع المسألة حينئذ إلى الدوران بين ترك القيام وبين ترك الاستقلال أو ترك الاستقرار ، وقد سبق (1) أنّ المتعيّن هو الثاني .

   وأمّا إذا لم يبلغ هذا الحد، بل كان عنوان القيام محفوظاً معه ، فالأمر بالعكس لما عرفت من عدم البأس بهذا النوع من التفريج حتى اختياراً ، ومعه لم يكن

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) في ص 204 .

ــ[208]ــ

أو بينه وبين الانحناء أو الميل إلى أحد الجانبين قدّم ما هو أقرب إلى القيام((1)) (1).

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ثمّة مسوغ للاخلال بشرطية الاستقلال أو الاستقرار .

   (1) الظاهر أنّ المستند في التقديم المزبور قاعدة الميسور ، ولكنّها مضافاً إلى عدم تماميتها في نفسها ، لا تصلح للاستناد إليها في المقام .

   وتوضيحه :  أ نّه قد يفرض صدق عنوان القيام على كل من طرفي الدوران أعني التفريج والانحناء أو الميل إلى الجانبين ، واُخرى صدقه على الأوّل خاصة وثالثة عكسه ، ورابعة عدم صدقه على شيء منهما . ولعل الأخير هو مراد الماتن (قدس سره) للتعبير بالأقربية إلى القيام الكاشف عن عدم كون شيء منهما مصداقاً للقيام .

   وكيف ما كان ، فلا ينبغي الشك في لزوم تقديم التفريج في الصورة الاُولى للمحافظة حينئذ على كل من القيام والانتصاب ، بخلاف عكسه للزوم الاخلال حينئذ بشرطية الانتصاب من غير مسوّغ .

   وأوضح حالاً من ذلك : الصورة الثانية ، فيتعين فيها تقديم التفريج بطريق أولى ، للزوم الاخلال في عكسه بشرطية الانتصاب مضافاً إلى أصل القيام فيختل الأمران معاً من غير أيّ معذّر ، بعد إمكان المحافظة عليهما بالتقديم المزبور. وبعبارة اُخرى: هذا التفريج يجوز حتى اختياراً بعد فرض صدق القيام عليه ، فكيف بما إذا كان تركه موجباً لترك القيام .

   نعم، يتجه العكس في الصورة الثالثة، لكونها من صغريات الدوران بين القيام والانتصاب ، وقد تقدّم أنّ مراعاة القيام أولى، فيصلي منحنياً أو مائلاً لا متفرّجاً .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) إذا صدق القيام على أحدهما فقط تعيّن ذلك، وإذا صدق على كليهما قدّم التفريج، وإذا لم يصدق على شيء منهما تعيّن الجلوس ، ويختلف ذلك باختلاف الموارد .

ــ[209]ــ

ولو دار الأمر بين ترك الانتصاب وترك الاستقلال قدّم ترك الاستقلال فيقوم منتصباً معتمداً (1) . وكذا لو دار بين ترك الانتصاب وترك الاستقرار قدّم ترك الاستقرار (2)

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

   وأمّا الصورة الرابعة :  فحيث إنّ المفروض فيها العجز عن القيام ، فلا جرم تتعيّن فيها الصلاة جالساً ، لما تقدّم من عدم الواسطة بينهما .

   هذا ما تقتضيه الصناعة حسبما بأيدينا من الأدلة الشرعية التي تعيّن الوظيفة الفعلية بحيث لا يبقى معها موضوع لقاعدة الميسور . فالقول إذن باختيار ما هو الأقرب إلى القيام يشبه الاجتهاد في مقابلة النص كما لا يخفى .

   (1) أمّا على القول بعدم وجوبه فالأمر ظاهر . وأمّا على القول بالوجوب فلاختصاص دليله ـ كما تقدم (1) ـ بصورة التمكن وعدم العجز والمرض ، بخلاف الانتصاب فانّ لسان دليله مطلق من هذه الجهة، فلا جرم يتقدم ، إذ مع المحافظة على الانتصاب لا يكون المكلف قادراً على الاستقلال فلا يجب بطبيعة الحال .

   (2) فانّ دليل اعتبار الاستقرار إن كان هو الاجماع فمن الواضح أنّ القدر المتيقن منه غير صورة الدوران وتعارضه مع الانتصاب ، فالمقتضي حينئذ قاصر في حد نفسه .

 وإن كان هو النص مثل قوله (عليه السلام) : «وليتمكن في الاقامة كما يتمكن في الصلاة» (2) فاللازم أيضاً تقديم الانتصاب ، لأظهرية دليله وهو قوله (عليه السلام): «من لم يقم صلبه فلا صلاة له»(3) في الاعتبار من دليل الاستقرار

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) في ص 189 .

(2) الوسائل 5 : 404 /  أبواب الأذان والاقامة ب 13 ح 12 .

(3) الوسائل 5 : 488 /  أبواب القيام ب 2 ح 1 .

ــ[210]ــ

ولو دار بين ترك الاستقلال وترك الاستقرار، قدّم الأوّل(1) فمراعاة الانتصاب أولى من مراعاة الاستقلال والاستقرار ، ومراعاة الاستقرار أولى من مراعاة الاستقلال .

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

حيث إنّه تضمّن نفي حقيقة الصلاة وماهيتها عمّن لم يقم صلبه المقيد طبعاً بصورة التمكن والقدرة الحاصلة في مفروض المسألة . وهذا بخلاف الاستقرار فانّ دليله دلّ على اعتباره بعد فرض صدق إسم الصلاة عليه ، على ما يقتضيه قوله (عليه السلام) «كما يتمكن في الصلاة» فغايته أ نّه ينتفي قيد من قيـودها أمّا ذاك الدليل فينفي صدق الاسم عن فاقد الانتصاب كما عرفت .

   وعلى الجملة :  أحد الدليلين ينفي موضوع الصلاة ، والآخر يثبت قيداً فيما صدق عليه إسم الصلاة . فلا جرم يتقدّم الأوّل .

   (1) أمّا بناءً على عدم وجوب الاستقلال في نفسه فالأمر ظاهر . وأمّا بناءً على القول بالوجوب فالتقدم المزبور لا يخلو عن الاشكال ، لأنّ دليل الوجوب وإن كان مختصاً بحال التمكن كما تقدم ، إلاّ أنّ المكلف في مفروض المسألة متمكن منه ، غايته أ نّه عاجز عن الجمع بينه وبين رعاية الاستقرار .

   فلا بدّ إذن من النظر في دليل الاستقرار ، فان كان هو الاجماع كما عن غير واحد ، فبما أ نّه دليل لبي يقتصر فيه على المقدار المتيقن ، وهو غير صورة الدوران ، ونتيجة ذلك تقديم الاستقلال على الاستقرار عكس ما أثبته في المتن .

   وإن كان هو النص على ما مرّ فتتحقق المعارضة طبعاً بين الدليلين بالاطلاق والنتيجة بعد التساقط هو التخيير ، دفعاً لكل من الخصوصيتين بالأصل ، لا رعاية الأمرين معاً بالاحتياط والتكرار كما عن بعضهم ، لعدم العلم الاجمالي بوجوب أحدهما لا بعينه ليكون من الشك في المكلف به ، لجواز أن يكون الحكم الواقعي حينئذ هو التخيير .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net