دوران الأمر بين الصلاة قائماً ماشياً أو جالساً 

الكتاب : المستند في شرح العروة الوثقى-الجزء الرابع : الصلاة   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 3885


ــ[238]ــ

   [ 1478 ] مسألة 18 : لو دار أمره بين الصلاة قائماً ماشياً أو جالساً فالأحوط التكرار
أيضاً ((1)) (1).

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

من هذا الجزء أو من ذاك ، فلا محالة يقع التعارض بين دليل الجزأين اللذين يتعذّر الجمع بينهما ، وبما أ نّهما بالاطلاق غالباً ، فيسقطان بعد التعارض ويرجع إلى الأصل العملي ، ومقتضاه البراءة عن كل من الخصوصيتين ، ونتيجة ذلك هو التخيير كما عرفت آنفاً .

   فاتضح من جميع ما مرّ أنّ الأقوى هو التخيير من غير فرق بين سعة الوقت وضيقه .

   (1) حكم (قدس سره) حينئذ بالتكرار كما في المسألة السابقة لاتحاد المبنى وهو ما عرفت من حديث العلم الاجمالي ، فجعل المسألتين من واد واحد ، لكن الظاهر الفرق ، فيحكم هناك بالتخيير على طبق القاعدة كما مرّ . وأمّا في المقام فيقدّم الصلاة ماشياً ، لأنّ المعارضة حينئذ بين دليل اعتبار القيام من قوله (عليه السلام) : «إذا قوي فليقم» (2) وبين دليل اعتبار الاستقرار .

   وعليه فان قلنا بأنّ مدرك الثاني هو الاجماع ، فتقديم الأوّل ظاهر ، لأنّ المتيقن منه غير المقام . وإن قلنا بأنّ مدركه رواية السكوني عن أبي عبدالله (عليه السلام) «أ نّه قال في الرجل يصلي في موضع ثم يريد أن يتقدم ، قال : يكفّ عن القراءة في مشيه حتى يتقدم إلى الموضع الذي يريد ثم يقرأ» (3) ، فان بنينا على ضعف الخبر فالأمر ظاهر أيضاً .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) وإن كان الأظهر تعين الصلاة قائماً ماشياً .

(2) الوسائل 5 : 495 /  أبواب القيام ب 6 ح 3 .

(3) الوسائل 6 : 98 /  أبواب القراءة في الصلاة ب 34 ح 1 .

ــ[239]ــ

   وإن بنينا على صحته كما هو الأقوى من جهة وقوع النوفلي في أسانيد تفسير القمي ، فقد يتوهم جريان التخيير المزبور حينئذ أيضاً ، باعتبار تساقط الدليلين بعد المعارضة، فيرجع إلى أصالة البراءة عن كل من الخصوصيتين فينتج التخيير .

   لكنه غير تام ، لعدم صلاحية هذه الرواية للمعارضة مع دليل اعتبار القيام فانّ موردها خاص بالمتمكن من القيام والاستقرار ، وإنّما يريد باختياره المشي والتقدم إلى مكان آخر لغاية ككونه أفضل ، كما قد يتفق في الحرم الشريف فيتقدم ليكون أقرب إلى الضريح المقدس مثلاً ، فحكم (عليه السلام) بالكف ولزوم مراعاة الاستقرار في مثل هذه الصورة ، فلا تدل على لزوم رعايته حتى في مثل المقام الذي لم يتمكن فيه من القيام لو أراد الاستقرار .

   وبالجملة :  لا تدل هذه الرواية على اعتبار الاستقرار حتى مع العجز عن القيام ، لأنّ موردها التمكن منه ، بخلاف دليل اعتبار القيام فانّ إطلاقه يشمل صورة العجز عن الاستقرار فهو المحكّم ، فلأجله يحكم بتقديم القيام في المقام وإن أخلّ بالاستقرار .

   وربما يستدل على هذا الحكم : برواية سليمان بن حفص المروزي قال : قال الفقيه (عليه السلام) «المريض إنّما يصلي قاعداً إذا صار بالحال التي لا يقدر فيها على أن يمشي مقدار صلاته إلى أن يفرغ قائماً» (1) .

   وكلمة «أن يمشي» بعد قوله «صار» الموجودة في الوسائل مستدرك، والصحيح حذفها كما في التهذيب (2) ، لإخلالها بالمعنى وعدم استقامتها كما لا يخفى .

   وكيف كان ، فقد قيل إنّ مفاد الرواية أنّ الانتقال إلى الصلاة جالساً إنّما هو

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 5 : 495 /  أبواب القيام ب 6 ح 4 .

(2) التهذيب 3 : 178 / 402 .

ــ[240]ــ

بعد العجز عن الصلاة ماشياً ، فلو دار الأمر بينهما قدّم الثاني وهو المطلوب .

   ويقع الكلام فيها تارة من حيث السند ، واُخرى من ناحية الدلالة .

   أمّا السند : فالظاهر أ نّه لا بأس به ، فانّ سليمان موثّق ، لا لتوثيق العلاّمة إيّاه(1) ، لما نراه من ضعف مبناه في التوثيق، فانّه يعتمد على كل إمامي لم يظهر منه فسق، اعتماداً على أصالة العدالة(2)، وهو كما ترى ، بل لوقوعه في أسانيد كامل الزيارات (3) .

   وأما الدلالة : فالظاهر أ نّها أجنبية عمّا نحن فيه من فرض الدوران ، وإنّما هي ناظرة إلى بيان حدّ المرض الذي ينتقل معه إلى الصلاة جالساً، وأ نّه يستعلم ذلك بالعجز عن المشي مقداراً من الزمان الذي يسع لوقوع الصلاة فيه قائماً كأربع دقائق مثلاً، فانّ المريض ربّما يقوم ويمشي لبعض حوائجه كقضاء الحاجة ونحوه ، فان رأى من نفسـه أ نّه يتمكن من المشي هذا المقدار كشف ذلك عن قدرته على الصلاة قائماً ، فانّ القدرة على المشي تستدعي القدرة على القيام بطريق أولى ، وإن رأى من نفسه العجز عن ذلك كشف عن العجز عن القيام فتنتقل الوظيفة حينئذ إلى الجلوس ، هذا هو ظاهر الرواية ، وهو كما ترى أجنبي عن محل الكلام .

   إلاّ أ نّه مع ذلك يجب رد علمها إلى أهله ، ضرورة أنّ العجز عن المشي مقدار الصلاة مستمراً كأربع دقائق مثلاً لا يلازم العجز عن الصلاة قائماً حتى يكون أمارة عليه وكاشفاً عنه ، لعدم اسـتمرار القيام في هذه المدّة حال الاشـتغال بالصلاة فانّه يركع ويسجد خلال ركعاتها فيمكث قليلاً في سجوده وقعوده

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) لم نعثر عليه .

(2) كما يظهر من الخلاصة : 66 / 86 ترجمة أحمد بن إسماعيل بن سمكة .

(3) ولكنه (دام ظله) عدل عنه أخيراً ، لعدم كونه من مشايخ ابن قولويه بلا واسطة .

 
 




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net