أدلّة وجوب قراءة الفاتحة في الأوّلتين - الأخبار الدالّة على وجوب السورة 

الكتاب : المستند في شرح العروة الوثقى-الجزء الرابع : الصلاة   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 5043


ــ[262]ــ

 فصل في القراءة

    يجب في صلاة الصبح والركعتين الأولتين من سائر الفرائض قراءة سورة الحمد (1) .

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

   (1) لا إشكال كما لا خلاف من أحد من المسلمين في وجوب قراءة القرآن في ركعتي الفجر، وكذا في الركعتين الأولتين من سائر الفرائض الثلاثية والرباعية كما اُشير إليه في الكتاب العزيز بقوله تعالى : (فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ )(1) الظاهر في الوجوب بعد الاتفاق على عدم الوجوب في غيرها .

   كما لا خلاف أيضاً في تعين تلك القراءة في سورة الحمد خاصة وقد قام عليه الاجماع والتسالم ، بل إنّ نقله مستفيض ، بل متواتر من الأصحاب ، بل من سائر فرق المسلمين ، إذ لم ينقل فيه خلاف معتدّ به ، بل لعله يعدّ من الواضحات والضروريات التي لا يعتريها شوب الاشكال .

   وتدل عليه أيضاً : سيرة المتشرعة بل المسلمين ، فانّ المعهود منهم والمتعارف بينهم خلفاً عن سلف الالتزام بقراءة فاتحة الكتاب في الصلوات . وهذه السيرة والالتزام منهم وإن لم تدل بمجرّدها على الوجوب ، لجواز الالتزام والمواظبة على بعض المستحبات في الصلاة ، كالتزام الخاصة وجريان سيرتهم على القنوت فيها ، فانّ السيرة عمل خارجي لا لسان له ، إلاّ أ نّها بعد ضمّها بطائفة من الروايات المصرّحة ببطلان الصلاة الفاقدة للقراءة ـ وإن لم يصرّح فيها بخصوص الحمد ـ تدل على الوجـوب ، فتلك تفسّر المراد من القراءة في

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) المزمّل 73 : 20 .

ــ[263]ــ

هذه وهذه تكشف عن أنّ ما قامت عليه السيرة واجب، فيعتضد إحداهما بالاُخرى .

   على أنّ بعضها مصرّحة بالحمد وببطلان الصلاة بتركها ، كصحيحة محمد بن مسلم وموثقة سماعة الآتيتين ، وإليك بعض تلك النصوص :

   فمنها :  صحيحة زرارة عن أحدهما (عليهما السلام) قال : «إنّ الله تبارك وتعالى فرض الركوع والسجود والقراءة سنّة ، فمن ترك القراءة متعمداً أعاد الصلاة ، ومن نسي فلا شيء عليه» وعن محمد بن مسلم مثله ، إلاّ أ نّه قال : «ومن نسي القراءة فقد تمّت صلاته ولا شيء عليه» (1) .

   ومنها :  صحيحة علي بن جعفر في كتابه عن أخيه موسى بن جعفر (عليه السلام) قال : «سألته عمّن ترك قراءة القرآن ما حاله ؟ قال : إن كان متعمداً فلا صلاة له ، وإن كان نسي فلا بأس» (2) . فهذه الأخبار تدل على وجوب القراءة وهي تنصرف إلى المتعارف المعهود التي هي فاتحة الكتاب كما عرفت .

   وتدل عليه أيضاً : الأخـبار المصرّحة بوجوب قراءة الحمد خاصـة وهي كثيرة .

   منها :  صحيحة حماد الواردة في بيان كيفية الصلاة بضميمة قوله (عليه السلام) في الذيل : «يا حمّاد هكذا صلّ» (3) الظاهر في الوجوب .

   ومنها :  صحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : «سألته عن الذي لا يقرأ بفاتحة الكتاب في صلاته ، قال : لا صلاة له إلاّ أن يقرأ بها في

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 6 : 87 /  أبواب القراءة في الصلاة ب 27 ح 1 ، 2 .

(2) الوسائل 6 : 88 /  أبواب القراءة في الصلاة ب 27 ح 5 .

(3) الوسائل 5 : 459 /  أبواب أفعال الصلاة ب 1 ح 1 .

ــ[264]ــ

وسورة كاملة ((1)) غيرها بعدها (1) .

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

جهر أو إخفات» (2) وهي وإن لم يصرح فيها بموضع القراءة ، لكنه معلوم من الخارج بالاجماع والضرورة والسيرة ، بل وصحيحة حماد كما مرّ .

   ومنها :  موثقة سماعة قال : «سألته عن الرجل يقوم في الصلاة فينسى فاتحة الكتاب ، قال : فليقل أستعيذ بالله من الشيطان الرجيم إنّ الله هو السميع العليم ثم ليقـرأها ما دام لم يركع ، فانه لا صلاة له حتى يقرأ بها في جهر أو إخفات فانّه إذا ركع أجزأه إن شاء الله تعالى» (3) ، ونحوها غيرها ، وهي كثيرة وإن كان أسانيد جملة منها لا تخلو من الضعف ، وفيما ذكرناه كفاية .

   (1) على المشهور شهرة عظيمة كادت تكون إجماعاً كما في الجواهر (4) ، بل عن غير واحد دعوى الاجماع عليه ، بل نسبته إلى المذهب .

   وعن جملة من القدماء منهم الديلمي عدم الوجوب(5) ، وقواه من المتأخرين صاحب المدارك (6) ، وتبعه بعض من تأخر عنه ، وإن كان القول بالوجوب بين المتأخرين أكثر وأشهر ، بل لعله من المتسالم عليه في الأعصار المتأخرة . وكيف ما كان ، فالمتبع هو الدليل .

   وقد استدلّ على الوجوب بطائفة من الأخبار :

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) على الأحوط .

(2) الوسائل 6 : 88 /  أبواب القراءة في الصلاة ب 27 ح 4 .

(3) الوسائل 6 : 89 /  أبواب القراءة في الصلاة ب 28 ح 2 .

(4) الجواهر 9 : 331 .

(5) المراسم : 69 .

(6) المدارك 3 : 347 .

ــ[265]ــ

   منها :  صحيحة عبيدالله بن علي الحلبي عن أبي عبدالله (عليه السلام) «قال : لا بأس بأن يقرأ الرجل في الفريضة بفاتحة الكتاب في الركعتين الأولتين إذا ما أعجلت به حاجة أو تخوّف شيئاً» (1) فانّ مفهومها ثبوت البأس وعدم جواز الاقتصار على فاتحة الكتاب عند الاختيار وعدم الاستعجال ، بل لا بدّ من ضمّ السورة معها .

   ونوقش فيها :  بأنّ هذا اللسان من البيان ـ أعني تعليق الحكم على عدم العجلة ـ ممّا يناسب الاسـتحباب جداً ، كما ورد نظيره في ترك الأذان من الأخبار المتضمّنة للأمر بالأذان والاقامة مع جواز الاقتصار على الثانية إذا بادر أمراً يخاف فوته ، كما في رواية ابي بصير وغيرها ممّا تقدّمت في محلها (2) .

   وفيه :  أنّ ظاهر الأمر المستفاد من مفهوم الشرط هو الوجوب في كلا المقامين وإنّما يرفع اليد عنه ويحمل على الاستحباب في باب الأذان لقيام الدليل الخارجي على جواز تركه كما تقدم في محله (3) . وحيث إنّ ذاك الدليل مفقود في المقام فلا مناص من الأخذ بظاهر الأمر .

   وأضعف من ذلك : ما عن صاحب الحدائق ، من دعوى أنّ ثبوت البأس أعم من التحريم (4) . إذ فيه : أنّ البأس لغة هو الشدة (5) المناسبة للمنع ، فهو ظاهر في الحرمة وعدم الجواز . كما أنّ عدم البأس ظاهر في الجواز ولا ينبغي التشكيك في ذلك .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 6 : 40 /  أبواب القراءة في الصلاة ب 2 ح 2 .

(2) شرح العروة 13 : 265 .

(3) شرح العروة 13 : 242 .

(4) الحدائق 8 : 122 .

(5) الصحاح 3 : 906 ، مجمع البحرين 4 : 50 .

ــ[266]ــ

   فالانصاف :  أنّ دلالة الصحيحة على الوجوب تامة . نعم ، يستفاد منها أنّ وجوب السورة ليس على حذو سائر الأجزاء، بل هي دونها في الاهتمام والعناية بشأنها ولذا يسقط وجوبها بمجرّد الاستعجال العرفي لأمر دنيوي أو اُخروي ولا يناط ذلك بالبلوغ حدّ الضرر أو العسر والحرج كما في سائر الواجبات وهذا المعنى غير قابل للانكار كما تشهد به سائر الأخبار ، لكنه لا ينافي أصل الوجوب ولزوم الاتيان بها عند عدم الاستعجال ، وإن كانت مرتبته ضعيفة كما لا يخفى .

   ومنها :  صحيحة عبدالله بن سنان عن أبي عبدالله (عليه السلام) «قال : يجوز للمريض أن يقرأ في الفريضة فاتحة الكتاب وحدها ، ويجوز للصحيح في قضاء صلاة التطوّع بالليل والنهار» (1) . فانّ التقييد بالمريض يدل على عدم جواز الاقتصار على الفاتحة في حال الصحة .

   واُورد عليه :  بأنّ مفهوم الوصف ليس بحجة ، ومن الجائز أن تكون النكتة في التعرض للمريض بخصوصه عدم تأكد الاستحباب في حقه .

   ويندفع :  بما حققناه في الاُصول (2) من ثبوت المفهوم له لا بالمعنى المصطلح أعني الانتفاء عند الانتفاء ، بل بمعنى عدم كون الطبيعي على إطلاقه وسريانه موضوعاً للحكم ، وإلاّ كان التقييد لغواً محضاً ، وعليه فتدل الصحيحة بمقتضى المفهوم على أنّ الموضوع لجواز الاقتصار على الفاتحة ليس هو مطلق المكلّفين وأنّ السورة واجبة على بعضهم في الجملة وهو المطلوب ، إذ لا ندعي وجوبها على الاطلاق ، ولذا ذكرنا آنفاً سقوطها لدى الاستعجال .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 6 : 130 /  أبواب القراءة في الصلاة ب 55 ح 1 .

(2) الذي حققه (دام ظله) في الاُصول حسما ضبطناه عنه وأثبته في المحاضرات ج 5 ص 127 هو اختصاص المفهوم بالوصف المعتمد على الموصوف دون غير المعتمد كما في المقام ، فانّه ملحق باللقب وخارج عن محل الكلام .

ــ[267]ــ

   ويؤيد ذلك ـ أعني عدم الوجوب على الاطلاق والسقوط في بعض الأحوال ـ ما في ذيل الصحيحة من جواز الاقتصار على الفاتحة أيضاً للصحيح في قضاء صلاة التطوع ... إلخ ، أي في النوافل الليلية والنهارية ، والمراد بالقضاء معناه اللغوي ، أعني مطلق الاتيان بالشيء دون المعنى المصطلح ، فانّ سقوط وجوب السورة عن النوافل تعم الأداء والقضاء كما هو ظاهر .

   ومنها :  صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبدالله (عليه السلام) «قال : من غلط في سورة فلـيقرأ قل هو الله أحد ثم ليركع» (1) فانّها لو لم تجب لجاز له الاقتصار على السورة المغلوط فيها فيكتفي بما أتى به ويترك الباقي ، ولم يكن وجه للأمر بقراءة سورة اُخرى ، الظاهر في الوجوب .

   ونوقش :  بأن تقييد السورة المعدول إليها بالتوحيد آية الاستحباب لعدم وجوبها بخصوصها قطعاً فيكون المراد انّ السورة الاُخرى تجزئ عن التي غلط فيها من غير دلالة لها على الوجوب بوجه .

   وفيه :  أنّ العدول من سورة ـ غير التوحيد والجحد ـ إلى اُخرى جائز مطلقاً ما لم يبلغ النصف ، وأمّا إذا تجاوزه فلا يجوز إلاّ إلى التوحيد بمقتضى هذه الصحيحة ، فغاية ما هناك تقييدها بصورة التجاوز عن النصف ، فيتجه التقييد بالتوحيد حينئذ ويجب العدول إليها خاصة ، عملاً بظاهر الأمر .

   ومنها :  صحيحة منصور بن حازم قال : «قال أبو عبدالله (عليه السلام) : لا تقرأ في المكتوبة بأقل من سورة ولا بأكثر» (2) فانّ النهي عن الأقل ظاهر في وجوب السورة الكاملة .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 6 : 110 /  أبواب القراءة في الصلاة ب 43 ح 1 .

(2) الوسائل 6 : 43 /  أبواب القراءة في الصلاة ب 4 ح 2 .

ــ[268]ــ

   وناقش فيها صاحب المدارك(1) سنداً تارة، ودلالة اُخرى. أمّا السند فبمحمد ابن عبدالحميد إذ لم يرد فيه توثيق، وأمّا الدلالة، فلأنّ النهي قد تعلّق بالتبعيض والقران وحيث قد ثبت من الخارج جواز القران فالنهي بالاضافة إليه تنزيهي لا محالة فيكون الحال كذلك في التبعيض ، وإلاّ لزم استعمال اللفظ الواحد في أكثر من معنى وهو غير جائز ، فغاية ما هناك كراهتهما ، وهذا لا يقـتضي إلاّ استحباب السورة الواحدة الكاملة لا وجوبها .

   والجواب :  أمّا عن السند فبما أفاده صاحب الحدائق (قدس سره) (2) وقد أجاد ، وحاصله : أنّ الطعن في السند غفلة نشأت عن الاقتصار على ملاحظة عبارة العلاّمة في الخلاصة التي هي عين عبارة النجاشي مع تقطيع ، بحيث لو لوحظت عبارة النجاشي لارتفعت الشبهة الناشئة عن التقطيع ، فانّ العلاّمة قال هكذا : محمد بن عبدالحميد بن سالم العطار أبو جعفر روى عبدالحميد عن أبي الحسن موسى (عليه السلام) وكان ثقة من أصحابنا الكوفيين انتهى (3) .

   وظاهر هذه العبارة رجوع التوثيق إلى الأب دون الابن ، كما نبّه عليه الشهيد في تعليقته(4) ، مع أنّ هذه العبارة بعينها مأخوذة عن النجاشي باضافة قوله بعد ذلك بلا فصل : له كتاب النوادر ... إلخ(5) ، فانّ مرجع الضمير المجرور هو محمد أعني الابن الذي هو المقصود بالترجمة ، حيث إنّ النجاشي لا يعنون إلاّ من له كتاب ، وعليه فوحدة السياق تقضي بأن يكون مرجع الضمير في قوله وكان ثقة ، هو الابن أيضاً ، فانّ التفكيك بين المرجعين خارج عن اُسلوب الكلام كما

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) المدارك 3 : 350 .

(2) الحدائق 8 : 119 .

(3) الخلاصة : 257 / 882 .

(4) تعليقة الشهيد الثاني على الخلاصة : 73 .

(5) رجال النجاشي : 339 / 906 .

ــ[269]ــ

لايخفى على الأعلام. فقوله: روى عبدالحميد  عن أبي الحسن موسى (عليه السلام) جملة معترضة ، وكم لها نظير في عبارات النجاشي .

   وبالجملة :  فتقطيع العلامة في النقل هو الذي أوقع صاحب المدارك وقبله الشهيد (قدس سره) في الاشتباه ، مع أنّ عبارة النجاشي كالصريحة في رجوع التوثيق إلى الابن (1) كما عرفت ، فالمناقشة من حيث السند ساقطة .

   وأمّا عن الدلالة ، فعلى فرض تسليم كراهة القران بين السورتين وعدم حرمته مع أ نّه محل الكلام، إنّما يتم ما ذكره بناءً على أن تكون الحرمة والكراهة وكذا الوجوب والاستحباب ، معنيين مختلفين للّفظ لغة ، وأمّا بناءً على ما هو التحقيق كما بيّناه في الاُصول (2) من عدم استعمال صيغة النهي وكذا الأمر إلاّ في معنى واحد ، وإنّما تستفاد الخصوصية من حكم العقل المنتزع من الاقتران بالترخيص في الفعل أو الترك وعدمه ، فلا مجال للاشكال أصلاً ، إذ النهي حينئذ لم يستعمل إلاّ في معنى واحد وهو طلب الترك ، وقد اقترن ذلك بالترخيص في الفعل من الخـارج بالاضـافة إلى القران ، ولم يقترن بالنسـبة إلى التبعيض فالالتزام بكراهة الأوّل وحرمة الثاني لا يستلزم الاستعمال في أكثر من معنى واحد بوجه .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) هكذا أفاده (دام ظله) في بحثه الشريف . ولكنه اختار في المعجم 10 : 297 / 6283 رجوع التوثيق إلى الأب مستظهراً ذلك من العطف بالواو في قوله «وكان ثقة إلخ» إذ لا جملة تامة قبل ذلك إلاّ جملة «روى عبدالحميد إلخ» فلا بدّ وان يكون عطفاً عليها . فلا توثيق للابن ، وان كان هو أيضاً موثقاً عنده لكونه من رجال كامل الزيارات كما صرح به في المعجم 17 : 221 / 11055 غير انّه (دام ظله) عدل عنه أخيراً لبنائه على اختصاص التوثيق بمشايخ ابن قولويه بلا واسطة ، فبحسب النتيجة تصبح الرواية ضعيفة .

(2) محاضرات في اُصول الفقه 2 : 131 .

ــ[270]ــ

   وقد يناقش في دلالة الصحيحة أيضاً : بأنّ النهي عن التبعيض لا يستدعي وجوب قراءة السورة ، بل غايته أ نّه على تقدير الشروع فيها لا يجعلها ناقصة بل يتمها ، كما لا يقارن بين سورتين ، فهي ناظرة إلى المنع عن قراءة بعض السورة ، وأين هذا من وجوب الاتيان بالسورة الذي هو محل الكلام .

   وهي كما ترى في غاية الضعف ، ضرورة أ نّه على تقدير عدم وجوب السورة فقراءة بعضها غير محرّمة قطعاً ، كيف وقراءة القرآن مندوب في جميع الأحوال . فلا يحتمل المنع عن قراءة البعض(1) بما هي كذلك إلاّ من جهة الاخلال بقراءة السورة الكاملة المستلزم لوجوبها ، فالنهي عن التبيعض في قوة الأمر بقراءة السورة الكاملة ، بل هو ظاهر فيه عرفاً كما لا يخفى .

   فالانصاف :  أنّ هذه الصحيحة قوية السند ظاهرة الدلالة على الوجوب .

   ومنها : صحيحة زرارة الواردة في المأموم المسبوق بركعتين قال (عليه السلام) فيها : «إن أدرك من الظهر أو من العصر أو من العشاء ركعتين وفاتته ركعتان قرأ في كل ركعة ممّا أدرك خلف إمام في نفسه باُم الكتاب وسورة ، فان لم يدرك السورة تامة أجزأته اُمّ الكتاب ... » إلخ(2) .

   فانّ الأمر بقراءة السورة مع الفاتحة ظاهر في الوجوب ، نعم لا نضايق من أ نّها سيقت لدفع توهم ضمان الإمام عن المأموم مطلقاً حتى المسبوق ، وأنّ

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) نعم ، لا يحتمل المنع تحريماً ، وأمّا تنزيهاً فلا دافع لاحتماله بعد تعلق النهي به في لسان الدليل . وبالجملة : النهي عن الأقل كما يحتمل أن يكون كناية عن لزوم الاتيان بسورة كاملة حسبما أفاده (دام ظلّه) كذلك يمكن أن يكون محمولاً على الكراهة بالمعنى المناسب للعبادة ، بل قد يعضده عطف النهي عن الأكثر المحمول عنده (دام ظله) عليها ، فيكون محصّل الصحيحة كراهة كل من القران والتبعيض .

(2) الوسائل 8 : 388 /  أبواب صلاة الجماعة ب 47 ح 4 .

ــ[271]ــ

الضمان خاص بالأولتين دون الأخيرتين ، لكنه لا ينافي ورود الأمر في مقام التشريع وظهوره في الوجوب كما ذكرناه . فلا وجه لدعوى وروده في مقام إبقاء مشروعية القراءة على ما هي عليه من الوجوب والاستحباب كما لا يخفى فتأمّل .

   هذه جملة الروايات التي يمكن الاستدلال بها على الوجوب . وقد عرفت أ نّها قوية سنداً ودلالة .

   وهناك روايات اُخرى اسـتدل بها عليه مع أ نّها غير صالحة للاسـتدلال للخدش في السند أو الدلالة على سبيل منع الخلو .

   فمنها :  صحيحة معاوية بن عمّار قال : «قلت لأبي عبدالله (عليه السلام) : إذا قمت للصلاة أقرأ بسم الله الرحمن الرحيم في فاتحة الكتاب ؟ قال : نعم ، قلت : فاذا قرأت فاتحة القرآن أقرأ بسم الله الرّحمن الرّحيم مع السورة ؟ قال : نعم»(1) .

   وفيه :  أ نّها واردة في مقام بيان الوجوب الشرطي ، أعني جزئية البسملة للسورة كجزئيتها للفاتحة . وليست في مقام بيان وجوب السورة بعد الفاتحة ولذا لم يصرح فيها بخصوص الفريضة ، مع اختصاص الحكم بها وعدم وجوبها في النافلة بلا إشـكال ، بل قد عرفت سقوطها عن الفريضـة أيضاً في موارد الاستعجال .

   ومنها :  صحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهما السلام) قال : «سألته عن الرجل يقرأ السورتين في الركعة ، فقال : لا ، لكل ركعة سورة» (2) .

   وقد رواها في الجواهر(3) عن العلاء ، وهو اشتباه منه أو من النسّاخ ، فانّ

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 6 : 58 /  أبواب القراءة في الصلاة ب 11 ح 5 .

(2) الوسائل 6 : 44 /  أبواب القراءة في الصلاة ب 4 ح 3 .

(3) الجواهر 9 : 334 .

ــ[272]ــ

علاء لم يرو بلا واسطة إلاّ عن الصادق (عليه السلام) دون الباقر إلاّ بواسطة محمد بن مسلم ، وهذه الرواية مروية عن أحدهما (عليهما السلام) فكلمة عن محمد بن مسلم ساقطة عن القلم جزماً وكيف كان ، فهذه أيضاً قاصرة الدلالة فانّها ناظرة إلى المنع عن القران ، وأ نّه لم تشرع لكل ركعة إلاّ سورة واحدة وأما أنّ التشريع بنحو الوجوب أو الاستحباب فليست الرواية بصدده .

   ومنها :  صحيحة محمد بن اسماعيل قال : «سألته : قلت أكون في طريق مكة فننزل للصلاة في مواضع فيها الأعراب أيصلى المكتوبة على الأرض فيقرأ أم الكتاب وحدها ، أم يصلى على الراحلة فيقرأ فاتحة الكتاب والسورة ؟ قال : إذا خفت فصلّ على الراحلة المكتوبة وغيرها ، وإذا قرأت الحمد والسورة أحبّ إليّ ، ولا أرى بالذي فعلت بأساً» (1) .

   تقريب الاستدلال : ما حكاه في الوسائل عن بعض المحققين ، من أ نّه لولا وجوب السورة لما جاز لأجله ترك الواجب من القيام وغيره ، إذ الواجب لا يزاحمه المستحب ، فمع دوران الأمر بين ترك القيام وبين ترك السورة كما هو مفروض الخبر كان المتعين هو الثاني ، دون التخيير الذي تضمنته الصحيحة فالحكم بالتخيير لا يستقيم إلاّ مع وجوب السورة .

   وفيه :  أ نّها على خلاف المطلوب أدلّ ، لما عرفت من أنّ السورة على تقدير وجوبها ليست على حد سائر الواجبات ، بل تسقط بأدنى شيء حتى مجرّد الاستعجال العرفي ، فمثلها لا تصلح للمزاحمة مع القيام الذي هو ركن ، أو دخيل في الركن ، وكذا الاستقبال والاستقرار حيث يلزم الاخلال بكل ذلك غالباً لو صلّى راكباً .

   وعليه فلا يمكن حمل الرواية على فرض الدوران بين الصلاة على المحمل

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 6 : 43 /  أبواب القراءة في الصلاة ب 4 ح 1 .

ــ[273]ــ

الفاقدة للقيام وما ذكر ، وبين الصلاة على الأرض الفاقدة لمجرّد السورة ، إذ حينئذ يتعين الثاني ، ولا مجال للتخيير بالضرورة .

   بل إنّ مفاد الصحيحة ـ كما لعلّه الظاهر منها ـ إنّك إذا خفت فصلّ على الراحلة، وإن لم تخف فعلى الأرض، كل ذلك على سبيل التعيين، وعلى التقديرين فالصلاة مع السورة أحب إليّ ، ولا أرى بالذي فعلته من ترك السورة بأساً ، وهذا كله كما ترى كالصريح في الاستحباب .

   ومنها :  رواية يحيى بن أبي عمران قال : «كتبت إلى أبي جعفر (عليه السلام) جعلت فداك ما تقول في رجل ابتدأ ببسم الله الرّحمن الرّحيم في صلاته وحده في اُمّ الكتاب ، فلما صار إلى غير اُمّ الكتاب من السورة تركها ؟ فقال العباسي ـ  أو العياشي كما في بعض النسخ  ـ ليس بذلك بأس ، فكتب بخطه : يعيدها مرتين (أي كرر لفظة يعيدها مرّتين) على رغم أنفه ـ يعني العباسي ـ »(1) ورواها في الكافي (2) والتهذيب والجواهر (3) عن يحيى بن عمران لا أبي عمران . وعلى التقديرين الرجل مجهول ، والرواية ضعيفة السند .

   وأمّا من حيث الدلالة فهي ظاهرة في الوجوب ، إذ الأمر بإعـادة الصلاة الكاشف عن بطلانها لا وجه له إلاّ الاخلال بالسورة المأمـور بها من أجل فقدها لجزئها وهي البسملة، فلولا وجوب السورة لما اتجه الأمر باعادة الصلاة .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 6 : 58 /  أبواب القراءة في الصلاة ب 11 ح 6 .

(2) الموجود في الكافي [ 3 : 313 / 2 ] بطبعتيه : يحيى بن أبي عمران ، وما في التهذيب [ 2 : 69 / 252 ] من حذف كلمة «أبي» سقط من قلم الشيخ أو النسّاخ ، كما نبّه (دام ظله) عليه في المعجم 21 : 30 / 13473 ، والرجل ثقة ، لكونه من رواة تفسير علي ابن ابراهيم . إذن فالرواية معتبرة وظاهرة الدلالة ، فينبغي ذكرها في عداد الطائفة السابقة .

(3) الجواهر 9 : 334 .

ــ[274]ــ

   ونوقش فيها :  بأنّ مرجع الضمير في قوله (عليه السلام) «يعيدها» هي السورة دون الصلاة ، والمراد بيان جزئية البسملة للسورة ، وأنّ الفاقدة للبسملة لا تجزئ عن السورة المأمور بها ، سواء أكان الأمر وجوبياً أم استحبابياً .

   وفيه :  أنّ عود الضمير إلى السورة بعيد غايته ومخالف للظاهر جداً ، فانّ المسؤول عنه قضية خارجية استفتى عنها العباسي أوّلاً ثم الإمام (عليه السلام) فحكم بخلافه ، وكل ذلك بطبيعة الحال بعد فراغ المصلي عن صلاته ، لا حين الاشتغال بها كي يتجه الأمر باعادة السورة خاصة ، فلا يمكن التدارك بعد فرض وجود الخلل لترك البسملة عن السورة عمداً إلاّ باعادة الصلاة رأساً كما لا يخفى . ومنه تعرف ضعف احتمال عود الضمير إلى البسملة .

   وبالجملة :  فالدلالة ظاهرة غير أنّ السـند ضعيف كما عرفت ، فلا تصلح للاستدلال .

   ومنها :  صحيحة الحلبي عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : «إذا افتتحت صلاتك بقل هو الله أحد وأنت تريد أن تقرأ بغيرها فامض فيها ولا ترجع إلاّ أن تكون في يوم الجمعة فانّك ترجع إلى الجمعة والمنافقين منها» (1) فانّ الأمر بالمضي ظاهر في وجوب الاتيان بالسورة .

   وفيه :  أ نّها في مقام بيان عدم جواز العدول من التوحيد إلى سورة اُخرى في غير يوم الجمعة ، لا في مقام بيان وجوب السورة ، بل إنّ هذا الحكم ثابت حتى لو كانت مستحبة ، وأ نّه لو شرع في التوحيد لا يجوز له العدول إلى غيرها فالأمر بالمضي كناية عن عدم العدول لا عن أصل الوجوب كما لا يخفى .

   ومنها :  غير ذلك ممّا هو ضعيف سنداً أو دلالة ، فلا حاجة للتعرض إليها . والعمدة منها ما ذكرناه أوّلاً مما كانت قوية سنداً ودلالة .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 6 : 153 /  أبواب القراءة في الصلاة ب 69 ح 2 .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net