مناط صدق القراءة - الافراط في الجهر - القراءة في المصحف 

الكتاب : المستند في شرح العروة الوثقى-الجزء الرابع : الصلاة   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 4113


ــ[403]ــ

   [ 1519 ] مسألة 27 : المناط في صدق القراءة قرآناً كان أو ذكراً ، أو دعاءً ما مرّ (1) في تكبيرة الإحرام ، من أن يكون بحيث يسمعه نفسه تحقيقاً أو تقديراً بأن كان أصم أو كان هناك مانع من سماعه ، ولا يكفي سماع الغير الذي هو أقرب إليه من سمعه .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

عدم التقييد في كل منهما معارض بالآخر ، فلا مناص من ترك هذا النوع من القراءة رأساً، رعاية لتنجيز العلم الاجمالي واختيار غيره ، تحصيلاً للقطع بالفراغ عن عهدة التكليف المعلوم .

   (1) قد مرّ بعض الكلام في مبحث التكبير ، وتوضيح المقام يستدعي التكلّم تارة في كفاية سماع الغير في صدق القراءة وإن لم يسمعه نفسه ، كما لو كان الغير أقرب إليه من سمعه ، وعدم الكفاية بل لا بدّ من سماع نفسه ، ولو تقديراً كما لو كان أصم أو كان هناك مانع خارجي عن السماع . واُخرى في أ نّه على تقدير الكفاية فهل يجزئ ذلك في امتثال الأمر بالقراءة في الصلاة أو لا ؟ فهنا جهتان :

   أمّا الجهة الاُولى :  فعلى تقدير تسليم الفرض وتحققه خارجاً ـ مع أ نّه محل تأمل بل منع ، إذ بعد تحقق الصوت وتموّج الهواء فهو يسمع لا محالة كما يسمعه غيره ولا نعقل التفكيك ـ فلا ينبغي الريب في صدق الكلام والقراءة عليه ، ولذا لو تكلم بمثل ذلك وكان من كلام الآدمي بطلت صلاته بلا إشكال ، إذ لم يعتبر في مفهوم الكلام ولا في مصداقه إسماع النفس ، وهذا ظاهر .

 وأمّا الجهة الثانية :  فالظاهر ـ كما عليه المشهور ـ عدم الاجتزاء بمثل ذلك في الصلاة وإن صدق عليه عنوان القراءة ، للنصوص الكثيرة الناهية عن ذلك التي منها صحيحة زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) «قال: لا يكتب من القراءة والدعاء إلاّ ما أسمع نفسه»(1) ، وموثقة سماعة قال: «سألته عن قول الله عزّ وجلّ:

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 6 : 96 /  أبواب القراءة في الصلاة ب 33 ح 1 .

ــ[404]ــ

   [ 1520 ] مسألة 28: لا يجوز من الجهر ما  كان مفرطاً خارجاً عن المعتاد(1) كالصياح ، فان فعل فالظاهر البطلان .

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(وَلاَ تَجْهَر بِصَلاتِكَ وَلاَ تُخافِت بها ) ؟ قال : المخافتة ما دون سمعك ، والجهر أن ترفع صوتك شديداً»(1) ونحوهما غيرهما فلاحظ .

   نعم ، بإزائها صحيحة علي بن جعفر قال : «سألته عن الرجل يصلح له أن يقرأ في صلاته ويحرّك لسانه بالقراءة في لهواته من غير أن يسمع نفسه؟ قال : لا بأس أن لا يحرّك لسانه يتوهم توهماً» (2) فانّها صريحة في عدم اعتبار سماع النفس، بل الاكتفاء بمجرّد التوهّم وحديث النفس، لكنّها مخالفة للكتاب والسنّة إذ مرجعها إلى عدم اعتبار القراءة في الصلاة فيخالفها قوله تعالى : (فَاقْرَءُوا ما تَيَسَّرَ مِنهُ )(3) وكذا الأخبار الكثيرة الآمرة بقراءة الفاتحة في الصلاة أو هي مع سورة اُخرى ، فلا بدّ من طرحها أو ردّ علمها إلى أهله .

   وعن الشيخ حملها على من يصلي خلف من لا يقتدى به (4) ، وهو وإن كان بعيداً في نفسه جدّاً ، لظهور الصحيحة في حال الاختيار دون التقية والاضطرار إلاّ أ نّه لا بأس به (5) حذراً عن طرحها رأساً .

 (1) بلا خلاف فيه ، للأخبار الكثيرة الناهية عن ذلك الواردة في تفسير الآية المباركة : (وَلاَ تَجْهَر بِصَلاتِك )(6) كموثقة سماعة وصحيحة عبدالله بن

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 6 : 96 /  أبواب القراءة في الصلاة ب 33 ح 2 .

(2) الوسائل 6 : 97 /  أبواب القراءة في الصلاة ب 33 ح 5 .

(3) المزمل 73 : 20 .

(4) التهذيب 2 : 97 / 365 .

(5) وقد دلّ بعض النصوص على جواز ذلك في هذه الحالة ، راجع الوسائل 8 : 363 /  أبواب صلاة الجماعة ب 33 .

(6) الإسراء 17 : 110 .

ــ[405]ــ

   [ 1521 ] مسألة 29 : من لا يكون حافظاً للحمد والسورة يجوز أن يقرأ في المصحف ، بل يجوز ذلك للقادر الحافظ أيضاً على الأقوى (1) .

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

سنان وغيرهما (1) وهذا ممّا لا إشكال فيه ، وحيث إنّ ظاهر النهي الارشاد إلى المانعية فالظاهر البطلان كما اُفيد في المتن .

   (1) أمّا مع العجز فلا إشكال في الجواز حتى مع التمكن من الائتمام ، لاطلاق الأدلة كما هو ظاهر ، بل لا خلاف فيه وعليه الاجماع في كثير من الكلمات ، إنّما الكلام في جواز ذلك مع القدرة والتمكن من القراءة عن ظهر القلب كما يتفق كثيراً أنّ المصلي ربما يحب أن يقرأ سورة طويلة لا يحفظها مع تمكنه من قراءة طبيعي السورة عن ظهر القلب، فعن غير واحد هو الجواز أيضاً لاطلاق الأدلّة .

   وذهب جمع آخرون إلى المنع ويستدل له بوجوه :

   الأول :  دعوى الانصراف . وفيه :  ما لا يخفى بل هو ممنوع جداً ، فانّ القراءة من المصحف أيضاً مصداق للقراءة ، ولذا لو قرأ الخطيب خطبة من كتاب نهج البلاغة ، أو رواية من كتاب الوسائل ، أو قصيدة مكتوبة يتحقق في الجميع عنوان القراءة ، ويصدق الامتثال لو كان مأموراً بشيء ممّا ذكر ، إذ لا يعتبر في مفهومها ظهر القلب بلا إشكال .

   الثاني :  التأسي بالنبي والمعصومين (عليهم السلام) إذ لم يعهد عنهم القراءة في الصلاة من المصحف. وفيه : مضافاً إلى ضعف دليل التأسي، وأنّ فعلهم لايكشف عن الوجوب كما مرّ غير مرّة، أ نّهم (عليهم السلام) حافظون للقرآن ومستغنون عن القراءة في المصحف فلا يقاس بهم غيرهم .

   الثالث : قاعدة الاشتغال للشك في الامتثال لو قرأ عن المصحف ، والاشتغال

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 6 : 96 /  أبواب القراءة في الصلاة ب 33 ح 2 ، 3 .

ــ[406]ــ

اليقيني يستدعي الفراغ كذلك ، ولا يحصل إلاّ بالقراءة عن ظهر القلب .

   وفيه :  مضافاً إلى أ نّه لا مجال للتمسّك بالأصل بعد إطلاق الدليل ، أنّ مقتضاه البراءة ، للشك في حدوث تكليف زائد كما هو الشأن في موارد الدوران بين الأقل والأكثر الارتباطي .

   الرابع :  خبر ابن جعفر عن أخيه موسى (عليه السلام) قال : «سألته عن الرجل والمرأة يضع المصحف أمامه ينظر فيه ويقرأ ويصلي ، قال : لا يعتد بتلك الصلاة» (1) . وفيه :  أنّ الدلالة وإن كانت تامة لكنه ضعيف السند بعبدالله بن الحسن ، وليست في المقام شهرة على المنع حتى يدعى انجباره بالعمل لو سلّم كبرى الإنجبار ، فلا يمكن الاستدلال به .

   الخامس :  أنّ القراءة من المصحف مكروه إجماعاً ، ولا شيء من المكروه بواجب لتضاد الأحكام بأسرها .

   ويردّه أوّلاً :  أنّ المكروه إنّما هو النظر في المصحف لكونه شاغلاً ومانعاً عن حضور القلب في الصلاة لا نفس القراءة وإن استلزمته ، فاختلف مورد الوجوب عن الكراهة ولم يردا على محل واحد .

   وثانياً :  لو سلّم كراهة القراءة نفسها فلا ينافي ذلك اتصافها بوقوعها مصداقاً للواجب ، لعدم تعلق الوجوب بشخص تلك القراءة حتى تتحقق المنافاة ، بل الواجب طبيعي القراءة الجامع بين كونها في المصحف أو عن ظهر القلب ، ولا مانع من انطباق الطبيعي على الفرد المكروه ، إذ كل مكروه فهو مرخّص فيه غايته أن يكون فرداً مرجوحاً وثوابه أقل من غيره ، كما هو الحال في سائر العبادات المكروهة .

   فلا منافاة بين وجوب الطبيعي وكراهة الفرد ، وإنّما التنافي بينه وبين حرمته

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 6 : 107 /  أبواب القراءة في الصلاة ب 41 ح 2 .

ــ[407]ــ

إذ مقتضى إطلاق الأوّل الترخيص في التطبيق حتى على هذا الفرد ، ومقتضى الثاني عدمه ، فلا مناص في مثله عن الالتزام بالتخصيص ، وأنّ دائرة المأمور به مقيدة بعدم انطباقها على هذا الفرد ، وهذا بخلاف المكروه لما عرفت من اشتماله على الترخيص فلا ينافي الاطلاق .

   السادس :  خبر عبدالله بن أوفى «إنّ رجلاً سأل النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فقال : إنّي لا أستطيع أن أحفظ شيئاً من القرآن فماذا أصنع ؟ فقال (صلّى الله عليه وآله وسلّم) له : قل سبحان الله والحمد لله» (1) فلو جازت القراءة من المصحف لأمره بذلك .

   ولا يخفى أنّ هذا من أردأ أنحاء الاستدلال ، إذ فيه : أوّلاً :  أنّ الرواية عامية ولم ترد عن طرقنا فهي ضعيفة السند . وثانياً :  أنّ موردها ليست القراءة في الصلاة التي هي محل الكلام ، بل قراءة مطلق القرآن ، فهي أجنبية عمّا نحن فيه .

   وثالثاً : أنّ موردها صورة الاضطرار، ويجوز فيها القراءة في المصحف إجماعاً.

   ورابعاً :  أنّ سياقها يشهد أنّ السائل عامّي محض لا يستطيع القراءة في المصحف فلا يمكن أمره بذلك ، فلا يقاس عليه من يتمكن منها الذي هو محل الكلام .

   وقد ظهر من جميع ما ذكرنا : أنّ الأقوى هو جواز القراءة في المصحف حتى مع الاختيار ، لاطلاق أدلة القراءة وعدم نهوض ما يوجب التقييد .

   هذا ، وربما يستدل للجواز برواية الحسن بن زياد الصيقل قال : «قلت لأبي عبدالله (عليه السلام) : ما تقول في الرجل يصلي وهو ينظر في المصحف يقرأ فيه يضع السراج قريباً منه ؟ فقال : لا بأس بذلك» (2) .

 ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) سنن البيهقي 2 : 381 ، سنن أبي داود 1 : 220 / 832 .

(2) الوسائل 6 : 107 /  أبواب القراءة في الصلاة ب 41 ح 1 .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net