حكم الجاهل المقصّر في تعلّم القراءة 

الكتاب : المستند في شرح العروة الوثقى-الجزء الرابع : الصلاة   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 3839


   وأمّا العاجز المقصّر الذي ترك التعلم مع قدرته عليه عالماً عامداً حتى ضاق الوقت ، فالكلام فيه يقع في مقامين ، أحدهما : ما إذا لم يتمكن من الائتمام . وثانيهما : مع التمكن منه .

   أمّا المقام الأوّل ، فقد ذهب بعضهم إلى سقوط الأداء حينئذ وتعيّن القضاء، إذ الواجب هي الصلاة عن قراءة صحيحة وكان متمكناً منها وضيّعها على نفسه بتقصيره في التعلم بسوء اختياره، ولا دليل على الانتقال إلى البدل، لاختصاص أدلّة البدلية بالعاجز القاصر وانصرافها عن المقصّر ، كما لا دليل على الاجتزاء بالناقص بقاعدة الميسور لعدم تماميتها ، فلا مناص عن الالتزام بسقوط الصلاة


ــ[415]ــ

والانتقال إلى القضاء .

   وذكر المحقق الهمداني (قدس سره) (1) في بعض موارد الاضطرار : أنّ القاعدة تقتضي ذلك ، أي سقوط الأداء في كافة التفويتات الاختيارية ، فلو أراق الماء عمداً فقد فوّت على نفسه الصلاة الاختيارية ، ولا دليل في مثله على الانتقال إلى التيمم ، لانصراف دليل البدل إلى العجز القهري لا الاختياري العمدي ، نعم مقتضى دليل عدم سقوط الصلاة بحال لزوم الانتقال إلى البدل وبذلك يخرج عن مقتضى القاعدة ، غير أ نّه قد تردد في شمول هذا الدليل لمثل المقام من جهة التشكيك في مفاده ، لاحتمال أن يراد بالحالة الحالات الطارئة على المكلّف بحسب طبعه من مرض أو سفر ونحوهما دون حال العصيان ، فمن الجائز أن لا يشمل حال التفويت الاختياري ، ومن هنا ذكر أنّ الأحوط في أمثال المقام الجمع بين الأداء والقضاء عملاً بالعلم الاجمالي .

   وهذا القول ـ أعني سقوط الأداء ـ وجيه لولا قيام الدليل على عدم سقوط الصلاة بحال ، فانّه وإن لم يرد بلفظه في دليل معتبر لكن مضمونه مستفاد ممّا ورد في أخبار المستحاضة كقوله (عليه السلام) في صحيحة زرارة «ولا تدع الصلاة بحال»(2) للقطع بعدم خصوصية للمستحاضة في هذا الحكم ، ولا ينبغي الريب في شمول الحال لمثل المقام فانّه من جملة الأحوال ، والتشكيك المزبور لم نعرف له وجهاً صحيحاً ، فلا مانع من التمسك بالاطلاق بعد صدق اسم الصلاة على الفاقد للقراءة ، لعدم تقوّمها بأكثر من الركوع والسجود والطهور .

   فالمتعيّن هو الأداء فقط دون القضاء ، إذ لا ينتهي الأمر إليه بعد تعيّن الوظيفة في الوقت ، المانع من صدق الفوت الذي هو موضوع القضاء ، ودون الجمع ، إذ لا تصل النوبة إلى العلم الاجمالي كما هو ظاهر .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) مصباح الفقيه (الصلاة) : 278 السطر 10 .

(2) الوسائل 2 : 373 /  أبواب الاستحاضة ب 1 ح 5 .

ــ[416]ــ

   وأمّا المقام الثاني :  فهل يجب الائتمام مع التمكن منه ؟

   يقع الكلام تارة في الوجوب التكليفي ، واُخرى في الوجوب الوضعي .

   أمّا الأوّل :  فقد احتاط فيه في المتن وإن لم يصرّح بالتكليفي وقد جزم (قدس سره) به في أوائل أحكام الجماعة ، حيث ذكر أ نّها مستحبة لكنها تجب في موارد وعدّ المقام فيها .

   وربما يقال :  بعدم الوجوب ، استناداً إلى أصالة البراءة ، بناءً على أنّ الائتمام مسقط كما هو الصحيح لا أ نّه عدل للواجب التخييري ، فانّ الأمر بالقراءة ساقط ولو بالتعذر المستند إلى التقصير ، وإيجاب المسقط يحتاج إلى الدليل وحيث لا دليل فيدفع بأصالة البراءة ، ويقتصر على المقدار الممكن .

   وربما يستدل عليه أيضاً : بصحيحة عبدالله بن سنان قال : «قال أبو عبدالله (عليه السلام) : إنّ الله فرض من الصلاة الركوع والسجود ، ألا ترى لو أنّ رجلاً دخل في الاسلام لا يحسن أن يقرأ القرآن أجزأه أن يكبّر ويسبّح ويصلي» (1) حيث إنّ مقتضى إطلاقها أنّ غير المتمكن من القراءة يجزئه التسبيح وإن كان متمكناً من الائتمام ، فيظهر أنّ القراءة ليست من المقوّمات وإنّما المقوّم للصلاة الركوع والسجود كما صرّح بهما في صدر الصحيحة ، وكذا الطهور كما يظهر من بعض الأخبار .

   والجواب :  أمّا عن الصحيحة ، فبأنّ القراءة وإن لم تكن مقوّمة لكنها من أجزاء الصلاة وواجبة مع التمكن بلا إشكال ، لقوله (عليه السلام) «لا صلاة إلاّ بفاتحة الكتاب»(2) ، والمفروض في المقام التمكن من تعلمها فتجب لا محالة ، غير أنّ المكلف فوّتها على نفسه بتقصيره وسوء اختياره فكيف تشمله هذه الصحيحة

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 6 : 42 /  أبواب القراءة في الصلاة ب 3 ح 1 .

(2) عوالي اللآلي 1 : 196 / 2، المستدرك 4 : 158 /  أبواب القراءة في الصلاة ب1 ح5.

ــ[417]ــ

التي موردها العاجز القاصر الذي لا يقدر على التعلم كما هو ظاهر قوله (عليه السلام) : «لو أنّ رجلاً دخل في الاسلام ... » إلخ حيث إنّ المنسبق منه أنّ عدم إحسانه للقراءة لكونه جديد عهد بالاسلام فمنصرفه العجز القصوري الذي هو أجنبي عن محل الكلام .

   وأمّا عن الأصل ، ففيه : أنّ البراءة غير جارية في المقام ، إذ موردها الشك في التكليف ، ولا شك أ نّه كان مكلفاً بالصلاة مع القراءة لفرض قدرته على التعلم ، فهو مستحق للعقاب على تفويته الاختياري جزماً . نعم ، في وسعه دفع العقاب بالائتمام ، إذ لم يفت عنه حينئذ شيء ، فلا جرم يستقل به العقل فراراً عن العقاب المقطوع استحقاقه لا المحتمل ، لما عرفت من أ نّه كان قادراً ولم يتعلّم بسوء اختياره إلى أن ضاق الوقت ، فهو يعاقب لا محالة على تركه للمرتبة الراقية والصلاة الاختيارية .

   وعلى الجملة : فالائتمام وإن لم يكن واجباً في نفسه شرعاً بعد فرض كونه مسقطاً لا عدلاً للواجب التخييري كما هو مبنى الكلام ، إلاّ أنّ العقل يستقل بوجوبه دفعاً للعقاب المقطوع استحقاقه ، ومعه كيف يسوغ تركه رأساً استناداً إلى أصالة البراءة .

   فتحصّل :  أنّ وجوب الائتمام تكليفاً ممّا لا ينبغي الارتياب فيه .

   وأمّا الثاني :  فالظاهر عدمه ، لأصالة البراءة عن تقيّدها به ، فانّه قيد زائد يشك في اعتباره في المأمور به فيدفع بالأصل ، بناءً على ما هو الصحيح من الرجوع إلى البراءة في الأقل والأكثر الارتباطي ، فلو لم يأتم صحّت صلاته وإن كان آثماً ، ومن الواضح عدم المنافاة بين الوجوب تكليفاً وعدمه وضعاً ، فالمقام نظير ما لو نذر أن يأتي بالفريضة جماعة ، فلو حنث وصلى منفرداً صحت صلاته وإن كان عاصياً .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net