الانكساف ببعض الكواكب الاُخرى - وقت صلاة الكسوفين 

الكتاب : المستند في شرح العروة الوثقى-الجزء السادس : الصلاة   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 4895


ــ[14]ــ

وغير ذلك من الآيات المخوّفة عند غالب الناس. ولا عبرة بغير المخوّف من هذه المذكورات (1)، ولا بخوف النادر (2)، ولا بانكساف أحد النيّرين ببعض الكواكب الذي لا يظهر إلا للأوحدي من الناس (3)،

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

لمكان دعوى الإجماع وبعض الأخبار، على إشكال فيهما قد تقّدم(1) .

   (1) لاختصاص الدليل إمّا بالمخوّف أو بما لا يعمّ غيره حسبما تقدّم، فيرجع في غيره إلى الأصل.

   (2) لانصراف النصوص عنه.

   (3) فلا تجب الصلاة إلاّ بحيلولة الأرض بين القمر والشمس كما في الخسوف، أو حيلولة القمر بين الشمس والأرض كما في الكسوف، ولا عبرة بسائر الكواكب، لانصراف الأدلّة عنها، هذا.

   والتحقيق أن يقال: أمّا في الخسوف فالفرض المزبور لا واقع له، إذ لا يوجد كوكب يكون أقرب إلى الأرض من القمر لتفرض حيلولته بينهما، إلاّ أنّه على فرض تحقّقه ولو على سبيل الإعجاز شملته النصوص ووجبت الصلاة، إذ الموضوع خسوف القمر، والذي يفهمه العرف من هذه الكلمة هو رؤية جرمه فاقداً للنور، وأمّا أنّ العلّة في ذلك هل هي حيلولة الأرض بينه وبين الشمس أو شيء آخر فهو أمر لا يدركه عامّة الناس، سيما من كان منهم في عصر صدور هذه الأخبار، وإنّما هو شيء يختصّ به الفلكيّون وأرباب فن الهيئة. إذن فمتى صدق الخسوف وبأي سبب تحقّق وجبت الصلاة بمقتضى إطلاق الأدلّة.

   وأمّا في الكسوف فلا مانع من فرض كوكب آخر غير القمر يحول بين الأرض والشمس كالزهرة وعطارد، حيث إنّهما واقعتان بينهما، فيمكن أن تحجبا نورها ويتشكّل من ذلك كسوف يراه بعض سكنة الأرض ممّن يقع في نقطة تقابل مركز الزهرة مثلا المقابلة لنقطة مركز الشمس.

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) في ص 8 فما بعدها.

ــ[15]ــ

وكذا بانكساف بعض الكواكب ببعض (1) إذا لم يكن مخوفاً للغالب من الناس (2). وأمّا وقتها ففي الكسوفين هو من حين الأخذ إلى تمام الانجلاء على الأقوى، فتجب المبادرة إليها بمعنى عدم التأخير إلى تمام الانجلاء، وتكون أداء في الوقت المذكور(3).

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

   إلاّ أنّ مثل ذلك لا يستوجب الصلاة، لعدم ظهوره إلاّ للأوحدي من أصحاب المراصد الفلكية، ولا تعرفه عامّة الناس، لمكان صغر الكوكب الناشئ من بعده المفرط. ومن الواضح أنّ موضوع الحكم إنّما هو الكسوف المرئي لعامّة الناس بحيث تشاهده آحادهم العاديون، نعم لو تحقّق ذلك بحيث أصبح مرئياً لهم ولو من طريق الإعجاز بحيث صدق عندهم الكسوف وجبت الصلاة كما عرفته في الخسوف.

   (1) لخروجه عن منصرف النصوص.

   (2) أمّا إذا كان مخوفاً وجبت الصلاة حينئذ، لا لمكان الكسوف، بل لما تقدّم(1) من وجوبها لعامة الأخاويف السماوية.

   (3) لا شبهة في عدم وجوب الصلاة قبل حصول الكسوفين، لعدم الأمر بها قبل حصول موجبه، فلو صلّى ثمّ حصل لم يسقط عنه التكليف حتّى لو كان معتقداً ذلك وبان خلافه، لأنّ سقوط المأمور به بغيره يحتاج إلى الدليل ولا دليل، بل الحال كذلك حتّى لو دخل الوقت في الأثناء، لاعتبار الوقت في تمام الأجزاء بالأسر.

   والالتزام بالصحّة في الفرائض اليوميّة إنّما هو لأجل النص الذي لا ينبغي التعدّي عن مورده بعد كونه على خلاف القاعدة، بل لا نلتزم به حتّى في مورده لضعفه حسبما تقدّم في محلّه(2) .

   وعلى الجملة: لا ينبغي التأمّل في أنّ صلاة الكسوفين من الفرائض الموقّتة

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) في ص 11.

(2) شرح العروة 11: 381.

ــ[16]ــ

المحدودة بما بين الحدّين، لا يجوز تقديمها على الوقت، كما لا يجوز تأخيرها عنه على ما دلّت عليه صريحاً صحيحة جميل المتقدّمة المتضمّنة لبيان الوقت(1) وكذلك النصوص الأمرة بالقضاء لدى احتراق القرص حتّى مع الجهل(2) الكاشفة عن أنّ لهذه الصلاة أداءً وقضاءً المساوق للتوقيت بطبيعة الحال، وهذا كلّه مما لا خلاف فيه ولا إشكال.

   وإنّما الكلام في تحديد الوقت من ناحية المبدأ تارة والمنتهى اُخرى، فهنا جهتان:

   الجهة الاُولى: في التحديد من ناحية المبدأ، ولا إشكال كما لا خلاف في أنّه الشروع في الانكساف أو الانخساف، وتدلّ عليه جملة من الأخبار.

   منها: صحيحة جميل - المتقدّمة - عن أبي عبد الله (عليه السلام) «قال: وقت صلاة الكسوف في الساعة التي تنكسف عند طلوع الشمس وعند غروبها...» الحديث(3) .

   ومنها: صحيحة أبي بصير قال: «انكسف القمر وأنا عند أبي عبد الله (عليه السلام) في شهر رمضان فوثب وقال: إنّه كان يقال: إذا انكسف القمر والشمس فافزعوا إلى مساجدكم»(4) .

   فانّ الفزع إلى المساجد كناية عن الصلاة، وقد اُمر بها بمجرد الانكساف.

 ومنها: رواية بريد ومحمّد بن مسلم عن أبي جعفر وأبي عبد الله (عليهما السلام) «قالا: إذا وقع الكسوف أو بعض هذه الآيات فصلّها ...» إلخ(5) . ولكنّك عرفت(6) أنّها ضعيفة السند، فلا تصلح إلاّ للتأييد. والعمدة ما عرفت

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 7: 483 / أبواب صلاة الكسوف والآيات ب 1 ح 1.

(2) الآتية في ص 42 وما بعدها.

(3) الوسائل 7: 488/ أبواب صلاة الكسوف والآيات ب 4 ح 2.

(4) الوسائل 7: 491/ أبواب صلاة الكسوف والآيات ب 6 ح 1.

(5) الوسائل 7: 491/ أبواب صلاة الكسوف والآيات ب 5 ح 4.

(6) في ص 10.

ــ[17]ــ

مضافاً إلى الإجماع.

   الجهة الثانية: التحديد من ناحية المنتهى وأنّه هل هو الشروع في الانجلاء أو أنّه يمتد إلى تمام الانجلاء.

   فالمنسوب إلى جلّ السلف ومعظمهم هو الأوّل، ولكن أكثر المتأخّرين ذهبوا إلى الثاني، بل لعلّه المشهور بينهم، ويترتب على ذلك أنّ الصلاة الواقعة ما بين الحدّين قضاء على الأوّل وأداء على الثاني.

   ويستدلّ للقول الثاني بجملة من الأخبار:

   منها: ما تضمّن الأمر بتطويل الصلاة، المستلزم لوقوع مقدار منها فيما بعد الشروع في الانجلاء كرواية عمّار عن أبي عبد الله (عليه السلام): «قال: إن صلّيت الكسوف إلى أن يذهب الكسوف عن الشمس والقمر وتطّول في صلاتك فانّ ذلك أفضل، وإذا أحببت أن تصلّي فتفرغ من صلاتك قبل أن يذهب الكسوف فهو جائز» الحديث(1) ، فانّه لو كان الوقت منتهياً بالشروع المزبور فكيف يؤمر بالتطويل المستلزم لتأخير الصلاة عن وقتها.

   ومنها: صحيحة الرهط عن أحدهما (عليهما السلام) «... - إلى أن قال - قال: صلّى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) والناس خلفه في كسوف الشمس ففرغ حين فرغ وقد انجلى كسوفها»(2) ، فانّها ظاهرة أيضاً في وقوع مقدار من الصلاة بعد الأخذ في الانجلاء، فيكشف عن امتداد الوقت إلى تمام الانجلاء بعد وضوح عدم احتمال تأخير النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) صلاة الفريضة عن وقتها، هذا.

   ولكن الظاهر عدم صحة الاستدلال بشيء من هاتين الروايتين، إذ مضافاً إلى ضعف سند اُولاهما بعلي بن خالد أنّ محّل الكلام جواز تأخير الشروع في الصلاة إلى ما بعد الشروع في الانجلاء، ومورد الروايتين أنّ الشارع فيها من ذي

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 7: 498/ أبواب صلاة الكسوف والآيات ب 8 ح 2.

(2) الوسائل 7: 489/ أبواب صلاة الكسوف والآيات ب 4 ح 4.

ــ[18]ــ

قبل يجوز أو يستحب له التطويل بحيث ينتهي عنها بعد الأخذ في الانجلاء، ولا تلازم بين الأمرين، لجواز التفصيل بين الشارع البادئ وبين المتلبّس، فيلتزم بأنّ الأوّل لا يجوز له التأخير اختياراً عن زمان الشروع في الانجلاء، وأمّا الثاني - أعني من كان شارعاً فيها ومتلبّساً بها - فتجوز له استدامة الصلاة وتأخير الفراغ عنها إلى ما بعد ذلك.

   ودعوى عدم جواز تأخير الصلاة حتّى ببعض أجزائها عن وقتها المقرّر لها غير مسموعة، إذ لا بشاعة في ذلك لو ساعده الدليل بعد وضوح عدم كونه حكماً عقلياً غير قابل للتخصيص، بل من الأحكام التعّبدية التي زمام أمرها بيد الشارع، ومن الجائز أن يرخّص في بعض الموارد إيقاع بعض أجزاء المأمور به في خارج الوقت.

   بل لا مناص من الالتزام بذلك في المقام حتّى على القول بامتداد الوقت إلى تمام الانجلاء، لأنّ قوله (عليه السلام) في صحيحة الرهط: «ففرغ حين فرغ وقد انجلى كسوفها» كالصريح في وقوع مقدار من الصلاة بعد تمام الانجلاء، كما أنّ قوله (عليه السلام) في ذيل رواية عمّار: «فتفرغ من صلاتك قبل أن يذهب الكسوف» يدلّ بوضوح على أنّ مورد التطويل المحكوم بالأفضلية هو إطالة الصلاة إلى ما بعد ذهاب الكسوف بكامله، المستلزم طبعاً لوقوع مقدار منها خارج الوقت.

   إذن فلا يكون في فعل النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) ولا في الأمر بالتطويل دلالة على امتداد الوقت إلى تمام الانجلاء بالمعنى الذي هو محلّ الكلام في المقام، بل غايته جواز تأخير الفراغ عن منتهى الوقت، سواء أكان هو الشروع في الانجلاء أم تمامه، ويكون ذلك تخصيصاً في دليل عدم جواز تأخير الصلاة عن وقتها.

 ومنها: ما استدل به المحقّق الهمداني (قدس سره)(1) من رواية ابن أبي يعفور

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) مصباح الفقيه (الصلاة): 479 السطر 29.

ــ[19]ــ

عن أبي عبد الله (عليه السلام) «قال: إذا انكسفت الشمس والقمر فانكسف كلّها فانّه ينبغي للناس أن يفزعوا إلى إمام يصلّي بهم، وأيّهما كسف بعضه فانّه يجزي الرجل يصلّي وحده...» الحديث(1).

   بتقريب: أنّ جزئية الكسوف وكلّيته لا تعلم عادة إلاّ عند انتهائه، ولا سبيل إلى معرفته إلاّ الاحتراق أو الأخذ بالانجلاء، وعليه فلو تم الوقت بمجرّد الأخذ في الانجلاء الكاشف عن جزئية الكسوف لما جاز التأخير إليه عامداً مع أنّ ظاهر الرواية جوازه لتتّضح الجزئية أو الكلّية، حتّى تترتّب عليهما ما تضمّنته من التفصيل بين الصلاة جماعة أو فرادى.

   وما أفاده (قدس سره) متين جداً لولا الخدش في سند الرواية، حيث إنّها ضعيفة بعلي بن يعقوب الهاشمي، فانّه لم يوثق.

   ومنها: صحيحة معاوية بن عمّار قال «قال أبو عبد الله (عليه السلام) في صلاة الكسوف: إذا فرغت قبل أن ينجلي فأعد»(2) ، فانّها ظاهرة في بقاء الوقت إلى تمام الانجلاء لتقع الإعادة في وقتها.

   ويندفع: بأنّ استحباب الإعادة غير ملازم لبقاء الوقت، فمن الجائز انقضاء وقت الواجب بالشروع في الانجلاء ومع ذلك تستحب الإعادة إلى تمام الانجلاء تضرعاً إلى الباري سبحانه ليرفع البلاء، ولا غرو، فانّ التفكيك في الأحكام التعبّدية بين الواجبات والمستحبات غير عزيز في الفقه.

   والمتحصّل من جميع ما تقدم لحد الآن: عدم إمكان إثبات الامتداد وتوسعة الوقت إلى تمام الانجلاء من ناحية الروايات، لقصورها سنداً أو دلالة على سبيل منع الخلو.

   نعم، يمكن إثباته بالأصل، نظراً إلى أنّ تقيّد الواجب بالوقوع ما قبل الشروع في الانجلاء مشكوك فيه، ومقتضى الأصل البراءة عنه.

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 7: 503/ أبواب صلاة الكسوف والآيات ب 12 ح 2.

(2) الوسائل 7: 498/ أبواب صلاة الكسوف والآيات ب 8 ح 1.

ــ[20]ــ

   لكن الذي يترتّب على هذا الأصل إنّما هو مجرّد جواز التأخير، فيجوز لمن خوطب بالصلاة لدى الانكساف عدم الاستعجال وتأخيرها إلى ما بعد الشروع وقبل تمام الانجلاء، لا إثبات توسعة الوقت بحيث إنّ من لم يكن مخاطباً آنذاك لارتفاع القلم عنه لصغر أو جنون بل نوم أو غفلة ونحوها من الأعذار الرافعة للتكليف ثمّ ارتفع المانع بعد الشروع تجب الصلاة عليه، فانّ التكليف قبل الشروع كان ساقطاً حسب الفرض، وبعده يشكّ في تعلّقه للشكّ في سعة الوقت وضيقه، وحيث إنّ الأصل المزبور لا ينهض لإثبات التوسعة - كما سمعت - فلا جرم كان المتّبع أصالة البراءة عن حدوث تكليف جديد.

   نعم، لا مانع من التمسك باستصحاب كلّي الوجوب لولا أنّه من الاستصحاب في الشبهات الحكمية، ولا نقول به.

   والتحقيق: عدم الحاجة إلى الاستصحاب ولا إلى أصالة البراءة، بل لنا إثبات كلا الأثرين - من جواز التأخير وإثبات التوسعة - استناداً إلى إطلاقات النصوص، حيث إنّ الموضوع فيها هو عنوان الكسوف والخسوف.

   ومن الضروري صدقهما من لدن حدوث الآية إلى تمام الانجلاء، من غير فرق بين ما قبل الشروع وما بعده، فما دامت الآية باقية ولم تكن زائلة يصدق الكسوف أو الخسوف صدقاً حقيقياً من غير أيّة عناية، لوحدة المناط في جميع الآنات.

   فتجب الصلاة بمقتضى الإطلاقات، بعد عدم نهوض ما يقتضي التقييد بما قبل الشروع في الانجلاء عدا ما قد يتوهّم من استفادته من صحيحة حماد بن عثمان عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «ذكروا انكساف القمر وما يلقى الناس من شدته، قال فقال أبو عبد الله (عليه السلام): إذا انجلى منه شيء فقد انجلى»(1) .

   بدعوى أنّ المستفاد منها ترتيب آثار الانجلاء التام بانجلاء البعض، لأنّ

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 7: 488/ أبواب صلاة الكسوف والآيات ب 4 ح 3.

  
 




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net