قضاء الصبي بعد البلوغ والمجنون بعد الإفاقة - قضاء الفائتة حال الإغماء المستوعب للوقت 

الكتاب : المستند في شرح العروة الوثقى-الجزء السادس : الصلاة   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 4955


ــ[84]ــ

   ولا يجب على الصبىّ إذا لم يبلغ في أثناء الوقت، ولا على المجنون في تمامه
مطبقاً كان أو أدوارياً (1).

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ـ جار في المقام، وبمقتضاه يحكم ببقاء الوجوب المتعلّق بطبيعي الصلاة، ولا يكاد يحرز فراغ الذمّة عن هذا الواجب إلاّ بالإتيان بالطرف الآخر للعلم الإجمالي، فما لم يؤت به كانت الفريضة الشرعيّة الظاهرية الثابتة ببركة الاستصحاب باقية بحالها، فاذا كان الحال كذلك حتّى خرج الوقت فقد فاتته الفريضة الظاهرية وجداناً، من دون حاجة إلى إثبات ذلك بالأصل.

   وقد عرفت آنفا أنّ الفوت المأخوذ في موضوع وجوب القضاء أعم من فوت الفريضة الواقعية والظاهرية. فالمقام نظير ما لو شك في الوقت في الإتيان بالفريضة فوجب عليه ذلك استصحاباً إلاّ أنّه لم يصلّ نسياناً أو عصياناً، فانّه لا إشكال في وجوب القضاء عليه حينئذ مع أنّ فوت الفريضة الواقعية غير محرز، وإنّما المحرز فوت الفريضة الظاهرية الثابتة بمقتضى الاستصحاب، فاذا كان هذا المقدار ممّا يكفي للحكم بوجوب القضاء هناك كفى في المقام أيضاً لوحدة المناط.

   وقد تحصّل من ذلك: أنّه لا فرق في وجوب القضاء بين ما إذا كانت الجزئية أو الشرطية ثابتة بدليل شرعي أو بحكومة العقل من باب الاحتياط مع فرض ثبوت المنجّز في الوقت، وأمّا مع حدوثه في خارجه فلا يجب القضاء. ولعلّ هذا - كما سبق - هو المتسالم عليه بين الأصحاب وخارج عن محلّ الكلام.

 الصبي إذا بلغ والمجنون إذا أفاق:

   (1) للإجماع على عدم وجوب القضاء على الصبي والمجنون، بل قد عدّ ذلك من ضروريات الدين، وعليه فيستدلّ لسقوط القضاء بالإجماع والضرورة.

   ولا يخفى أنّ الأمر وإن كان كذلك، إذ لم يعهد من أحد من الأئمة (عليهم

ــ[85]ــ

السلام) أو غيرهم أمرُ أولادهم بقضاء ما فاتتهم من الصلوات أيّام الصبا، ولا سيما الفائتة منهم في دور الرضاعة. إلاّ أنّ ذلك ليس من باب الاستثناء وتخصيص أدلّة وجوب القضاء كي نحتاج في المسألة إلى الاستدلال بالإجماع والضرورة.

   بل الوجه في ذلك خروجها عن موضوع دليل القضاء تخصّصاً وعدم شموله لهما من الأوّل، فانّ موضوعه - كما اُشير إليه في ذيل صحيح زرارة المتقدّم(1) - فوت الفريضة ولو أنّها كانت كذلك بالقوة والشأن لأجل الاقتران بمانع خارجي كالنوم أو النسيان أو الحيض ونحو ذلك يحول دون بلوغ مرحلة الفعلية.

   وهذا المعنى غير متحقّق في الصبي والمجنون، لعدم أهليتهما للتكليف، وأنّه لم يوضع عليهما قلم التشريع من الأوّل، فلم يفتهما شيء أبداً. فلا مقتضي ولا موضوع لوجوب القضاء بالإضافة إليهما.

   بل الحال كذلك حتّى بناءً على تبعية القضاء للأداء وعدم كونه بأمر جديد إذ لا أمر بالأداء في حقّهما كي يستتبع ذلك الأمر بالقضاء كما هو ظاهر.

   وبهذا البيان تظهر صحة الاستدلال للحكم المذكور بحديث «رفع القلم عن الصبي حتّى يحتلم، وعن المجنون حتّى يفيق»(2) ، ولا يتوجّه عليه ما أورده المحقّق الهمداني (قدس سره) عليه من أنّ الحديث ناظر إلى سقوط التكليف بالأداء حال الصغر والجنون، ولا يدلّ على نفي القضاء بعد البلوغ والإفاقة الذي هو محلّ الكلام، ولا ملازمة بين الأمرين كما في النائم وهو ممّن رفع عنه القلم حتى يستيقظ، حيث يجب عليه القضاء(3).

   وذلك لأنّ الاستدلال إنّما يكون بالمدلول الالتزامي للحديث، فانّ لازم

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) في ص 70.

(2) الوسائل 1: 45 / أبواب مقدمة العبادات ب 4 ح 11.

(3) مصباح الفقية (الصلاة): 598 السطر 31 مع الهامش.

ــ[86]ــ

ولا على المغمى عليه في تمامه (1).

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ارتفاع قلم الأداء عن الصبي والمجنون هو عدم فوت شيء منهما، فلم يبق موضوع لوجوب القضاء. فهذا الحديث بمثابة المخصّص لأدلّة التكاليف الأولية ويكشف عن اختصاصها بغيرهما، فحيث لا تكليف لهما فلا فوت أيضاً. فالاستدلال بالحديث في محلّه.

 الإغماء المستوعب للوقت:

   (1) على المشهور من عدم وجوب قضاء الصلوات الفائتة حال الإغماء إلاّ الصلاة التي أفاق في وقتها ولكن لم يأت بها لنوم أو نسيان أو عصيان، فيجب قضاؤها خاصة، لعدم استناد الفوت حينئذ إلى الإغماء. فالمناط في السقوط هو الإغماء المستوعب لتمام الوقت.

   وعن الصدوق (قدس سره) في ا لمقنع وجوب القضاء(1) ، وظاهر كلامه وإن كان هو الوجوب خلافاً للمشهور إلاّ أنّه لا يأبى عن الحمل على الاستحباب كما اختاره في الفقيه(2).

   وكيف ما كان، فالكلام يقع تارة في ثبوت المقتضي للقضاء، واُخرى في وجود المانع منه.

   أمّا المقتضي: فلا ينبغي الشك في ثبوته، ضرورة عدم كون المغمى عليه بمثابة الصغير والمجنون في الخروج عن أدلّة التكاليف تخصّصاً ذاتياً لأجل فقد الاستعداد وعدم القابلية لتعلّق الخطاب، بل حال الإغماء هو حال النوم، بل لعلّه هو النوم بمرتبته الشديدة، فيكونان مندرجين تحت جامع واحد.

   وعليه فكما أنّ النائم تكون له شأنية الخطاب ويصلح لأنّ يتعلّق التكليف

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) المقنع : 122.

(2) الفقيه 1: 237/ ذيل ح 1042.

ــ[87]ــ

به ذاتاً ويكون واجداً للملاك غير أنّ اقترانه بالمانع - وهو النوم - يمنع الخطاب عن الفعلية والتنجّز، كما في موارد النسيان والعجز، كذلك المغمى عليه يكون بحسب ذاته صالحاً للخطاب وأهلا له.

   وبهذا الاعتبار صحّ إطلاق الفوت في حقّه، كما في الحائض والنائم ونحوهما فيشمله عموم أدلّة القضاء، لانطباق موضوعها - وهو الفوت - عليه، فانّ العبرة بفوت الفريضة ولو شأناً وملاكاً كما في النائم، لا خصوص ماهو فريضة فعلية. فلا قصور إذن من ناحية المقتضي، وإنّما لم يحكم فيه بالقضاء لأجل المانع، وهي الروايات الخاصّة الواردة في المقام كما ستعرفها إن شاء الله.

   ويكشف عمّا ذكرناه التعبير بالفوت في لسان كلتا الطائفتين من الأخبار الواردة في المقام، أعني بهما المثبتة للقضاء والنافية له، إذ لولا ثبوت المقتضي للقضاء وهو صلوحه لأن يتوجّه إليه التكليف بالأداء - ولو شأناً - لما صحّ إطلاق الفوت في حقّه، لعدم فوت شيء منه أصلا، كما هو الحال في الصبيّ والمجنون الفاقدين لاستعداد توجّه التكليف إليهما حسبما مرّ. فنفس هذا التعبير خير شاهد على تمامية المقتضي.

   وأمّا المانع عن ذلك فهي الروايات المعتبرة المتضمّنة لنفي القضاء، وهي بين مطلق وبين مصرّح باليوم أو أكثر. ولكن بازائها روايات اُخر معتبرة أيضاً دلّت على وجوب القضاء مطلقاً أو قضاء يوم واحد، أو ثلاثة أيام مطلقاً، أو الثلاثة من شهر فيما إذا استمر الإغماء شهراً واحداً، فهي متعارضة المضمون بين ناف للقضاء ومثبت له على وجه الإطلاق أو التقييد.

   أمّا النافية للقضاء فمنها: صحيح الحلبي «أنّه سأل أبا عبد الله (عليه السلام) عن المريض هل يقضي الصلوات إذا اُغمي عليه؟ فقال: لا، إلاّ الصلاة التي أفاق فيها»(1).

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 8: 258/ أبواب قضاء الصلوات ب 3 ح 1.

ــ[88]ــ

   وخبر معمر بن عمر قال: «سألت أبا جعفر (أبا عبد الله) (عليه السلام) عن المريض يقضي الصلاة إذا اُغمي عليه؟ قال: لا»(1).

   وصحيح أبي بصير عن أحدهما (عليهما السلام) قال: «سألته عن المريض يغمى عليه ثم يفيق كيف يقضي صلاته ؟ قال: يقضي الصلاة التي أدرك وقتها»(2).

   وصحيح علي بن مهزيار قال: «سألته عن المغمى عليه يوماً أو أكثر هل يقضي ما فاته من الصلاة أم لا؟ فكتب (عليه السلام): لا يقضي الصوم، ولا يقضي الصلاة»(3).

   وصحيح أيّوب بن نوح«أنّه كتب إلى أبي الحسن الثالث(عليه السلام) يسأله عن المغمى عليه يوماً أو أكثر هل يقضي ما فاته من الصلوات أو لا؟ فكتب: لايقضي الصوم، ولايقضي الصلاة»(4).

   وفي الخبرين الأخيرين التصريح باليوم أو أكثر.

   وأمّا المثبتة مطلقاً فكصحيح رفاعة عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «سألته عن المغمى عليه شهراً ما يقضي من الصلاة؟ قال: يقضيها كلّها، إنّ أمر الصلاة شديد»(5).

   وأمّا المفصّلة فمنها: ما دلّ على قضاء اليوم الواحد كصحيح حفص عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «سألته عن المغمى عليه، قال فقال: يقضي صلاة يوم»(6).

   ومنها: ما دلّ على القضاء ثلاثة أيام كموثّق سماعة قال: «سألته عن

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 8: 261/ أبواب قضاء الصلوات ب 3 ح 15.

(2)، (3) الوسائل 8: 262/ أبواب قضاء الصلوات ب 3 ح 17، 18.

(4) الوسائل 8: 259/ أبواب قضاء الصلوات ب 3 ح 2.

(5) الوسائل 8: 265/ أبواب قضاء الصلوات ب 4 ح 4.

(6) الوسائل 8: 267/ أبواب قضاء الصلوات ب 4 ح 14.

ــ[89]ــ

المريض يغمى عليه، قال: إذا جاز عليه ثلاثة أيّام فليس عليه قضاء. وإذا اُغمي عليه ثلاثة أيّام فعليه قضاء الصلاة فيهنّ»(1). فقد دلّت الموثّقة على التفصيل بين ما إذا تجاوز الإغماء عن ثلاثة أيام فلا قضاء عليه أصلا، وبين عدم التجاوز عن الثلاثة فيجب القضاء.

   ومنها: ما دلّ على قضاء ثلاثة من الشهر كصحيح أبي بصير قال «قلت لأبي جعفر (عليه السلام): رجل اُغمي عليه شهراً أيقضي شيئاً من صلاته؟ قال: يقضي منها ثلاثة أيّام»(2).

   وهذه التفاصيل منافية لما تضمّنته الروايتان المتقدّمتان وهما روايتا ابن مهزيار وأيّوب بن نوح، المصرّحتان بنفي قضاء اليوم الواحد والأكثر، فتقع المعارضة بينهما في ذلك لا محالة.

   هذه هي روايات الباب، وهي كما ترى بين نافية ومثبتة للقضاء مطلقاً أو على وجه التقييد، وقد اختلفت كلمات القوم في وجه الجمع بينها.

   فالمشهور هو الجمع بينها بالحمل على الاستحباب، تقديماً للنصّ على الظاهر لصراحة الطائفة الاُولى في نفي الوجوب، وظهور الثانية في الوجوب فيتصرف في الثاني بالحمل على الاستحباب، كما هو الحال في أمثال ذلك من الموارد.

   ويؤيّد الجمع المذكور رواية أبي كهمس قال: «سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) وسئل عن المغمى عليه، أيقضي ما تركه من الصلاة؟ فقال: أمّا أنا وولدي وأهلي فنفعل ذلك»(3) ، فانّها ظاهرة في الاستحباب، إذ لو كان الحكم المذكور ثابتاً بنحو الوجوب لم يكن وجه لتخصيصه بنفسه وولده.

   وعن بعضهم الجمع بالحمل على التقيّة، لموافقة الروايات النافية لمذهب العامة.

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 8: 265/ أبواب قضاء الصلوات ب 4 ح 5.

(2)، (3) الوسائل 8: 266/ أبواب قضاء الصلوات ب 4 ح 11، 12.

ــ[90]ــ

   ولكنه كما ترى، فانّ التصرّف في جهة الصدور يتفرّع على استقرار التعارض الموقوف ذلك على امتناع الجمع الدلالي، وإلاّ فمع إمكانه بتقديم النصّ على الظاهر - كما في المقام، حيث إنّ الحمل على الاستحباب من أنحاء التوفيق العرفي بين الدليلين - لا تصل النوبة إلى الحمل على التقية. فالصحيح هو الجمع المشهور.

   وأمّا الاختلاف بين الطائفة المثبتة للقضاء من الحكم في بعضها بقضاء يوم وفي بعضها الآخر بقضاء ثلاثة أيام، وفي ثالث بالقضاء مطلقاً فهو محمول على الاختلاف في مراتب الفضل، فالأفضل هو قضاء جميع الصلوات، ودونه في الفضل قضاء ثلاثة أيام من الشهر فيما لو استمر الإغماء شهراً كاملا - كما هو مورد النصّ وقد تقدّم - ودونهما في الفضل قضاء اليوم الذي اُغمي فيه، وبهذا يندفع التنافي المتراءى بين الأخبار.

   وأمّا قضاء الصلاة التي أفاق في وقتها ثم تركها لعذر آخر من نوم ونحوه فقد عرفت في صدر البحث وجوبه، وأنّه خارج عن محلّ الكلام، فانّ موضوع الحكم في المقام نصاً وفتوى هو الإغماء المستوعب للوقت، بحيث يستند ترك الأداء إليه دون الترك المستند إلى غير الإغماء.




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net