الإغماء عن اختيار - قضاء الصلوات الفائتة حال الكفر 

الكتاب : المستند في شرح العروة الوثقى-الجزء السادس : الصلاة   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 4510


 الإغماء الاختياري:

   هل يختص الحكم - وهو نفي القضاء - بما إذا كان الإغماء قهرياً، أو يعمّ الحاصل بالاختيار وبفعل المكلّف نفسه كما لو شرب شيئاً يستوجب الإغماء عن علم وعمد فاُغمي عليه حتى انقضى الوقت، فهل يسقط القضاء حينئذ إمّا مطلقاً أو في خصوص ما إذا لم يكن على وجه المعصية كما إذا كان مكرهاً أو مضطرّاً في فعله؟ وجوه، بل أقوال، وقد تعرّض الماتن (قدس سره) لذلك في ضمن المسائل الآتية، ولكنّا نقدم البحث عنه هنا لمناسبة المقام فنقول:

   لابّد من فرض الكلام فيما إذا لم يحصل السبب الاختياري بعد دخول الوقت وتنجّز التكليف، أمّا لو دخل وبعده - ولو بمقدار نصف دقيقة، بحيث لم يسعه

ــ[91]ــ

الإتيان بالصلاة فيه - فعل باختياره ما يوجب الإغماء، سواء أكان ذلك على وجه المعصية أم لا، فلا ينبغي الإشكال حينئذ في وجوب القضاء، فانّ المستفاد من قوله تعالى: (أَقِمِ الصَّلَوةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ...)(1) وكذلك الروايات توجّه الخطاب الفعلي وتنجّز التكليف بمجرّد دخول الوقت، فيكون التسبيب منه إلى الإغماء تفويتاً للفريضة المنجّزة، وبذلك يتحقّق الفوت الذي يكون موضوعاً لوجوب القضاء. ولا ينبغي الشك في انصراف نصوص السقوط عن مثل الفرض.

   وأوضح منه حالا ما إذا حصل الإغماء بعد مضي مقدار من الوقت يسعه إيقاع الصلاة فيه، فانّه لا إشكال حينئذ في وجوب القضاء، كما لا إشكال في خروجه عن محلّ الكلام. فمحطّ البحث ما إذا حصل السبب الاختياري قبل دخول الوقت.

   المعروف والمشهور بينهم هو سقوط القضاء، كما في السبب القهري، عملا باطلاق النصوص. ولكن قد يدّعى اختصاص الحكم بالثاني وعدم ثبوته في السبب الاختياري، ويستدلّ له بأحد وجهين:

   الأوّل: ما يظهر من بعض الكلمات وبنى عليه المحقّق الهمداني (قدس سره) أخيراً من دعوى انصراف نصوص السقوط إلى الفرد المتعارف من الإغماء وهو الحاصل بالطبع، فلا يعمّ الحاصل بفعله الذي هو فرد نادر(2).

   وهذا كما ترى، فانّ الموضوع في نصوص الإغماء صادق على الكلّ، ومجرّد التعارف الخارجي وغلبة الوجود لا يصلح لتوجيه الانصراف كي يمنع عن الإطلاق. وبالجملة: فالانصراف المزبور بدويّ لا يعبأ به، نعم لا يمكن حمل المطلق على الفرد النادر وحصره فيه، وأمّا شموله للأفراد النادرة والمتعارفة معاً فلا قبح فيه ولا استهجان.

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الإسراء 17: 78.

(2) مصباح الفقيه (الصلاة): 600 السطر 24 - 601 السطر 2.

ــ[92]ــ

   الثاني: أنّ جملة من نصوص الإغماء قد اشتملت على قوله: كلّ ما غلب الله عليه فهو أولى بالعذر(1) الذي هو بمنزلة التعليل للحكم. وواضح أنّ العلّة يدور مدارها المعلول وجوداً وعدماً، فيختصّ الحكم بسقوط القضاء بموارد ثبوت العلّة، وهي استناد الإغماء - المستوجب لفوت الصلاة في الوقت - إلى غلبة الله وقهره، دون المكلّف نفسه. وبذلك يقيّد الإطلاق في سائر النصوص العارية عن التعليل، عملا بقانون الإطلاق والتقييد.

   بل إنّ صاحب الحدائق (قدس سره) تعدّى عن ذلك فجعل العلّة المذكورة مقيّدة للمطلقات الواردة في باب الحيض والنفاس، فالتزم بثبوت القضاء على الحائض والنفساء إذا حصل العذر بفعلهما، أخذاً بعموم العلة(2).

   وعليه فنصوص المقام قاصرة عن شمول السبب الاختياري، فيشمله عموم أدلّة القضاء السالم عن المخصّص.

   واعترض المحقّق الهمداني (رحمه الله)(3) على هذا الوجه بمنع ظهور التعليل في العلّية المنحصرة المستتبعة للمفهوم حتّى يقيّد به الإطلاق في سائر الأخبار بل القضية الكلّية إنّما سيقت لبيان علّة نفي القضاء عند ترك الواجب في وقته لعذر الإغماء ونحوه من الأعذار الخارجة عن الاختيار، وأنّ العلّة للحكم المذكور هي غلبة الله.

   وأمّا حصر العلّة في ذلك كي يقتضي ثبوت القضاء في غير موردها - أعني الإغماء المسبّب عن الاختيار - فلا دلالة لها عليه فضلا عن التعدّي عن المورد إلى سائر المقامات كالحائض والنفساء ممّا لا مساس له بمورد الحكم، إذ لا مفهوم للتعليل المستفاد من تطبيق الكبريات على مصاديقها، فمن الجائز أن يحكم بنفي القضاء في غير مورد العلّة أيضاً بملاك آخر ولعلّة اُخرى.

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 8: 259/ أبواب قضاء الصلوات ب 3 ح 3، 7 وغيرهما.

(2) الحدائق 11: 12.

(3) مصباح الفقيه (الصلاة): 600 السطر 16.

ــ[93]ــ

   فاذن هذه الأخبار المذيّلة بالتعليل وإن لم تشمل السبب الاختياري لكنّها لا تنهض لتقييد المطلقات العارية عن الذيل، فينبغي - على هذا - الحكم بالعموم في الجميع، عملا بتلكم المطلقات السليمة عن التقييد لولا دعوى الانصراف التي اعتمد عليها (قدس سره) كما مرّ.

   أقول: ما أفاده (قدس سره) من عدم دلالة التعليل على السببية المنحصرة وإن كان صحيحاً، فلا ينعقد للقضية مفهوم بالمعنى المصطلح كما في الشرط ونحوه، فلا ينافي ثبوت الحكم في غير مورد العلّة بمناط آخر كاحترام شهر رمضان مثلا(1) لكن لا ينبغي الشك في دلالته على أنّ طبيعي الإغماء لا يكون بنفسه موضوعاً لنفي القضاء، وإلاّ لكان التعليل بغلبة الله من اللغو الظاهر، فاذا ورد دليل آخر تضمّن التصريح بأنّ موضوع الحكم هو الطبيعي على إطلاقه وسريانه كان معارضاً لهذا الدليل لا محالة.

   وبعبارة اُخرى: أنّ حيثية الإغماء ذاتية بالإضافة إلى الإغماء نفسه، وحيثية استناده إلى غلبة الله سبحانه حيثية عرضية، فلو كان المقتضي لنفي القضاء هو طبيعي الإغماء - أعني الحيثية الذاتية - لم يحسن العدول عنه في مقام التعليل إلى الجهة العرضية. فاذا فرضنا أنّ العالم يجب إكرامه لذاته لم يحسن حينئذ تعليل الوجوب المذكور بأنّه شيخ أو هاشمي أو من أهل البلد الفلاني ونحو ذلك.

   فاذا بنينا على دلالة النصوص المذكورة على أنّ العلّة في نفي القضاء عن المغمى عليه هي غلبة الله في الوقت - كما هو المفروض - فطبعاً نستكشف من ذلك أنّ طبيعي الإغماء بذاته لا يستوجب نفي القضاء، فانّه وإن احتمل وجود علّة اُخرى للنفي أيضاً - لما عرفت من عدم ظهور التعليل في الانحصار - لكن ظهوره في عدم ترتّب الحكم على الطبيعي غير قابل للإنكار، فلا محيص من رفع اليد عن المطلقات لأجل هذه النصوص الدالّة على أنّ الموجب لنفي القضاء

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) [لعلّ المذكور لا يتناسب مع المورد، لأنّ المورد هو عدم القضاء لا القضاء].

ــ[94]ــ

ولا على الكافر الأصلي إذا أسلم بعد خروج الوقت بالنسبة إلى ما فات منه حال كفره (1).

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

إنّما هي غلبة الله تعالى.

   والصحيح في الجواب عن الوجه المذكور هو ما أشرنا إليه سابقاً(1) من عدم وجود نصّ صحيح يدّل على التعليل ويتضمّن الملازمة بين غلبة الله في الوقت ونفي القضاء، لضعف الروايات التي استدّل بها لذلك سنداً أو دلالة على سبيل منع الخلو، فانّ عمدتها رواية الصدوق (رحمه الله) عن الفضل بن شاذان(2) ، وهي ضعيفة السند وإن عبّر عنها المحقّق الهمداني(3) وصاحب الحدائق(4) (قدس سرّهما) بالصحيحة، وذلك لضعف سند الصدوق (رحمه الله) إلى الفضل بكلا طريقيه كما مرّت الإشارة إليه.

   فالجواب الحقّ هو إنكار وجود النصّ الصحيح الدالّ على ذلك، فتبقى المطلقات سليمة عن المقيّد، وإلاّ فمع الاعتراف به لا مناص من التقييد كما عرفت.

   فتحصّل من ذلك: أنّ الأقوى نفي القضاء عن المغمى عليه مطلقاً، سواء أكان ذلك بفعله أم كان بغلبة الله وقهره كما عليه المشهور، عملا بالمطلقات السالمة عن المقيّد.

 الكافر إذا أسلم:

   (1) بلا خلاف فيه ولا إشكال، وقد استدلّ له بالإجماع والضرورة. والأمر

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) في ص 73.

(2) الوسائل 8: 260/ أبواب قضاء الصلوات ب 3 ح 7، علل الشرائع: 271، وقد تقدّمت في ص 74.

(3) مصباح الفقيه (الصلاة): 599 السطر 23.

(4) الحدائق 11: 5.

ــ[95]ــ

وإن كان كذلك، إذ لم يعهد من أحد ممّن أسلم زمان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وكذا في زمن المتصدّين للخلافة بعده إلى زمان أمير المؤمنين (عليه السلام) ومن بعده أنّه اُمر بقضاء ما فاته في زمن الكفر، ولو كان ذلك ثابتاً لظهر وبان ولنقل إلينا بطبيعة الحال.

   إلاّ أنّ التمسك بالإجماع والضرورة هو فرع ثبوت المقتضي، بأن يكون مقتضى القاعدة هو وجوب القضاء كي يخرج عنها في الكافر بهذين الدليلين ولا ريب في أنّ تمامية المقتضي يبتني على الالتزام بتكليف الكفّار بالفروع كتكليفهم بالاُصول، كما عليه المشهور، وأمّا بناءً على ما هو الصحيح من عدم تكليفهم بذلك فلا وجه للاستدلال بهما.

   ويشهد لما ذكرناه ما ورد من أنّ الناس يؤمرون بالإسلام ثمّ بالولاية(1) ، فانّ ظاهر العطف بـ «ثمّ» هو عدم تعلّق الأمر بالولاية إلاّ بعد الإسلام، فاذا كان هذا هو الحال في الولاية وهي من أعظم الواجبات وأهمّ الفروع، بل إنّه لا يقبل عمل بدونها كما ورد في غير واحد من النصوص(2) فما ظنّك بما عداها من سائر الواجبات كالصلاة والصيام ونحوهما.

   ويؤكّده أنّه لم يعهد من النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) مطالبة من أسلم بدفع زكاة المال أو الفطرة ونحوهما من الحقوق الفائتة حال الكفر.

   وعليه فلا تصل النوبة في المقام إلى الاستدلال لنفي القضاء بالأمرين المتقدّمين، بل إنّما يعلّل نفي القضاء بقصور المقتضي حتى ولو لم يكن هناك إجماع ولا ضرورة، فانّ المقتضي للقضاء إنّما هو الفوت، ولا فوت هنا أصلا بعد عدم ثبوت التكليف في حقّه من أصله، فلم يفته شيء كي يتحقّق بذلك موضوع القضاء، إذ لا تكليف له حال الكفر إلاّ بالإسلام فقط.

   وفوت الملاك وإن كان كافياً في ثبوت القضاء إلاّ أنّه لا طريق لنا إلى

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) [لم نعثر عليه، نعم ذكر مضمونه في الكافي 1: 180 / 3].

(2) الوسائل 1: 118/ أبواب مقدمة العبادات ب 29.

ــ[96]ــ

إحرازه إلاّ من ناحية الأمر أو الدليل الخاص القاضي بالقضاء، ليستكشف منه تمامية الملاك كما في النائم، والمفروض هو انتفاء كلا الأمرين في المقام، ولا غرو في قصور الملاك وعدم تعلّق الخطاب به حال الكفر، فانّه لأجل خسّته ودناءته، وكونه في نظر الإسلام كالبهيمة، وفي منطق القرآن الكريم (أُولَـئِكَ كَالاَْنْعَـمِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ ...)(1) ، ومن هنا ورد في بعض النصوص - وإن كانت الرواية غير معمول بها - أنّ عورة الكافر كعورة الحمار(2).

   والحاصل: أنّه لأجل اتّصافه بالكفر لا يليق بالاعتناء، ولا يستحقّ الخطاب، فليست له أهلية التكليف، فهو كالصبيّ والمجنون والحيوان بنظر الشرع، فلا مقتضي للتكليف بالنسبة إليه. وسيظهر لذلك - أعني استناد نفي القضاء إلى قصور المقتضي دون وجود المانع - ثمرة مهمّة في بعض الفروع الآتية إن شاء الله.
ـــــــــــــ

(1) الأعراف 7: 179.

(2) الوسائل 2: 35/ أبواب آداب الحمام ب 6 ح 1.




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net