تقديم الفائتة على الحاضرة 

الكتاب : المستند في شرح العروة الوثقى-الجزء السادس : الصلاة   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 6075


ــ[174]ــ

   [1804] مسألة 28: لا يجب تقديم الفائتة على الحاضرة، فيجوز الاشتغال بالحاضرة في سعة الوقت لمن عليه القضاء، وإن كان الأحوط تقديمها عليها (1).

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

   فانّه (عليه السلام) بعدما حكم بتأخير الصلاتين عن شعاع الشمس المبتني على التجنّب عن حزازة الوقت كما أشرنا إليه سابقاً، وبعد استفسار زرارة عن السبب والعلّة في ذلك أجاب بقوله: «لأنّك لست تخاف فوتها»، ومرجعه إلى أنّ قضاء الصلاتين موسّع لا تضييق فيه كي تخاف الفوت، والاعتبار في المبادرة إنّما هو بخوف الفوت، وحيث لا فوت هنا فكان الأحرى هو تجنّب الإتيان به عند شعاع الشمس حذراً من الكراهة الثابتة في هذا الوقت.

   وهذا كما ترى كالتصريح بالمواسعة. فلو سلّمنا تمامية أخبار المضايقة فهي معارضة بهاتين الصحيحتين الصريحتين فيها، فلتحمل تلك الأخبار على الاستحباب لو تمّت دلالتها، كيف وهي غير تامة الدلالة في حدّ أنفسها كما عرفته مستقصى.

   فتحصّل: أنّ المبادرة وإن كانت أحوط وأولى إلاّ أنّ الأقوى هو المواسعة ما لم تؤدّ إلى المسامحة في امتثال التكليف والتهاون بشأنه، وإلاّ وجب الفور لخوف الفوت.

 تقديم الفائتة على الحاضرة:

   (1) تقدّم الكلام في مسألة المواسعة والمضايقة من جهة الوجوب النفسي وأمّا من ناحية الوجوب الشرطي - أعني اشتراط تقديم الفائتة وتفريغ الذّمة عنها في صحّة الحاضرة ما لم يتضيّق وقتها - فقد نسب إلى المشهور تارة الاشتراط، واُخرى عدمه. والقائلون بالعدم بين من حكم باستحباب تقديم الفائتة على الحاضرة، وبين من عكس فحكم بأنّ الأفضل تقديم صاحبة الوقت.

ــ[175]ــ

   وكيف ما كان، فقد استدلّ للاشتراط تارة بأصالة الاشتغال، فانّا نحتمل وجداناً اشتراط صحّة الحاضرة بتقديم الفائتة، ولا يكاد يحصل اليقين بالفراغ عن التكليف اليقيني بالحاضرة بدون مراعاة الشرطية المحتملة.

   ويندفع: بما هو المحقّق في محلّه من الرجوع إلى أصالة البراءة عند الدوران بين الأقل والأكثر الارتباطيين(1) .   واُخرى بالروايات فمنها: رواية زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) «قال: إذا فاتتك صلاة فذكرتها في وقت اُخرى فان كنت تعلم أنّك إذا صلّيت التي فاتتك كنت من الاُخرى في وقت فابدأ بالتي فاتتك، فانّ الله عزّوجلّ يقول: (وَأَقِمِ الصَّلَوةَ لِذِكْرِى...)»(2) ، فانّ الأمر بتقديم الفائتة على الحاضرة يكشف عن دخل ذلك في صحة الحاضرة.

   ويتوجّه عليه أوّلا: أنّ الرواية ضعيفة السند بالقاسم بن عروة، وإن عبّر عنها بالصحيحة في بعض الكلمات.

   وثانياً: أنّها قاصرة الدلالة على الوجوب الشرطي، وإنّما تدلّ على الوجوب النفسي الذي مرّ البحث عنه سابقاً، نظراً لكونها مسوقة لبيان حكم الفائتة في حدّ نفسها وأنّها ممّا يلزم الابتداء بها إمّا وجوباً أو استحباباً على الخلاف المتقدّم، وليست هي بصدد بيان حكم الحاضرة كي تدلّ على الاشتراط بوجه.

   ثم إنّك قد عرفت فيما سبق(3) أنّ الرواية في موطن دلالتها - وهو حكم الفائتة في حدّ نفسها - محمولة على الاستحباب، ولكن لو فرضناها دالّة على الوجوب النفسي أيضاً لم يكن يستفاد منها فساد الحاضرة إلاّ بناءً على القول باقتضاء الأمر بالشيء النهي عن ضدّه، ولا نقول به، بل غايته عدم الأمر بالضد. فيمكن تصحيح العبادة حينئذ بالملاك أو بالخطاب الترتّبي.

   ومنها: رواية أبي بصير قال: «سألته عن رجل نسي الظهر حتّى دخل وقت

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) مصباح الاُصول 2: 426.

(2) الوسائل 4: 287 / أبواب المواقيت ب 62 ح 2.

(3) في ص 163.

ــ[176]ــ

العصر، قال: يبدأ بالظهر، وكذلك الصلوات تبدأ بالتي نسيت إلاّ أن تخاف أن يخرج وقت الصلاة فتبدأ بالتي أنت في وقتها، ثمّ تقضي التي نسيت»(1) حيث دلّت على لزوم البدأة بالصلاة المنسيّة وتقديمها على الحاضرة.

   ويرد عليه أوّلا: أنّها ضعيفة السند بسهل بن زياد ومحمّد بن سنان.

   وثانياً: أنّها على خلاف المطلوب أدلّ، فانّ المراد بالوقت في قوله (عليه السلام): «يخرج وقت الصلاة» هو وقت الفضيلة دون الإجزاء، ولو بقرينة الوقت المذكور في الصدر أعني قوله (عليه السلام): «حتّى دخل وقت العصر»(2) .

   فانّ المراد بنسيان الظهر حتّى دخل وقت العصر نسيانها في وقتها الفضيلي أو الوقت الأوّل الاختياري في مقابل الوقت الثاني الاضطراري على الخلاف المتقدّم في بحث الأوقات(3) لا وقت الإجزاء الممتد إلى مقدار أربع ركعات من آخر الوقت الذي هو الوقت الاختصاصي للعصر، للزوم البدأة حينئذ بالعصر بعد خروج وقت الظهر، فكيف يحكم (عليه السلام) بالبدأة بالظهر؟

   فالمراد بالوقت هو وقت الفضيلة أو الوقت الأوّل، وحينئذ فيبدأ بالظهر مراعاة للترتيب مع فرض امتداد وقتهما إلى الغروب. فيكون المراد بالوقت في قوله (عليه السلام): «إلاّ أن تخاف أن يخرج وقت الصلاة...» بمقتضى السياق واتّحاد الذيل مع الصدر هو وقت الفضيلة كما عرفت.

   وعليه فيكون مفاد الرواية: أنّ من تذكّر في وقت فضيلة المغرب فوات العصر - مثلا - فانّه يبدأ بالعصر إلاّ إذا خاف من تقديمها خروج وقت الفضيلة فانّه يقدّم المغرب حينئذ. فتكون قد دلّت على تقدم الحاضرة على الفائتة، دون العكس الذي هو المطلوب.

   وثالثاً: أنّها ناظرة إلى بيان حكم الفائتة في نفسها - كما مرّ ذلك في الرواية

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 4: 290 / أبواب المواقيت ب 62 ح 8.

(2) [لا يخفى أنّه من كلام السائل].

(3) شرح العروة: 11: 90.

ــ[177]ــ

الاُولى - ومفادها محبوبية البدأة بالفائتة لزوماً أو استحباباً، ولا تعرّض فيها لبيان حكم الحاضرة كي تدلّ على الشرطية.

   ومنها: رواية معمر بن يحيى قال: «سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن رجل صلّى على غير القبلة ثمّ تبينت القبلة وقد دخل وقت صلاة اُخرى، قال: يعيدها قبل أن يصلّي هذه التي قد دخل وقتها...»(1) .

   فانّها محمولة على من صلّى إلى غير القبلة بدون عذر أو كانت صلاته إلى نقطتي المشرق أو المغرب أو مستدبر القبلة، فانّ من صلّى إلى ما بين المشرقين وكان معذوراً في ذلك كانت صلاته صحيحة لا تحتاج إلى الإعادة، لما ورد عنهم (عليهم السلام) من أنّ ما بين المشرق والمغرب
قبلة(2).

   وكيف ما كان، فقد حكم (عليه السلام) بلزوم البدأة بتلك الصلاة الواقعة على غير جهة القبلة، ثم الإتيان بالصلاة الاُخرى التي قد دخل وقتها.

   وفيه أوّلا: أنّها ضعيفة السند، لضعف طريق الشيخ إلى الطاطري بعلي بن محمد بن الزبير القرشي(3).

   وثانياً: أنّها غير ناظرة إلى الفوائت، فانّ الظاهر منها هو دخول وقت الفضيلة للصلاة الاُخرى حسبما كان المتعارف في تلك العصور من تفريق الصلوات على حسب أوقات الفضيلة، كما قد يشعر بذلك تعبيره (عليه السلام): «يعيدها»، حيث يكشف ذلك عن بقاء وقت الإجزاء للصلاة التي وقعت على غير جهة القبلة، وإلاّ عبّر عنه بقوله: يقضيها. الدال على خروج الوقت وفوت الفريضة.

   وقد تكرّر في الروايات مثل هذا التعبير - أعني خروج الوقت ودخول وقت صلاة اُخرى - ويراد به خروج وقت الفضيلة لصلاة ودخول وقتها لاُخرى.

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 4: 313 / أبواب القبلة ب 9 ح 5.

(2) الوسائل 4: 312 / أبواب القبلة ب 9 ح 2.

(3) الفهرست: 92 / 380.

ــ[178]ــ

فالحكم بتقديم تلك الصلاة على الاُخرى في الرواية من أجل بقاء وقتيهما ولزوم مراعاة الترتيب، لا لخروج وقت الاُولى وتقديم الفائتة على الحاضرة. فهي أجنبية عن محلّ الكلام. فهذه الروايات الثلاث ضعيفة السند، بالإضافة إلى قصور الدلالة.

   ومنها: صحيحة صفوان عن أبي الحسن (عليه السلام) قال: «سألته عن رجل نسي الظهر حتى غربت الشمس وقد كان صلّى العصر، فقال: كان أبو جعفر - أو كان أبي - (عليه السلام) يقول: إن أمكنه أن يصلّيها قبل أن تفوته المغرب بدأ بها، وإلاّ صلّى المغرب ثم صلاّها»(1) .

   وهي صحيحة السند، فانّ محمد بن إسماعيل وإن كان مردّداً بين الثقة وغيره، لكن الذي يروي عن الفضل بن شاذان ويروي عنه الكليني (قدس سره) كثيراً هو الثقة، لبعد إكثاره الرواية عن غير الثقة، مع أنّ كتاب الكافي مشحون بمثل هذا السند.

   مضافاً إلى وجود السند بعينه ضمن أسانيد كامل الزيارات، فلا مجال للتوقّف في سندها. وقد دلّت على لزوم تقديم فائتة الظهر على المغرب عند التمكّن منه.

   ويتوجّه عليه: أنّ الرواية على خلاف المطلوب أدلّ، إذ المفروض فيها هو كون نسيان الظهر مغيّى بغروب الشمس كما يقتضيه قوله: «حتى غربت الشمس»، فينتفي النسيان لا محالة بعد الغروب حيث يكون متذكّراً لها آنذاك.

   فكيف يجتمع هذا مع قوله (عليه السلام): «إن أمكنه أن يصلّيها قبل أن تفوته المغرب...» مع امتداد وقت المغرب إلى منتصف الليل، بل إلى الفجر على الأظهر وإن كان آثماً في التأخير، فانّه متمكّن من البدأة بالظهر الفائتة حين تذكّره لها قبل الشروع في المغرب، لامتداد وقتها كما عرفت، فمع سعة وقت

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 4: 289 / أبواب المواقيت ب 62 ح 7.

ــ[179]ــ

المغرب لا مجال للترديد الذي تضمّنته الصحيحة.

   فيظهر من ذلك: أنّ المراد من فوت المغرب فوت وقت فضيلته، نظراً إلى أنّ الوقت المذكور قصير ينتهي بذهاب الشفق وانعدام الحمرة المشرقية، بحيث لا يزيد مجموعه على خمس وأربعين دقيقة تقريباً.

   ومن الجائز أن لا يتيسّر للمكلّف الجمع بين قضاء الظهر وإدراكه فضيلة المغرب، لاشتغاله بمقدّمات الصلاة من الوضوء أو الغسل وتطهير البدن أو اللباس ونحو ذلك، ويجوز أيضاً إمكان الجمع بين الأمرين لأجل تحقّق هذه المقدمات قبل الغروب، ولأجل ذلك حسن الترديد والتشقيق. فالمراد خوف فوات وقت فضيلة المغرب قطعاً لا وقت إجزائها.

   وعليه فيكون مفاد الصحيحة أنّه لدى خوف الفوت تتقدّم المغرب على الظهر الفائتة، دون العكس الذي هو المطلوب. فهي على خلاف ما ذهب إليه القائل أدلّ كما ذكرنا.

   وعلى الجملة: أنّ الصحيحة تنظر إلى بيان حكم الفائتة، وأنّ البدأة بها محبوبة ما لم يزاحمها المحبوبية من جهة اُخرى وهي إدراك وقت الفضيلة للحاضرة، وإلاّ قدّمت الثانية، وليست مسوقة لبيان حكم الحاضرة كي تدلّ على اشتراط سبقها بالفائتة.

   ومنها: صحيحة عبد الرحمن بن أبي عبدالله قال: «سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن رجل نسي صلاة حتى دخل وقت صلاة اُخرى، فقال: إذا نسي الصلاة أو نام عنها صلّى حين يذكرها، فاذا ذكرها وهو في صلاة بدأ بالتي نسي وإن ذكرها مع إمام في صلاة المغرب أتمّها بركعة، ثمّ صلّى المغرب، ثمّ صلّى العتمة بعدها»(1) .

   فانّها باطلاقها تشمل ما إذا كانت المنسية والحاضرة في وقت واحد

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 4: 291 / أبواب المواقيت ب 63 ح 2.

ــ[180]ــ

كالظهرين والعشاءين، أو في وقتين كالعصر والمغرب، وقد دلّت على لزوم البدأة بالاُولى، وتقديم الفائتة على الحاضرة، حتّى أنّه لو كان مشغولا بالحاضرة لعدل منها إلى الفائتة.

   ويتوجّه عليه: أنّها أيضاً قاصرة الدلالة، فانّ لزوم البدأة بالمنسيّة فيما إذا اتحد وقتها مع الحاضرة - كلزوم العدول فيما لو تذكّر وهو في الأثناء - إنّما يكونان بحسب الظاهر، لمراعاة الترتيب المعتبر بين الصلاتين، وهذا خارج عن محلّ الكلام.

   وأمّا بالنسبة إلى مختلفتي الوقت - كالعصر والمغرب - فظاهر قوله (عليه السلام): «فاذا ذكرها وهو في صلاة بدأ بالتي نسي» وإن كان في بادئ النظر هو لزوم تقديم الفائتة على الحاضرة وكونه شرطاً في صحّتها، وإلاّ لم يكن موجب للعدول. إلاّ أنّ التأمل في صدر الصحيحة يقضي بخلافه.

   فانّه (عليه السلام) ذكر أوّلا أنّه «إذا نسي الصلاة أو نام عنها صلّى حين يذكرها...»، فقد بيّن (عليه السلام) بهذا الكلام حكم الفائتة في حدّ ذاتها، وأنّ المبادرة إليها حينما يذكرها محبوبة لزوماً أو استحباباً على الخلاف المتقدّم(1) في مسألة المواسعة والمضايقة.

   ثمّ إنّه (عليه السلام) فرّع على ذلك قوله: «فاذا ذكرها وهو في صلاة بدأ بالتي نسي...» إيعازاً إلى أنّ محبوبية المبادرة إلى الفائتة التي دلّ عليها صدر الرواية باقية حتّى ولو كان التذكّر في الأثناء مع إمكان التدارك بالعدول إلى الفائتة، بل ولو كان في صلاة المغرب مع الإمام، وذلك بأن يضيف ركعة إلى ما أتى به ويجعلها الفائتة، ثمّ يأتي بالمغرب منفرداً، دفعاً لما قد يتوهّم من عدم إمكان التدارك بعد الدخول في الحاضرة، فيكون الأمر بالعدول وارداً مورد توهّم الحظر، وهو لا يدلّ إلاّ على الجواز دون الوجوب.

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) في ص 160 وما بعدها.

 
 

ــ[181]ــ

   وعلى الجملة: أنّ الصحيحة مسوقة لبيان حكم الفائتة في حدّ ذاتها، وأنّ البدار إليها حينما يذكرها محبوب مطلقاً في أيّ مورد ذكرها ولو كان ذلك بعد دخول وقت الحاضرة وبعد الاشتغال بها مع إمكان العدول.

   والتفريع الوارد فيها مترتّب على هذا الحكم، وليست بناظرة إلى حكم الحاضرة واعتبار الترتيب بينها وبين الفائتة تعبّداً مع الغضّ عن محبوبية البدأة بالفائتة في حدّ ذاتها كي يستفاد منها اشتراط الحاضرة بسبق الفائتة.

   ومنها: صحيحة زرارة - الطويلة - عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «إذا نسيت صلاة، أو صلّيتها بغير وضوء، وكان عليك قضاء صلوات فابدأ بأوّلهنّ فأذّن لها وأقم ثمّ صلّها، ثم صلّ ما بعدها باقامة إقامة لكلّ صلاة. وقال قال أبو جعفر (عليه السلام): وإن كنت قد صلّيت الظهر وقد فاتتك الغداة فذكرتها فصلّ الغداة أيّ ساعة ذكرتها ولو بعد العصر، ومتى ما ذكرت صلاة فاتتك صلّيتها. وقال: إذا نسيت الظهر حتى صلّيت العصر فذكرتها وأنت في الصلاة أو بعد فراغك فانوها الاُولى ثمّ صلّ العصر، فانّما هي أربع مكان أربع. وإن ذكرت أنّك لم تصلّ الاُولى وأنت في صلاة العصر وقد صلّيت منها ركعتين فانوها الاُولى، ثمّ صل الركعتين الباقيتين وقم فصلّ العصر. وإن كنت قد ذكرت أنّك لم تصلّ العصر حتى دخل وقت المغرب ولم تخف فوتها فصلّ العصر ثمّ صلّ المغرب، فان كنت قد صلّيت المغرب فقم فصلّ العصر. وإن كنت قد صلّيت من المغرب ركعتين، ثمّ ذكرت العصر فانوها العصر ثمّ قم فأتمّها ركعتين ثمّ تسلّم، ثمّ تصلّي المغرب. فان كنت قد صلّيت العشاء الآخرة ونسيت المغرب فقم فصلّ المغرب، وإن كنت ذكرتها وقد صلّيت من العشاء الآخرة ركعتين أو قمت في الثالثة فانوها المغرب ثمّ سلّم، ثمّ قم فصلّ العشاء الآخرة. فان كنت قد نسيت العشاء الآخرة حتى صلّيت الفجر فصلّ العشاء الآخرة، وإن كنت ذكرتها وأنت في الركعة الاُولى أو في الثانية من الغداة فانوها العشاء، ثمّ قم

ــ[182]ــ

فصلّ الغداة وأذّن وأقم. وإن كانت المغرب والعشاء قد فاتتاك جميعاً فابدأ بهما قبل أن تصلّي الغداة، ابدأ بالمغرب ثمّ العشاء، فان خشيت أن تفوتك الغداة إن بدأت بهما فابدأ بالمغرب ثمّ صلّ الغداة ثمّ صلّ العشاء، وإن خشيت أن تفوتك الغداة إن بدأت بالمغرب فصلّ الغداة ثمّ صلّ المغرب والعشاء، ابدأ بأوّلهما لأنّهما جميعاً قضاء، أيّهما ذكرت فلا تصلّهما إلاّ بعد شعاع الشمس. قال قلت: ولم ذاك؟ قال: لأنّك لست تخاف فوتها»(1) .

   ومحلّ الاستشهاد بالرواية ثلاث فقرات منها:

   الاُولى: قوله (عليه السلام): «وإن كنت قد ذكرت أنّك لم تصلّ العصر حتّى دخل وقت المغرب ولم تخف فوتها فصلّ العصر، ثمّ صلّ المغرب...»، حيث دلّ على لزوم تقديم العصر الفائتة على المغرب ما لم يخف فوتها.

   ويتوجّه عليه أوّلا: أنّ المراد من خوف فوت المغرب فوتها في وقت الفضيلة، دون الإجزاء كما تقدّم(2) ، فانّ الغالب بل الشائع في تلكم العصور هو تفريق الصلوات الخمس اليوميّة بالإتيان بكلّ واحدة منها في وقت فضيلتها وعليه فيكون مفاد الفقرة: أنّه لدى خوف فوت وقت فضيلة المغرب يقدّم المغرب على الفائتة. فتكون إذن على خلاف المطلوب أدلّ.

   وثانياً: أنّ المنظور إليه في الصحيحة كما يشهد به قوله (عليه السلام) في صدر الرواية: «وقد فاتتك الغداة فذكرتها فصلّ الغداة أيّ ساعة ذكرتها ولو بعد العصر، ومتى ما ذكرت صلاة فاتتك صلّيتها» بيان حكم الفائتة في حدّ نفسها، وأنّ البدأة بها متى ما ذكرها محبوبة وجوباً أو استحباباً، وأنّ المبادرة إليها في أىّ ساعة ذكرها أمر مرغوب فيه بنحو اللزوم أو الندب، على الخلاف المتقدّم في مسألة المواسعة والمضايقة.

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 4: 290 / أبواب المواقيت ب 63 ح 1.

(2) في ص 176.

ــ[183]ــ

   فهذه الفقرة وما يضاهيها من فقرات الرواية متفرّعة على هذا الحكم، ومبتنية على هذا الأساس، وليست الصحيحة ناظرة إلى بيان حكم الحاضرة من حيث هي كي تدلّ على اشتراط الترتيب بين الفائتة والحاضرة تعبّداً مع قطع النظر عن تلك المسألة، فانّ سياقها يشهد بعدم كونها في مقام البيان من هذه الناحية أصلا كما ذكرنا ذلك في صحيحة عبد الرحمن، لتوافقهما مضموناً من هذه الناحية. والجواب هنا بعينه هو الجواب هناك.

   الثانية: قوله (عليه السلام): «وإن كنت قد صلّيت من المغرب ركعتين ثمّ ذكرت العصر فانوها العصر»، حيث حكم (عليه السلام) بالعدول من الحاضرة إلى الفائتة فيما إذا كان التذكّر في الأثناء، فأنّه لولا اعتبار الترتيب بين الأمرين لم يكن وجه للحكم بالعدول.

   ويتوجّه عليه: أنّ الوجه في الحكم بالعدول إنّما هو التنبيه على محبوبية البدار والإتيان بالفائتة فوراً متى ما تذكّر الفائتة وفي أيّة ساعة ذكرها، حتّى ولو كان ذلك أثناء الحاضرة مع إمكان العدول كما نبّه على ذلك في صدر الرواية.

   والأمر بالعدول إنّما وقع دفعاً لما قد يتوهّم من عدم إمكان التدارك بعد الشروع في الحاضرة، فيكون وارداً مورد توهّم الحظر، فلا يدلّ على الوجوب ليثبت الاشتراط، بل أقصاه الجواز أو الاستحباب، رعاية لما في المبادرة إلى الفائتة من المحبوبية النفسية. فهذا الحكم أيضاً من فروع الحكم في تلك المسألة ولا يرتبط بحكم الحاضرة.

   الثالثة: قوله (عليه السلام): «وإن كانت المغرب والعشاء قد فاتتاك جميعاً فابدأ بهما قبل أن تصلّي الغداة»، حيث دلّ على لزوم تقديم الفائتتين على الغداة الحاضرة.

   وجوابه أيضاً يعلم ممّا سبق، فانّ التقديم المزبور إنّما يكون من متفرّعات

ــ[184]ــ

الحكم بمحبوبية البدار إلى الفائتة، وليس ذلك بحكم تعبّدي مستقل متعلّق بالحاضرة من حيث هي.

   وعلى الجملة: أنّ الجواب عن الصحيحة بكلمة واحدة، وهي أنّها مسوقة لبيان حكم الفائتة في نفسها، وتدلّ على محبوبية المبادرة إليها متى ما ذكرها وجوباً أو استحباباً، وغير ناظرة إلى بيان حكم الحاضرة ليثبت بها الاشتراط. وعليه فيسقط الاستدلال بها بفقراتها الثلاث.

   والمتحصّل من جميع ما مرّ: أنّ النصوص التي استدل بها للمضايقة واشتراط الترتيب بين الحاضرة والفائتة كلّها ساقطة وغير صالحة للاستدلال فانّ مجموعها ست روايات كما عرفت، والثلاث الأخيرة قاصرة الدلالة وإن صحّت أسنادها، وأمّا الثلاث الاُول فهي ضعيفة السند والدلالة، هذا.

   وعلى تقدير التنزّل وتسليم دلالتها على اعتبار تقديم الفائتة على الحاضرة فهي معارضة بطائفة اُخرى من النصوص - وجملة منها صحاح السند - دلّت على العكس وأنّه يجوز تقديم الحاضرة على الفائتة، وهي:

   صحيحة أبي بصير عن أبي عبدالله (عليه السلام) «قال: إن نام رجل ولم يصلّ صلاة المغرب والعشاء أو نسي فان استيقظ قبل الفجر قدر ما يصلّيهما كلتيهما فليصلّهما، وإن خشي أن تفوته إحداهما فليبدأ بالعشاء الآخرة وإن استيقظ بعد الفجر فليبدأ فليصلّ الفجر ثمّ المغرب ثمّ العشاء الآخرة...»(1) .

   حيث دلّت صريحاً على لزوم تقديم الحاضرة على صلاتي العشاءين الفائتتين. ولا يقدح فيها اشتمال صدرها على ما لا يقول المشهور به وهو امتداد وقت العشاءين إلى الفجر، إذ لا نرى مانعاً من الالتزام بذلك بعد مساعدة الدليل عليه، كما التزمنا به في محلّه، وإن كان آثماً في التأخير إلى ذلك الوقت بدون عذر، وقد مرّ تفصيله في بحث الأوقات(2) .

 ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 4: 288 / أبواب المواقيت ب 62 ح 3.

(2) شرح العروة 11: 128.

ــ[185]ــ

   على أنّ تعيّن طرح هذه الفقرة من الرواية لمخالفتها لمذهب المشهور لا يمنعنا عن الاستدلال بالفقرة الاُخرى على المطلوب ، حيث قد تقرّر في محلّه عدم التلازم بين فقرات الرواية الواحدة في
الحجّية(1).

   وصحيحة عبدالله بن مسكان عن أبي عبدالله (عليه السلام) «قال: إن نام رجل أو نسي أن يصلّي المغرب والعشاء الآخرة، فان استيقظ قبل الفجر قدر ما يصلّيهما كلتيهما فليصلّهما، وإن خاف أن تفوته إحداهما فليبدأ بالعشاء الآخرة، وإن استيقظ بعد الفجر فليصلّ الصبح ثمّ المغرب ثمّ العشاء الآخرة قبل طلوع الشمس»(2) ، ومثلها صحيحة عبدالله بن سنان التي أشار إليها صاحب الوسائل في ذيل هذه الصحيحة.

   هذه الصحاح الثلاث قد دلّت - كما ترى - على لزوم تقديم الحاضرة على الفائتة، فتقع المعارضة بينها وبين النصوص المتقدّمة لا محالة.

   وأحسن وجوه الجمع بين الطائفتين هو حمل الطائفة الاُولى على صورة عدم خوف فوت وقت الفضيلة للصلاة الحاضرة، حيث تقدّم الفائتة حينئذ عليها والطائفة الثانية على خوف الفوت فتقدّم الحاضرة إذن عليها، ترجيحاً لفضيلة الوقت على فضيلة المبادرة إلى الفائتة.

   ويشهد للجمع المذكور ما ورد في صحيحتي صفوان وزرارة الطويلة المتقدّمتين(3) وغيرهما من التصريح بالتفصيل المذكور بالنسبة إلى صلاة المغرب وأنّه تقدّم الظهر أو العصر الفائتة عليها ما لم يخف فوتها المراد به خوف فوت وقت فضيلة المغرب كما تقدّم، وإلاّ قدّم المغرب على الفائتة.

   فبهذه القرينة يحكم باختلاف موردي الطائفتين، وبه ترتفع المعارضة من البين.

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) مصباح الاُصول 3: 428.

(2) الوسائل 4: 288 / أبواب المواقيت ب 62 ح 4.

(3) تقدّم ذكر صحيحة صفوان في ص 178 وصحيحة زرارة في ص 181.




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net