جريان أصالة الصحة في فعل الأجير وعدمه - اعتبار عدالة الأجير 

الكتاب : المستند في شرح العروة الوثقى-الجزء السادس : الصلاة   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 3802


   ولا مجال لجريان أصالة الصحّة في المقام، وذلك لأنّه لم تثبت حجّية الأصل المذكور بدليل لفظي حتّى يستند إلى إطلاقه في موارد الشكّ، حيث لم يدلّ عليه شيء من النصوص، بل المستند في حجيّته هي السيرة والإجماع، بل الضرورة.

   فانّ من الاُمور الواضحة التي اتفق عليها علماء الإسلام وقامت عليه السيرة القطعية حمل الفعل الصادر من المسلم العارف بالمسائل على الصحّة، بإلغاء احتمال الفساد الناشئ من احتمال الغفلة أو النسيان أو التعمّد في الإخلال ببعض الأجزاء أو الشرائط، بلا فرق بين العبادات والمعاملات.

   فترى أنّه يقتدى بامام الجماعة، ويكتفى بصلاة الغير على الميت، ويبني الموكّل على صحّة ما صدر من وكيله من بيع أو نكاح أو طلاق إلى غير ذلك ممّا يرجع إلى المعاد أو المعاش، مع طروء احتمال الفساد في جميع ذلك من جهة الغفلة مثلا عن النية - وهي أمر باطني لا سبيل للعلم بها - وغيرها من الأجزاء والشرائط ولكنّهم لا يعبؤون بذلك، حملا لفعل المسلم على الصحيح.

   بل السيرة قائمة على ذلك حتّى مع الشكّ في معرفة العامل، حيث إنّه لا يُتصدّى - في الحكم بالصحّة - لمعرفة حال العامل من حيث علمه بالمسائل وجهله بها. فاذا شاهدوا من يصلّي على الميت وهم لا يعرفونه عالماً بمسائل الصلاة أو جاهلا بها بنوا على صحّة صلاته، ولم يبالوا باحتمال الفساد الموجب لعدم سقوط الواجب الكفائي بالعمل المذكور.

   وأمّا مع العلم بجهله بها فالسيرة غير جارية حينئذ في الحمل على الصحة بمجرّد احتمال المصادفة الواقعية، فلا تجري في مثله أصالة الصحّة بالضرورة.

   وعلى الجملة: بعد فرض انحصار مستند الأصل المذكور بالدليل اللّبي الذي لا إطلاق له لابدّ من الاقتصار على المقدار المتيقّن به، وهو صورة العلم بمعرفته للمسائل وصورة الشكّ في ذلك، لا مع العلم بجهله بها أيضاً.

ــ[234]ــ

   [1822] مسألة 10: الأحوط اشتراط عدالة الأجير (1) وإن كان الأقوى كفاية الاطمئنان باتيانه على الوجه الصحيح((1)) وإن لم يكن عادلا (2).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

   فما أفاده الماتن (قدس سره) من اشتراط المعرفة في الأجير صحيح، لكن ينبغي على ضوء ما ذكرناه تبديل العبارة على النحو التالي: يشترط في الأجير أن يكون عارفاً ولو احتمالاً...، لما عرفت من أنّ المعتبر عدم العلم بجهله، لا العلم بمعرفته.

   (1) لا دخل للعدالة في صحة العمل، فانّ التكاليف والأحكام الشرعية تعمّ العادل والفاسق، ولا اختصاص لها بالأوّل. فالعمل الصادر من كلّ منهما يكون محكوماً بالصحّة إذا كان واجداً للأجزاء والشرائط ولو بمعونة أصالة الصحة كما مرّ.

   فاشتراط العدالة في الأجير إنّما هو لعدم حجّية قول الفاسق في إخباره عن الإتيان بالعمل. فلم يحرز فراغ ذمّة المنوب عنه، فيجب الاستئجار له ثانياً تحصيلا لليقين بالفراغ، ولأجل ذلك يكتفى بالعدالة حين الإخبار وإن كان فاسقاً حال العمل أو حين الاستئجار، دون العكس.

   (2) في المقام أمران اختلط أحدهما بالآخر في بعض الكلمات:

   أحدهما: أنّه مع حصول الاطمئنان بصدور العمل من الأجير صحيحاً يكتفى به بلا إشكال، فانّ الاطمئنان علم عادي وحجّة عقلائية سواء أخبر به الأجير أيضاً أم لا، فاسقاً كان أم عادلا، حيث لا يدور الاعتماد على الاطمئنان مدار الإخبار، كما لا يختصّ ذلك بالفاسق. فلو استؤجر العادل فمات ولم يخبر ولكن حصل الاطمئنان باتيانه بالعمل صحيحاً كفى ذلك قطعاً.

   ثانيهما: أنّه إذا أخبر الأجير بتحقّق العمل مع عدم حصول الاطمئنان بذلك

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) بل الأقوى كفاية الاطمئنان بأصل الإتيان بالعمل، وأما صحته فيحكم بها بمقتضى الأصل.

ــ[235]ــ

فهل تعتبر العدالة في قبول قوله أو لا بل يكتفى بكونه ثقة وإن لم يكن عدلا ؟ الظاهر هو الثاني، لعدم اختصاص ما دلّ على حجيّة قول الثقة بباب الأحكام بل يعمّ الإخبار عن الموضوعات أيضاً، ولا سيما في موارد إخبار الشخص عن عمل نفسه كما حقّق ذلك في محلّه(1).

   وعلى الجملة: فالاطمئنان بصدور العمل شيء، والاعتماد على إخبار الثقة شيء آخر.

   ومنه تعرف أنّه كان الأولى بالماتن التعبير التالي: وإن كان الأقوى كفاية كونه ثقة. لما قد عرفت من أنّ اعتبار العدالة لأجل التعويل على إخبار الأجير، لا من جهة دخلها في صحّة العمل. فكان الأنسب بسياق الكلام هو تعميم الأجير - المخبر عن العمل - للعدل والثقة وإلاّ فالاطمئنان بصدور العمل منه صحيحاً غير دائر مدار الإخبار وعدمه، كما لا يختصّ ذلك بالفاسق كما عرفت.

   ثمّ إنّ صاحب الجواهر (قدس سره)(2) أفاد بأنّ الاستقراء وتتبّع الأخبار يشهدان بأنّ كلّ ذي عمل مؤتمن على عمله، وأنّ قوله فيه حجّة كما يظهر ذلك بملاحظة ما ورد في الجارية المأمورة بتطهير ثوب سيدها، وكذا إخبار الحجّام بطهارة موضع الحجامة، وما ورد في القصّابين والجزّارين والقصّارين ونحو ذلك فانّ التدبّر في ذلك بعين الإنصاف ربما يورث القطع بحجّية إخبار كل عامل عن عمله وأنّه مصدّق فيه، ومن مصاديق هذا الموضوع هو إخبار النائب عن تحقّق الفعل الذي هو مورد الكلام.

   ويتوجّه عليه: عدم ثبوت هذه الكليّة بحيث يكون إخبار صاحب العمل بمثابة إخبار ذي اليد عن طهارة ما تحت يده أو نجاسته. وما ذكره من الاستقراء فهو ناقص يختصّ بموارد جزئية معيّنة، وليس بالاستقراء التام حتّى

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) مصباح الاُصول 2: 196، 200.

(2) الجواهر 6: 181.




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net