عدم مشروعية الجماعة في النافلة الواجبة بنذر ونحوه - عدم مشروعية الجماعة في صلاة الغدير 

الكتاب : المستند في شرح العروة الوثقى-الجزء السابع:الصلاة   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 5087


ــ[31]ــ

وإن وجبت بالعارض بنذر ونحوه (1).

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

لبيان هذا الحكم، وهو مشروعية الجماعة في النافلة. فلا قصور في إطلاقها كما لا يخفى. والصحيح في الجواب عنها هو ما عرفت.

   فقد تحصّل: عدم مشروعية الجماعة في شيء من النوافل الأصلية عدا ما استثني ممّا ستعرف، للروايات المانعة السليمة عن المعارض، مضافاً إلى قيام السيرة على المنع كما عرفت.

   (1) قد يفرض تعلّق النذر ونحوه باتيان النافلة جماعة، وقد يفرض تعلّقه بذات النافلة لكنّه في مقام الوفاء به يأتي بالمنذور جماعة، وهذا هو مفروض كلام الماتن (قدس سره) دون الأوّل كما هو ظاهر.

   أمّا الفرض الأوّل: فلا إشكال في عدم انعقاد النذر، لعدم كون متعلّقه مشروعاً، ولا نذر إلاّ في أمر سائغ.

   وقد يتخيّل المنافاة بينه وبين ما سبق في محلّه(1) - وقد تسالم عليه الأصحاب أيضاً - من صحّة نذر التطوّع في وقت الفريضة، فانّ التطوّع حينئذ - كالجماعة في النافلة - لم يكن مشروعاً في نفسه، فكيف صحّ تعلّق النذر بالأوّل دون الثاني مع اتّحاد ملاك المنع فيهما.

   ولكنّه تخيّل فاسد، للفرق الظاهر بين المقامين، فانّ الممنوع منه هناك عنوان التطوّع، أي الإتيان بالصلاة طوعاً ورغبة من غير إلزام شرعي به. ومن الواضح أنّ النذر غير متعلّق بهذا العنوان، بل يستحيل تعلّقه بذلك، لامتناع الوفاء به خارجاً، فانّه بعد النذر يكون الإتيان به عن ملزم شرعي لا محالة وليس هو من التطوّع في شيء.

   وإنّما تعلّق بذات النافلة، وهي عبادة راجحة، فانّ الصلاة خير موضوع ومن الضروري أنّه بعد انعقاد النذر تخرج النافلة عن عنوان التطوّع تكويناً

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) شرح العروة 11: 347.

ــ[32]ــ

حيث يلزم الإتيان بها حينئذ شرعاً وفاءً بالنذر كما عرفت، فلا يشمله دليل المنع عن التطوّع في وقت الفريضة، لانتفاء الموضوع.

   وهذا بخلاف المقام، لكون متعلّق النذر فيه هو النافلة جماعة حسب الفرض، وهو بنفسه ممنوع منه شرعاً، فلا ينعقد نذره، إذ لا نذر إلاّ في أمر مشروع سائغ.

   وأمّا الفرض الثاني: فهل الأمر فيه كالأوّل، فلا يجوز الإتيان بالنافلة المنذورة جماعة، أو يجوز قياساً على نذر التطوّع في وقت الفريضة؟ الظاهر هو الأوّل، بل لا ينبغي الإشكال فيه، ضرورة أن تقسيم الصلاة إلى الفرض والنفل ناظر إلى تقسيم ذات الصلاة، ولا يتغيّر هذا العنوان باختلاف الوجوب والاستحباب.

   فانّ معنى الفريضة ما فرضه الله في حدّ ذاته، ومعنى النافلة ما زاد على ما افترضه الله تعالى بالجعل الأوّلي، وليس الوجوب أو الاستحباب معتبراً في التعنون بالعنوان المذكور.

   فلو فرض طروء عنوان ثانوي على النافلة أوجب اتّصافها بالوجوب - كالنذر أو الشرط ضمن العقد اللازم ونحو ذلك - لم يوجب ذلك تغيّر النافلة عمّا كان لها من العنوان من قبل، ولم تنقلب به حقيقتها، غايته أنّها في الحال نافلة واجبة، فتكون بعد النذر باقية بحالها الأول قبله، ومتّصفة بذلك العنوان السابق، ومحكوماً عليها أيضاً بالحكم السابق، ومنه عدم مشروعية الجماعة فيها.

   ومن الظاهر تعلّق النذر بخصوص الحصّة المشروعة من الطبيعة، فلا يتمّ الوفاء به بالإتيان بالحصّة غير المشروعة منه وهي النافلة جماعة، فلذلك لم تشرع الجماعة في النافلة مطلقاً حتّى المنذورة منها.

   وهذا بخلاف التطوع، فانّ حقيقته متقوّمة بعدم الإلزام الشرعي وكون العمل ممّا يؤتى به طوعاً ورغبة كما عرفت، وواضح عدم بقاء هذه الحقيقة بعد

ــ[33]ــ

حتّى صلاة الغدير على الأقوى (1)

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

تعلّق النذر تكويناً، فلا موضوع للتطوّع بعد النذر كي يشمله دليل المنع، وقد عرفت آنفاً أنّ موضوع النذر إنّما هي ذات النافلة لا بعنوان التطوّع. فالفرق بين المقامين كاد يبلغ بعد المشرقين.

   (1) كما عن غير واحد. وحكي عن جملة من الأصحاب (قدس سرهم) القول بالجواز، بل نسب ذلك إلى المشهور، وإن ناقش صاحب الجواهر (قدس سره)(1) في صدق النسبة، فانّ أكثر من تعرّض لهذه الصلاة وأحكامها لم يتعرّض للحكم المذكور. وكيف كان، فلابد من النظر في الدليل.

   وقد يستدلّ للجواز بوجوه:

   أحدها: ما عن المدارك من أنّ الجواز مطابق للقاعدة من دون حاجة إلى ورود نصّ بالخصوص عليه(2) ، بناء على ما سلكه (قدس سره) من مشروعيّة الجماعة في مطلق النوافل، فانّه بعد بنائه على ذلك قال ما لفظه: ومن هذا يظهر أنّ ما ذهب إليه بعض الأصحاب من استحباب الجماعة في صلاة الغدير جيّد وإن لم يرد فيها نصّ على الخصوص.

   ويتوجّه عليه ما عرفت من فساد المبنى، ومعه لا مجال للتفريع.

   ثانيها: أنّ يوم الغدير يوم عيد، بل هو من أعظم الأعياد، فيكفي في مشروعية الجماعة في صلاته ما دلّ على مشروعيتها في صلاة العيدين.

   ويتوجّه عليه أنّ الصغرى وإن كانت مسلّمة، لكنّه لا دليل على مشروعية الجماعة في كلّ عيد، وإنّما الثابت ذلك في خصوص عيدي الفطر والأضحى. فلاوجه للتعدّي عنهما.

 ثالثها: ما حكي عن أبي الصلاح من نسبته إلى الرواية مرسلا(3) ، وكذا ما

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الجواهر 13: 144.

(2) المدارك 4: 316.

(3) الكافي في الفقه: 160.

ــ[34]ــ

عن المفيد في المقنعة(1) من حكاية فعل النبي (صلى الله عليه وآله) يوم الغدير ومن جملته: «أنّه (صلى الله عليه وآله) أمر بأن ينادى بالصلاة جامعة فاجتمعوا وصلّوا ركعتين، ثمّ رقى (صلى الله عليه وآله) المنبر...».

   ويتوجّه عليه: أنّ كلتا الروايتين مرسلة، ولا نعتمد المراسيل، ولم يثبت عمل الأصحاب (قدس سرهم) بهما لتصحّ دعوى الانجبار لو سلّمت الدعوى كبروياً. مع أنّ أمره (صلى الله عليه وآله) بالنداء للصلاة جامعة أعم من إقامتها جماعة، فلعلّهم صلّوا جميعاً لكن بانفراد، وإن كان هذا خلاف الظاهر. وكيف كان، فهذه الوجوه كلّها ساقط.

   رابعها: - وهو العمدة - التمسّك بقاعدة التسامح في أدلّة السنن المستفادة من أخبار من بلغ، فانّها تجبر ضعف سند المرسلتين، فيتمّ الاستدلال بهما للمدّعى.

   قلت: إذا بنينا - كما هو الصحيح تبعاً لصاحب الجواهر (قدس سره)(2) - على أنّ الظاهر من الأخبار المذكورة أو منصرفها هو بلوغ الثواب فقط، دون ما إذا انضمّ إليه بلوغ عدم الثواب أيضاً، ولا سيما إذا كان دليل العدم معتبراً كانصرافها قطعاً عمّا إذا كان قد بلغ كلّ من الثواب والعقاب معاً، فعلى هذا لا مجال للاستناد إلى القاعدة في المقام، فانّه كما بلغ الثواب على ذلك بمقتضى المرسلتين فقد بلغ عدمه أيضاً بموجب النصوص المعتبرة النافية لمشروعية الجماعة في النافلة مطلقاً كما سبق.

   وأمّا إذا بنينا على التعميم كما اختاره المحقّق الهمداني (قدس سره) مدّعياً اختصاص مورد الانصراف بما إذا بلغ العقاب ذاتاً، لا بعنوان التشريع والبدعة كما في المقام(3).

   فان قلنا بأنّ المستفاد من الأخبار المذكورة حجّية الخبر الضعيف

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) المقنعة: 203.

(2) الجواهر 13: 144.

(3) مصباح الفقيه (الصلاة): 626 السطر 4.

ــ[35]ــ

وتخصيص الشرائط المعتبرة في حجّيته بما تضمّن الحكم الإلزامي فقط، استناداً إلى أنّ الظاهر من قوله (عليه السلام) فيها: «فعمل به كان له أجر ذلك...»(1) ترتّب الأجر على نفس العمل بعنوان كونه عملا، الكاشف ذلك عن استحبابه ذاتاً، الملازم لحجيّة الخبر الضعيف حينئذ على حدّ حجّية الصحيح منه فلا مناص إذن من ارتكاب التقييد في أدلّة النفي بما دلّ من المرسل على مشروعيتها في خصوص صلاة الغدير، بعد فرضها بحكم الصحيح لما عرفت.

   وإن قلنا: إنّ مفادها إنّما هو استحباب العمل بالعنوان الثانوي الطارئ، أي بعنوان بلوغ الثواب عليه، لظهورها في ترتّب الأجر على العمل بالعنوان المذكور، دون عنوانه الأوّلي - أعني ذات العمل - لتدلّ على إسقاط شرائط الحجّية في باب المستحبّات، فلا يجري حينئذ تخصيص بالعنوان الذاتي في إطلاق أدلّة النفي كما في الفرض السابق.

   وإنّما يجري فيها التخصيص بالعنوان الثانوي، حيث إنّه بعد ورود المرسلة يثبت استحباب الجماعة في صلاة الغدير بعنوان كونها ممّا بلغ الثواب عليه، فلا محالة يكون التخصيص الوارد على الإطلاقات النافية للمشروعية بالعنوان الثانوي، لا بالعنوان الأولي. فتكون النتيجة هو جواز الجماعة في صلاة الغدير.

   وأمّا إذا رفضنا كلا الرأيين وبنينا - كما هو الصحيح - على أنّ مفادها هو الإرشاد إلى ما حكم به العقل من حسن الانقياد، وأنّها تنبئ عن تفضّله سبحانه وتعالى باعطاء الثواب الذي بلغ وإن لم يكن الأمر كما بلغ، من دون إشعار فيها باستحباب العمل بالعنوان الثانوي، ولا بالغاء شرائط الحجّية في الخبر حتّى يدلّ على الاستحباب الذاتي، فليس هناك أمر في البين متعلّق بالعمل بعنوانه الأوّلي ولا بعنوانه الثانوي، وحينئذ فلا موجب للتخصيص بعد عدم ثبوت استحباب الجماعة في صلاة الغدير، ولذلك لا يجوز الإتيان بها

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 1: 80 / أبواب مقدمة العبادات ب 18 ح 1.




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net