الأوّل : أن لا يكون بين الإمام والمأموم أو بين المأمومين حائل 

الكتاب : المستند في شرح العروة الوثقى-الجزء السابع:الصلاة   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 8253


ــ[137]ــ

فصل

[في شروط الجماعة]
 

   يشترط في الجماعة مضافاً إلى ما مرّ في المسائل المتقدّمة اُمور :

   أحدها : أن لا يكون بين الإمام والمأموم حائل((1)) يمنع عن مشاهدته ، وكذا بين بعض المأمومين مع الآخر ممّن يكون واسطة في اتّصاله بالإمام (1) كمن في صفّه من طرف الإمام أو قدّامه إذا لم يكن في صفّه من يتّصل بالإمام ، فلو كان حائل ولو في بعض أحوال الصلاة من قيام أو قعود أو ركوع أو سجود بطلت الجماعة ، من غير فرق في الحائل بين كونه جداراً أو غيره ولو شخص إنسان لم يكن مأموما .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

    (1) على المشهور والمعروف ، بل ادّعي عليه الإجماع صريحاً في كلمات غير واحد .

   والمستند في ذلك ما رواه المشايخ الثلاثة بطرقهم الصحيحة عن زرارة ، فقد روى الفقيه باسناده عن زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) «أنّه قال : ينبغي

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) اعتبار عدم الحائل بين الإمام والمأموم المانع عن مشاهدته وكذا اعتبار عدمه بين بعض    المأمومين والبعض الآخر الواسطة في الاتصال مبنىّ على الاحتياط ، وإنّما المعتبر في الجماعة أن لا يكون بين المأموم والإمام وكذلك بين بعض المأمومين والبعض الآخر منهم الواسطة    في الاتصال فصل بما لا يتخطّى من سترة أو جدار ونحوهما ، وكذا الحال بين كلّ صفّ    وسابقه .

ــ[138]ــ

أن تكون الصفوف تامّة متواصلة بعضها إلى بعض ، لا يكون بين الصفّين ما لا يتخطّى ، يكون قدر ذلك مسقط جسد إنسان إذا سجد . قال وقال أبو جعفر (عليه السلام) : إن صلّى قوم وبينهم وبين الإمام ما لا يتخطّى فليس ذلك الإمام لهم بامام ، وأيّ صفّ كان أهله يصلّون بصلاة الإمام وبينهم وبين الصف الذي يتقدّمهم ما لا يتخطّى فليس تلك لهم بصلاة ، وإن كان ستراً أو جداراً فليس تلك لهم بصلاة إلاّ من كان حيال الباب . قال وقال : هذه المقاصير إنما أحدثها الجبّارون ، وليس لمن صلّى خلفها مقتدياً بصلاة من فيها صلاة . . .» إلخ(1) .

   والمذكور في الوسائل بدل قوله : «و إن كان ستراً أو جداراً» هكذا : «وإن كان شبراً أو جداراً» . لكن الموجود في الفقيه ما أثبتناه .

   كما أنّ المذكور في الوسائل(2) قبل قوله : «قال وقال : هذه المقاصير» هكذا : «قال : إن صلّى قوم بينهم وبين الإمام سترة أو جدار فليس تلك لهم بصلاة ، إلاّ من كان حيال الباب» ، وأسندها إلى المشايخ الثلاثة . ولكن هذه الفقرة بهذه الكيفية ـ الظاهرة في اختصاص الحكم بما بين الإمام والمأمومين ـ غير موجودة لا في الفقيه ولا الكافي ولا التهذيب ، والصحيح ما ذكرناه . هذا ما يرجع إلى رواية الفقيه .

   ورواها في الكافي(3) وكذا الشيخ(4) عنه عن زرارة بمثل ما تقدّم ، غير أنّها تختلف عن رواية الفقيه في موارد :

 منها : أنّ الكافي(5) صدّر الحديث بقوله : «إن صلّى قوم وبينهم وبين الإمام

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 8 : 410 / أبواب صلاة الجماعة ب 62 ح 1 ، 2 ، 407 / ب 59 ح 1 الفقيه 1 : 253 / 1143 ، 1144 جامع الأحاديث 7 : 359 / أبواب صلاة الجماعة  ب 31 ح 11179 .

(2) في ص 407 / ب 59 ح 1 .

(3) الكافي 3 : 385 / 4 .

(4) التهذيب 3 : 52 / 182 .

(5) [وكذا التهذيب] .

ــ[139]ــ

- إلى قوله : - بصلاة من فيها صلاة» وعقّبه بجملة «ينبغي أن تكون الصفوف تامّة - إلى قوله : - إذا سجد» المذكورة في صدر رواية الفقيه ، مع الاختلاف بينهما أيضاً في الاشتمال على كلمة «إذا سجد» فانّ الكافي خال عنها .

   ومنها : زيادة كلمة «قدر» في رواية الكافي والتهذيب ، فذكر هكذا : «وبين الصفّ الذي يتقدّمهم قدر ما لا يتخطّى» ، وعبارة الفقيه خالية عن هذه الكلمة كما سبق .

   ومنها : أنّ الموجود في الكافي والتهذيب بدل قوله : «و إن كان ستراً أو جداراً» هكذا : «فان كان بينهم سترة أو جدار» بتبديل العطف بالواو إلى العطف بالفاء .

   وكيف ما كان ، فقد تضمّن صدر الحديث أعني قوله (عليه السلام) : «ينبغي أن تكون الصفوف . . .» اعتبار عدم البعد بين الصفّين بما لا يتخطّى الذي قدّره بعد ذلك بمسقط جسد الإنسان إذا سجد . وسيأتي التعرّض لهذا الحكم فيما بعد عند تعرّض الماتن له إن شاء الله تعالى(1) .

   إنّما الكلام في قوله (عليه السلام) بعد ذلك : «إن صلّى قوم وبينهم وبين الإمام ما لا يتخطّى . . .» وأنّه ما المراد بالموصول ؟

   فقيل : إنّه الجسم أو الشيء المانع عن التخطّي ، فتدلّ على قادحية الحائل الموجود بين المأموم والإمام الذي لا يمكن التخطّي معه وإن أمكن لولاه ، لقلّة المسافة بينهما بما لا تزيد على الخطوة .

   وقيل : إنّ المراد به البعد ، ولا نظر هنا إلى الحائل بوجه ، وإنّما المقصود اعتبار أن لا تكون الفاصلة والمسافة بين المأموم والإمام بمقدار لا يتخطّى .

   وقيل : إنّ المراد هو الجامع بين الأمرين ، أي لا تكون الحالة بينهما بمثابة لا تتخطّى ، سواء أكان عدم التخطّي ناشئاً من البعد أو من وجود الحائل .

   والأظهر هو الثاني ، بقرينة الصدر والذيل ، فانّ هذه الكلمة ـ ما لا يتخطّى ـ

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) في ص 157 .

ــ[140]ــ

قد ذكرت سابقاً ولاحقاً ، ولا شكّ أنّ المراد بها فيهما هو البعد وكميّة الفاصلة فكذا هنا لاتّحاد السياق .

   أمّا الصدر فقوله (عليه السلام) : «لا يكون بين الصفّين ما لا يتخطّى ، يكون قدر ذلك مسقط جسد إنسان» ، فانّ المراد بالموصول هنا البعد والمقدار بلا إشكال ، بقرينة تقديره بعد ذلك بمسقط جسد الإنسان ، الذي هو بمنزلة التفسير لما لا يتخطّى .

   وأمّا الذيل فهو قوله (عليه السلام) : «وبينهم وبين الصفّ الذي يتقدّمهم قدر ما لا يتخطّى» بناءً على رواية الكافي ـ وهي أضبط ـ والتهذيب المشتملة على كلمة «قدر» كما مرّ ، فانّ كلمة «قدر ما لا يتخطّى» كالصريح في إرادة البعد والتقدير دون الحائل .

   وعلى الجملة : فلا ينبغي التأمّل في أنّ هذه الفقرة ناظرة إلى التحديد من حيث البعد فقط ، هذا .

   مضافاً إلى ذكر هذه الكلمة في آخر الصحيحة أيضاً ، ولا يراد بها هناك إلاّ البعد قطعاً ، قال (عليه السلام) : «أيّما امرأة صلّت خلف إمام وبينها وبينه ما لا يتخطّى فليس تلك بصلاة» ، إذ لا يحتمل أن يراد بها الحائل ، لجوازه بين النساء والرجال في الجماعة بلا إشكال . وهذه قرينة اُخرى على ما استظهرناه .

   وأمّا قوله (عليه السلام) بعد ذلك : «وإن كان ستراً أو جداراً . . .» فظاهر بمقتضى العطف بالواو في بيان حكم جديد غير مرتبط بسابقه ، وهو اعتبار عدم الحائل بين الصفّ المتقدّم والمتأخّر من ستر أو جدار ونحوهما . فتدلّ الصحيحة بفقرتيها على شرطين مستقلّين أحدهما : عدم البعد بما لا يتخطّى والآخر : عدم وجود الحائل بين الصفّين .

   نعم ، بناءً على رواية الكافي والتهذيب المشتملة على العطف بالفاء ـ كما مرّ ـ فقد يقال بعدم اشتمال هذه الفقرة على حكم جديد ، وأنّها من شؤون الفقرة السابقة وتوابعها بمقتضى التفريع ، وبذلك يستظهر أنّ المراد بالموصول في

 
 

ــ[141]ــ

«مالا يتخطّى» هو الحائل ، ليستقيم التفريع المزبور ، إذ لو اُريد به البعد فلا ارتباط بينه وبين مانعية الستر والجدار ليتفرّع أحدهما على الآخر ، فلا يحسن العطف بالفاء حينئذ .

   وفيه أولا : أنّه لا موقع للتفريع حتّى لو اُريد بما لا يتخطّى الحائل لاستلزامه التكرار الذي هو لغو ظاهر ، إذ بعد بيان اعتبار أن لا يكون حائل لا يتخطّى معه فيستفاد منه اعتبار عدم وجود الساتر والجدار بالأولوية القطعية ، فالتعرّض له لاحقاً تكرار(1) عار عن الفائدة ومستلزم للغوية كما عرفت .

   وثانياً : أنّه قد حكي عن بعض نسخ الوافي(2) نقل الرواية عن الكافي مع الواو كما في الفقيه .

   وثالثاً : لو سلّم اشتمال النسخة على الفاء فالتفريع ناظر إلى صدر الحديث لا إلى الفقرة السابقة كي لا يكون ملائماً مع ما استظهرناه .

   وتوضيحه : أنّه (عليه السلام) ذكر في الصدر(3) أنّه «ينبغي أن تكون الصفوف تامّة متواصلة بعضها إلى بعض» ، وهذا هو الذي يساعده الاعتبار في صدق عنوان الجماعة عرفاً ، إذ لو كان المأمومون متفرّقين بعضهم في شرق المسجد والآخر في غربه وثالث في شماله والآخر في ناحية اُخرى لا يصدق معهم عنوان الجماعة المتّخذة من الاجتماع ، المتقوّم بالهيئة الاتّصالية بحيث كان المجموع صلاة واحدة .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) يمكن أن يقال : إنّ ظاهره إرادة المثال ، وتفريع المثال على الممثل شائع في الاستعمالات  فلا تكرار ، ولو كان فلا بشاعة فيه .

(2) راجع الوافي 8 : 1190 / 8023 .

(3) هذا الصدر غير مذكور في رواية الكافي التي هي محلّ الكلام ، وإنّما هو مذكور في رواية الفقيه كما تقدّم ، هذا . وسيأتي الكلام حول مفاد الصحيحة وفقه الحديث مرّة اُخرى في ذيل الشرط الثالث [ص 159] وربما يغاير المقام فلاحظ . [لا يخفى أنّ صدر الصحيحة ذكر في الكافي والتهذيب معاً ، لكن في الذيل كما سيشار إليه في ص 159] .

ــ[142]ــ

   ثم فرّع (عليه السلام) على ذلك أمرين معتبرين في تحقّق الاتّصال ، بحيث يوجب فقدهما الانفصال وتبعثر الجماعة وسلب الهيئة الاتّصالية التي أشار إلى اعتبارها في الصدر ، أحدهما : عدم البعد بمقدار لا يتخطّى ، فلا تكون المسافة أزيد من الخطوة . وثانيهما : عدم وجود الحائل من ستر أو جدار ، فكلا الحكمين متفرّعان على الصدر ، لا أنّ أحدهما متفرّع على الآخر .

   وأشار (عليه السلام) بعد ذلك تفريعاً على اعتبار عدم الستر والحائل إلى عدم صحّة الاقتداء خلف من يصلّي في المقاصير التي أحدثها الجبّارون . والمقصورة : قبّة تصنع فوق المحراب ابتدعتها الجبابرة بعد مقتل مولانا أميرالمؤمنين (عليه السلام) صيانة عن الاغتيال ، فلأجل أنّها تستوجب الحيلولة بين الإمام والمأمومين منع (عليه السلام) عن الاقتداء بمن فيها .

   والمتحصّل من جميع ما قدمناه : أنّ الصحيحة متكفّلة ببيان حكمين :

   أحدهما : اشتراط عدم البعد ، وسيجيء البحث حول هذا الشرط عند تعرّض الماتن إن شاء الله تعالى(1) .

   ثانيهما : اشتراط عدم الستار والحائل لا بين الإمام والمأموم ، ولا بين الصفّ المتقدّم والمتأخّر ، ولا بين المأموم ومن هو واسطة الاتّصال بينه وبين الإمام كما في الصفّ الأوّل أو المتأخّر إذا كان أطول ، فالستار مانع في جميع هذه الفروض ، للإطلاق في قوله (عليه السلام) على رواية الكليني وهي أضبط : «فان كان بينهم سترة أو جدار فليست تلك لهم بصلاة» فانّ كلمة «بينهم» تكشف عن عموم الحكم للإمام والمأموم ، وللمأمومين أنفسهم كما لا يخفى .

   وقد أشرنا(2) إلى أنّ الصحيحة على النحو الذي رواها في الوسائل المشعر باختصاص الحكم بما بين الإمام والمأمومين لم توجد في شيء من الكتب الثلاثة فتذكّر ، هذا .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) في ص 157 .

(2) في ص 138 .

ــ[143]ــ

   وربما تعارض الصحيحة بموثّقة الحسن بن الجهم قال : «سألت الرضا (عليه السلام) عن الرجل يصلّي بالقوم في مكان ضيّق ويكون بينهم وبينه ستر أيجوز أن يصلّي بهم ؟ قال : نعم»(1) ويقال : إنّ مقتضى الجمع العرفي حمل الصحيحة على الاستحباب ، فيراد من قوله (عليه السلام) فيها : «فليس تلك لهم بصلاة» نفي الكمال، كما في قوله (عليه السلام): «لا صلاة لجار المسجد إلاّ في المسجد»(2) لا نفي الصحّة لتدلّ على المانعية .

   وفيه أوّلا : أنّ الموثّق مضطرب المتن ، فحكي تارة كما أثبتناه ، واُخرى كما عن بعض نسخ الوافي بتبديل الستر بالشبر(3) ـ بالشين المعجمة والباء الموحّدة ـ ولعل الثاني أقرب إلى الصحّة وأوفق بالاعتبار ، لكونه الأنسب بفرض ضيق المكان ، فانّ المأموم إذا كان وحده يصلّي على أحد جانبي الإمام وجوباً أو استحباباً ، وإذا كان امرأة أو أكثر من الواحد يقف خلفه وجوباً أيضاً أو استحباباً .

   والمفروض في الموثّق تعدّد المأمومين ، لقوله : «يصلّي بالقوم» ، فيلزم على الرجل أن يقف خلف الإمام ، ولكن حيث إنّ المكان ضيّق فلا يسعه الوقوف إلاّ على جانب الإمام ، فسئل حينئذ أنّ الفصل بينه وبين الإمام إذا كان بمقدار الشبر فهل تجوز الصلاة ، فأجاب (عليه السلام) بقوله : «نعم» . فالمعنى إنّما يستقيم على هذا التقدير ، وإلاّ فالسؤال عن وجود الساتر لا يرتبط مع فرض ضيق المكان كما لا يخفى . وعليه فالموثّق أجنبي عمّا نحن فيه .

   وثانياً : على تقدير كون النسخة هو الستر فحيث إنّ الجواز مع الحائل هو المعروف من مذهب العامّة فالموثّق محمول لا محالة على التقيّة كما ذكره في الوسائل ، فلا تنهض لمعارضة الصحيحة .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 8 : 408 / أبواب صلاة الجماعة ب 59 ح 3 .

(2) الوسائل 5 : 194 / أبواب أحكام المساجد ب 2 ح 1 .

(3) الوافي 8 : 1192 / 8028 .

ــ[144]ــ

   ولكن هذا الجواب مبنىّ على التأييد ، إذ مع إمكان الجمع العرفي بالحمل على الاستحباب ـ كما مرّ ـ لاتصل النوبة إلى المرجّح الجهتي .

   والعمدة في الجواب ما ذكرناه أوّلا من استظهار كون النسخة هو الشبر ومع التنزّل فلا أقلّ من الشكّ والترديد . فلم يثبت كونها الستر كي تقاوم الصحيحة وتعارضها .

   ثمّ إنّ هناك فروعاً تتعلّق بالمقام ، تعرّض إليها الماتن في طىّ المسائل الآتية بعد انتهائه من ذكر الموانع ، وكان الأنسب التعرّض لها هنا .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net