الثالث : الشك بين الواحدة والأزيد 

الكتاب : المستند في شرح العروة الوثقى-الجزء الثامن:الصلاة   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 4681


ــ[155]ــ

   الثالث :  الشكّ بين الواحدة والأزيد (1) .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

   وأمّا إذا لم نبن على ذلك كما هو الصحيح ، إذ لم تثبت لدينا تلك النسبة بمثابة تسقط رواياته عن درجة الاعتبار ، لعدم كون اشتباهاته بالإضافة إلى غيره بتلك المثابة من الكثرة ، فحينئذ نقول : إنّ الموثّقتين في نفسهما مقطوعتا البطلان إذ لم يفتِ بمضـمونهما أحد ، لا من الخاصّة فانّهم يحكمون بالبطلان ، ولا من العامّة حيث إنّهم يبنـون على الأقل كما مرّ ، فهما مخالفان لفتوى جميع علماء الإسلام ، فتكونان من الروايات المجملة التي اُمرنا بردّ علمها إلى أهلها ، وهم أعرف بما قالوا .

   كما يؤيّده قوله (عليه السلام) في ذيل كلتا الموثّقتين : «هذا والله ممّا لا يقضى أبداً» ، فانّا لم نفهم المراد من هذه العبارة ، ولعلّه أشار (عليه السلام) إلى أنّ هذا الحكم ممّا لا يفتي به أحد لا من الخاصّة ولا من العامّة كما مرّ . وكيف ما كان فهما في نفسهما ساقطتان ومقطوعتا البطلان ، فلا تصلحان لمعارضة ما سبق .

   ومع الغض عن ذلك وتسليم استقرار المعارضة فلا شكّ أنّ تلك النصوص أرجح، فأ نّها أكثر وأشهر وأوضح ، بل نقطع بصدور بعضها عن المعصوم (عليه السلام) ولو إجمالاً ، فتكون من السنّة القطعية ، فلا تنهضان لمقاومتها .

   ومع الغضّ عن ذلك أيضاً فغايته التساقط بعد التعارض ، فيرجع حينئذ إلى إطلاق صحيحة صفوان المتقدّمة (1) المقتضية للبطلان ، التي عرفت أ نّها المرجع في باب الشكّ في الركعات ، وبها نخرج عن مقتضى الاستصحاب .

   (1) ينحلّ هذا إلى فرعين : أحدهما : الشكّ بين الواحدة والثنتين . الثاني : الشكّ بين الواحدة والأكثر كالثنتين والثلاث ، أو بين الواحدة والثلاث ونحو

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) في ص 151 .

ــ[156]ــ

ذلك ، بحيث يكون طرف الشكّ الركعة الواحدة .

   أمّا الفرع الأوّل :  فالظاهر أ نّه لا خلاف كما لا إشكال في البطلان ، وأ نّه لا بدّ من إحراز الأولتين ، ولا يجوز الإتمام على الشكّ . وهل يكفي الظنّ ؟ فيه كلام سيجيء في محلّه إن شاء الله تعالى(1) .

   نعم ، نسب الخلاف هنا أيضاً إلى الصدوق ، وأ نّه يقول بالتخيير بين البناء على الأقلّ والاستئناف ، ولكن النسبة لم تثبت كما مرّ (2) .

   ويدلّ عليه مضافاً إلى إطلاق صحيحة صفوان وما في معناها من الأخبار العامّة التي هي الأصل في باب الشكّ في الركعات ـ كما مرّ ـ نصوص كثيرة وردت في خصوص المقام .

   منها: صحيحة زرارة، قال«قلت له: رجل لايدري أواحدة صلّى أو ثنتين قال: يعيد ...» إلخ(3).

   وصحيحة محمّد بن مسلم : «عن الرجل يصلّي ولا يدري أواحدة صلّى أم ثنتين ، قال: يستقبل حتّى يستيقن أ نّه قد أتمّ، وفي الجمعة وفي المغرب وفي الصلاة في السفر»(4) .

   وصحيحة رفاعة : «عن رجل لايدري أركعة صلّى أم ثنتين ، قال: يعيد»(5) .

   وموثّقة سماعة : «إذا سها الرجل في الركعتين الأولتين من الظهر والعصر فلم يدر واحدة صلّى أم ثنتين فعليه أن يعيد الصلاة» (6) .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) في ص 221 وما بعدها .

(2) في ص 149 .

(3) الوسائل 8 : 189 /  أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 1 ح 6 .

(4) الوسائل 8 : 189 /  أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 1 ح 7 .

(5) الوسائل 8 : 190 /  أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 1 ح 12 .

(6) الوسائل 8 : 191 /  أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 1 ح 17 .

ــ[157]ــ

   وموثّقة موسى بن بكر: «إذا شككت في الأولتين فأعد» (1) ، ونحوها غيرها . ولا يبعد دعوى تواترها إجمالاً ، ولا حاجة إلى هذه الدعوى ، فانّ الروايات المعتبرة كثيرة كما عرفت .

   ولكن بازائها روايات اُخرى دلّت على البناء على الأقل .

   منها :  حسنة الحسين بن أبي العلاء : «عن الرجل لا يدري أركعتين صلّى أم واحدة ؟ قال : يتمّ» (2) . وعنه أيضاً بسند آخر مثله إلاّ أ نّه قال : «يتم على صلاته» (3) .

   وموثّقة ابن أبي يعفور : «عن الرجل لا يدري أركعتين صلّى أم واحدة ؟ قال : يتمّ بركعة» (4) .

   ورواية عبدالرحمن بن الحجّاج : «في الرجل لا يدري أركعة صلّى أم ثنتين ؟ قال : يبني على الركعة» (5) .

   إلاّ أ نّه لا يمكن الاعتماد على هذه الروايات في مقابل النصوص المتقدّمة ، لا لضعفها كما عن الشيخ (6) ، فانّ أسانيدها معتبرة كما عرفت . ولعلّه يريد أ نّها ضعاف في قبال تلك النصوص .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 8 : 192 /  أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 1 ح 19 .

(2) الوسائل 8 : 192 /  أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 1 ح 20 .

(3) الوسائل 8 : 192 /  أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 1 ح 21 .

(4) الوسائل 8 : 192 /  أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 1 ح 22 .

(5) الوسائل 8 : 192 /  أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 1 ح 23 .

(6) [ لاحظ التهذيب 2 : 178 ذيل ح 713 فانّه قال بعد نقل هذه الأخبار : فأوّل ما في هذه الأخبار أنها لا تعارض ما قدّمناه من الأخبار ، لأنها أضعاف هذه ، ولا يجوز العدول عن الأكثر إلى الأقلّ إلاّ بدليل ... ] .

ــ[158]ــ

   ولا من أجل حملها على النوافل كما حكي عنه (قدس سره) (1) أيضاً ، فانّه جمع تبرّعي عار عن الشاهد ، ويبعد جدّاً إرادتها من غير نصب قرينة عليها لا في السؤال ولا في الجواب .

   بل لأجل موافقتها لمذهب العامّة ، فانّ الظاهر تسالمهم على البناء على الأقلّ في باب الشكّ في الركعات مطلقاً ، استناداً إلى الاستصحاب كما نسب ذلك إلى فقهائهم ورواياتهم عن النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) من أ نّه يبني على الأقلّ ويسجد سجدتي السهو قبل أن يسلّم (2) . فهي محمولة على التقية لو لم ندّع كون النصوص المتقدّمة من السنّة القطعية ، ولا حجّية للرواية الواقعة قبال السنّة القطعية . فهي إمّا مطروحة أو مرجوحة .

   وكيف ما كان ، فهي ساقطة ، فلا إشكال في المسألة ، ولا خلاف من أحد كما عرفت . وخلاف الصدوق لم يثبت ، ولا دليل عليه على تقدير الثبوت .

   وأمّا الفرع الثاني :  فالمعروف والمشهور هو البطلان أيضاً ، بل هو المتسالم عليه من غير خلاف ، عدا ما نسب إلى الصدوق وقد تقدّم (3) ، وتقدّم ما فيه وأنّ النسبة غير ثابتة ، بل ثابتة العدم .

   وعدا ما نسب إلى والده من أ نّه أفتى في هذه المسـألة بأنّ الشاكّ يعيد في المرّة الاُولى ، ولو شكّ في المرّة الثانية أيضاً فان غلب ظنّه على الواحدة أتمّ عليها ولكن يتشهّد في كلّ ركعة ، فاذا انكشف أ نّها كانت الثانية وأ نّه قد زاد ركعة لم يكن به بأس ، لأنّ التشهّد حائل بين الرابعة والخامسة ، وإن غلب ظـنّه على

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) التهذيب 2 : 178 ذيل ح 713 .

(2) لاحظ المجموع 4 : 106 ـ 111 ، المغني 1 : 711 ، الشرح الكبير 1 : 727 ، حلية العلماء 2 : 160 .

(3) في ص 149 .

ــ[159]ــ

الثانية بنى عليها وأتمّ ، ويحتاط بعد ذلك بركعتين من جلوس ، وإن لم يغلب ظنّه على طرف وتساوي شكّه بنى أيضاً على الأكثر ، واحتاط بركعة قائماً أو ركعتين من جلوس(1) ، هذا .

   والذي نسب إليه هو البناء على الأكثر والاحتياط كما ذكرناه ، ولكن في بعض الكتب أ نّه يبني على الأقلّ ويحتاط . وهذا لا وجه له ، إذ لا حاجة إلى ركعة الاحتياط بعد البناء على الأقلّ كما لا يخفى .

   وكيف ما كان ، فمستنده هو الفقه الرضوي ، حيث ورد فيه عين ما ذكر من التفصيل(2) ، ولكنّ الرضوي لا يعتمد عليه كما مرّ غير مرّة ، إذ لم يثبت كونه رواية حتّى يعامل معها معاملة الأخبار ويدّعى فيها الانجبار ، فضلاً عن كونها رواية معتبرة ، ولا يبعد أن يكون مجموعة من فتاوى والد الصدوق أو غيره . فهذا القول ساقط جزماً .

   والذي يدلّنا على البطلان عدّة روايات كثيرة معتبرة ـ والدلالة في بعضها صريحة ، وفي بعضها الآخر بالإطلاق ـ دلّت على أنّ طرف الشكّ لو كان هي الركعة الواحدة أعاد الصلاة .

   منها :  صحيحة ابن أبي يعفور : «إذا شككت فلم تدر أفي ثلاث أنت أم في اثنتين أم في واحدة أم في أربع فأعد ، ولا تمض على الشكّ» (3) وهي صريحة في المدّعى .

   وصحيحة زرارة : «كان الذي فرض الله على العباد عشر ركعات وفيهنّ القراءة ، وليس فيهنّ وهم يعني سهواً، فزاد رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) حكاه عنه في المختلف 2 : 378 المسألة 266 .

(2) فقه الرضا : 117 .

(3) الوسائل 8 : 226 /  أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 15 ح 2 .

ــ[160]ــ

سبعاً وفيهنّ الوهم ، وليس فيهنّ قراءة ، فمن شكّ في الأولتين أعاد حتّى يحفظ ويكون على يقين ، ومن شكّ في الأخيرتين عمل بالوهم» (1) .

   ومعـتبرة الوشّـاء : «الإعادة في الركعـتين الأولتين ، والسهو في الركعـتين الأخيرتين»(2) .

   وصحيحة ابن مسلم : «عن رجل شكّ في الركعة الاُولى ، قال : يستأنف» (3) .

   ومضمرة الفضل بن عبدالملك البقباق : «إذا لم تحفظ الركعتين الأولتين فأعد صلاتك» (4) . وهذه بمقتضى الإطلاق تدلّ على المطلوب كما لا يخفى .

   نعم ، بازائها عدّة روايات ربما يتوهّم معارضتها لما سبق :

   منها :  الفقه الرضوي . وقد مرّ ما فيه ، وأ نّه غير قابل للمعارضة .

   ومنها :  صحيحة ابن يقطين : «عن الرجل لايدري كم صلّى واحدة أم اثنتين أم ثلاثاً ، قال : يبني على الجـزم ، ويسجد سـجدتي السهو ، ويتشهّد تشهّداً خفيفاً» (5) .

   وقد حملها الشيخ على الاستئناف وأ نّه يعيد حتّى يجزم ، وحمل سجود السهو والتشهّد على الاستحباب (6) . ولكنّه بعيد جدّاً ، فانّ ظاهر البناء على الجزم هو البناء على الأقلّ ، وحينئذ تعارض النصوص المتقدّمة ، وحيث إنّها موافقة لفتوى العامّة فلتحمل على التقية .

   ومنها :  رواية علي بن أبي حمزة : «عن الرجل يشكّ فلا يدري واحدة صلّى

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 8 : 187 /  أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 1 ح 1 .

(2) الوسائل 8 : 190 /  أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 1 ح 10 .

(3) الوسائل 8 : 190 /  أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 1 ح 11 .

(4) الوسائل 8 : 190 /  أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 1 ح 13 .

(5) الوسائل 8 : 227 /  أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 15 ح 6 .

(6) التهذيب 2 : 188 ذيل ح 745 .

 
 

ــ[161]ــ

أو اثنتين أو ثلاثاً أو أربعاً ، تلتبس عليه صلاته ، قال : كلّ ذا ؟ قال قلت : نعم قال: فليمض في صلاته ويتعوّذ بالله من الشيطان، فانّه يوشك أن يذهب عنه» (1) .

   ولكنّها ضعيفة السند بعلي بن أبي حمزة البطائني ، فانّه لم يوثّق . ومع الغضّ عن ذلك فالدلالة قاصرة ، فانّ موردها كثير الشكّ بقرينة قوله : «كلّ ذا» وأمره (عليه السلام) بالاستعاذة من الشيطان ، وهو خارج عن محلّ الكلام .

   ومنها : ما رواه الشيخ باسناده عن عنبسة قال : «سألته عن الرجل لايدري ركعتين ركع أو واحدة أو ثلاثاً ، قال : يبني صلاته على ركعة واحدة يقرأ فيها بفاتحة الكتاب ، ويسجد سجدتي السهو» (2) . وهي واضحة الدلالة على البناء على الأقلّ .

   ويقع الكلام تارة في سندها ، واُخرى من حيث معارضتها لما سبق .

   أمّا من حيث السند فقد رواها في الوسـائل وفي التهذيبـين (3) عن عنبسة والظاهر أنّ المراد به بقرينة رواية صفوان(4) عنه هو عنبسة بن بجاد ، وهو ثقة نعم رواها في الحدائق عن عنبسة بن مصعب(5) ولم يوثّق صريحاً في كتب الرجال لكنّه مذكور في أسانيد كامل الزيارات . فالرجل موثّق على التقديرين .

   وأمّا من حيث المعـارضة فهي لا تقاوم النصوص السابقة لكثرتها ، بل

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 8 : 228 /  أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 16 ح 4 .

(2) الوسائل 8 : 193 /  أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 1 ح 24 ، التهذيب 2 : 353 / 1463 .

(3) التهذيب 2 : 353 / 1463 ، الاستبصار 1 : 376 / 1427 .

(4) روى صفوان عن ابن مصعب أيضاً كما صرّح به في المعجم 14 : 180 / 9117 ، فلا قرينة .

(5) الحدائق 9 : 200 .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net