الشك في حلِّيّة الحيوان 

الكتاب : التنقيح في شرح العروة الوثقى-الجزء الثاني:الطهارة   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 7120


    الشك في الحلِّيّة مع العلم بالقابلية

   (1) الشك في حرمة الحيوان على تقدير ذبحه قد يكون من جهة الشبهة الحكمية

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) لا أصل في المقام يقتضي الحرمة ، أمّا مع العلم بقبول الحيوان للتذكية فالأمر ظاهر ، وأمّا مع الشك فيه فلأن المرجع حينئذ هو عموم ما دلّ على قبول كل حيوان للتذكية إذا كانت الشبهة حكمية ، واستصحاب عدم كون الحيوان المشكوك فيه من العناوين الخارجة إذا كانت الشبهة موضوعية .

ــ[408]ــ

وقد يكون من جهة الشبهة الموضوعية ، وعلى كلا التقديرين فقد يعلم قبوله للتذكية وقد يشك في ذلك .

   أمّا إذا كان الشك من جهة الشبهة الحكمية أو الموضوعية مع العلم بقبول الحيوان للتذكية كما إذا شككنا في حرمة لحم الأرنب أو شككنا في أن الحيوان شاة أو ذئب لظلمة ونحوها ، وكثيراً ما يتفق ذلك في الطيور لأنها قابلة للتذكية إلاّ أن بعضها محرم الأكل ، فقد ذهب جماعة من المحققين (قدس سرهم) إلى حرمة كل لحم يشك في حلية حيوانه ، وذلك للأصل الثانوي ، إلاّ أ نّا لم نقف على وجهه . مع أن مقتضى أصالة الاباحة حليته كغيره مما يشك في حرمته ، وغاية الأمر أن يقال إن الحرمة بعد ذبحه هي التي يقتضيها استصحاب الحرمة الثابتة عليه قبل ذبحه ، إلاّ أنه مما لا يمكن المساعدة عليه .

   أمّا أوّلاً : فلتوقفه على حرمة لحم الحيوان حال حياته ، ولم نعثر على دليل يدل عليها ، فان قوله تعالى (إلاّ ما ذكيتم ) (1) ناظر إلى الحيوان الذي طرأ عليه الموت فانّه على قسمين : قسم تقع عليه التذكية وهو حلال ، وقسم لا تقع عليه وهو حرام وأمّا أكله من دون أن يطرأ عليه الموت قبل ذلك كابتلاع السمكة الصغيرة أو غيرها حية مما يحل أكل لحمه فلا دلالة للآية المباركة على حرمته .

   وأمّا حرمة القطعة المبانة من الحي فهي مستندة إلى كون القطعة المبانة ميتة ، وكلامنا في حرمة أكل الحيوان دون الميتة . وعلى الجملة لم تثبت حرمة أكل الحيوان قبل ذبحه حتى نستصحبها عند الشك بعد ذبحه ، هذا كله على مسلك القوم وأمّا على مسلكنا من عدم جريان الاستصحاب في الأحكام الكلية الإلهية فعدم امكان اثبات حرمة الأكل بالاستصحاب بعد ذبح الحيوان أظهر .

   وأمّا ثانياً : فلأن الحرمة على تقدير تسليمها حال الحياة إنما تثبت على الحيوان بعنوان عدم التذكية ، وبعد فرض وقوع التذكية عليه خارجاً وقابليته لها يتبدل عدم التذكية إلى التذكية ، ومع زوال عنوان عدم التذكية تنتفي حرمته لا محالة .

   وأمّا ثالثاً : فلأن استصحاب حرمة الأكل على تقدير جريانه في نفسه محكوم

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) المائدة 5 : 3 .

ــ[409]ــ

بالعمومات الواردة في حلية كل حيوان وقعت عليه التذكية إلاّ ما خرج بالدليل كما دلّ على حلية ما يتصيد من الحيوانات البرية والبحرية (1) وكقوله تعالى : (قُل لا  أجد فيما اُوحى إليّ محرماً ... ) (2) فان مقتضاهما حلية جميع الحيوانات بالتذكية إلاّ ما خرج بالدليل ، وبما أن الشبهة حكمية فلا بدّ فيها من التمسك بالعام ما لم يقم دليل على خلافه .

   وعليه فالأصل العملي واللفظي يقتضيان حلية الحيوان المشكوك فيه عند العلم بقابليته للتذكية ، وهذا من غير فرق بين الشبهات الحكمية والشبهات الموضوعية . نعم ، تمتاز الثانية من الاُولى في أن التمسك بالعمومات فيها إنما هو ببركة الاستصحاب الجاري في العدم الأزلي ، لأن أصالة العدم الأزلي تقتضي عدم كونه من الحيوانات الخارجة عن تحتها كالكلب والخنزير وأشباههما .

    الشك في الحلية مع عدم العلم بالقابلية

   وأمّا إذا شككنا في حرمته وحليته مع الشك في قابليته للتذكية ـ  كما في المسوخ  ـ فهل تجري حينئذ أصالة عدم التذكية ؟

   التحقيق عدم جريانها من دون فرق في ذلك بين كون الشبهة حكمية وكونها موضوعية ، وذلك لأن التذكية إن قلنا بكونها عبارة عن الأفعال الخارجية الصادرة من الذابح من فري الأوداج الأربعة بالحديد كما هو المستفاد من قوله (عليه السلام) «بلى» في رواية علي بن أبي حمزة قال «سألت أبا عبدالله وأبا الحسن (عليهما السلام) عن لباس الفراء والصلاة فيها ؟ فقال : لا تصل فيها إلاّ فيما كان منه ذكياً ، قال قلت : أو

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) كصحيحة محمد بن قيس عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : «من جرح صيداً بسلاح وذكر اسم الله عليه ثم بقي ليلة أو ليلتين لم يأكل منه سبع وقد علم أن سلاحه هو الذي قتله فليأكل منه إن شاء» الحديث . وما عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : «كل من الصيد ما قتل السيف والرمح والسهم» الحديث . المرويتين في الوسائل 23 : 362 / أبواب الصيد ب 16 ح 1 ، 2 . وفي صحيحة الحلبي عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال «سألته عن صيد الحيتان وإن لم يسم عليه قال : لا بأس به» المروية في الوسائل23: 385 / أبواب الصيد ب 33 ح 1 .

(2) الأنعام 6 : 145 .

ــ[410]ــ

ليس الذكي مما ذكي بالحديد ؟ قال : بلى إذا كان مما يؤكل لحمه» (1) وقوله (عليه السلام) «ذكّاه الذبح أو لم يذكه»(2) في موثقة ابن بكير حيث أسند التذكية إلى الذابح فلا شكّ لنا في التذكية للعلم بوقوعها على الحيوان ، وإنما نشك في حليته فنرجع فيه إلى أصالة الحل .

   وإن قلنا إن التذكية أمر بسيط أو أنها مركبة من الاُمور الخارجية ومن قابلية المحل ، فأصالة عدم تحقق التذكية وإن كانت جارية في نفسها إلاّ أنها محكومة بالعمومات الدالة على قابلية كل حيوان للتذكية ، ففي صحيحة علي بن يقطين قال : «سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن لباس الفراء والسمور والفنك والثعالب وجميع الجلود قال : لا بأس بذلك» (3) ومعنى نفي البأس في جميع الجلود أنه لا مانع من لبسها مطلقاً ولو في حال الصلاة ، فتدل بالدلالة الالتزامية على تذكيتها ، إذ لو لم تكن كذلك لم يجز لبسها إما مطلقاً لو قلنا بعدم جواز الانتفاع بالميتة كما يأتي عن قريب أو في خصوص حال الصلاة .

   وعلى الجملة الجلود على قسمين : فمنها ما نقطع بعدم قبول حيوانه للتذكية وإن وقع عليه الذبح بجميع ما يعتبر فيه شرعاً كما في جلد الكلب والخنزير ، أو نقطع بعدم تذكيته وإن كان قابلاً لها ومنه ما يقطع من الحي ، ولا إشكال في خروج جميع ذلك عن عموم نفي البأس في الجلود ، وقسم نقطع بوقوع التذكية عليه مع الشك في قابليته لها وعموم نفي البأس في جميع الجلود يشمله وبه نحكم بقبول كل حيوان للتذكية إلاّ ما خرج بالدليل ، ومع هذا العموم لا مجال لاستصحاب عدم التذكية .

   ثم على تقدير جريانه فهل يترتب عليه النجاسة أيضاً أو لا يترتب عليه غير آثار عدم التذكية ؟ فيه بحث طويل تعرضنا له في المباحث الاُصولية ، وحاصله : أن النجاسة لم تترتّب في شيء من الأدلّة على عنوان غير المذكى وإنما هي مترتبة على عنوان الميتة ، وهي كما نصّ عليه في المصباح عنوان وجودي وهو غير عنوان عدم

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) ، (2) الوسائل 4 : 345 / أبواب لباس المصلِّي ب 2 ح 2 ، 1 .

(3) الوسائل 4 : 352 / أبواب لباس المصلِّي ب 5 ح 1 .

ــ[411]ــ

وكذا إذا لم يعلم أن له دماً سائلاً أم لا ، كما أنه إذا شكّ في شيء أنه من فضلة حلال اللّحم أو حرامه ، أو شكّ في أنه من الحيوان الفلاني حتى يكون نجساً أو من الفلاني حتى يكون طاهراً كما إذا رأى شيئاً لا يدري أنه بعرة فأر أو بعرة خنفساء ففي جميع هذه الصور يبني على طهارته (1) .

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

التذكية (1) . نعم ، هما متلازمان إلاّ أن عنوان الميتة لا يثبت باستصحاب عدم التذكية فلا يترتب على استصحاب عدمها الحكم بالنجاسة بوجه . نعم ، يترتب عليه الآثار المترتبة على عنوان عدم التذكية من حرمة أكله وبطلان الصلاة فيه ، ومن ثمة حكمنا بطهارة الجلود المجلوبة من بلاد الكفر وكذا اللحوم المشكوكة من حيث التذكية .

   (1) قد يفرض هذا فيما إذا دار أمر الفضلة بين حيوان له نفس سائلة كالفأرة وبين ما لا نفس له كالخنفساء ، وقد يفرض مع العلم بأنه من الحيوان المعين كالحية ولكن يشك في أن لها نفساً سائلة حيث ادعى بعضهم أن لها نفساً سائلة وأنكره بعض آخر والمرجع في كلا الفرضين هو قاعدة الطهارة .

   وقد يتخيل أنه بناء على جريان الاستصحاب في الأعدام الأزلية لا بدّ من الحكم بالنجاسة مع الشك ، لأن ما دلّ بعمومه على نجاسة بول ما لا يؤكل لحمه وخرئه وإن خصص بما لا نفس له ، إلاّ أن استصحاب العدم الأزلي يقتضي بقاء الحيوان المشكوك فيه تحت العام وبذلك يحكم بنجاسة بوله وخرئه .

   ولكن هذا الكلام بمعزل عن التحقيق ، لأن حال الموضوع وإن صحّ تنقيحه باجراء الاستصحاب في العدم الأزلي وكبرى ذلك مما لا إشكال فيه ، إلاّ أن التمسك به في المقام ينتج إحراز خروج الفرد المشكوك فيه عن العام لابقائه تحته ، وذلك لأن الخارج عنـوان عدمي أعني ما لا نفس له ، فاذا شـككنا في أنه مما له نفس سائلة فمقتضى الأصل أنه مما لا نفس له ، ويحرز بذلك دخوله تحت الخاص ويحكم عليه بطهارة بوله وخرئه ، والتمسك باستصحاب العدم الأزلي إنما ينتج في جواز التمسك بالعام فيما إذا كان

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) المصباح المنير : 584 .

ــ[412]ــ

   [ 164 ] مسألة 4 : لا يحكم بنجاسة فضلة الحية لعدم العلم بأن دمها سائل . نعم ، حكي عن بعض السادة أن دمها سائل ، ويمكن اختلاف الحيات في ذلك . وكذا لا يحكم بنجاسة فضلة التمساح ، للشك المذكور وإن حكي عن الشهيد (رحمه الله) أن جميع الحيوانات البحرية ليس لها دم سائل إلاّ التمساح لكنه غير معلوم ، والكلية المذكورة أيضاً غير معلومة (1) .

   الثالث : المني من كل حيوان له دم سائل ، حراماً كان أو حلالاً((1)) ، برياً أو بحرياً (2) .

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الخارج عن عمومه عنواناً وجودياً حتى يحرز عدمه بالاستصحاب .

   (1) قد ظهر حكم هذه المسألة مما أسلفناه في المسألة المتقدمة فلا نعيد .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net