الرابعة عشرة : العلم بعد الفراغ بترك سجدتين يشك في كونهما من ركعتين أو ركعة 

الكتاب : المستند في شرح العروة الوثقى-الجزء التاسع:الصلاة   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 3746


ــ[165]ــ

   [ 2147 ] المسألة الرابعة عشرة : إذا علم بعد الفراغ من الصلاة أ نّه ترك سجدتين ولكن لم يدر أ نّهما من ركعة واحدة أو من ركعتين (1) وجب عليه الإعادة ((1)) ، ولكن الأحوط قضاء السجدة مرّتين وكذا سجود السهو مرّتين أوّلاً ثمّ الإعادة ، وكذا يجب الإعادة إذا كان ذلك في أثناء الصلاة ، والأحوط إتمام الصلاة وقضاء كلّ منهما وسجود السهو مرّتين ثمّ الإعادة .

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

للشك في وقوع الركوع في محلّه لنحتاج إلى الإعادة بمقتضى قاعدة الاشتغال الجارية في أصل الصلاة ، لحكومة هذه القاعدة عليها .

   (1) مفروض كلامه (قدس سره) ما إذا كان العلم حاصلاً بعد فوات محل السجدة الشكّي والسهوي بحيث لا يمكن معه التدارك ، كما لو حصل بعد الفراغ من الصلاة وقد تعذّر الرجـوع إمّا لارتكاب المنافي أو لكون السـجدتين المتروكتين ممّا عدا الركعة الأخيرة ، أو حصل في الأثناء بعد الدخول في الركن كما لو دخل في ركوع الثالثة فحصل له العلم بترك سجدتين مردّداً بين كونهما من ركعة واحـدة لتبطل الصلاة ، أو من ركعتين ليجب قضـاؤهما فقط على المختار ، أو بضم سجدتي السهو لكلّ منهما على المسلك المشهور من عدّ نسيان السجدة من موجبات سجود السهو .

   وقد حكم الماتن (قدس سره) أوّلاً بالبطلان ، ثمّ احتاط بقضاء السجدتين قبل الإعادة .

   أمّا البطلان فمستنده أصالة عدم الإتيان بسجدتي الركعة الواحدة بعد سقوط

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) لا يبعد الحكم بصحّة الصلاة مطلقاً ، فمع فوات المحل الشكّي والسهوي يجب عليه قضاء السجدة مرّتين ، ومع بقاء المحل الشكّي يجب الإتيان بالمشكوك فيه فينحلّ العلم الاجمالي ، ومع بقاء المحلّ السهوي كان الحال كذلك ، ويظهر وجهه بالتأمّل .

ــ[166]ــ

قاعدة التجاوز الجارية فيها وفي الركعة الاُخرى بالمعارضة .

   بتقريب أنّ واقع الشك في مفروض المسألة يرجع لدى التحليل إلى علمه بترك السجدة الثانية من إحدى الركعتين والإتيان بالسجدة الاُولى من الركعة الاُخرى ، والشك في أنّ السجدة الاُخرى المتروكة هل هي الاُولى من الركعة التي تركت سجدتها الثانية جزماً أم أ نّها الثانية من الركعة الاُخرى المأتي فيها بالسجدة الاُولى جزماً .

   إذ بعد فرض العلم بترك سجدتين فقط من ركعتين ـ الملازم لفرض العلم باتيان الثنتين الباقيتين ـ والتردّد بين كون المتروكتين من ركعة واحدة أو من ركعتين ، فاحدى السجدتين وهي الثانية من إحدى الركعتين مقطوعة العدم لا محالة ، كما أنّ سجدة واحدة وهي الاُولى من الركعة الاُخرى مقطوعة الوجود . فهاتان معلومتان تفصيلاً وإن كان كلّ منهما مجهولاً من حيث كونها في الركعة الاُولى بخصوصها ، أم في الركعة الثانية كذلك .

   والتي تكون مورداً للعلم الإجمالي إنّما هي السجدة الاُخرى المتروكة المردّدة بين طرفين ، وهما كونها الاُولى ممّا تركت سجدتها الثانية قطعاً ليترتّب عليها البطلان ، أو الثانية ممّا اُتي بسجدتها الاُولى قطعاً أيضاً كي يكون قد فات من كلّ ركعة سجدتها الثانية فقط ، حتّى تترتّب عليها الصحّة وقضاء السجدتين خارج الصلاة .

   وبما أنّ قاعدة التجاوز الجارية في كلّ من الطرفين لو خلّيت وطبعها وكانت وحدها سـاقطة بالمعارضـة ، فلا جرم تصل النـوبة إلى الأصل المحكوم وهو الاستصحاب ، وحينئذ فمقتضى أصالة عدم الإتيان بالسجدة الاُولى ممّا تركت فيها الثانية هو البطلان ، إذ معها نحرز ترك سجدتين من ركعة واحدة إحداهما معلومة الترك وجداناً والاُخرى تعبّداً .

ــ[167]ــ

   كما أنّ مقتضى أصالة عدم الإتيان بالسـجدة الثانية من الركعة الاُخرى المشتملة على سجدتها الاُولى التي هي طرف للعلم الإجمالي وجوب قضائها كقضاء السجدة الثانية المعلومة الترك من إحدى الركعتين .

   وبعبارة اُخرى : السجدة الثانية من كلّ من الركعتين بخصوصها مشـكوكة فيرجع إلى أصالة العدم ، ونتيجة ذلك وجوب قضاء السجدتين الثانيتين المعلوم ترك إحداهما وجداناً والاُخرى تعبّداً .

   وعلى الجملة : فبمقتضى الأصل الأوّل المترتِّب عليه البطلان تجب الإعادة وبمقتضى الأصل الثاني المترتِّب عليه الصحّة يجب قضاء السجدتين ، ومن هنا كان الأحوط الجمع بين الأمرين . هذا ما ذكره الماتن (قدس سره) .

   أقول :  لو سلّمنا سقوط قاعدة التجاوز في المقام بالمعارضة ووصلت النوبة إلى الاسـتصحاب فلا موجب للحكم بالقضاء حينئذ بوجه ، إذ بعد إجراء الأصل الأوّل الّذي مقتضاه البطلان ـ كما مرّ ـ لا تصل النوبة إلى إعمال الأصل الثاني لإثبات القضـاء الذي لا يكون مشروعاً إلاّ في صلاة صحيحة . ومن المعلوم أنّ استصحاب عدم الإتيان بالثانية لا يثبت الإتيان بالاُولى حتّى يحكم بالصحّة والقضاء .

   وبعبارة اُخرى : القضاء حكم لترك السجدة الواحدة من كلّ ركعة بقيد أ نّها واحدة ، غير المتحقّق إلاّ بعد الفراغ عن إحراز السجدة الاُولى ، ومن البيِّن أنّ السجدة الاُولى من كلّ ركعة بخصوصها مشكوكة وجداناً وغير محرزة بوجه لجواز ترك السجدتين معاً من ركعة واحدة ، بل هو كذلك بمقتضى الأصل الأوّل كما عرفت .

   فلا يترتّب القضاء على أصالة عدم الإتيان بالسجدة الثانية إلاّ إذا أثبتت الإتيان بالسجدة الاُولى ، ولا نقول بحجّية الاُصول المثبتة . فلا مجال للتمسّك

ــ[168]ــ

بهذا الأصل لإثبات القضاء ، بل المرجع الأصل الأوّل الّذي نتيجته البطلان .

   هذا كلّه بناءً على سقوط قاعدة التجاوز في المقام ووصول النوبة للرجوع إلى الاستصحاب .

   والتحقيق :  أ نّه لا مانع من الرجوع إلى القاعدة لعدم المعارضة ، ولأجله يحكم بصحّة الصلاة وتعيّن القضاء .

   بيان ذلك : أنّ من المقرّر في محلّه (1) أنّ العلم الإجمالي بنفسـه لا يكون منجّزاً ، بل المناط في التنجيز معارضة الاُصول وما شابهها من القواعد الجارية في الأطراف ، وضابط المعارضة أن يلزم من الجمع المخالفة القطعية العملية ومن التخصيص بالبعض الترجيح من غير مرجّح ، فعند تحقّق الأمرين يحكم بتعارض الاُصول وتساقطها ، ونتيجة ذلك لزوم ترتيب الأثر المعلوم بالإجمال . فلا معارضة مع انتفاء أحد الأمرين بطبيعة الحال . وعليه فلو كان مرجّح لإعمال الأصل في بعض الأطراف كان هو الجاري ، ومعه لا يجري في الطرف الآخر في حدّ نفسه لا لأجل المعارضة .

   ومقـامنا من هذا القبيل ، فانّ أثر نقصان السجدة في أحد طرفي العلم الإجمالي وهي السجدة الاُولى من الركعة المتروكة سجدتها الثانية هو البطلان فالأثر المرغوب من إجراء القاعـدة فيها هو الصحّة لا محالة ، ولا يكون إجراؤها فيها منوطاً ومتوقّفاً على أيّ شيء .

   وأمّا أثر النقص في الطرف الآخر وهي السجدة الثانية من الركعة الاُخرى فهو القضاء ، والأثر المرغوب من إعمال القاعدة فيها نفي وجوب القضاء .

   ومن البيِّن الواضح أنّ الحكم بالقضاء نفياً أو إثباتاً متفرّع على إحراز صحّة

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) مصباح الاُصول 2 : 344 .

ــ[169]ــ

الصلاة من سائر الجهات ، ولا يكون مترتِّباً على مجرّد ترك السجدة الثانية مطلقاً ، بل على تركها في صلاة محكومة بالصحّة من غير هذه الجهة ، أعني جهة نقصان السجدة . فلا بدّ من إحراز الصحّة في مرتبة سابقة ليكون مورداً لتعلّق الخطاب بالقضاء تارة وبعدمه اُخرى ، إذ لا قضاء في صلاة باطلة جزماً ، فلا تصل النوبة إلى إعمال قاعدة التجاوز لنفي القضاء ما لم تحرز صحّة الصلاة .

   ولذا لو شكّ حال الركوع في نسيان السجدة الواحدة من الركعة السابقة وكان في عين الحال شاكّاً بين الثنتين والثلاث ، لم يكن مجال لإعمال القاعدة المزبورة لنفي وجوب القضاء بعد أن كانت الصلاة محكومة بالبطلان بمقتضى الشك المذكور .

   ومن المعلوم أ نّه لا سبيل إلى إحراز الصحّة في المقام إلاّ بواسطة إعمال القاعدة في الطرف الآخر المترتِّب عليها نفي احتمال البطلان كما مرّ . فمن دون الإعمال في ذاك الطرف أوّلاً وإحراز الصحّة بذلك لا يمكن الإعمال في هذا الطرف .

   وكلّما كانت الاُصول في أطراف العلم الإجمالي من هذا القبيل بأن كان جريانها في طرف موقوفاً على جريانها في الطرف الآخر اختصّ الجريان بالثاني ، لاشتماله على الترجيح ، ولا يجرى في الأوّل لا لأجل المعارضة ، بل لعدم ترتّب الأثر عليه في حدّ نفسه . ومن المعلوم أ نّه بعد إجراء الثاني لا مجال لإجراء الأوّل ، للزوم المخالفة القطعية العملية .

   إذن تجري قاعدة التجاوز في المقام في الطرف الآخر من غير معارض ، لعدم جريانها في ذاك الطرف لا وحده لعدم الأثر ، ولا مع الطرف الآخر لما عرفت من لزوم المخالفة العملية ، للعلم بترك السجدتين لا أقل من ذلك .

   وبعبارة اُخرى :  الأمر يدور بين شمول القاعدة لكلا الطرفين ، أو لخصوص

ــ[170]ــ

ما أثره نفي القضاء ، أو لخصوص ما أثره نفي البطلان .

   لا سبيل إلى الأوّل للزوم المخالفة كما مرّ ، ولا إلى الثاني لعدم ترتّب الأثر عليه في حدّ نفسه إلاّ مع الجريان في الطرف الآخر ، فيعود المحذور المزبور . فيتعيّن الثالث ، فتجري قاعدة التجاوز فيما أثره نفي البطلان بلا معارض .

   وعليه فيرجع في الطرف الآخر أعني ما كان أثر النقص فيه هو القضاء إلى الاستصحاب ، ولأجله يحكم بوجوب قضاء السجدتين إحداهما معلومة الترك بالوجدان ، والاُخرى بمقتضى أصالة عدم الإتيان .

   فصحّة الصلاة ثابتة بمقتضى قاعدة التجاوز الجارية في الاُولى ممّا ترك فيه الثانية السـليمة عن المعارض ، ووجوب القضاء ثابت بمقتضى أصالة عدم الإتيان بالسـجدة الثانية من خصوص كلّ من الركعـتين . فلا يجـب عليه إلاّ القضاء دون الإعادة .

   فالمقام نظير ما لو علم حال الركوع بترك جزء من الركعة السابقة مردّداً بين الركوع أو السجدة الواحدة ، فانّ قاعدة التجاوز تجري في الركوع وبها تحرز الصحّة ، ولا تعارض بجريانها في السجدة لنفي القضاء ، لتوقّفه على صحّة الصلاة غير المحرزة إلاّ بعد جريانها في الركـوع ، ومعه يوجب المخالفة العملية بل المرجع في السجدة أصالة عدم الإتيان المترتِّب عليها وجوب القضاء، فينحلّ العلم الإجمالي بقاعدة التجاوز والاستصحاب كما هو الحال في المقام حرفاً بحرف .

   وأمّا ما تكرّر في مطاوي المسائل السابقة من وجوب الجمع في أمثال المقام بين الإتمام والإعادة عملاً بالعلم الإجمالي فقد مرّ جوابه غير مرّة من عدم ترتّب أثر على مثل هذا العلم .

   على أ نّه مع قطع النظر عمّا مرّ فهو منحلّ في المقام بقاعدة التجاوز النافية

ــ[171]ــ

للإعادة ، وبالاستصحاب المتكفّل لوجوب الإتمام والقضاء كما عرفت بما لا مزيد عليه .

   هذا كلّه فيما إذا حصل العلم بعد امتناع التدارك لفوات المحل مطلقاً ، الّذي عرفت أ نّه الظاهر من مفروض كلام الماتن (قدس سره) .

   وأمّا إذا أمكن التدارك لبقاء المحل فهو على قسمين :

   أحدهما : أن يكون الباقي هو المحل الشكّي بأن لم يدخل بعد في الجزء المترتِّب .

   ثانيهما : أن يكون هو المحل السهوي بأن تجاوز عن محل الشك ولم يدخل بعد في الركن الّذي هو حدّ متوسّط بين الأوّل وبين الصورة السابقة .

   أمّا في القسم الأوّل :  كما لو كان جالساً ولم يدخل بعد في التشهّد وعلم حينئذ بعدم الإتيان بسجدتين مردّدتين بين كونهما معاً من هذه الركعة أو من الركعة السابقة أو بالتفريق ، فحيث إنّه شاك في الإتيان بسجدتي هذه الركعة والمحل باق فيجب عليه الإتيان بهما بمقتضى قاعدة الاشتغال ، وبالنسـبة إلى الركعة السابقة تجري قاعدة التجاوز بلا معارض ، فينحلّ العلم الإجمالي بالأصل المثبت والنافي .

   وببيان آخر : أ نّه يقطع بأنّ السجدة الثانية من هذه الركعة لم تقع على وفق أمرها جزماً ، إمّا لعدم الإتيان أو للبطلان لو كانت المتروكتان كلتاهما من الركعة السابقة ، فيجب الإتيان بها بمقتضى هذا العلم ، وكذا بالاُولى بمقتضى قاعدة الشك في المحل بعد أن لم يكن داخلاً في الجزء المترتّب ، فتجري قاعدة التجاوز بالإضافة إلى سجدتي الركعة السابقة سلمية عن المعارض ، التي نتيجتها نفي كلّ من احتمالي البطلان والقضاء كما لا يخفى . وبذلك ينحل العلم الإجمالي .

ــ[172]ــ

   وأمّا في القسم الثاني :  كما لو كان داخلاً في التشهّد في المثال المزبور أو داخلاً في قيام الركعة الثالثة فعلم حينئذ بترك سجدتين مردّداً بين كونهما معاً من الركعة التي قام عنها ليجب الرجوع والتدارك ، أو من الركعة السابقة لتبطل الصلاة ، أو بالتفريق ليرجع ويقضي الاُخرى ، فربّما يتوهّم حينئذ جريان قاعدة التجاوز باعتبار الدخول في الجزء المترتِّب ، فيجري فيه ما قدّمناه في الصورة السابقة أعني ما لا يمكن فيه التدارك .

   ولكنّه توهّم فاسد ، للقطع بأنّ هذا القيام أو ذاك التشهّد لم يكن جزءاً صلاتياً ، وذلك للجزم بأنّ السجدة الثانية من الركعة التي قام عنها أو هو فيها لم تقع على وفق أمرها ، إمّا للبطلان أو لعدم الإتيان بها ، فلم يكن القيام المزبور قياماً صلاتياً ليكون الشك عارضاً بعد الدخول في الجزء المترتِّب ، فلا مناص من الهدم ، ومعه يكون الشك في السـجدة الثانية من الشك في المحل ، بل هو كذلك حتّى قبل الهدم باعتبار الجزم بزيادة القيام ووقوعه في غير محلّه من حين وقوعه كما عرفت .

   فيجري عليه حينئذ حكم القسم الأوّل من وجوب الإتيان بالسجدة الثانية لما ذكر من الجزم بعدم وقوعها على وفق الأمر ، وكذا بالسجدة الاُولى بمقتضى قاعدة الاشتغال بعد كون الشك بالإضافة إليها أيضاً من الشك في المحل ، لعدم الدخول في الجزء المترتِّب . وبالنسبة إلى الركعة السابقة تجري قاعدة التجاوز الرافعة لاحتمال البطلان كالقضاء من غير معارض .

   وبذلك أي بالأصل النافي والمثبت ينحل العلم الإجمالي كما بيّناه . فحكم هذا القسم حكم القسم السابق ، بل هو هو حقيقة وإن اختلف معه صورة .

   هذا فيما إذا حصل العلم المزبور بعد الدخول في التشهّد أو في القيام من الركعة الثالثة ، وقد عرفت عدم جريان قاعدة التجاوز حينئذ ، للجزم بعدم

ــ[173]ــ

الدخول في الجزء المترتِّب .

   وأمّا لو كان حاصلاً بعد الدخول في قيام الركعة الرابعة فعلم حينئذ بترك سجدتين مردّدة بين كونهما معاً من الركعة التي قام عنها أو من إحدى الركعتين السابقتين أو بالاختلاف ، فحيث إنّ الجزم المزبور غير حاصل هنا ، لجواز كون القيام الّذي بيده جزءاً صلاتياً واقعاً في محلّه ومصداقاً للمأمور به ، لاحتمال كون المتروكتين السجدة الثانية من الركعتين السابقتين ، فقاعدة التجاوز بالإضافة إلى سجدتي ما قام عنها لا مانع من جريانها من هذه الناحية ، إلاّ أ نّها غير جارية في حدّ نفسها لا فيها ولا في السجدة الثانية من الركعتين السابقتين .

   لأنّ أثر النقص في الأوّل الرجوع والتدارك ، وفي الثاني قضاء السجدتين وكلاهما متفرِّع على صحّة الصلاة ، إذ لا رجوع كما لا قضاء في الصلاة الباطلة . وحيث إنّ الصحّة غير محرزة لجواز ترك السجدتين معاً من إحدى الركعتين السابقتين ، فلا تجري القاعدة في شيء منهما . وإنّما تجري فيما أثر نقصه البطلان وهما السجدتان من كلّ من الركعتين السابقتين اللّتين هما طرفا العلم الإجمالي فتجري قاعدة التجاوز في كلّ منهما سليمة عن المعارض حسبما فصّلنا القول حول ذلك في الصورة السابقة ، وبذلك تحرز صحّة الصلاة .

   وعليه فالمرجع في الاحتمالين المزبورين اللّذين هما طرف للعلم ، أعني ترك السجدتين من الركعة التي قام عنها ، أو من الركعتين السابقتين بالتفريق إنّما هو الاستصحاب بعد سقوط الدليل الحاكم ، أعني قاعدة التجاوز وعدم جريانها في شيء منهما كما عرفت .

   ونتيجة ذلك الرجوع وتدارك السجدتين من تلك الركعة ، وقضاء السجدتين من الركعتين السابقتين عملاً بالاستصحابين ، فيأتي بسجدات أربع ، ثنتاها في

ــ[174]ــ

الركعة التي قام عنها ، وثنتاها خارج الصلاة . ولا منافاة بين ذلك وبين العلم بعدم ترك أكثر من سجدتين بعد أن لم يكن مستلزماً للمخالفة القطعية العملية للمعلوم بالإجمال .

   وعلى الجملة : فصحّة الصلاة ثابتة بقاعدة التجاوز ، والرجوع والقضاء ثابتان بمقتضى الاستصحاب.

   وقد يقال بامتناع التصحـيح ولزوم الإعادة ، نظراً إلى أ نّه بعد الرجوع وتدارك السجدتين يتولّد له علم إجمالي إمّا ببطلان الصلاة أو بوجوب سجدتي السهو للقيام الزائد .

   فانّ السجدتين المتروكتين إن كانتا من الركعتين السابقتين فاتيانه للسجدتين في هذه الركعـة موجب لزيادة الركن ، لاشتمالها حينئذ على سجدات أربع الموجبة للبطلان ، وإن كانتا من هذه الركعة التي قام عنها فالقيام الصادر منه كان واقعاً في غير محلّه لا محالة فيجب سجود السهو لزيادته . فرعاية للعلم الإجمالي المزبور يجب الجمع بين الأمرين ، فلا يمكن التصحيح بالرجوع .

   وفيه :  أنّ القيام وإن قلنا بوجوب سجود السهو في زيادته من باب الاحتياط إلاّ أ نّه لا أثر لهذا العلم الإجمالي ، فانّ هذه الصلاة محكومة بالصحّة بمقتضى قاعدة التجاوز الرافعة لاحتمال البطلان والاستصحاب الحاكم بعدم الإتيان بالسجدتين في الركعة التي قام عنها . فهو مأمور بتدارك السجدتين في مرحلة الظاهر وبتعبّد من الشارع ، ومعه لا يعتنى باحتمال زيادة الركن في هذه الركعة واقعاً بعد أن كانت باذن من الشرع وترخيصه بمقتضى العمل بدليل الاستصحاب .

   وأمّا زيادة القيام في صلاة صحيحة التي هي موضوع لوجوب سجود السهو حسب الفرض فهي متحقِّقة في المقام بضمّ الوجدان إلى الأصل ، فانّ

ــ[175]ــ

عنوان الزيادة فيما عدا الركوع والسجود متقوّم بالإتيان بالشيء بقصد الجزئية ولم يقع جزءاً لعدم الأمر به شرعاً .

   والأوّل : متحقِّق بالوجدان ، لفرض الإتيان بالقيام بهذا العنوان ، أي بقصد كونه جزءاً من الصلاة ، لفرض غفلته عن السجدتين حينما قام .

   والثاني : أعني عدم وقوعه جزءاً محرز بالتعبّد الاستصحابي الدال على عدم الإتيان بسجدتي هذه الركعة الّذي نتيجته عدم تعلّق الأمر بالقيام ، وعدم وقوعه في محلّه .

   ولا نعني بالزيادة الموجبة لسجود السهو إلاّ هذا ، أي الإتيان بعنوان الجزئية ولم يكن جزءاً في صلاة محكومة بالصحّة ، سواء أكانت الصحّة واقعية أم ظاهرية ، لعدم الفرق في ذلك من هذه الجهة بالضرورة . وقد عرفت إحراز كلا الجزأين في المقام بضمّ الوجدان إلى الأصل . ونتيجة ذلك وجوب سجود السهو لتحقّق موجبه وإحراز موضوعه على النحو المزبور .

   وعلى الجملة : فبعد كونه مأموراً بالإتيان بالسجدتين لكونه محكوماً بعدم الإتيان بهما قبل ذلك بمقتضى الاستصحاب ، فالقيام الواقع قبلهما موصوف بالزيادة أثناء الصلاة وجداناً ، فيجب من أجله سجود السهو بطبيعة الحال . فصحّة الصلاة ثابتة بأصالة عدم زيادة الركن أي عدم الإتيان بالسجدتين من ذي قبل فلا حاجة إلى الإعادة ، ووجوب سجود السهو ثابت بضمّ الوجدان إلى الأصل ، ومعه لا أثر للعلم الإجمالي ، لانحلاله بالأصل النافي والمثبت حسبما عرفت .

   والمتحصل من جميع ما قدّمناه :  أنّ صور هذه المسألة ثلاث : حصول العلم بعد فوات محل التدارك مطلقاً ، وحصوله مع بقاء المحل الشكّي ، وحصوله مع بقاء المحل السهوي . والصلاة محكومة بالصحّة في جميع الصور الثلاث ، غير أ نّه




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net