حكم من لم يقصد الرجوع أصلاً في المسافة التلفيقية - تحديد الفرسخ والميل والذراع 

الكتاب : المستند في شرح العروة الوثقى-الجزء العاشر:الصلاة   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 8885


   وأمّا لو لم يقصد الرجوع أصلاً ، بل قصد البقاء في رأس أربعة فراسخ ، أو كان متردّداً في العود، فالظاهر أنّ المشهور لا يلتزمون هنا بالتخيير، لعدم قصده ثمانية فراسخ من الأوّل ، فانّ غاية ما ثبت بأخبار عرفات وغيرها هو التعدّي من الامتداد إلى التلفيق المنوط بقصد الرجوع، وأمّا من غير قصده رأساً فليس هناك أي دليل على التقصير لاتعييناً ولا تخييراً، إلاّ بناءً على ما نسب إلى الكليني (قدس سره) واختاره بعض المتأخّرين كما في الحدائق من كفاية أربعة فراسخ من غير ضمّ الإياب ، وإلاّ فالمشهور لم يلتزموا بذلك ، بل اعتبروا في المسافة قصد ثمانية فراسخ، غايته أ نّهم فرّقوا في ذلك بين الامتدادية والتلفيقية، فحكموا في الأوّل بتحتّم التقصير وفي الثاني بالتخيير ، وأمّا في مسافة أربعة فراسخ من غير قصد الرجوع أصلاً فلم يلتزم أحد بالتخيير ، ولا ينبغي أن يلتزم به ، إذ لا وجه له هنا بتاتاً ، لما عرفت من أنّ التخيير مبني على أحد أمرين :

   إمّا دعوى الجمع بين أخبار عرفات وروايات التمام الواردة في من يرجع دون عشرة أيام كرواية ابن الحجاج، ومعلوم أنّ مورد الجميع هو قصد الرجوع .

   أو دعوى الجمع بينها وغيرها ممّا دلّ على التقصير في المسافة التلفيقية وبين أخبار الثمانية الامتدادية . وهذا أيضاً مورده قصد الرجوع كما هو ظاهر . فلو فرضنا أنّ السفر لم يكن ثمانية فراسخ لا امتداداً ولا تلفيقاً فليس هناك أيّ دليل على التخيير .

ــ[26]ــ

   ومع ذلك كلّه فقد نسب صاحب الحدائق (قدس سره) إلى القائلين بالتخيير أ نّهم يقولون به سواء رجع لغير يومه أم لم يقصد الرجـوع أصلاً ، وزعم أنّ التخصيص بالأوّل غلط محض ، وإليك نصّ عبارته .

   قال (قدس سره) : وينبغي أن يعلم أنّ مرادهم بقولهم في صورة التخيير : ومن لم يرد الرجوع من يومه . أ نّه أعم من أن لم يرد الرجوع بالكلّية فالنفي متوجّه إلى القيد والمقيّد، أو أراد الرجوع ولكن في غير ذلك اليوم فالنفي متوجّه إلى القيد خاصّة . وما ربّما يتوهّم من التخصيص بالصورة الثانية غلط محض كما لا يخفى على المتأمّل (1) . انتهى موضع الحاجة .

   والظاهر أنّ الغلط هو ما زعمه ، إذ كيف يلتزم بالتخيير من غير موجب . نعم ، لو كان مستند القول بالتخـيير هو الفقه الرضوي فقط وقلنا باعتبـاره وقطعنا النظر عن سائر الروايات الدالّة على تحديد المسافة بالثمانية ولو تلفيقية كان لهذه الدعوى حينئذ مجال ، فانّ المذكور فيه هكذا : وإن سافرت إلى موضع مقدار أربعة فراسخ ولم ترد الرجوع من يومك فأنت بالخيار ، فان شئت أتممت وإن شئت قصّرت . فيدّعى أنّ إطلاق هذه العبارة شامل لما إذا لم يرد الرجوع أصلاً ، بأن يتعلّق النفي بمجموع القيد والمقيّد .

   ولكن ذلك كلّه فرض في فرض ، فانّ الرضوي لا نعتبره ، والروايات مطبقة على نفي التقصير في أقل من الثمانية ولو ملفّقة كما تقدّم . فهذه الدعوى سهو من صاحب الحدائق جزماً .

   ويترتّب على هذا ما ذكره في المتن من أ نّه لو قصد أربعة فراسخ ولكنّه كان متردّداً في العود ما دون العشرة بأن احتمل الإقامة في الأثناء عشرة أيام لم يقصر ; لأ نّه غير قاصد فعلاً لثمانية فراسخ ولو ملفّقة . كما أنّ الأمر في الثمانية

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الحدائق 11 : 313 .

ــ[27]ــ

   [ 2232 ] مسألة 1 : الفرسخ ثلاثة أميال (1) ، والميل أربعة آلاف ذراع بذراع اليد الذي طوله أربع وعشرون إصبعاً، كلّ إصبع عرض سبع شعيرات كلّ شعيرة عرض سبع شعرات من أوسط شعر البرذون .

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الامتدادية أيضاً كذلك ، فلو خرج من النجف قاصداً كربلاء ولكنّه يحتمل توقّفه في خان النصف عشرة أيام فبما أ نّه غير قاصد فعلاً للثمانية لا يحكم عليه بالتقصير .

   فكما أ نّه مع العلم بتخلّل الإقـامة في الأثنـاء لا يقصّر ، فكذا مع الشكّ لاشتراكهما في انتفاء قصد المسافة فعلاً . فلا مناص من التمام ، من غير فرق في ذلك بين الامتداد والتلفيق .

   (1) لا يخفى أنّ للميل إطلاقين :

   أحدهما :  ما هو منسوب إلى القدماء من أهل الهيئة ، وهو الدارج بالفعل بين الغربيين من تحديده بربع الفرسخ ، فكل فرسخ أربعة أميال .

   وعلى هذا الاصطلاح جرى ما نشاهده حتّى الآن من تحديد المسافة بين كربلاء والمسيب بعشرين ميلاً ، أي خمسة فراسخ الموضوعة من زمن احتلال الانگليز .

   ثانيهما :  ما هو الدارج بين الفقهاء والمحدِّثين المطابق للسان الروايات من تحديده بثلث الفرسخ، فكل فرسخ ثلاثة أميال. وهذا الاختلاف مجرّد اصطلاح، ولا مشاحة في الاصطلاح .

   وقد ورد الإطلاق الثاني في كثير من الأخبار ، مثل قوله (عليه السلام) في صحيحة ابن الحجاج : «ثمّ أومأ بيده أربعة وعشرين ميلاً يكون ثمانية فراسخ»

ــ[28]ــ

ونحوها صحيحة العيص(1) . وفي صحيحة الشحام : «يقصر الرجل الصلاة في مسيرة اثني عشر ميلاً» (2) ، ونحوها غيرها كما لا يخفى على من لاحظها .

   وأمّا تحديد الميل فلم يذكر في شيء من النصوص ما عدا رواية واحدة وهي مرسلة الخزاز المشتملة على تحديده بثلاثة آلاف وخمسمائة ذراع(3) ، وهو خلاف ما هو المشهور بين الفقهاء واللّغويين(4) من تحديده بأربعة آلاف ذراع، ولعلّ المراد من الذراع في الرواية معنى آخر ، فانّ لها أيضاً اصطلاحات . وكيف ما كان ، فقد حدّد الفقهاء الميل بأربعة آلاف ذراع بذراع اليد ، الذي طوله أربع وعشرون إصبعاً ، كل إصبع عرض سبع شعيرات ، كلّ شعيرة عرض سبع شعرات من أوسط شعر البرذون كما ذكره في المتن .

   ولكنّك خبير بأنّ الأحكام الشرعية لا تبتني على مثل هذه التدقيقات العقلية التي لا تندرج تحت ضابط معيّن ، وربما يوجب الاختلاف اليسـير بين شعرة وشعرة ، أو شعيرة ومثلها ، أو ذراع وذراع اُخرى الفرق الكثير بالإضافة إلى المجموع ، إذ لا ريب أنّ هذه الاُمور تختلف صغراً وكبراً ، طولاً وقصراً .

   فإذا فرضنا أنّ ذراعاً مع ذراع اُخرى وكلاهما متعارف اختلفا في جزء من مائة فطبعاً ينقص من ستّة وتسعين ألف إصبع ـ الحاصل من ضرب أربعة آلاف في أربعة وعشرين ـ الشيء الكثير ، بل لو كان الاختلاف في جزء من عشرة لنقص من هذا المجموع عشره وهو يقرب من عشرة آلاف إصبع، فيتحقق البون الشاسع بين التقديرين . وهكذا لو لوحظ الاختلاف بين الشعرتين أو الشعيرتين مع فرض كونهما متعارفتين .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 8 : 455 /  أبواب صلاة المسافر ب 1 ح 15 ، 14 .

(2) الوسائل 8 : 456 /  أبواب صلاة المسافر ب 2 ح 3 .

(3) الوسائل 8 : 460 /  أبواب صلاة المسافر ب 2 ح 13 .

(4) المنجد : 782  مادّة ميل .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net