المراد من الميتة 

الكتاب : التنقيح في شرح العروة الوثقى-الجزء الثاني:الطهارة   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 7795


    المراد من الميتة :

   (2) لا يراد بالميتة فيما يترتّب عليها من الأحكام ما زهق روحه وانتهت حياته لأن ما زهق روحه بالأسباب الشرعية غير محكوم بحرمة الأكل والنجاسة وغيرهما من أحكام الميتة ، كما لا يراد بها ما مات حتف أنفه بانقضاء قواه الموجبة لحياته ، لعدم اختصاص أحكام الميتة بذلك وشمولها لما مات بمثل الخنق وأكل السم ونحوهما من أسباب الموت ، بل المراد بها أمر آخر متوسط بين الأمرين السابقين وهو ما مات بسبب غير شرعي ويعبّر عنه بغير المذكى سواء مات حتف أنفه أم بسبب آخر غير التذكية ولعلّ هذا مما لا خلاف فيه . وقد استشهد شيخنا الأنصاري (قدس سره) على ذلك باُمور ، منها : موثقة سماعة «إذا رميت وسميت فانتفع بجلده وأمّا الميتة فلا» (1) حيث جعلت الميتة في مقابل المذكى أعني ما رمي وسمي .

   ويمكن أن يستشهد عليه أيضاً بما تقدّم (2) من الأخبار الناهية عن أكل ما تقطعه الحبال ، وعن الانتفاع بما تقطع من إليات الغنم معللاً بأنها ميتة ، حيث اُطلقت الميتة

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 3 : 489 / أبواب النجاسات ب 49 ح 2 ، وأيضاً 24 : 185 / أبواب الأطعمة المحرمة ب  34 ح 4 .

(2) في ص 434 .

ــ[448]ــ

فيها على ما لم تقع عليه الذكاة شرعاً وهذا كله واضح .

   وإنما الكلام في أن النجاسة وحرمة الأكل وغيرهما من الأحكام هل هي مترتبة على عنوان الميتة أو أن موضوعها هو ما لم يذك شرعاً ؟ لأن الميتة وغير المذكى وإن كانا متلازمين واقعاً ولا ينفك أحدهما من الآخر من مقام الثبوت ، لأن الميتة والمذكى من الضدين لا ثالث لهما فان ما زهق روحه إما أن يستند موته إلى سبب شرعي فهو المذكى وإما أن يستند إلى سبب غير شرعي فهو الميتة ، إلاّ أن ما لم يذك عنوان عدمي والميتة عنوان وجودي وهما مختلفان في الاعتبار وفيما يترتب عليهما من الأحكام .

   وتظهر الثمرة فيما إذا شككنا في لحم أو جلد أنه ميتة أو مذكى ، فانّه على تقدير أن الأحكام المتقدمة مترتبة على عنوان ما لم يذك يحكم بنجاسته وحرمة أكله وغيرهما من الأحكام باستصحاب عدم تذكيته ، وهذا بخلاف ما إذا كانت مترتبة على عنوان الميتة لأنها عنوان وجودي لا يمكن احرازه بالاستصحاب إذ لا حالة سابقة له .

   وخالف في ذلك صاحب المدارك (قدس سره) فانّه بنى على أن الأحكام المتقدمة مترتبة على عنوان ما لم يذك ، ومع هذا أنكر جريان استصحاب عدم التذكية لاثبات النجاسة وغيرها من الأحكام عند الشك في التذكية ، وذكر في وجه منعه أمرين :

   أحدهما : أن الاستصحاب غير معتبر رأساً وعلى تقدير اعتباره فهو إنما يفيد الظن ولا تثبت النجاسة إلاّ بالعلم أو بالبينة لو سلم عموم أدلّتها ، فانّه مورد الكلام عنده (قدس سره) .

   وثانيهما : ما ورد في بعض الروايات من قوله (عليه السلام): «ما علمت أنه ميتة فلا تصل فيه»(1) وقوله (عليه السلام) «وصل فيها حتى تعلم أنه ميتة بعينه»(2) لدلالته على أن النجاسة وسائر الأحكام المتقدمة إنما تترتب على ما علم أنه ميتة (3) .

   ويدفعه : أن الاستصحاب وإن لم يكن معتبراً في الأحكام الكلية الإلهية على ما اخترناه في محله ، إلاّ أن أدلة اعتباره غير قاصرة الشمول للشبهات الموضوعية بوجه .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) ، (2) وهما خبر علي بن أبي حمزة وصحيحة الحلبي المرويتان في الوسائل 3 : 491 / أبواب النجاسات ب 50 ح 4 ، 2 .

(3) المدارك 2 : 387 .

ــ[449]ــ

ودعوى : أنه لا يفيد غير الظن من غرائب الكلام لأن اعتباره غير منوط بافاده الظن فتثبت به النجاسة وغيرها من الأحكام ، فان المدار في ثبوت حكم بشيء على العلم بحجية ذلك الشيء لا على العلم بالحكم .

   وأمّا الروايتان المتقدِّمتان فلا دلالة لهما على ما يرومه ، لأن غاية ما يستفاد منهما أن العلم بالميتة قد اُخذ في موضوع الحكم بالنجاسة وحرمة الأكل وغيرهما من الأحكام ، فحالها حال سائر المحرّمات التي اُخذ العلم في موضوعها كما في قوله (عليه السلام) «كل شيء لك حلال حتى تعلم أنه حرام» (1) إلاّ أنه علم طريقي قد اُخذ في موضوع الأحكام المتقدمة منجزاً للواقع لا موضوعاً لها ، نظير أخذ التبين في موضوع وجوب الصوم في قوله عزّ من قائل : (كُلوا واشربوا حتى يتبيّن لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر ) (2) . وقد أسلفنا في محله أن الاستصحاب بأدلة اعتباره صالح لأن يقوم مقام العلم الطريقي كما تقوم مقامه البينة والأمارات (3) ولولا ذلك لم يمكن اثبات شيء من المحرمات الشرعية بالاستصحاب ولا بالبينة لفرض أخذ العلم بها في موضوعها .

   ويمكن أن يقال : إن الروايتين ولا سيما صحيحة الحلبي إنما وردتا في مورد وجود الأمارة على التذكية ولا إشكال معه في الحكم بالطهارة والتذكية حتى يعلم خلافها وأين هذا من اعتبار العلم في موضوع الحرمة والنجاسة وغيرهما من أحكام الميتة .

   فالمتحصل أنه لا إشكال في جريان استصحاب عدم التذكية على تقدير كون الأحكام المتقدمة مترتبة على عنوان غير المذكى عند الشك في التذكية . إذا عرفت ذلك فنقول :

  إن حرمة الأكل وعدم جواز الصلاة حكمان مترتبان على عنوان غير المذكى وذلك لقوله تعالى : (حُرِّمت عليكم الميتة والدم ... وما أكل السبع إلاّ ما ذكيتم ) (4) .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) بيّنا مواضعه في ص 259 ، فليراجع .

(2) البقرة 2 : 187 .

(3) مصباح الاُصول 2 : 38 .

(4) المائدة 5 : 3 .

ــ[450]ــ

وموثقة ابن بكير حيث ورد في ذيلها «فان كان مما يؤكل لحمه فالصلاة في وبره وبوله وشعره وروثه وكل شيء منه جائز إذا علمت أنه ذكي وقد ذكاه الذبح»(1)، وموثقة سماعة المتقدمة : «إذا رميت وسميت فانتفع بجلده» أي إذا ذكيتها ، وعليه إذا شككنا في تذكية لحم أو جلد ونحوهما نستصحب عدم تذكيته ونحكم بحرمة أكله وعدم جواز الصلاة فيه .

   وأمّا النجاسة وحرمة الانتفاع على تقدير القول بها فهما من الآثار المترتبة على عنوان الميتة حيث لم يقم دليل على ترتّبهما على عنوان غير المذكى ومعه لا يمكن اثباتهما عند الشك في التذكية ، ويكفينا في ذلك :

   أوّلاً : الشك في أن موضوعهما هل هو الميتة أو ما لم يذك فلا يمكن اثباتهما باستصحاب عدم التذكية فيرجع حينئذ إلى قاعدة الطهارة .

   وثانياً: تصريح بعض أهل اللغة كالفيومي في مصباحه على أن الميتة ما مات بسبب غير شرعي(2) ومعه إذا شككنا في تذكية لحم مثلاً لا يمكن اثبات نجاسته وحرمة الانتفاع به بأصالة عدم التذكية لعدم كونهما من آثار ما لم يذك فلا أثر لها في نفسها وإجراؤها لاثبات عنوان الميتة أعني ما مات بسبب غير شرعي من أوضح أنحاء الاُصول المثبتة ، لأنه من اثبات أحد الضدين بنفي الآخر ، بل لو فرضنا جريان أصالة عدم التذكية لاثبات الميتة عارضها استصحاب عدم موته بسبب غير شرعي لاثبات تذكيته ، هذا .

   وقد ذهب شيخنا الهمداني (قدس سره)(3) إلى أن النجاسة من آثار عدم التذكية واستدل عليه بمكاتبة الصيقل قال : «كتبت إلى الرضا (عليه السلام) إني أعمل أغماد السـيوف من جلود الحمر الميتة فتصيب ثيابي ، فاُصلي فيها ؟ فكتب (عليه السلام) إليَّ : اتخذ ثوباً لصلاتك ، وكتبت إلى أبي جعفر الثاني (عليه السلام) إني كنت كتبت إلى

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 4 : 345 / أبواب لباس المصلي ب 2 ح 1 .

(2) المصباح المنير : 584 .

(3) مصباح الفقيه (الطهارة) : 653 السطر 3 .

ــ[451]ــ

أبيك (عليه السلام) بكذا وكذا ، فصعب عليّ ذلك ، فصرت أعملها من جلود الحمر الوحشية الذكية ، فكتب (عليه السلام) إليَّ : كل أعمال البرّ بالصبر يرحمك الله ، فان كان ما تعمل وحشياً ذكياً فلا بأس» (1) . فان المراد بنفي البأس نفي نجاسة الجلود بقرينة قوله في صدرها «فتصيب ثيابي» أي ينجسها ومن هنا أمره الرضا (عليه السلام) باتخاذ ثوب لصلاته ومقتضى تعليق الطهارة على كونها ذكية أن موضوع النجاسة هو ما لم يذك ، ومعه لا حاجة إلى تجشم دعوى أن الميتة هي غير المذكى .

   ويردها أمران :

   أحدهما : أن الرواية غير قابلة للاعتماد لجهالة أبي القاسم الصيقل .

   وثانيهما : عدم تمامية دلالتها لأن الحصر فيها إضافي بمعنى أن عمله كان دائراً بين الميتة والمذكى ولم يكن مبتلى بغيرهما ، فحصره الطهارة في المذكى إنما هو بالاضافة إلى ما كان يبتلي به في مورد عمله وهذا لا ينافي ترتب النجاسة على عنوان الميتة دون غير المذكى .

   ومما يدلنا على هذا دلالة قطعية أنه (عليه السلام) أخذ الوحشية في موضوع الحكم بطهارة الجلود وقال : فان كان ما تعمل وحشياً ذكياً فلا بأس ، ومن الضروري أنه لا دخالة للوحشية في طهارة المذكى بوجه ، وهذه قرينة قطعية على أن حكمه هذا إنما هو بلحاظ مورد عمل السائل ، فانّه كان يدور بين جلود الميتة وبين جلود الوحشي الذكي فلا دلالة في ذلك على ترتب النجاسة على عنوان غير المذكى . والمتحصل أنه لا بدّ من التفكيك بين حرمة الأكل وعدم جواز الصلاة وبين النجاسة وحرمة الانتفاع ، فان الأولين يترتبان على أصالة عدم التذكية بخلاف الثانيين .

   وممن وافقنا على هذا صاحب الحدائق (قدس سره) حيث ذهب إلى طهارة ما يشك في تذكيته من اللّحوم والجلود وغيرهما نظراً إلى أصالتي الطهارة والحلية(2) وهو (قدس سره) وإن أصاب المرمى في النتيجة ـ  أعني الحكم بالطهارة  ـ إلاّ أنه أخطأ في

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 3 : 489 / أبواب النجاسات ب 49 ح 1 ، و ص 462 ب  34 ح  4 .

(2) الحدائق 5 : 526 .

ــ[452]ــ

   [ 170 ] مسألة 6 : ما يؤخذ من يد المسلم من اللحم أو الشحم أو الجلد محكوم بالطهارة ((1)) وإن لم يعلم تذكيته (1) .

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

طريقها لأن استصحاب عدم التذكية لا يبقي مجالاً لقاعدتي الطهارة والحلية على مسلك القوم كما لا يبقي مجالاً لأصالة الحلية على مسلكنا كما لا  يخفى .

   وعلى ما ذكرناه لا تمس الحاجة إلى شيء من أمّارات التذكية من يد المسلم وسوقه وإخبار البايع وغيرها عند الشك في تذكية شيء إلاّ بالاضافة إلى حلية أكله وجواز الصلاة فيه لا بالنسبة إلى طهارته وجواز الانتفاع به .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net