الفرض السابق مع عدم كون الباقي مسافة ولو ملفّقة وعدم قطع شيء من الطريق 

الكتاب : المستند في شرح العروة الوثقى-الجزء العاشر:الصلاة   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 4378


ــ[79]ــ

   وبالجملة : فاطلاق كلام الماتن في المقام لا يمكن المساعدة عليه .

   الثانية :  لا إشكال في وجوب التمام حال التردّد أو العزم على الرجوع ، لفقد القصد المعتبر في القصر كما هو ظاهر ، وأمّا بعد العود إلى الجزم والمفروض عدم كون الباقي بنفسه مسافة ولو ملفّقة ولم يقطع بعد شيئاً من الطريق ، فهل يجب القصر حينئذ كما اختاره في الجواهر ، أو أ نّه يتعيّن التمام ؟

   ربما يقال باندراج المقام في كبرى الدوران بين الرجوع إلى عموم العام أو استصحاب حكم المخصّص ، فانّ المسافر من لدن خروجه من منزله إلى نهاية ثمانية فراسخ محكوم بوجوب القصر في كلّ مكان من الأمكنة المتخلّلة في هذه المسافة ، خرجنا عن ذلك في النقطة التي عرض الترديد أو العزم على الرجوع فانّها محكومة بالتمام بلا إشكال ، وأمّا فيما بعد هذه الحالة ـ أعني حالة العود إلى الجزم السابق ـ فيشكّ في حكمه وأ نّه هل هو التمام استناداً إلى استصحاب حكم الخاص ، أو أ نّه القصر عملاً بعموم العام ؟

   وحيث إنّ الصحيح هو الثاني ، لكون العموم في المقام انحلالياً استغراقياً لا مجموعياً ليكون حكماً وحدانياً مستمرّاً ، فلا مناص من الحكم بالتقصير .

   أقول :  لا ينبغي التأمّل في أ نّه بناءً على اعتبار الاستمرار في قصد المسافة ولزوم الانبعاث في قطع الثمانية عن قصد وحداني مستمرّ كما دلّت عليه موثّقة عمّار على ما تقدّم(1)، فما يقطعه حال العود إلى الجزم غير قابل للانضمام إلى ما قطعه حال الجزم السابق، لتخلّل التردّد أو العزم على الرجوع بين الجزمين فانّ الوظيفة الواقعية في هذه الحالة ـ أعني حالة التردّد أوالعزم على الخلاف ـ هي التمام بالضرورة ، لفقد القصد، وبها يستكشف أنّ الوظيفة الواقعية كانت

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) في ص 73 .

ــ[80]ــ

هي التمام من أوّل الأمر ومن لدن خروجه من المنزل ، لفقد شرط الاستمرار بعروض التردّد ، وأنّ ما تخيّله من القصر كان خيالاً محضاً .

   فلا قصر لا في الحالة السابقة ولا اللاّحقة ، كما هي منفيّة عن الحالة الفعلية ـ  أي التردّد  ـ فهو منفي عن الكلّ ومفقود في جميع الحالات بمناط واحد ، وهو انتفاء شرط الاستمرار في القصد عن الجميع ، لا أنّ بعض الأفراد محكوم بحكم العام وقد خرج فرد في حالة ونشكّ في بقاء حكمه في الحالة الاُخرى كي يبتني على الرجوع إلى الاستصحاب أو عموم العام ، بل لم يكن القصر باقياً في شيء من الحالات ولا في مكان من الأمكنة وإن تخيّل هو ثبوته سابقاً ، بل الوظيفة هي التمام من أوّل الأمر كما عرفت .

   ولو بنينا على ثبوت القصر سابقاً حتّى واقعاً كما عليه المشهور ـ ولا نلتزم به كما ستعرف(1) ـ فانّما هو لدليل خاص، وهي صحيحة زرارة (2) الدالّة على الإجزاء بزعمهم ، وإلاّ فمقتضى القاعدة الأوّلية هو التمام واقعاً بعد انكشاف فقد شرط القصر كما عرفت .

   وممّا يؤكِّد ما ذكرناه من انقطاع اللاّحق عن السابق وعدم قبول الانضمام بعد تخلّل التردّد أو العزم على الرجوع في البين ما اتّفقوا عليه من غير خلاف ـ  كما قيل  ـ من أنّ قصد الإقـامة عشرة أيام قبل بلوغ الثمانية قاطع لحكم السفر ، فلو خرج من النجف قاصداً كربلاء وبانياً على إقامة عشرة أيام في خان النصف لم يقصّر ، بل يتمّ في طريقه كلّه .

   فلولا اعتبار الاسـتمرار في القصد مضافاً إلى اعتبار الاتصال في القطع الخارجي فلماذا لم يحكم بالقصر فيما قبل محلّ الاقامة وما بعدها مع فرض بلوغ

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) في المسألة الآتية .

(2) الآتية في ص 84 .

 
 

ــ[81]ــ

المجموع حدّ المسافة . فهذا ممّا يدلّنا على عدم صلاحية انضمام اللاّحق بالسابق بعد تخلّل التردّد أو العزم على الخلاف ، الموجب لفقد الاتصال وقطع الاستمرار في قصد المسافة .

   وعلى الجملة: تخلّل التردّد في الأثناء فضلاً عن العزم على الرجوع موجب لانتفاء موضوع القصر،  لزوال شرطه وهو الاستمرار في القصد، فليست الوظيفة الواقعية في جميع تلك الحالات إلاّ  التمام ، هذا أوّلاً .

   وثانياً :  مع الغضّ عن ذلك فلا شكّ في أنّ الوظيفة الواقعية حال التردّد أو العزم على الرجوع إنّما هي التمام بالضرورة ، لفقد قصد المسافة وقتئذ كما هو ظاهر ، وحينئذ فتكفينا في وجوب التمام بعد العود إلى العزم السابق الروايات الكثيرة المستفيضة ـ وقد تقدّمت (1) ـ الدالّة على أنّ المكلّف بالتمام لا تنقلب وظيفته إلى القصر إلاّ بعد قصد ثمانية فراسخ ، وأ نّه لا يقصّر في أقل من ذلك قال قلت : في كم التقصير ؟ قال (عليه السلام) : في بريدين ثمانية فراسخ (2) . وفي بعضها التصريح بأ نّه لا أقل من ذلك .

   فانّ قوله : في كم التقصير . ظاهر في أنّ السؤال عمّن هو مكلّف فعلاً بالتمام وأ نّه متى يخاطب بالقصر وتنقلب وظيفته إليه ، فأجاب (عليه السلام) بأنّ حدّ ذلك ما إذا قصد ثمانية فراسخ أو بريداً ذاهباً وبريداً جائياً ، فلا تقصير ما لم يقصد المسافة من حين كونه مكلّفاً بالتمام .

   والمفروض في المقام أ نّه مكلّف بالتمام واقعاً حال التردّد كما عرفت ، وأ نّه لم يقصد الثمانية من هذا المكان بعد عوده إلى الجزم السابق ، بل قصد الأقل من ذلك ، فلا قصر في حقّه بمقتضى هذه النصوص .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) في ص 71 ، 72 وغيرهما .

(2) الوسائل 8 : 453 /  أبواب صلاة المسافر ب 1 ح 8  (نقل بالمضمون) .

ــ[82]ــ

   وهذه كبرى كلّية نستدلّ بها في كثير من المسائل الآتية ، وهي أنّ كلّ من خوطب بالتمام لجهة من الجهات التي منها التردّد أو العزم على الرجوع ـ كما في المقام ـ فلا تنقلب وظيفته إلى القصر إلاّ إذا قصد من مكانه السير ثمانية فراسخ ولو ملفّقة ، وإلاّ فهو باق على التمام .

   نعم ، ربما يستدلّ للتقصير في المقام برواية إسحاق بن عمار الواردة في قوم تردّدوا في السير أثناء الثمانية ، حيث قال (عليه السلام) فيها : «وإن كانوا ساروا أقل من أربعة فراسخ فليتمّوا الصلاة ما أقاموا ، فإذا مضوا فليقصّروا» (1) حيث حكم (عليه السلام) بالتقصير لدى المضي والعود إلى الجزم السابق .

   ولكنّها قاصرة الدلالة ، إذ لم يفرض فيها كون الباقي من السير بعد العود إلى الجزم السابق أقل من المسافة كما هو محلّ الكلام ، فانّ مورد السؤال عن قوم خرجوا في سفر ... إلخ ، ولم يقيّد بكونه ثمانية بشرط لا ، ولعلّه كان أكثر منها بكثير ، بحيث كان الباقي بعد العود إلى الجزم بنفسه ثمانة فراسخ أو أكثر .

   نعم ، إطـلاقها بمقتضى ترك الاسـتفصال يشـمل ما إذا  كان الباقي أقل من المسافة ، فلا تدلّ على حكم المقام إلاّ بالإطلاق، القابل للتقييد بمقتضى النصوص الدالّة على أ نّه لا يقصّر ـ بعد الحكم بالتمام ـ إلاّ بعد قصد الثمانية ، بل لا مناص من ارتكاب التقييد على ما عرفت آنفاً عند بيان الكبرى الكلِّيّة . فتكون أجنبية عن محلّ الكلام .

   فالرواية ساقطة عن الاستدلال لضعفها سنداً كما تقدّم (2) ودلالة . والمتعيّن هو الحكم بالتمام حسبما ذكرناه .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 8 : 466 /  أبواب صلاة المسافر ب 3 ح 10 .

(2) في ص 68 .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net