الشك في كون السفر معصيةً - المدار في حلّية السفر وحرمته على الواقع المنجّز لا الاعتقاد ولا الظاهر 

الكتاب : المستند في شرح العروة الوثقى-الجزء العاشر:الصلاة   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 4382


ــ[132]ــ

   [ 2266 ] مسألة 35 : إذا شكّ في كون السّفر معصية أو لا (1) مع كون الشبهة موضوعية فالأصل الإباحة إلاّ إذا كانت الحالة السابقة هي الحرمة

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

والاتفاق ممّا لا يكون مقصوداً إلاّ تبعاً .

   وعلى تقدير الشكّ فبما أنّ المخصّص منفصل ـ وإن كان المتصل أيضاً موجوداً كما في صحيحة عمار بن مروان(1) ـ فيقتصر فيه على المقدار المتيقّن ، وهو ما لا يكون داعي العصيان تابعا .

   وأمّا في الصورة الثانية فالواجب هو التمام ، نظراً إلى أنّ الغاية وإن لم يصدق عليها أ نّها محرّمة بقول مطلق ، لفرض تركّبها من الطاعة والمعصية على سبيل الاشتراك ، ولأجل ذلك لو كنّا نحن وصحيحة عمار لأمكن أن يقال بقصورها عن شمول الفرض ، إذ لا يصدق عليه ما ورد فيها من قوله (عليه السلام) : « ... أو في معصية الله» فيرجع إلى عمومات القصر ، للشكّ في التخصيص الزائد ، إلاّ أنّ موثّقة عبيد بن زرارة(2) كافية في الدلالة على لزوم التمام في المقام ، لاناطته فيها بصدق أ نّه ليس بمسير حقّ ، الصادق فيما نحن فيه جزماً .

   وعلى الجملة : الغاية المشتركة وإن لم تكن محرّمة إلاّ أ نّها ليست بمحلّلة أيضاً ولا مصداقاً للمسير الحقّ ، فلا مناص من الحكم بالتمام .

   (1) أمّا إذا كانت الشبهة حكمية فاللاّزم هو الفحص والنظر في الأدلّة إن كان مجتهداً ، والرجوع إليه إن كان مقلّداً ، فيجب فيها التقليد أو الاجتهاد أو الاحتياط حسبما تقتضيه الوظيفة .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) كما تقدّم في ص 129 .

(2) المتقدّمة في ص 117 .

ــ[133]ــ

أو كان هناك أصل موضوعي كما إذا كانت الحلّية مشروطة بأمر وجودي كإذن المولى وكان مسبوقاً بالعدم ، أو كان الشكّ في الإباحة والعدم من جهة الشكّ في حرمة الغاية وعدمها وكان الأصل فيها الحرمة .

   [ 2267 ] مسألة 36 : هل المدار في الحلّية والحرمة على الواقع أو الاعتقاد أو الظاهر من جهة الاُصول؟ إشكال (1) ، فلو اعتقد كون السفر حراماً بتخيّل أنّ الغاية محرّمة فبان خلافه ، كما إذا سافر لقتل شخص بتخيّل أ نّه محقون الدم فبان كونه مهدور الدم ، فهل يجب عليه إعادة ما صلاه تماماً أو لا ؟

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

   وأمّا إذا كانت موضوعية فالمرجع أصالة الحلّ، من غير خلاف فيه حتّى من الأخباريين القائلين بوجوب الاحتياط في الشبهات الحكمية التحريمية ، إلاّ إذا كان هناك أصل موضوعي حاكم على أصالة الإباحة ، كاصالة عدم الإذن ممّن يعتبر إذنه كالمولى أو الزوج أو المالك ونحو ذلك بعد أن كان مسبوقاً بالعدم ، أو كانت الحالة السابقة هي الحرمة فيكون استصحابها حاكماً على أصالة الإباحة .

   وعلى الجملة : مقتضى القاعدة الأوّلية في الشبهات الموضوعية هي الحلّية استناداً إلى أصالة الإباحة ما لم يوجد دليل حاكم عليها .

   (1) الظاهر دوران وجوب التمام مدار الحرمة الواقعية المنجّزة ، فلا يكفي مجرّد الثبوت في الواقع قبل بلوغه إلى المكلّف وتنجّزه عليه، كما لا يكفي مجرّد الاعتقاد أو الظاهر المستند إلى الأصل مع مخالفته للواقع ، بل لا بدّ من اجتماع الأمرين معاً ، وبفقد أحدهما ينتفي التمام ويثبت القصر .

   وتوضيحه : أنّ المسافر تارة يعتقد الحرمة أو الحلّية ويكون اعتقاده مطابقاً للواقع ، ولا إشكال في المسألة حينئذ ، وأ نّه يتمّ في الأوّل ويقصّر في الثاني .

   واُخرى :  يكون مخالفاً ، وله صورتان :

ــ[134]ــ

ولو لم يصلّ وصارت قضاءً فهل يقضيها قصراً أو تماماً ؟ وجهان، والأحوط الجمع ، وإن كان لا يبعد كون المـدار على الواقع إذا لم نقل بحرمة التجرّي وعلى الاعتقاد إن قلنا بها ، وكذا لو كان مقتضى الأصل العملي الحرمة وكان الواقع خلافه أو العكس فهل المناط ما هو في الواقع أو مقتضى الأصل بعد كشف الخلاف ؟ وجهان ((1)) والأحوط الجمع، وإن كان لا يبعد كون المناط هو الظاهر الذي اقتضاه الأصل إباحة أو حرمة .

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

   الاُولى :  أن يكون السفر حراماً في الواقع ويعتقد جوازه ، إمّا بنفسه كما لو كان السفر منهياً من قبل الأب أو الزوج ولم يعلم به الولد أو الزوجة ، أو بغايته كما لو سافر لتزويج امرأة هي رضيعته أو ذات بعل ، أو لقتل شخص محقون الدم وهو لا يعلم .

   والواجب حينئذ هو القصر، لعدم اتصاف سفره بالباطل، أو بكونه في معصية الله ، لا بنفسه ولا بغايته بعد عدم تنجّز الواقع في حقّه ، بل هو مسير حقّ قد رخّص فيه الشرع والعقل. ومجرّد اتصافه بالحرمة الواقعية لايوجب صدق المعصية ولا سلب اسم مسير الحقّ عنه ، كما أنّ ارتكاب الحرام الواقعي لا يستوجب زوال العدالة بوجه .

   وعليه فدليل الإتمام قاصر الشمول للمقام، ولا أقلّ من انصرافه عنه وانسباق الحرمة المنجّزة من دليل الإتمام في سفر المعصية .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) وأوجه منهما إناطة وجوب التمام بثبوت الحرمة في الواقع وتنجّزها على المكلّف ، نعم إذا كانت الغاية محرّمة ولم تتحقّق في الخارج ولو بغير اختيار المكلّف أتمّ صلاته بلا إشكال .

ــ[135]ــ

   ومع التنزّل فلا أقلّ من الشكّ في الشـمول ، فيقتصر في المخصّص المنفصـل على المقدار المتيقّن ، ويرجع فيما عداه إلى عمومات الترخّص لكلّ مسافر .

   الصورة الثانية :  عكس ذلك ، بأن يكون السفر حلالاً في الواقع حراماً في الاعتقاد أو بحسب الحكم الظاهري ، إمّا بنفسه كما لو اعتقد الولد أو الزوجة نهي الوالد أو الزوج أو كان مستصحباً ثمّ بان الخلاف ، أو بغايته كما لو سافر لقتل شخص بتخيّل أ نّه محقون الدم فبان كونه مهدور الدم ، أو سافر للتزويج بمن يعتقد أ نّها ذات بعل فبان أ نّها خلية ونحو ذلك من الأمثلة .

   والظاهر وجوب القصر هنا أيضاً ، لأنّ الحرمة المزعومة خيالية صرفة لا واقع لها ، فلم يكن السفر سفر المعصية ولا المسير مسيراً باطلاً ، فانّ الخيال والاعتقاد أو الحكم الظاهري المنكشف خلافه لا يغيّر الواقع ، ولا يوجب قلبه عمّا هو عليه . فهو سفر حقّ وإن جهل به المسافر، إلاّ إذا بنينا على حرمة التجرّي شرعاً فيجب التمام حينئذ، لصدق أنّ السفر في معصية الله ولو بالعنوان الثانوي .

   ولكن المبنى فاسد جزماً كما هو محرّر في الاُصول(1) ، فانّ التجرّي لا يكشف إلاّ عن سوء النيّة وخُبث السريرة، وهذا لا يستوجب إلاّ اللّوم والذّم واستحقاق العقاب عقلاً دون الحرمة شرعاً ، فلا يكون من العناوين الثانوية بوجه .

   وعليه فأدلّة التمام قاصرة الشمول للمقام ولو انصرافاً ، ولا أقلّ من الشكّ في الشمول ، فيرجع إلى إطلاقات القصر . وعلى هذا فلو صلّى تماماً جرياً على اعتقاده ثمّ انكشف الخلاف في الوقت أو في خارجه وجبت عليه الإعادة أو القضاء قصراً . كما أ نّه لا تجب إعادة ما صلاه قصراً في الصورة الاُولى ، لكون القصر هي الوظيفة الواقعية في كلتا الصورتين حسبما عرفت .

   فتحصّل :  أنّ إتمام الصلاة يتوقّف على أمرين : ثبوت الحرمة الواقعية للسفر

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) مصباح الاُصول 2 : 19 وما بعدها .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net