هل يجب القضاء في مفروض المسألة ؟ - الإتمام في موضع القصر جهلاً بالحكم 

الكتاب : المستند في شرح العروة الوثقى-الجزء العاشر:الصلاة   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 4142


   ثمّ إنّ مقتضى الإطلاق في هذه الصحيحة كصحيحة زرارة ومحمد بن مسلم المتقدّمة عدم الفرق في وجوب الإعادة بين الوقت وخارجه، فيجب عليه التدارك في الوقت ، وإلاّ فالقضاء في خارج الوقت .

   ولكن قد يتأمّل في وجوب القضـاء على العالم العامد ، نظراً إلى معارضة الإطلاق في صحيحة زرارة وابن مسلم مع الإطلاق في ذيل صحيحة العيص ابن القاسم ، قال : «سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن رجل صلّى وهو مسافر فأتمّ الصلاة ، قال : إن كان في وقت فليعد ، وإن كان الوقت قد مضى فلا» (1) .

   فانّ الأوّل المثبت للإعادة خاص بالعامدِ مطلقٌ من حيث الوقت وخارجه والثاني النافي لها مطلق من حيث العلم والجهل خاصّ بما بعد الوقت . فكلّ منهما مطلق من جهة وخاص من جهة ، فيتعارضان لا محالة ، ومعه يشكل التمسّك باطلاق صحيح زرارة لإثبات القضاء ، بل وكذا صحيح الحلبي ، لوجوب تقييده بصحيحة العيص .

   ولكنّه كما ترى ، فانّ صحيحة العيص غير شاملة للعامد بوجه ، بل ناظرة إلى التفصيل بين الانكشاف في الوقت والانكشاف خارجه ، وأ نّه تجب الإعادة في الأوّل دون الثاني ، لا أ نّه إذا أراد أن يعيد فان كان الوقت باقياً أعاد وإلاّ فلا ، كي تشمل صورة العمد .

   ومرجع ذلك إلى أنّ شرطية التقصير ذكرية ـ كما هو الحال في بعض الأجزاء والشرائط ـ وأ نّها خاصّة بحال الالتفات إليها في الوقت ، وبدونه لا شرطية له بل العمل صحيح حتّى واقعاً ، ولأجله لا تجب الإعادة .

   فهي ناظرة إلى التفصيل من حيث الصحّة والفساد باعتبار الانكشاف في

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 8 : 505 /  أبواب صلاة المسافر ب 17 ح 1 .

ــ[360]ــ

الوقت وخارجه ، وأجنبية عن مسألة القضاء ، لعدم تحقّق الفوات واقعاً ، ولذا لو فرضنا أ نّه انكشف له في الوقت وتنجّز عليه التكليف ثمّ ترك القصر اختياراً أو بغير الاختيار فانّه لا إشكال في وجوب القضاء حينئذ ، لأ نّه ترك ما تنجّز عليه في الوقت ، ولا تكون هذه الصحيحة نافية له .

   وعلى الجملة : مورد هذه الصحيحة ما إذا كان الإتمام مستنداً إلى اعتقاد المشروعية ثمّ انكشف الخلاف إمّا في الوقت أو في خارجه ، فلا تشمل العالم العامد قطعاً، بل هو خارج عنها رأساً، فلاتكون معارضة لصحيحة زرارة ، ولا مقيّدة لصحيح الحلبي ، فيبقى إطلاق الإعادة فيهما الشامل للوقت وخارجه على حاله .

   وأمّا في صورة الجهل بأصل الحكم فلا تجب الإعادة وإن كان الوقت باقياً فضلاً عن القضاء كما هو المشهور ، بل ادّعي عليه الإجماع ، وذلك لقوله (عليه السلام) في ذيل صحيحة زرارة وابن مسلم : «وإن لم يكن قرئت عليه ولم يعلمها فلا إعادة عليه» الظاهر في الجاهل بأصل الحكم ، وبه يقيّد الإطلاق في صحيح الحلبي المتقدّم .

   ولكن نسب إلى العماني(1) القول بوجوب الإعادة مطلقاً، نظراً إلى أنّ صحيحة زرارة معارضة بصحيح العيص المثبت للإعادة في الوقت بالعموم من وجه ، إذ الاُولى مطلقة من حيث الوقت وخارجه مقيّدة بالجهل ، على العكس من الثاني وبعد التساقط يرجع إلى عموم مبطلية الزيادة، المعتضد باطلاق صحيح الحلبي .

   ولكنّه واضح الدفع ، فانّ صحيح زرارة وابن مسلم كالصريح في نفي الإعادة في الوقت ، فانّه المقصود بالذات ، والمعطوف إليه النظر ، والمنسبق إلى الذهن في

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) حكاه عنه الفاضل الآبي في كشف الرموز 1 : 227 ، والعلاّمة في المختلف 2 : 538 المسألة 395

(3) كصحيحة زرارة المتقدّمة في ص 90 .

 
 

ــ[361]ــ

مقام تعلّق الحكم بنفي الإعادة أو بثبوتها كما تقتضيه المقابلة مع الصدر المثبت للإعادة على العالم .

   فمفاد الصحيحة أنّ من يتم في موضع القصر فان كان عالماً به أعاد ، أي في الوقت ، ومقتضاه أ نّه إن لم يعد بعد تنجّز التكليف إلى أن خرج الوقت وجب عليه القضاء بطبيعة الحال ، عملاً بعموم أدلّة القضاء . وإن كان جاهلاً بالحكم لا يعيد ، أي في الوقت ، المستلزم لنفي القضاء بطريق أولى . وعليه فلا يقاومها الإطلاق في صحيح العيص كي تتحقّق المعارضة .

   ومنه تعرف ضعف ما حكي عن الإسكافي (1) والحلبي (2) من التفصيل بين الوقت وخارجه وأ نّه يعيد في الأوّل دون الثاني ، استناداً إلى صحيحة العيص وجعلِها مقيّدة لإطلاق نفي الإعادة في صحيحة زرارة، بحمله على النفي في خارج الوقت ، لما عرفت من أنّ المقصود بالذات والقدر المتيقّن من الإعادة المنفية إنّما هي الإعادة في الوقت ، ومعه كيف يمكن الحمل على خارج الوقت .

   فهذان القولان شاذان ساقطان ، والصحيح ما عليه المشهور من نفي الإعادة مطلقاً ، من غير فرق بين الوقت وخارجه .

   ثمّ لا يخفى أنّ الأمر بالإعـادة متى ورد في الأخبار فهو إرشاد إلى الفساد فيجب الإتيان بالمتعلّق بنفس الأمر الأوّل الباقي على حاله ، إذ لا وجه لسقوطه بعد عدم الإتيان بمتعلّقه على وجهه ، بداهة عدم سقوطه بالعمل الفاسد الذي وجوده كالعدم ، فلا يتضمّن الأمر الثاني المتعلّق بالإعادة حكماً مولوياً ، كما أنّ نفي الإعادة إرشاد إلى الصحّة ، وأنّ المأمور به قد اُتي به على وجهه وبتمامه وكماله من غير نقص فيه .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) حكاه عنه في المختلف 2 : 538 المسألة 395 .

(2) الكافي في الفقه : 116 .

ــ[362]ــ

   وعلى هذا المبنى  ـ  الذي يكون الحكم عليه أظهر ، وإن لم يكن منوطاً به  ـ نقول : مقتضى الإطلاق في صحيحة الحلبي الآمرة بالإعادة لدى الإتمام في موضع القصر هو البطـلان في جميع صور المسألة ، المسـتلزم للإعادة في الوقت ، وإلاّ فالقضاء في خارجه باعتبار تحقّق الفوت ، وهذه الصحيحة يطابق مدلولها مع ما دلّ على البطلان بمطلق الزيادة العمدية والسهوية ، وأنّ من أيقن بزيادة الركعة استقبل صلاته استقبالاً على ما تقدّم (1) .

   وأمّا صحيحة زرارة فقد دلّت على عدم وجوب الإعادة لمن كان جاهلاً بأصل الحكم ، فيكون هذا خارجاً عن إطلاق صحيح الحلبي ، وقد عرفت أنّ معنى نفي الإعادة الإرشاد إلى الصحّة ، ومرجعه إلى التخصيص في موضع دليل القصر، وأ نّه خاص بمن لم يكن معتقداً بمشروعية التمام، وإلاّ فالقصر غير واجب في حقّه حتّى واقعاً .

   وقد ذكرنا في الاُصول (2) أ نّه يستفاد من هذه الصحيحة أنّ وظيفة مثل هذا الجاهل في صقع الواقع هو التخيير بين القصر والتمام، ولذا لو نسي أو غفل فصلّى قصراً على نحو تمشّى منه قصد القربة يحكم بصحّة صلاته، ولا يحتاج إلى الإعادة جزماً .

   فيستكشف من ذلك أنّ المأمور به في حقّ الجاهل المعتقد مشروعية التمام لأجل أ نّه لم تبلغه الآية أو لم تفسّر له هو الجامع بين القصر والتمام ، وإنّما يتعيّن القصر بالإضافة إلى من لم يعتقد مشروعية الصلاة تماماً حال السفر .

   وعليه فيبقى تحت صحيح زرارة وكذا صحيح الحلبي الجاهل بالخصوصيات أو الموضوع ، والناسي والعالم ، فتجب عليهم الإعادة ، لصدق أ نّهم ممّن قرئت

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) في ص 357 .

(2) مصباح الاُصول 2 : 509 .

ــ[363]ــ

عليهم آية التقصير وفسّرت ، ومعنى ذلك الحكم بالبطلان حسبما ذكرناه .

   وقد خرج عن ذلك الناسي أيضاً بمقتضى صحيح أبي بصير : «عن الرجل ينسى فيصلّي في السفر أربع ركعات، قال : إن ذكر في ذلك اليوم فليعد ، وإن لم يذكر حتّى يمضي ذلك اليوم فلا إعادة عليه»(1) فيستفاد منها أنّ شرطية التقصير أو فقل جزئية التسليم في الركعة الثانية ذكرية ومنوطة بالالتفات إليها في الوقت فلا تعتـبر لو كان التذكّر خارج الوقت ، فتكون هذه الصحيحة بالإضافة إلى صحيح الحلبي وكذا صحيح زرارة مخصّصة لا محالة .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 8 : 506 /  أبواب صلاة المسافر ب 17 ح 2 .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net