الدخول في الصلاة بنيّة القصر ثمّ إتمامها غفلة 

الكتاب : المستند في شرح العروة الوثقى-الجزء العاشر:الصلاة   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 3956


   وأمّا إذا دخل في الصلاة بنيّة القصر لعلمـه بالحكم وبالموضوع وبجمـيع الخصوصيات ، ثمّ في الأثناء سها وغفل فزاد ركعتين وأتمّ الصلاة ، كما لو كان مقتدياً بإمام يصلّي تماماً فأتم الصلاة بتبعه غفلة ـ  كما يتّفق مثل هذا السهو لغير المسافر من سائر المكلّفين  ـ فهو غير مشمول للنصوص المتقدّمة جزماً ، بل لا إشكال في وجوب الإعادة في الوقت والقضاء في خارجه كما أشار إليه في المتن عملاً بقوله (عليه السلام) : «إذا استيقن أ نّه زاد في صلاته المكتوبة ركعة لم يعتد بها واستقبل صلاته استقبالاً» (1) فهو كمن صلّى الفجر ثلاثاً أو المغرب أربعاً الذي لا ريب في بطلانه .

   ولا يخفى أنّ عبارة المتن في المقام أعني قوله : وأمّا إذا لم يكن ناسياً للسفر ولا لحكمه ومع ذلك أتمّ صلاته ناسياً . غير خال عن نوع من الإغلاق ، إذ بعد فرض عدم كونه ناسياً للسفر ولا لحكمه فما معنى إتمام الصلاة ناسياً . ولو بدّله بقوله : ساهياً ، كان أولى ، فمراده من إتمام الصلاة ناسياً ، أي ساهياً وغافلاً عن

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 8 : 231 /  أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 19 ح 1 .

ــ[368]ــ

   [ 2348 ] مسألة 4 : حكم الصوم فيما ذكر حكم الصلاة (1) ، فيبطل مع العلم والعمد ، ويصحّ مع الجهل بأصل الحكم ، دون الجهل بالخصـوصيات ودون الجهل بالموضوع ((1)) .

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

عددها حسبما عرفت .

   (1) الكلام في حكم الصوم في السفر سيجيء في محلّه من كتاب الصوم إن شاء الله تعالى (2) ، ولكن بما أنّ الماتن تعرّض له في المقام لم يكن بدّ من الإشارة إليه حسبما يسعه المجال فنقول :

   لا إشكال كما لا خلاف منّا في سقوط الصوم في السفر وعدم مشروعيته وتدلّ عليه قبل الروايات المتظافرة الآية الكريمة ، قال تعالى : (فَمَن كَانَ مِنكُم مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَر فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّام أُخَرَ )(3) ، فانّها ظاهرة في تعيّن القضاء، المستلزم للسقوط وعدم المشروعية ، حيث قسّم سبحانه المكلّفين إلى أقسام ثلاثة : فمنهم من وظيفته الصـيام كالحاضر الذي يشهد الشهر ، ومنهم من وظيفتـه القضاء كالمريض والمسافر ، ومنهم من لم يكلّف لا بهذا ولا بذاك ، بل وظيفته الفدية ، وهم الذين لا يطيقونه كالشيخ والشيخة .

   وظاهر التنويع في هذه الأقسـام لزوم تلك الأحكام وتعيّنها ، ونتيجتـه ما عرفت من سقوط الصوم عن المسافر وعدم مشروعيته في حقّه ، فوظيفته القضاء ليس إلاّ ، والأخبار به متكاثرة ومتظافرة من طـرقنا ، بل ومن طرق العامّة

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الأقوى عدم وجوب القضاء مع الجهل مطلقا .

(2) العروة الوثقى 2 : 42 الخامس من شرائط صحة الصوم .

(3) البقرة 2 : 184 .

ــ[369]ــ

أيضاً (1) ، وهذا ممّا لا إشكال فيه .

   وعليه فلا يصحّ الصوم في السـفر من العـالم العامد جزماً ، فلو صام بطل ووجب قضاؤه بمقتضى إطلاق الآية وغيرها والنصوص الآتية في الجاهل .

   كما لا إشكال في صحّته من الجاهل بأصل الحكم ، فانّه القدر المتيقّن من النصوص المتضمّنة للإجزاء في صورة الجهل كصحيحة عبدالرحمن بن أبي عبدالله عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : «سألته عن رجل صام شهر رمضان في السفر ، فقال : إن كان لم يبلغه أنّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله) نهى عن ذلك فليس عليه القضاء ، وقد أجزأ عنه الصوم» (2) .

   وصحيح الحلبي قال «قلت لأبي عبدالله (عليه السلام): رجل صام في السفر فقال : إن كان بلغـه أنّ رسـول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) نهى عن ذلك فعليه القضاء، وإن لم يكن بلغه فلا شيء عليه»(3).

   وصحيح العيص بن القاسم عن أبي عبدالله (عليه السلام) «قال : من صام في السفر بجهالة لم يقضه» (4) ، ونحوها صحيح ليث المرادي (5) .

   إنّما الكلام في الجاهل بالموضوع كمن اعتقد أنّ سفره دون المسافة ، أو الجاهل بالخصوصيات كمن تخيّل أنّ السقوط خاص بالأسفار البعيدة المشتملة على التعب والمشـقّة دون القريبة ، ولا سيما إذا كانت بوسيلة مريحة كالباخرة والطائرة ونحوهما .

   فقد يقال بالبطلان ووجوب القضاء في هذين الموردين ، كما في العالم العامد نظراً إلى اندراجهما في إطلاق صحيحتي عبدالرحمن والحلبي المتقدّمتين الدالّتين

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) سنن ابن ماجة 1 : 532 / 1664 ـ 1666 ، سنن النسائي 4 : 178 .

(2) ، (3) الوسائل 10 : 179 /  أبواب من يصح منه الصوم ب 2 ح 2 ، 3 .

(4) ، (5) الوسائل 10 : 180 /  أبواب من يصح منه الصوم ب 2 ح 5 ، 6 .

ــ[370]ــ

على البطلان ـ بمفهوم الاُولى ومنطوق الثانية ـ في من بلغه النهي ، لصدق بلوغه في الموردين المزبورين ، وإنّما الجهل في شيء آخر غير مناف لبلوغ النهي عن النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) .

   وبذلك يقيّد الإطلاق في صحيح العيص ونحوه ، فانّ الصوم بجهالة المعلّق عليه الإجزاء وإن كان صادقاً في هذين الموردين أيضاً ، إلاّ أنّ مقتضى صناعة الإطلاق والتقييد حمله على الجهل بأصل الحكم ، لصراحة الطائفة الاُولى في أنّ المناط في الصحّة عدم بلوغ النهي ، الظاهر في الجهل بأصل الحكم ، فهي أخصّ من الثانية فتقيّدها لا محالة .

   ومع تسليم تكافؤ الظهورين وتساوي الإطلاقين من غير ترجيح في البين فغايته تعارض الطائفتين وتساقطهما ، والمرجع حينئذ عموم ما دلّ على بطلان الصوم في السفر من إطلاق الآية وغيرها كما مرّ .

   أقول :  الظاهر صحّة الصوم في صورة الجهل مطلقاً ، من غير فرق بين الجهل بأصل الحكم أو بالخصوصيات أو بالموضوع .

   أمّا الأوّل فظاهر .

   وأمّا الثاني :  فلأنّ ما اُفيد من استظهار اختصاص الطائفة الاُولى بالجاهل بأصل الحكم مبني على أن يكون المشار إليه بكلمة «ذلك» في قوله (عليه السلام) : «إن كان بلغه أنّ رسـول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) نهى عن ذلك» هو طبيعي الصوم في السفر ، إذ عليه يصدق على الجاهل بالخصوصيات أ نّه بلغه النهي عن طبيعي الصوم ، فتتحقّق المعارضة بينها وبين إطلاق الطائفة الثانية كما ذكر .

   ولكنّه كما ترى بعيد عن سياق الرواية بحسب الفهم العرفي غايته ، بل ظاهر الصحيحة أنّ مرجع الإشارة هو الصوم المفروض في السؤال، الصادر عن الرجل

ــ[371]ــ

على ما هو عليه من الخصوصيات ، لا الصوم الطبيعي على إطلاقه عارياً عن تلك الخصوصيات .

   ومعلوم أنّ الجاهل بالخصوصية لم يبلغه النهي عن تلك الخصوصية ، فمن صام في السفر القريب بتخيّل اختصاص النهي بالأسفار البعيدة لم يبلغه النهي عن هذا الصنف من الصـوم الذي ارتكـبه ، وإنّما بلغه النهي عن صنف آخر فيشمله الحكم بعدم وجوب القضاء ، المطابق لمضمون الطائفة الثانية من غير أيّة معارضة .

   وبعـبارة واضحة : لا ريب أنّ نهي النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) عن الصوم في السفر انحلالي كما في سائر النواهي ، ينحلّ إلى نواهي عديدة بعدد أفراد الصيام الواقعة في الأسفار ، فلكلٍّ نهي يخصّه مغاير لغيره . ومن الواضح أنّ هذا الفرد الشخصي الصادر من الجاهل بالخصوصية لم يبلغ نهيه ، فيكون محكوماً بعدم وجوب القضاء بمقتضى صحيح الحلبي وغيره .

   ومع التنزّل والشكّ في أنّ مرجع الإشارة هل هو الطبيعي أو الصنف الخاص فغايته إجمال صحيحتي عبدالرحمن والحلبي ، فيرجع حينئذ إلى إطلاق صحيح العيص الدالّ على نفي القضاء عن مطلق الجاهل من غير معارض .

   وأمّا الثالث :  أعني الجهل بالموضوع ، فدعوى صدق بلوغ النهي في مورده مشابهة لما يحكى في الاُصول على ما نقله شيخنا الأنصاري (قدس سره) (1) من ذهاب بعض إلى المنع عن جريان البراءة في الشبهات الموضوعية وتخصيصها بالحـكمية على العكس ممّا عليه الأخباريون ، بدعوى أنّ البيان تام من قبل المولى في موارد الشبهات الموضوعية ، والحكم واصل ، وإنّما الشكّ في انطباقه على الموضوع الخارجي وأنّ هذا المائع ـ  مثلاً  ـ هل هو مصداق للخمر المعلوم

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) فرائد الاُصول 1 : 406 .

ــ[372]ــ

حرمته أم لا ، الذي هو أجنبي عن المولى وغير مرتبط به ، وخارج عمّا تقتضيه وظيفته من تبليغ الأحكام ، وقد فعل وتنجّزت بمقتضى فرض العلم بها ، فقد أدّى ما عليه وتمّ البيان من قبله ، فلا يكون العقاب معه عقاباً بلا بيان ، فلا مناص من الاحتياط بحكومة العقل تحقيقاً للامتثال ودفعاً للضرر المحتمل من غير مؤمّن .

   فعلى ضوء هذا البيان يدّعى في المقام أنّ الجاهل بالموضوع قد بلغه نهي النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) عن الصوم في السفر ، وتمّ البيان من قبله ، إذ ليس شأنه (صلّى الله عليه وآله وسلّم) إلاّ بيان الأحكام على نحو القضايا الحقيقية لا إيصالها إلى آحاد المكلّفـين في كلّ من الأفراد الخارجية ، فالجاهل المزبور عالم بذلك النهي الكلّي المجعول في الشريعة المقدّسة ، وإنّما الجهل في شيء يرجع إلى نفسه وينشأ من قبله ، غير المنافي لصدق البلوغ المذكور .

   وعلى الجملة : فالشبهة في المقامين من باب واحد، وتنبعثان عن ملاك فارد.

   والجواب عنهما بكلمة واحدة ، وهي أنّ بلوغ الحكم ووصوله منوط باحراز الكبرى والصغرى معاً، أي العلم بالحكم الكلّي وبانطباقه على الموضوع الخارجي ولا يغني الأوّل عن الثاني ، فانّ الأحكام وإن كانت مجعولة على سبيل القضايا الحقيقية إلاّ أنّ القضية الحملية تعود بحسب النتيجة إلى القضية الشرطية ، مقدّمها وجود الموضوع وتاليها ترتّب الحكم .

   فمرجع قولنا : الخمر حرام ، إلى قولنا : متى وجد في الخارج شيء وصدق عليه أ نّه خمر فهو حرام . فاذا كان الشرط مشكوكاً كما هو المفروض فالشك فيه يرجع إلى الشك في تحقّق الموضوع ، وهو مساوق للشكّ في ثبوت الحكم فلا يكون واصلاً ولا التكليف منجّزاً .

   وبعبارة اُخرى : بعد أن كانت الأحكام انحلالية فلكلّ موضوع حكم يخصّه

ــ[373]ــ

فلا جرم يحتاج إلى وصول مغاير لوصول الحكم في موضوع آخر . فاذا فرضنا أنّ هناك مائعات ثلاثة أحدها مقطوع الخمرية ، والآخر مقطوع المائية ، والثالث مشتبه بينهما ، يصحّ أن يقال : إنّ هذا الأخير ممّا لم يصل حكمه ولم يعلم حرمته وإنّما الواصل حكم الأوّلين فقط . ومثله مورد لأصالة البراءة .

   ففيما نحن فيه وإن كان الحكم الكلّي المتعلّق بطبيعي الصوم في السفر واصلاً وبالغاً إلاّ أنّ تعلّق النهي بهذا الصوم الصادر في هذا السفر الشخصي ، الذي عرفت أ نّه من شؤون انحلال الأحكام لم يكن واصلاً بالضرورة بعد فرض الشكّ في الموضوع والجهل به ، فيصحّ أن يقال إنّه لم يبلغه نهي النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ـ بالإضافة إلى هذا الفرد ـ الذي هو الموضوع للإجزاء وعدم وجوب القضاء بمقتضى النصوص .

   ومع التنزّل والشكّ في أنّ موضوع الحكم هل هو بلوغ النهي عن الطبيعي أو الفرد ، وأنّ العبرة بالجهل بأصل الحكم أو حتّى بموضوعه ، فغايته إجمال صحيح الحلبي وعبدالرحمن ، فيرجع حينئذ إلى إطلاق صحيح العيص السليم عمّا يصلح للتقييد .

   فتحصّل :  أنّ الأظهر مشاركة الصوم مع الصلاة فيما تقدّم من الأحكام، فيبطل مع العلم والعمد ، ويصحّ أي لا يجب القضاء في جميع صور الجهل ، سواء تعلّق بأصل الحكم أم بالخصوصيات أم بالموضوع .

   نعم ، يفترقان في صورة النسيان ، فيجب القضـاء هنا دون الصلاة كما مرّ (1) لصدق بلوغ النهي وإن نسيه ، فيشمله إطلاق صحيح الحلبي من غير معارض بعد وضوح عدم ورود نص في الناسي ، واختصاصه بالجاهل كما تقدّم .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) في ص 363 وما بعدها .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net