عدم الفرق في البطلان مع العمد بين المكره وغيره - حكم ما لو أكل ناسياً فظنّ فساد صومه فأفطر عامداً 

الكتاب : المستند في شرح العروة الوثقى-الجزء 11:الصوم   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 4534


ــ[269]ــ

وأمّا مع السهو وعدم القصد فلا توجبه . من غير فرق بين أقسام الصوم (1) من الواجب المعيّن والموسّع والمندوب . ولا فرق في البطلان مع العمد بين الجاهل بقسميه والعالم (2) ،

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

بعدم الفرق من هذه الجهة .

كان الحكم ثابتاً في الأساس بمقتضى هذه النصوص المشتملة على كل ذلك ففي غيره بطريق أولى ، للقطع بعدم الفرق من هذه الجهة .

   (1) فإنّ النصوص المتقدّمة وإن ورد بعضها في خصوص رمضان ـ  كصحيحة زرارة المتقدّمة(1)  ـ وبعضها في خصوص النافلة ـ كصحيحة أبي بصير : رجل صام يوماً نافلة فأكل وشرب ناسياً «قال : يتمّ يومه ذلك وليس عليه شيء»(2) ـ ولكن بقيّة الأخبار مطلقة ، فلا موجب لتقييد الحكم ببعض أقسام الصوم .

   (2) ذكر (قدس سره) أ نّه لا فرق في البطلان في صورة العمد بين العالم والجاهل ، كما لا فرق في الجاهل بين القاصر والمقصّر ، وإنّما يفترقان في العقاب فقط ، لمكان العذر ، فلو شرب الجاهل الدواء بتخيّل أ نّه لا يضرّ أو أكل مقداراً قليلا من الحبوب بزعم أنّ بلعه غير قادح في الصحّة ، بطل صومه ، سواء كان قاصراً أم مقصّراً .

 والظاهر أنّ هذا الحكم متسالم عليه بين معظم الفقهاء ، ولكن نُسِب الخلاف إلى ابن إدريس فخصّ البطلان بالعالم وأمّا الجاهل فلا كفّارة عليه ولا قضاء(3) ،

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 10 : 51 /  أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 9 ح 4 .

(2) الوسائل 10 : 52 /  أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 9 ح 10 .

(3) مصباح الفقيه 14 : 446 .

ــ[270]ــ

واختاره صاحب الحدائق مصرّاً عليه(1) .

   أمّا الكلام في الكفارة فسيجيء قريباً إن شاء الله تعالى .

   وأمّا القضاء فلا شكّ أ نّه مقتضى الإطلاقات في أدلّة المفطريّة كغير المقام من سائر الأبواب الفقهيّة من العبادات والمعاملات ، فإنّ مقتضى الإطلاق فيها عدم الفرق بين العالم والجاهل ، فيبطل مطلقاً إلاّ ما خرج بالدليل ، وإذا بطل وجب قضاؤه بطبيعة الحال ، وكذلك قوله تعالى : (كُلُوا وَاشْرَبُوا) خطابٌ عامٌّ لجميع المكلّفين من العالمين والجاهلين .

   وبإزاء هذه المطلقات روايتان :

   إحداهما : موثّقة زرارة وأبي بصير، قالا جميعاً : سألنا أبا جعفر (عليه السلام) عن رجل أتى أهله في شهر رمضان وأتى أهله وهو محرم وهو لا يرى إلاّ أنّ ذلك حلال له «قال: ليس عليه شيء»(2).

   والاُخرى : صحيحة عبد الصمد الواردة فيمن لبس المخـيط حال الإحرام جاهلا : «أيّ رجل ركب أمراً بجهالة فلا شيء عليه»(3) . فإنّها بعمومها تشمل المقام ، وقد ذكرها الشيخ الأنصاري في الرسائل في أصالة البراءة بلفظه «أ يّما رجل» إلخ(4) ، ولكن المذكور في الوسائل ما عرفت .

   وكيفما كان، فقد استدلّ بهاتين الروايتين على نفي القضاء عن الجاهل بدعوى أنّ النسبة بينهما وبين المطلقات المتقدّمة عمومٌ من وجه ، إذ هما خاصّتان بالجاهل عامّتان من حيث القضاء والكفّارة ، على العكس من المطلقات ، فإنّها خاصّة

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الحدائق 13 : 61 ـ 62 .

(2) الوسائل 10 : 53 /  أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 9 ح 12 .

(3) الوسائل 12 : 489 /  أبواب تروك الإحرام ب 45 ح 3 .

(4) لاحظ الرسائل 1 : 327 .

ــ[271]ــ

بالقضـاء عامّة من حيث العالم والجاهل ، فيتعارضان في مورد الاجتماع وهو الجاهل من حيث الحكم بالقضاء ، فإنّه غير واجب بمقتضى الروايتين ، وواجب بمقتضى الإطلاقات ، وبعد تساقط الإطلاقين المتعارضين ـ  وإن كان بالعموم من وجه على ما بيّناه في بحث التعادل والتراجيح(1)  ـ يرجع إلى الأصل ، وهو أصالة البراءة من تقيّد الصوم بذلك ، كما هو الشأن في الدوران بين الأقل والأكثر .

   ويندفع أوّلا : بأنّ الإطلاقات السابقة تتقدّم ، وذلك من أجل أنّ تقييد الحكم بالعلم به وإن كان أمراً ممكناً في نفسه ـ بأن يؤخذ العلم بالحكم في موضوع نفسه ، بل هو واقع كما في باب القصر والتمام والجهر والإخفات ، وما ذكر من استحالته لاستلزام الدور قد أجبنا عنه في محلّه ، فهو في نفسه أمر ممكن ـ ولكن لا شكّ أ نّه بعيد عن الأذهان العرفيّة بمثابة ذهب جماعة كثيرون إلى استحالته واحتاجوا إلى التشبّث بتوجيهات عديدة في موارد الوقوع كالمثالين المزبورين ، منها ما ذكره صاحب الكفاية (قدس سره) من الالتزام باختلاف المرتبة في الملاك بحيث لا يمكن استيفاء المرتبة الراقية بعد اشتغال المحلّ بالدانية ولأجله يعاقَب(2) .

   وعلى الجملة : تقييد الحكم في هذه المطلقات بالعالمـين به ممّا يأباه الفهم العرفي جدّاً ولا يساعد عليه بوجه ، بل هو يرى أنّ الحكم ـ كغيره ـ له نحو ثبوت وتقرّر قد يعلم به الإنسان واُخرى يجهله إمّا عن قصور أو تقصير ، فلا مناص من التحفّظ على هذه الإطلاقات وتقييد الروايتين بنفي الكفّارة فقط .

   وثانياً : لو أغمضنا عن ذلك وفرضنا أنّ التقييد غير بعيد فهاتان الروايتان قاصرتان عن الإطلاق في نفسهما ولا تعمّان القضاء بوجه ، بل تختصّان بنفي

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) مصباح الاُصول 3 : 427 .

(2) كفاية الاُصول : 266 ـ 267 .

ــ[272]ــ

الكفّارة فقط .

   أمّا صحيحة عبد الصمد فالأمر فيها واضح ، ضرورة أنّ لبس المخيط لا يستوجب بطلان الحجّ ليحتاج إلى القضاء حتّى في صورة العلم والعمد ، بل غايته الإثم والكفّارة ، فهو تكليف محض ، ولا يستتبع الوضع لتدلّ على نفي القضاء مع الجهل .

   فإن قلت : التأمل في الصحيحة صدراً وذيلا يشهد بأنّها ناظرة إلى نفي فساد الحجّ الذي أفتى به العامّة وأ نّه ليس عليه الحجّ من قابل ، كما أ نّه ليس عليه بدنة ، فهي مسوقة لنفي كلا الحكمين لدى الجهل بمقتضى تفريع قوله : «أي رجل» إلخ ، على الأمرين معاً لا خصوص الثاني .

   قلت : الصحيحة وإن كانت مسوقة لنفي ما زعمه المفتون من العامّة من فساد الحجّ ، إلاّ أ نّه لا يحتمل أن يكون نفي الفساد فيها من آثار الجهل ومتفرّعاً عليه ، لما عرفت من الصحّة وأنّ لبس المخيط عالماً عامداً بلا خلاف فيه ولا إشكال ، وأ نّه لا يترتّب عليه إلاّ الإثم والكفّارة بالضرورة من غير حاجة ، إلى القضاء قطعاً ، فيعلم من هذه القرينة الواضحة أنّ نظره (عليه السلام) في قوله : «أيّ رجل ركب» إلخ ، إلى نفي الكفارة فقط ، فهذا التفريع مترتّب على خصوص ذلك دون نفي القضاء .

   وأمّا الموثّقة وكذا الصحيحة إن لم يتمّ ما قدّمناه فيها فلأجل أنّ المنفي في ظرف الجهل إنّما هو الأثر المترتّب على الفعل وأ نّه ليس عليه شيء من ناحية فعله الصادر عن جهل لا ما يترتّب على الترك ، ومن المعلوم أنّ الأثر المترتّب على الفعل ـ أعني : الإفـطار ـ إنّما هو الكفّارة فقط فهي المنفي ، وأمّا القضاء فليس هو من آثار الفعل وانّما من آثار ترك الصوم وعدم الإتيان به في ظرفه على وجهه ، فهو أثر للعدم لا للوجود . نعم ، لأجل الملازمة بين الأمرين ـ  أعني :

ــ[273]ــ

الإفطار وترك الصوم الناشئة من كون الصوم والإفطار ضدّين لا ثالث لهما  ـ صحّ إسناد أثر أحدهما إلى الآخر مجازاً وبنحو من العناية ، فيقال : إنّ الإفطار موجب للقضاء ، مع أنّ الموجب لازمه وهو ترك الصوم كما عرفت .

   وهذا نظير من أحدث في صلاته أو تكلّم متعمّداً ، فإنّه موجب للبطلان ، إلاّ أنّ الإعادة أو القضـاء ليس من آثار الحدث أو التكلّم ، بل من آثار ترك الصلاة وعدم الإتيان بها على وجهها الذي هو لازم فعل المبطل ، فتسند الإعادة إليه تجوّزاً ومسامحة ، فيقال : من تكلّم في صلاته متعمّداً فعليه الإعادة كما ورد في النصّ ، وهكذا الحال في الصحيحة ، فإنّ مفادها أ نّه لا شيء عليه من ناحية ركوبه الأمر بجهالة، فلا أثر للفعل الذي ارتكبه ، وذلك الأثر هو الكفّارة المترتّبة على الإفطار، وأمّا القضاء فهو من آثار ترك الصوم فلا تشمله الصحيحة بوجه .

   إذن فليس للروايتين إطلاق من الأوّل ، بل هما ينفيان الآثار المترتّبة على الفعل ولا ينظران إلى بقيّة الآثار المترتّبة على ملازم هذا الفعل ، فلا تعارض حتّى تصل النوبة إلى تساقط الإطلاقين والرجوع إلى الأصل العملي .

   وتوضيح المقام : أ نّا قد ذكرنا في الأُصول عند التكلم حول حديث الرفع(1) : أنّ المرفوع لا بدّ أن يكون أحد أمرين : إمّا الحكم المتعلّق بالشيء ، أو الحكم المترتّب على الشيء ، بحيث يكون هذا الشيء الذي تعلّق به النسيان أو الإكراه أو غيرهما موضوعاً بالإضافة إليه ، فمعنى رفعه في عالم التشريع عدم كونه متعلقاً للحكم الثابت له في حدّ نفسه ، أو عدم كونه موضوعاً للحكم المترتّب عليه في حدّ نفسه ، فبحسب النتيجة يفرض وجوده كالعدم وكأنه لم يكن ، فإذا اضطرّ أو نسي أو أُكره على شرب الخمر ـ مثلا ـ فمعنى رفعه أنّ هذا الشرب لا يكون متعلّقاً للحرمة الثابتة له في حدّ نفسه ، كما أ نّه لا يكون موضوعاً للحكم

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) مصباح الاُصول 2 : 266 ـ 269 .

ــ[274]ــ

الآخر المترتّب عليه كوجوب الحدّ ، فهو أيضاً مرفوع عنه ، فيكون ذلك تخصيصاً في أدلّة الأحكام الأوّلية ، وموجباً لاختصاصها بغير هذه الموارد المذكورة في الحديث .

   وأمّا لو فرضنا أنّ الموضوع للحكم شيءٌ آخر غاية الأمر أ نّه ملازم بحسب الوجود مع متعلّق الاضطرار أو الإكراه ونحوهما ، فلا يكاد يرتفع الحكم عن ذلك الموضوع بحديث الرفع .

   فلو فرضنا أ نّه مضطرّ أو مكرَه على التكلّم في الصلاة ، فغايته أنّ حرمة القطع على تقدير القول بها مرفوعة ، وأمّا وجوب الإعادة أو القضاء المترتّب على عدم الإتيان بالمأمور به الذي هو لازم التكلّم فلا يتكفّل الحديث لرفعه بوجـه ، فإنّه حكم مترتّب على موضـوع آخر لا ربط له بمتعلّق الإكراه أو الاضطرار وإن كانا متقارنين بحسب الوجود الخارجي، ضرورة أنّ عدم الإتيان بالصلاة من لوازم التكلّم لا عينه ،فإنّ الإتيان بها والتكلّم ضدّان واحدهما لازم لعدم الآخر، فلا يكاد يرتفع بالحديث بوجه ، بل مقتضى الإطلاقات عدم الفرق في مبطليّة التكلّم بين الاختيار وغيره ، ولأجل ذلك لم يذهب أحد من الفقهاء ـ  فيما نعلم ـ إلى عدم بطلان الصلاة لدى التكلّم عن إكراه أو اضطرار ، بل هو من الكلام العمدي قاطع للصلاة وموجب للاعادة بلا إشكال ، لعدم الإتيان بالمأمور به .

   ومقامنا من هذا القبيل ، فإنّ صحيحة عبد الصمد تنفي الآثار المترتّبة على لبس المخيط في صورة الجهل من الإثم والكفّارة ، لا ما يترتّب على شيء آخر ، فلا تدل على نفي الاعادة المترتّبة على عدم الإتيان بالمأمور به .

   وكذلك الحال في الموثّقة ، فإنّ مفادها أ نّه ليس عليه شيء في فعله ، ومن المعلوم أنّ القضاء ليس من آثار الفعل ـ  أعني : ارتكاب المفطر في ظرف الجهل  ـ

ــ[275]ــ

ولا بين المكره وغـيره(1) فلو اُكره على الإفطار فأفطر مباشرةً فراراً عن الضرر المترتّب على تركه بطل صومه على الأقوى . نعم ، لو وجر في حلقه من غير مباشرة منه لم يبطل .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

بل هو من آثار عدم الإتيان بالمأمور به .

   فإذن لا يمكن التمسّك بهاتين الروايتين للقول بأنّ الإتيان جهلا لا يوجب البطلان ، وإنّما يصحّ الاستدلال بهما لنفي الكفّارة فقط ، كما سيجيء التعرّض لها قريباً إن شاء الله تعالى .

   ولأجل ذلك لم يحتمل أحدٌ أ نّه إذا تكلم في صلاته جاهلا بالمبطليّة لم تبطل صلاته ، مع أنّ ذلك هو مقتضى عموم الصحيحة : «أيّ رجل ركب أمراً» إلخ ، فلو تمّ الاستدلال بها في المقام لصحّ في باب الصلاة أيضاً بمناط واحد ، وهو ـ  كما ترى  ـ لا يتمّ في كلا الموردين ، والسرّ ما عرفت من أنّ الإعادة والقضاء من آثار ترك المأمور به لا من آثار فعل المبطل أو المفطر .

   فتحصّل : أنّ الصحيح ما ذكره الماتن من عدم الفرق في البطلان بالإفطار العمـدي بين العالم والجاهل ، على أنّ تقييد المفطريّة بالعلم بعيدٌ عن الأذهان العرفيّة في حدّ نفسه كما مرّ .

   وقد ظهر ممّا ذكرنا أنّ المفطريّة والمبطليّة ثابتة لنفس هذا الفعل، فالأكل ـ  مثلا  ـ عن جهل هو المبطل حقيقةً ، ولكن القضاء غير مترتّب عليه ، وانّما هو مترتّب على لازمه ، وهو عدم الإتيان بالمأمور به ، والمرفوع في الروايتين إنّما هو الأثر المترتّب على الفعل لا الترك ، والقضـاء من آثار الترك لا الفعل كما عرفت بما لا مزيد عليه .

   (1) فلو تناول المفطر باختياره ولكن بغير طيب النفس ، بل لإكراه الغير ودفعاً لضرره وتوعيده ، بطل صومه ، لصدوره عن العمد والاختيار ، فتشمله

ــ[276]ــ

إطلاقات الأدلّة ، فإنّ الاختيار له معنيان : تارةً يُطلَق في مقابل عدم الإرادة ، واُخرى: في قبال الإكراه ، أي بمعنى الرضا وطيب النفس . وبما أنّ الفعل في المقام صادر عن الإرادة فهو اختياري له بالمعنى الأوّل ، فيكون مصداقاً للعمد المحكوم بالمفطريّة في لسان الأدلّة .

   نعم ، التحريم مرفوع في ظرف الإكراه بمقتضى حديث الرفع ، وأمّا المفطريّة فلا يمكن رفعها بالحديث ، ضرورة أنّ الأمر بالصوم قد تعلّق بمجموع التروك من أوّل الفجر إلى الغروب ، وليس كل واحد من هذه التروك متعلّقاً لأمر استقلالي ، بل الجميع تابع للأمر النفسي الوجداني المتعلّق بالمركّب ، إن ثبت ثبت الكلّ وإلاّ فلا، فإنّ الأوامر الصمنيّة متلازمة ثبوتاً وسقوطاً بمقتضى فرض الارتباطيّة الملحوظة بينها ، كما في أجزاء الصلاة وغيرها من سائر العبادات .

   فإذا تعلّق الإكراه بواحد من تلك الأجزاء فمعنى رفع الأمر به رفع الأمر النفسي المتعلّق بالمجموع المركّب ، لعدم تمكّنه حينئذ من امتثال الأمر بالاجتناب عن مجموع هذه الاُمور ، فإذا سقط ذلك الأمر بحديث الرفع فتعلّق الأمر حينئذ بغيره ، بحيث يكون الباقي مأموراً به ـ كي تكون النتيجة سقوط المفطريّة عن خصوص هذا الفعل ـ يحتاج إلى الدليل ، ومن المعلوم أنّ الحديث لا يتكفّل بإثباته ، فإنّ شأنه الرفع لا الوضع، فهو لا يتكفّل لنفي المفطريّة عن الفعل الصادر عن إكراه لينتج كون الباقي مأموراً به ومجزئاً ، كما هو الحال في الصلاة ، فلو اُكره على التكلّم فيها فمعناه أ نّه في هذا الآن غير مأمور بالإتيان بالمقيّد بعدم التكلّم ، وأمّا الأمر بالباقي فكلاّ .

   وأمّا القضاء فإن كان من الأحكام المترتّبة على نفس الفعل ـ أعني: ارتكاب المفطر كالكفّارة ـ فلا مانع من نفيه، لحديث رفع الإكراه ، ولكنّك عرفت أ نّه من آثار ترك المأمور به وعدم الإتيان به في ظرفه الملازم لفعل المفطر ، فلا مجال

ــ[277]ــ

   [ 2462 ] مسألة 1 : إذا أكل ناسياً فظنّ فساد صومه فأفطر عامداً بطل صومه (1)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

حينئذ للتمسّك بالحديث ، لأنّ المكرَه عليه هو الفعل ، وليس القضاء من آثاره ، فإطلاق دليل القضاء على من فات عنه الواجب في وقته هو المحكّم . فالتفرقة بين الكفّارة والقضاء واضحة .

   هذا فيما إذا كان ارتكاب المفطر بإرادته واختياره ولكن عن إكراه .

   وأمّا إذا لم يكن باختياره كما لو اُوجر في حلقه ، فلا إشكال في عدم البطلان ، لأنّ الواجب إنّما هو الاجتناب كما في الصحيحة : «لا يضرّ الصائم ما صنع إذا اجتنب» إلخ، الذي هو فعل اختياري، وهذا حاصل في المقام، ضرورة أنّ الصادر بغير قصد وإرادة بل كان بإيجار الغير وإدخاله غيرُ مناف لصدق الاجتناب كما هو ظاهر جدّاً .

   (1) بعد ما ذكر (قدس سره) البطلان مع العمد من غير فرق بين العلم والجهل وعدم البطلان مع النسيان ، تعرّض (قدس سره) لصورة اجتماع النسيان مع الجهل مترتّباً ، كما لو أكل أوّلاً ناسياً ثمّ إنّه لأجل زعمه فساد صومه بذلك أفطر ثانياً عامداً، فكان إفطاره مستنداً إلى جهله بصحّة صومه وتخيلّه فساده ، وقد حكم (قدس سره) حينئذ ببطلان الصوم لإفطاره العمدي وإن استند إلى الجهل ، لما مرّ من عدم الفرق ـ بعد فرض العمد ـ بين العلم والجهل(1) .

   وهذا بناءً على ما تقدّم من أنّ الجاهل كالعامد لا إشكال فيه .

   وأمّا بناءً على إلحاقه بالساهي ، فهل هذا مثل الجاهل بالحكم ، أو أنّ بين

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) راجع ص 269 .

ــ[278]ــ

المقام وبين الجاهل بالمفطريّة فرقاً ؟

   قد يقال بالفرق وأنّ القول بالصحّة في الأول لا يلازم القول بالصحّة هنا ، نظراً إلى أنّ موضوع الموثّقة أو الصحيحة هو الصائم مع الجهل بكون هذا مفطراً، ومحلّ الكلام بعكس ذلك ، فإنّه يعلم بالمفـطريّة ويجهل بصومه ، فالتعدّي إلى المقام بلا موجب . وعليه ، فحتى لو قلنا بعدم البطلان هناك لأجل الموثّقة أو الصحيحة نلتزم بالبطلان هنا ، ولعلّه لأجل ذلك تردّد المحقّق (قدس سره) في المسألة الاُولى مع جزمه هنا بالبطلان(1) .

   ولكن الظاهر عدم الفرق .

   أمّا أوّلا : فلأن دليل الصحّة في تلك المسألة لم يكن منحصراً بالموثّقة ليقال : إنّ الموضوع فيها هو الصائم مع الجهل بالمفطريّة والمقام بعكس ذلك . فمع الغضّ عن هذه تكفينا صحيحة عبدالصمد «أيّ رجل ركب أمراً بجهالة» إلخ(2) ، فإنّها غير قاصرة الشمول للمقام ، فإنّ من أكل معتقداً فساد صومه يصدق في حقّه أ نّه ركب أمراً بجهالة، فإذا كان قوله (عليه السلام) فيها : «لا شيء عليه» شاملا للقضاء ولأجله حكم بالصحة في فرض الجهل لم يكن عندئذ فرقٌ بين المقامين وشملهما الصحيحة بنطاق واحد كما لا يخفى .

   وثانياً : إنّ الموثّقة(3) بنفسها أيضاً شاملة للمقام ، إذ لم يؤخذ فيها شيء من الأمرين لا عنوان كونه صائماً ولا كونه جاهلا بالمفطريّة ، بل الموضوع فيها إتيان الأهل في شهر رمضان وهو لا يرى أنّ هذا محرّم عليه ، وهذا ـ  كما ترى  ـ صادق على الموردين معاً ، فكما أنّ من يعلم صومه ويجهل بالمفطريّة ـ  كتخيّل

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) المعتبر 2 : 662 .

(2) المتقدمة في ص 270 .

(3) أي موثّقة زرارة وأبي بصير المتقدّمة في ص 220 .

ــ[279]ــ

وكذا لو أكل بتخيّل أنّ صومه مندوب يجوز إبطاله فذكر أ نّه واجب (1) .
ـــــــــــــــــــــــــــ

أنّ شرب الدواء مثلا لا بأس به  ـ مشمولٌ له ، فكذا عكسه ، إذ يصدق في حقّه أيضاً أ نّه جامع أو أكل وهو يرى أن هذا حلال له ولو لأجل اعتقادعدم كونه صائماً ، فكلا الفرضين مشمول للموثّق بمناط واحد ، وعلى القول بأنّ الجاهل لا قضاء عليه نلتزم به في المقام أيضاً .

   (1) أو تخيّل أ نّه واجب موسّع ، فإنّه لا ينبغي الشكّ في البطلان ، لإطلاق أدلّة المفـطريّة بعد وضوح قصور الموثّق عن الشـمول للمقام ، إذ الظاهر من قوله : «وهو لا يرى إلاّ أنّ هذا حلال له» الحليّة من كلتا الجهتين ، أي تكليفاً ووضعاً ، كما هو منصرف لفظ الحلّيّة بقول مطلق لا مجرّد التكليف فقط كما في المقام .

   وكذا الحال في صحيحة عبد الصمد، فإنّ الجهالة فيها عامّة للتكليف والوضع، وفي المقام ارتكب ما يعلم بأ نّه مفطر ، غاية الأمر يجهل بموضوع صومه المستلزم للجهل بحرمة الإفطار .

   فشيءٌ من الروايتين لا يشمل المقام قطعاً  كما هو ظاهر جدّاً .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net