أقسام وجوب الكّفارة : \ أوّلاً : كفّارة صوم شهر رمضان 

الكتاب : المستند في شرح العروة الوثقى-الجزء 11:الصوم   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 3862


ــ[310]ــ

   [ 2470 ] مسألة 1 : تجب الكفّارة في أربعة أقسام من الصوم :

   الأوّل : صوم شهر رمضان ، وكفّارته مخيّرة (1) بين العتق وصيام شهرين متتابعين وإطعام ستّين مسكيناً على الأقوى ، وإن كان الأحوط الترتيب فيختار العتق مع الإمكان ومع العجز عنه فالصيام ومع العجز عنه فالإطعام .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

إنّه ركب أمراً بجهالة ؟! أو : لا يرى إلاّ أنّ هذا حلال له ؟! بل هو يرى أ نّه حرام حسب الفرض وإن لم يَرَ الحـرمة من الجهة الاُخرى وكان جاهلا بالإخـلال بالصيام أو الإحرام ، وقد عرفت أنّ مقتضى الإطلاق اعتقاد الحلّيّة بتمام معنى الكلمة الشـاملة للتكليفيّة والوضـعيّة ، فلو ارتكب وجبت عليه الكفّارة ، إذ لا يشمله قوله : وهو لا يرى إلاّ أ نّه حلال له ، فإنّه يعلم بالحرمة وإن لم يعلم بالمفسديّة .

   فما ذكره في المـتن من إلحاق هذه الصورة بالعالم في وجوب الكفّارة هو الصحيح ، فلاحظ .

   (1) لا إشكال في وجوب الكفّارة على من أفطر في شهر رمضان متعمّداً  .

   إنّما الكلام في تعيينها وأنّها ما هي ؟

   فالمعروف والمشهور أ نّه مخيّر ـ فيما لو أفطر بحلال كما هو محلّ الكلام ـ بين الخصال الثلاث ، أعني العتق ، وصيام شهرين متتابعين ، وإطعام ستّين مسكيناً .

   ونُسِبَ إلى بعض القدماء ـ كالسيّد المرتضى والعماني ـ لزوم مراعاة الترتيب ، فيجب عليه العتق معيّناً ، فإن لم يتمكّن فالصيام ، وإلاّ فالإطعام(1) .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الجواهر 16 : 268 .

ــ[311]ــ

   ومنشأ الخلاف اختلاف النصوص الواردة في المقام، فإنّها على طوائف أربع :

   الاُولى : ما دلّ على التخيير صريحاً ، كصحيحة عبدالله بن سنان : في رجل أفطر من شهر رمضان متعمّداً يوماً واحداً من غير عذر «قال : يعتق نسمة ، أو يصوم شهرين متتابعين، أو يطعم ستّين مسكيناً، فإنّ لم يقدر تصدّق بما يطيق»(1) .

   وموثّقة سماعة : عن رجل أتى أهله في شهر رمضـان متعمّداً «قال : عليه عتق رقبة ، أو اطعام ستّين مسكيناً ، أو صوم شهرين متتابعين» إلخ(2) .

   فإنّ الأخيرة واردة في إتيان الأهل الذي هو من أهمّ المفطرات ، فإذا ثبت التخيير في مثله ثبت في سائر المفطرات بطريق أولى .

   وبمضمونها موثّقته الاُخرى الواردة في المعتكف(3) ، ونحوها غيرها .

   الثانية : ما اقتصر فيه على التصدّق ، كموثّقة سماعة : عن رجل لزق بأهله فأنزل «قال : عليه إطعام ستّين مسكيناً ، مدّ لكلّ مسكين»(4) .

   ولا يخفى لزوم رفع اليد عن ظاهر الموثّقة وما بمضمونها على كلّ تقدير ، أي سواء بنينا على التخيير كما عليه المشهور ، أم قلنا بالترتيب ، غاية الأمر أ نّه على الأوّل يرفع اليد عن الظهـور في التعـيين ويحمل على التخيير ، وتكون النتيجة التقييد بـ «أو» جمعاً بينها وبين النصوص المتقدّمة ، وعلى الثاني يتقيّد بصورة العجز عن العتق والصيام ، إذ لم ينقل القول بظاهرها من تعيّن الإطعام من أحد ، فهو خلاف الإجماع المركب .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 10 : 44 /  أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 8 ح 1 .

(2) الوسائل 10 : 49 /  أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 8 ح 13 .

(3) الوسائل 10 : 547 /  كتاب الاعتكاف ب 6 ح 5 .

(4) الوسائل 10 : 49 /  أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 8 ح 12 .

ــ[312]ــ

   الثالثة : ما دلّ على وجـوب العتق تعييناً ، دلّت عليه رواية المشرقي : عن رجل أفطر من شهر رمضان أيّاماً متعمّداً ، ما عليه من الكفّارة ؟ فكتب: «من أفطر يوماً من شهر رمضان متعمّداً فعليه عتق رقبة مؤمنة، ويصوم يوماً بدل يوم»(1).

   وهذه الرواية موافقة للقول بمراعاة الترتيب ، ولكنّها مخالفة للقول المشهور ، فلا بدّ من تقييدها بالعدلين الآخرين مع العطف بـ «أو» ، فهي معارضة لأخبار التخيير ، غير أنّها ضعيفة السند جدّاً ، فإنّها وإن كانت صحيحة إلى ابن أبي نصر البزنطي ولكن المشرقي بنفسه ـ الذي هو هشام بن إبراهيم ، أو هشام بن إبراهيم العبّاسي ـ لم يوثّق ، فلا تصل النوبة إلى المعارضة كي يتصدّى للعلاج .

   الرابعة : ما دلّ على الترتيب صريحاً ، وهي روايتان :

   إحـداهما : صحيحة علي بن جـعفر : عن رجل نكح امرأته وهو صائم في رمضان ، ما عليه ؟ «قال : عليه القضاء وعتق رقبة ، فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين ، فإن لم يستطع فإطعام ستّين مسكيناً ، فإن لم يجد فليستغفر الله»(2) .

   والاُخرى : رواية عبدالمؤمن بن الهيثم (القاسم) الأنصاري الواردة فيمن أتى أهله في شهر رمضان «قال (صلّى الله عليه وآله) : اعتق رقبة، قال : لا أجد قال: فصم شهرين متتابعين ، قال : لا اُطيق ، قال : تصدّق على ستّين مسكيناً» إلخ (3).

   ولكن لا يمكن الاعتماد عليهما في قبال نصوص التخيير :

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 10 : 49 /  أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 8 ح 11 .

(2) الوسائل 10 : 48 /  أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 8 ح 9 .

(3) الوسائل 10 : 46 /  أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 8 ح 5 .

ــ[313]ــ

   أمّا الأخيرة : فلضعف السند ، فإنّ عبدالمؤمن لم يوثّق ، وقد رويت بطريق آخر هو أيضاً ضعيف ، لمكان عمرو بن شمر .

   فالعمدة إنّما هي الصحيحة ، ولكنّها لا تقاوم النصوص المتقدّمة الصريحة في التخيير ،  فإنّها انّما تدلّ على الوجوب التعييني بالظهور الإطلاقي ـ كما ذُكِر في الاُصول ـ وتلك قد دلّت على التخيير بالظهور الوضعي على ما تقتضيه كلمة «أو» ، وحملها على التنويع باعتبار اختلاف الحالات أو الأشـخاص خلاف الظاهر جدّاً ، فإنّها قد وردت في فرض رجل واحد ، كما أنّها ظاهرة في إرادة حالة واحدة لا حالات عديدة وأطوار مختلفة كما لا يخفى ، ولا ريب في تقديم الظهور الوضعي على الإطلاقي ، ولأجله تُحمَل الصحيحة على الأفضليّة كرواية المشرقي المتقدّمة لو صحّ سندها .

   ولو سلّمنا المعارضة بين الطائفتين فالترجيح مع نصوص التخيير ، لمخالفتها مع العامّة كما قيل ، فتُحمَل الصحيحة على التقيّة ، فان ثبت ذلك ـ كما لا يبعد ، ويؤيّده أنّ العلاّمة نسب هذا القول أعني لزوم الترتيب إلى أبي حنيفة والأوزاعي وغيرهما من العامة(1) ـ فهو ، وإلاّ فلا يمكن الترجيح بكثرة العدد ، لعدم كونها من المرجّحات ، بل تسـتقرّ المعارضة حينئذ ، والمرجع بعد التساقط الأصل العملي، ومقتضاه البراءة عن التعيين، لاندراج المقام في كبرى الدوران بين التعيين والتخيير ، والمقرّر في محلّه أ نّه كلّما دار الأمر بينهما في المسألة الفقهيّة يحكم بالتخيير ، لأنّ التعيين كلفة زائدة يُشكّ في ثبوتها زائداً على المقدار ـ  أعني : جامع الوجوب  ـ فتُدفع بأصالة البراءة .

   فتحصّل : أنّ ما هو المشهور من التخيير بين الاُمور الثلاثة هو الصحيح .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) المنتهى 2 : 574 .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net