العبرة بالضرر لا بالمرض - لو ترك الصيام بعروض واجب آخر أهمّ منه 

الكتاب : المستند في شرح العروة الوثقى-الجزء 11:الصوم   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 4058


ــ[489]ــ

وكذا إذا خاف من الضرر في نفسه (1) .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

   (1) فإنّ المستفاد من بعض الأخبار أنّ العبرة ليس بالمرض بما هو ، بل بالضرر ، وإنّما ذكر المريض في الآية المباركة لأ نّه الفرد الغالب ممّن يضرّه الصوم .

   وعليه ، فلو أضرّه الصوم أفطر وإن لم يكن مريضاً ، مثل ماورد من الإفطار فيمن به رمد في عينه ، أو صداع شديد في رأسه ولو يوماً واحداً ، أو حمّى شديدة ولو يوماً أو يومين ، مع أنّ هؤلاء لا يصدق عليهم المريض عرفاً إذا لم يكن مستمرّاً كما هو المفروض ، وإنّما هو أمر مؤقّت عارض يزول بسرعة .

   ومن هنا يتعدّى إلى كلّ من كان الصوم مضرّاً به وإن لم يصدق عليه المريض ، كمن به قرح أو جرح بحيث يوجب الصوم عدم الاندمال أو طول البرء ونحو ذلك من أنحاء الضرر ، ففي جميع ذلك يحكم بالإفطار ، لهذه الأخبار .

   وبالجملة : فبين المرض والإفطار عمومٌ من وجه ، فقد يكون مريضاً لا يفطر ، لعدم كون الصوم مضرّاً له ، وقد يفطر ولا يصدق عليه المريض ، كمن به رمد أو صداع أو حمّى حسبما عرفت . فالعـبرة بالضرر ، وطريق إحرازه الخوف كما ذكرناه .

   وعليه ، فلو صام المريض مع كون الصوم مضرّاً به .

   فإن كان الضرر بالغاً حدّ الحرمة الشرعيّة ـ كالإلقاء في الهلكة ـ فلا شكّ في البطلان ، لأ نّه مصداقٌ للحرام ، ولا يكون الحرام واجباً ولا المبغوض مقرّباً .

   وأمّا لو كان دون ذلك ، كمن يعلم بأنّه لو صام يبتلى بحمّى يوم أو أيّام قلائل وبنينا على عدم حرمة مطلق الإضرار بالنفس ، فلو صام حينئذ فالمتسالم عليه بطلان صومه أيضاً ، فحاله حال المسافر في أنّ الخلوّ من المرض ليس

ــ[490]ــ

شرطاً في الوجوب فقط بل في الصحّة أيضاً ، وتدلّ عليه ـ بعد الآية المباركة بناءً على ما عرفـت من ظهور الأمر في قوله تعالى : (فَعِدَّةٌ مِنْ أيَّام أُخَرَ)(1) في الوجوب التعييني ـ جملة من الأخبار ، كوثّقة سماعة : ما حدّ المرض الذي يجب على صاحبه فيه الإفطار... إلخ(2)، حيث عبّر بالوجوب .

   وقد ورد في بعض نصوص صلاة المسافر بعد الحكم بأنّ الصوم في السفر معصـية : أنّ الله تعالى تصدّق على المسافر والمريض بإلغاء الصوم ، والصدقة لا تردّ (3) .

   وقد تقدّم في حديث الزهري(4) ـ وإن كان ضعيفاً ـ الاستدلال بالآية المباركة على القضـاء فيما لو صام المريض ، وغير ذلك من الأخبار الدالّة على عدم صحّة الصوم من المريض والمسافر .

   وبإزائها رواية عقبة بن خالد : عن رجل صام شهر رمضان وهو مريض «قال : يتمّ صومه ولا يعيد ، يجزيه»(5) .

   وهذه الرواية ضعيفة عند القوم ، لأنّ في سندها محمّد بن عبدالله بن هلال وعقبة بن خالد ، وكلاهما مجهولان ، ولكنّها معتبرة على مسلكنا ، لوجودهما في أسناد كامل الزيارات ، فلا نناقش في السند .

 ولا يبعد حملها على من لا يضرّ به الصوم كما صنعه الشيخ (قدس سره)(6) ،

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) البقرة 2 : 184 ، 185 .

(2) الوسائل 10 : 220 /  أبواب من يصح منه الصوم ب 20 ح 4 .

(3) الوسائل 8 : 519 / أبواب صلاة المسافر ب 22 ح7 و ج 10 : 174 ـ 175 /  أبواب من يصح منه الصوم ب 1 ح4 و 5.

(4) في ص 485 .

(5) الوسائل 10 : 224 /  أبواب من يصح منه الصوم ب 22 ح 2 .

(6) التهذيب 4 : 257 .

ــ[491]ــ

أو غيره أو عرضه أو عرض غيره أو في مال يجب حفظه وكان وجوبه أهمّ في نظر الشارع من وجوب الصوم، وكذا إذا زاحمه واجب آخر أهمّ منه ((1)) (1) .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

لما عرفت من أنّ النسبة بين الإفطار والمرض عمومٌ من وجه ، فليس الإفطار حكماً لكلّ مريض، بل لخصوص من يضرّه الصوم، فيقيَّد إطلاق الرواية بالمريض الذي لا يضرّه الصوم .

   فإن أمكن ذلك وإلاّ فغايته أنّها رواية شاذةٌ معارضة للروايات المستفيضة الصريحة في عدم الصحّة ، فلا بدّ من طرحها ، ولا سيّما وأنّ هذه مخالفةٌ لظاهر الكتاب وتلك موافقـةٌ له ، ولا شكّ أنّ الموافقة للكتاب من المرجّحات لدى المعارضة .

   (1) تقدّم الكلام فيما لو كان الصوم مضرّاً بحاله لمرض ونحوه .

   وأمّا لو ترتّب عليه محذور آخر ، كما لو توقّف على تركه حفظ عرضه أو عرض غيره أو حفظ مال محترم يجب حفظه كوديعة أو عارية ، أو مال كثير جدّاً بحيث علمنا أنّ الشارع لا يرضى بتلفه ، فإنّ حرمة مال المسلم كحرمة دمه ، فتوقّف حفظه من الغرق أو الحرق ـ مثلا ـ على الإفطار ، أو توقّف حفظ نفسه أو نفس غيره عليه ، كما لو هدّده جائر بالقتل لو صام ، ونحو ذلك ممّا كان مراعاته أهمّ في نظر الشارع من الصوم . فلا إشكال أنّ ذلك من موارد التزاحم ، وبما أنّ المفروض أهمّيّة الواجب الآخر فيتقدّم لا محالة .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الظاهر أنّ في كل مورد يكون عدم وجوب الصوم من جهة المزاحمة لواجب آخر أهمّ يكون الصوم صحيحاً إذا صام من باب الترتّب ، ومنه يظهر الحال فيما إذا كان الصوم مستلزماً للضرر بالنسبة إلى غير الصائم أو عرضه أو عرض غيره أو مال يجب حفظه .

ــ[492]ــ

   إنّما الكلام في طريق ثبوت المزاحمة وكيفيّة إحرازها ، فهل يكفي فيه مجرّد الاحتمال العقلائي المحقّق للخوف كما في المرض على ما سبق ، أو أ نّه لا بدّ من إحراز وجود المزاحم بعلم أو علمي ؟

   الظاهر هو التفصيل بين ما كان الواجب الآخر ممّا اعتُبر فيه عنوان الحفظ كحفظ النفس أو العرض أو المال ونحو ذلك ، وبين غيره من سائر الواجبات أو المحرّمات كالإنفاق على العائلة .

   ففي الأوّل يُكتفى بمجرّد الخوف ، لأنّ نفس هذا العنوان يقتضي المراعاة في موارد الاحتمال ، ضرورة أنّ ارتكاب شيء يحتمل معه التلف ينافي المحافظة ، فلو جُعِلت الوديعة ـ مثلا ـ في معرض التلف لا يصدق أ نّه تحفّظ عليها وإن لم تتلف اتّفاقاً .

   ومن هنا ذكرنا في محلّه أ نّه لا يجوز كشف العورة في مورد يُحتَمل فيه وجود الناظر المحـترم ، بل لا بدّ من الاطمئنان بالعدم ، وإلاّ لم يكن من الذين هم لفروجهم حافظون ، فتأمّل .

   وعلى الجملة : معنى الحفظ الاجتناب عمّا يحتمل معه التلف ، فهو بمفهومه يقتضي الاعتناء بالاحتمال المحقّق للخوف . وعليه، فيجوز بل يجب الإفطار مع الاحتمال، لعدم اجتماع الصوم مع الحفظ المأمور به ، الذي هو أهمّ حسب الفرض.

   وأمّا في الثاني : فلا مناص من إحراز وجود المزاحم بعلم أو علمي ، إذ الصوم واجب ولا يكاد يرتفع وجـوبه إلاّ بالتعجيز الحاصل من قبل المولى ، الذي لا يتحقّق إلاّ بالتكليف المنجّز دون المحتمل .

   وبعبارة اُخرى : إنّما يرفع اليد في المتزاحمين عن أحد الواجبين لا لعدم الجعل فيه من الأوّل ، بل لعدم القدرة على الامتثال بعد لزوم تقديم الأهمّ ، حيث إنّ

ــ[493]ــ

امتثاله معجز عن المهمّ ، فإذا لم يكن الأهمّ واصلا فماذا يكون عذراً في ترك المهمّ ؟! وعليه فلا يسوّغ الإفطار إلاّ إذا احرز الواجب الآخر بحجّة معتبرة .

   وكيفما كان ، فلا إشكال في سقوط التكليف بالصوم فيما لو زاحمه واجب آخر أهمّ ، سواء أكان ممّا اعتُبر فيه عنوان الحفظ أم لا ، كما لو وقعت المزاحمة بين الصوم وبين الانفاق على العائلة ، لأنّ تعلّق التكليف بالصوم وجوباً تعيّنيّاً حسبما تضمّنته الآية المباركة من تقسيم المكلّفين إلى أقسام ثلاثة : من يجب عليه الصوم فقط ، ومن يجب عليه القضاء ، ومن يجب عليه الفداء ـ كما مرّت الإشارة إليه(1) ـ إنّما هو حكم المكلّف ابتداءً ، وإلاّ فهذا الوجوب كغيره من سائر التكاليف مشروط بالقدرة ، فإذا كان هناك واجب آخر أهمّ ولم يمكن الجمع فهو طبعاً يتقدّم ، ومعه يسقط هذا الوجوب ، لمكان العجز .

   إنّما الكلام فيما لو عصى فترك الواجب الأهمّ وصام ، فهل يحكم بصحّته ، أو لا ؟

   ظاهر كلام الماتن حيث ذكر هذا ـ أعني : عدم الابتلاء بالمزاحم الأهمّ ـ في شرائط الصحّة كعدم المرض والسفر هو البطلان، فهو شرط في الوجوب والصحّة معاً لا في الأوّل فقط .

   وهذا منه مبني على عدم جريان الترتّب وإنكاره ، إذ عليه يكفي في البطلان عدم تعلّق الأمر بالصوم ، إذ الأمر بالشيء يقتضي عدم الأمر بضدّه لا محالة ، ولا يتوقّف ذلك على دعوى اقتضائه للنهي عن الضدّ ، ولا على دعوى مقدّميّة ترك أحد الضدّين لوجود الضدّ الآخر ، بل يكفي في المقام مجرّد عدم الأمر كما عرفت المستلزم لعدم إحراز الملاك أيضاً ، إذ لا كاشف عنه من غير ناحية الأمر والمفروض عدمه ، فلا يمكن تصحيح العبادة بوجه .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) في ص 460 ـ 461 .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net