جواز السفر اختياراً في شهر رمضان - حكم السفر في الواجب المعيّن من غير شهر رمضان 

الكتاب : المستند في شرح العروة الوثقى-الجزء 12:الصوم   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 7139


ــ[24]ــ

   [ 2509 ] مسألة 4 : يجوز السفر اختياراً في شهر رمضان ، بل ولو كان للفرار من الصوم (1) كما مرّ . وأمّا غيره من الواجب المعيّن ، فالأقوى((1)) عدم جوازه إلاّ مع الضرورة ، كما أ نّه لو كان مسافراً وجب عليه الإقامة لإتيانه مع الإمكان (2) .

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

   (1) تقدّم البحث حول هذه المسألة في المسألة الخامسة والعشرين من فصل ما يوجب الكفّارة مستقصىً . وعرفت أنّ جملة من الروايات دلّت على عدم الجواز وكلّها ضعاف ، ما عدا رواية واحدة رواها في الخصال في حديث الأربعمائة(2) ، فإنّها معتبرة عندنا ، لأنّ الذي يُغمَز فيه ـ وهو الحسن بن راشد الواقع في سلسلة السند ـ موجود في أسناد كامل الزيارات .

   ولكنّها محمولة على الكراهة جمعاً بينها وبين صحيحتي محمّد بن مسلم والحلبي الصريحتين في الجواز ، فراجع ولاحظ(3) .

   (2) قد عرفت أنّ صحّة صوم رمضان كوجوبه مشروطة بالحضر ، وأنّ المسافر موظّفٌ بعدّة من أيّام اُخر ، فهل الحكم يعمّ طبيعي الصوم المعيّن إمّا بالأصالة كنذر يوم معيّن ، أو بالعرض كالقضاء المضيّق ـ  على القول بالتضييق  ـ فكما ساغ له السفر اختياراً في رمضان ولو فراراً ـ  لإناطة الوجوب بالحضور الملازم لسقوطه بالسفر ، لعدم لزوم تحصيل شرط التكليف  ـ فكذا الحال في مطلق المؤقّتات المعيّنة فلا يجب عليه قصد الإقامة لو كان مسافراً وفاءً بنذره

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) بل الأقوى أ نّه في حكم شهر رمضان فيما إذا لم يكن صومه مملوكاً للغير كما في الإيجار ، أو متعلّقاً لحقّ الغير كما في الشرط ضمن العقد .

(2) الوسائل 10 : 182 /  أبواب من يصح منه الصوم ب 3 ح 4 ، الخصال : 614 .

(3) شرح العروة 21 : 407 ـ 409 .

ــ[25]ــ

ـ  مثلا  ـ كما لا يُمنع عن السفر لو كان حاضراً ، لعدم استلزامه مخالفة النذر ، ولا عصياناً لقضاء الواجب المعيّن ونحوه ، بعد اشتراط الوجوب في الجميع بالحضور وانتفاء الموضوع باختيار السفر ؟

   أو أنّ الحكم خاصّ بشهر رمضان والاشتراط فيه لا يلازم الاشتراط في غيره ، فلا يجوز له السفر وتجب عليه الإقامة مقدّمةً للوفاء بالنذر ولامتثال الواجب المطلق المنجّز عليه إلاّ لضرر أو ضرورة يسوغ معها ترك الواجب من أجل المزاحمة ؟

   فيه كلام بين الأعلام ، والكلام يقع فعلا في النذر ونحوه ممّا وجب بالجعل والالتزام ، ومنه يُعرف الحال في غيره ممّا وجب بسبب آخر .

   فنقول : يفرض النذر في المقام على ثلاثة أقسام :

   إذ تارةً : يتعلّق بالصوم ولكن مشروطاً بالحضور ومعلّقاً على الإقامة ، فلا التزام بالصوم على تقدير السفر ، لقصور المقتضي من الأوّل ، وهذا خارج عن محلّ الكلام قطعاً ، ويجوز له السفر اختياراً بلا إشكال ، إذ ليس فيه أىّ مخالفة للنذر بعد أن كان التزامه النذري محدوداً لا مطلقاً كما هو واضح .

   واُخرى: يتعلّق النذر بكلٍّ من الصوم والإقامة ، فينذر البقاء في البلد والصيام في اليوم المعيّن ، وهذا أيضاً خارج عن محلّ الكلام ، إذ لا ريب في أ نّه لو سافر فقد خالف نذره وكانت عليه كفّارة الحنث .

   وإنّما الكلام في القسم الثالث ، وهو : ما لو تعلّق النذر بالصوم من غير تعليق على الحضور ومن غير التزام به فلم يتعلّق الإنشاء النذري إلاّ بمجرّد الصوم في اليوم الكذائي ، غير أ نّه قد علم من الخارج دخل الحضور في صحّة الصوم وبطلانه في السفر ، فهل يحرم عليه السفر وتجب الإقامة مقدّمةً للوفاء بالنذر ، أو لا؟ نظراً إلى أنّ متعلّق النذر لمّا كان هو الصوم الصحيح وهو متقوّم بالحضور،

ــ[26]ــ

فلا جرم كان وجوب الوفاء مشروطاً به .

   فنقول : لا ينبغي التأمّل في أنّ مقتضى القاعدة ـ مع الغضّ عن ورود نصّ خاصّ في المقام ـ هو عدم الاشتراط ، تمسّكاً بإطلاق دليل الوفاء بعد القدرة عليه بالقدرة على مقدّمته ، وهو ترك السفر أو قصد الإقامة ، فيجب من باب المقدّمة . ومن المعـلوم أنّ ثبوت الاشـتراط في صوم رمضان لدليل خاصّ لا يستلزم الثبوت في غيره بعد فرض اختصاص الدليل به ، وكون الصوم حقيقة واحدة لا ينافي اختصاص بعض الاقسام ببعض الاحكام كما لا يخفى .

   إذن فلو كنّا نحن ودليل وجوب الوفاء بالنذر كان مقتضاه وجوب الوفاء وعدم جواز الخروج للسفر .

   إلاّ أنّ هناك عدّة روايات يستفاد منها أنّ طبيعي الصوم أيّاً ما كان مشروطٌ وجوباً وصحّةً بالحضور كما هو الحال في صوم شهر رمضان ، ولا ضير في الالتزام به حتّى في موارد النذر ، فإنّه وإن كان الالتزام النذري مطلقاً إلاّ أ نّه قابل للتقييد من ناحية الشرع ، فيقيِّد من بيده الأمر وجوب الوفاء بما التزم بما إذا كان مقيماً حاضراً ، لا على سبيل الإطلاق ، لكي تجب الإقامة بحكم العقل مقدّمةً للوفاء .

   والعمدة منها روايتان كما ستعرف .

   وأمّا الاستدلال لذلك برواية عبدالله بن جندب، قال : سأل أبا عبدالله (عليه السلام) عبّادُ بن ميمون ـ وأنا حاضر ـ عن رجل جعل على نفسه نذر صوم ، وأراد الخروج في الحجّ ، فقال عبدالله بن جندب : سمعت من زرارة عن أبي عبدالله (عليه السلام) أ نّه سـأله عن رجل جعل على نفسه نذر صوم يصوم فمضى فيه (فحضرته نيّة) في زيارة أبي عبدالله (عليه السلام) «قال : يخرج ولا

ــ[27]ــ

يصوم في الطريق ، فإذ رجع قضى ذلك»(1) .

   ففي غير محلّه ، لاختصاص موردها بالنذر ، فيحتاج التعدّي لمطلق الصوم إلى دليل آخر . هذا أوّلا .

   وثانياً : أنّها قاصرة السند، لعدم ثبوت وثاقة يحيى بن المبارك على المشهور، على أنّها مرسلة ، فإنّ كلمة : من زرارة ، الموجودة في الوسائل هنا سهوٌ قطعاً إمّا من قلمه الشريف أو من النسّاخ ، والصحيح كما في الكافي والتهذيب ، وفي الوسائل نفسه في كتاب النذر: مَن رواه(2) ، بدل: من زرارة، ولعلّ تشابه الحروف أو جب التصحيف . إذن فلم يُعلَم من يروي عنه عبدالله بن جندب ، فتتّصف طبعاً بالإرسال .

   وهناك اشتباهان آخران من صاحب الوسائل في هذه الرواية :

   أحدهما : أ نّه زاد في السند قوله : عن أبي جميلة(3) ، مع أ نّه غير موجود في الكافي والتهذيب ، ولم يذكره أيضاً في كتاب النذر ، بل رواها عبدالله بن جبلّة عن إسحاق بن عمّار بلا واسطة ، وهو الصحيح .

   ثانيهما : كلمة «أبا عبدالله (عليه السلام) »(4) ، بعد قوله : «سأل» فإنّها مستدركة ، لعدم استقامة المعنى حينئذ ، ضرورة أنّ المسؤول لو كان هو الإمام (عليه السلام) فكيف تصدّى ابن جندب للجواب بما سمعه مرسلا أو مسنداً

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 10 : 197 /  أبواب من يصح منه الصوم ب 10 ح 5 .

(2) الوسائل 23 : 313 /  كتاب النذر والعهد ب 13 ح 1 ، الكافي 7 : 457 / 16 ، التهذيب 8 : 306 / 1139 .

(3) لم ترد هذه الزيادة في الوسائل المحقّق جديداً .

(4) غير موجودة في الوسائل المحقّق جديداً .

ــ[28]ــ

عن أبي عبدالله (عليه السلام) وهو (عليه السلام) بنفسه حاضر ؟ !

   فالكلمة زيادة قطعاً ، ولذا لم تُذكَر لا في الكافي ولا في التهذيب ولا في نذر الوسائل ، بل المسؤول إمّا أ نّه غير مذكور لو كانت النسخة : سأل عبّاد بن ميمون ـ كما في الكافي ـ أو أ نّه هو عبدالله بن جندب نفسه لو كانت النسخة : سأله (عليه السلام) ، كما في التهذيب .

   وكيفما كان ، ففي هذه الرواية اشتباهات من صاحب الوسائل في المقام . وقد عرفت أنّها مع اختصاصها بالنذر غير نقيّة السند ، فلا تصلح للاستدلال بها بوجه .

   والعمدة روايتان كما عرفت :

   الاُولى : صحيحة علي بن مهزيار ـ في حديث ـ قال : كتبت إليه ـ يعني : إلى أبي الحسن (عليه السلام) ـ يا سيّدي ، رجل نذر أن يصوم يوماً من الجمعة دائماً ما بقي ، فوافق ذلك اليوم يوم عيد فطر أو أضحى أو أيّام التشريق أو سفر أو مرض، هل عليه صوم ذلك اليوم أو قضاؤه؟ وكيف يصنع يا سيّدي ؟ فكتب إليه : «قد وضع الله عنه الصيام في هذه الأيّام كلّها ، ويصوم يوماً بدل يوم إن شاء الله»(1) .

   قوله : يوماً من الجمعة ، إمّا أن يراد به يوماً معيّناً من الاُسبوع أو خصوص يوم الجمعة ، وعلى التقديرين فقد دلّت على أنّ طبيعي الصوم الذي أوجبه الله ـ  سواء أوَجب بسبب النذر أم بغيره  ـ مشروطٌ وجوبه بالحضور وأ نّه ساقط في هذه الأيّام كلّها التي منها أيّام السفر ، وأ نّه متى صادف هذه الأيّام يقضيه ويصوم يوماً بدل يوم . وهذا هو معنى الاشتراط .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 23 : 310 /  كتاب النذر والعهد ب 10 ح 1 .

ــ[29]ــ

   الثانية : موثّقة زرارة ، قال : قلت لأبي جعفر (عليه السلام) : إنّ اُمّي كانت جعلت عليها نذراً : إن الله ردّ (إن يردّ الله) عليها بعض ولدها من شيء كانت تخاف عليه أن تصوم ذلك اليوم الذي يقدم فيه ما بقيت ، فخرجت معنا مسافرةً إلى مكّة فأشكل علينا لمكان النذر ، أتصوم أو تفطر ؟ «فقال :تصوم ، قد وضع الله عنها حقّه ، وتصوم هي ما جعلت على نفسها» إلخ(1) ، وأوردها عنه بسند آخر مع نوع اختلاف في المتن في كتاب النذر(2) .

   يعني : أنّ الله تعالى قد وضع حقّه المجعول ابتداءً فأسقط الصوم في السفر ، فكيف بالحقّ الذي جعلته هي على نفسها بسبب النذر ؟! فإنّه أولى بالسقوط ، فإنّ جملة «وتصوم هي» إلخ ، بمثابة الاستفهام الإنكاري كما لا يخفى .

   إذن فهذه الرواية المعتبرة كسابقتها واضحة الدلالة على أنّ طبيعي الصوم بأىّ سبب وجب من نذر أو غيره مشروط وجوبه كصحّته بعدم السفر .

   ومن هنا ذهب جمع من المحقّقين إلى عدم الفرق في الاشتراط بين صيام رمضان وغيره وأنّ الوجوب مطلقاً مشروط بالحضور ، ويسقط بالسفر استناداً إلى ما عرفت ، غايته أنّ الروايات من حيث وجوب القضاء بعد ذلك وعدمه مختلفة، وذاك بحث آخر، وكلامنا فعلا في الاشتراط وعدمه ، وما ذكروه من الاشترط هو الصحيح حسبما عرفت .

   ثمّ إنّه قد صرّح بعضهم بجريان هذا الحكم فيما وجب بالإجارة أيضاً، فلو كان أجيراً لزيد في صوم يوم معيّن ساغ له السفر وسقط عنه وجوب الوفاء، لأنّ التكليف به ـ كسائر أقسام الصيام ـ مشروط بالحضر بمناط واحد .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 10 : 196 /  أبواب من يصح منه الصوم ب 10 ح 3 .

(2) الوسائل 23 : 313 /  كتاب النذر والعهد ب 13 ح 2 .

ــ[30]ــ

   أقول : لا ريب في أنّ الأجير المزبور لو سافر ليس له أن يصوم ، للنهي عنه في السفر كما مرّ ، إلاّ أنّ الكلام في جواز السفر وعدمه ، وأنّ وجوب الوفاء هنا هل هو مشروط أيضاً ، أو أ نّه مطلق ؟

   الظاهر هو الثاني ، بل لا ينبغي التأمّل فيه .

   وتوضيحه : أنّك قد عرفت في وجوه تصوير النذر في المقام أ نّه يمكن إنشاؤه معلّقاً على الحضور ، ومعه لا خلاف كما لا إشكال في جواز السفر ، لقصور المقتضي من الأوّل وعدم وجوب تحصيل شرط الوجوب .

   ولكن هذا لا يجري في باب الإجارة ، لقيام الإجماع على بطلان التعليق في العقود إلاّ فيما قام الدليل عليه كما في الوصيّة والتدبير .

   نعم ، لو جرى التعليق فيها كان التمليك من الأوّل معلّقاً على الحضر كما في النذر ، لعدم اسـتحالة التعليق في المنشئات ، غير أ نّه باطل في غير ما ثبت بالدليل كما عرفت ، فلا بدّ إذن من فرض الكلام في الإجارة المطلقة غير المعلّقة على الحضور ، وإلاّ لكانت الإجارة باطلة في نفسها سواء أسافر أم لا .

   ومن البيّن أنّ الإجارة المزبورة غير مشمولة للنصوص المتقدّمة لتدلّ على انسحاب الاشتراط إليها ، كيف ؟! وقد ملك المستأجر العمل في ذمّة الأجير بمجرّد العقد من غير إناطة على الحضر حسـب الفرض ، ومعه كيف يرخّص الشارع في تضييع هذا الحقّ وعدم تسليم المال إلى مالكه ؟!

   وبعبارة اُخرى : النصـوص المذكورة ناظرة إلى ما تضمّن الحكم التكليفي المحض وأنّ ما كان حقّاً لله سبحانه إمّا ابتداءً أو بعد الجعل والالتزام ـ كما في النذر ـ فهو مشروط بالحضور وساقط عند السفر ، وأمّا ما تضمّن الوضع أيضاً وكان مشتملا على حقّ الناس فتلك الأدلّة قاصرة وغير ناهضة لإسقاط هذا




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net