لا قضاء على الكافر إذا أسلم - لو أسلم الكافر أثناء النهار 

الكتاب : المستند في شرح العروة الوثقى-الجزء 12:الصوم   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 5083


ــ[154]ــ

   وكذا لا يجب على من أسلم عن كفر (1) ، إلاّ إذا أسلم قبل الفجر ولم يصم ذلك اليوم فإنّه يجب عليه قضاؤه .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

عدم القضاء هل يختصّ بما إذا كان الإغماء مستنداً إلى غلبة الله تعالى وخارجاً عن اختيار المكلف ، أو يعمّه وما استند إلى اختياره كما هو الحال في الجنون ؟

   فقد يقال بالأوّل ، نظراً إلى انصراف الأخبار إليه ، ودلالة الصحيحة المشار إليها عليه باعتبار استفادة العلّيّة المنحصرة منها .

   ولكنّك عرفت منع الاستفادة ، وأنّ التقييد بغلبة الله مبني على أنّ الغالب في الإغماء هو ذلك لا الدلالة على العلّيّة المنحصرة ، فغايته أنّها لا إطلاق لها بحيث لو كان الدليل منحصراً بها لما أمكن الالتزام بالتعميم ، لا أنّها تدلّ على الاختصاص وإن كان موردها ذلك . فلا مانع إذن من الأخذ بالإطلاق في بقيّة الروايات .

   ودعوى الانصراف غير مسموعة وعهدتها على مدّعيها .

   وكيفما كان ، فهذا البحث مُعنوَن في كتاب الصلاة ، فبين قائل بالاختصاص ، وقائل بالعدم ، ولم أر من تعرّض له في المقام مع وحدة المناط والاشتراك في المستند . فإمّا أن يلتزم بالاختصاص في كلا الموردين لاستظهار العلّيّة المنحصرة ، أو لا يلتزم في شيء منهما ، ولم يتّضح وجه لتعرض الأصحاب له في ذاك الباب وإهماله في المقام .

   (1) بلا خلاف فيه ولا إشكال .

   وهذا بناءً على عدم تكليف الكفّار بالفروع ـ كما لم نستبعده وإن كان على خلاف المشهور ـ فظاهر ، لعدم المقتضي حينئذ للقضاء بعد عدم فوت الفريضة وعدم الدليل على فوات الملاك عنه .

ــ[155]ــ

   وأمّا بناءً على المشهور من تكليفهم بالفروع كالاُصول فيحتاج عدم وجوب القضاء إلى إقامة الدليل .

   ويدلّ عليه أوّلا : السيرة القطعيّة ، فإنّ النبىّ الأكرم وكذا وصيّه المعظّم والمتصدّين للأمر من بعده لم يعهد منهم تكليف أحد ممّن يتشرّف بالإسلام بقضاء مافاته من الصلاة أو الصيام .

   وثانياً : طائفة من الأخبار وجملة منها معتبرة :

   منها : صحيحة الحلبي عن أبي عبدالله (عليه السلام) : أ نّه سُئل عن رجل أسلم في النصف من شهر رمضان ، ما عليه من صيامه ؟ «قال : ليس عليه إلاّ ما أسلم فيه»(1) .

   وموثّقة مسعدة بن صدقة عن أبي عبدالله عن آبائه (عليهم السلام) : «إنّ عليّاً (عليه السلام) كان يقول في رجل أسلم في نصف شهر رمضان : إنّه ليس عليه إلاّ ما يستقبل»(2) .

   وصحيحة العيص بن القاسم ، قال : سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن قوم أسلموا في شهر رمضان وقد مضى منه أيّام، هل عليهم أن يصوموا ما مضى منه، أو يومهم الذي أسلموا فيه؟ «فقال: ليس عليهم قضاء ولايومهم الذي أسلموا فيه، إلاّ أن يكونوا أسلموا قبل طلوع الفجر»(3)، ونحوها غيرها .

   فالحكم ممّا لا كلام فيه ولا غبار عليه .

   وإنّما الكلام في أن الكافر هل هو مكلّف بالقضاء وبإسلامه يسقط عنه ، أو أ نّه غير مكلّف بخصـوص هذا الفرع وإن بنينا على تكليفه بسائر الفروع

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) ، (2) الوسائل 10 : 328 /  أبواب أحكام شهر رمضان ب 24 ح 2 ، 4 .

(3) الوسائل 10 : 327 /  أبواب أحكام شهر رمضان ب 24 ح 1 .

ــ[156]ــ

كالاُصول سواء أسلم أم بقي على كفره ؟

   المعروف هو الأوّل ، واختار الثاني في المدارك(1) ، وهو أوّل من ناقش في ذلك ، نظراً إلى أنّ التكليف بالقضاء كغيره مشروط بالقدرة ، والكافر لا يتمكّن منه أسلم أم لم يسلم . أمّا على الأوّل فواضح ، لدلالة النصوص على سقوط القضاء عنه باختيار الإسلام . وكذا على الثاني ، لعدم صحّة العمل من الكافر واشتراط وقوعه في حال الإسلام ، فهو غير قادر عليه في شيء من الحالتين ، إمّا لسقوطه عنه ، أو لعدم صحّته منه ، وما هذا شأنه لا يعقل تعلّق التكليف به .

   وغير خفي أنّ كلامه هذا متين جدّاً .

   نعم، يمكن أن يقال ـ بناءً على تكليف الكفّار بالفروع وتسليم قيام الإجماع عليه كما ادُّعي ـ : إنّ الكافر وإن لم يكن مكلّفاً بالقضاء بعد انقضاء شهر رمضان لامتناع توجيه الخطاب إليه كما ذكر ، إلاّ أنّ هذا الامتناع لأجل انتهائه إلى الاختيار باعتبار تمكّنه من اختيار الإسلام في ظرف العمل فيصوم أداءً وإن فاته فقضاءً وقد فوته على نفسه بسوء اختياره ، وقد تقرّر في محلّه أنّ الامتناع بالاختيار لا ينافي الاختيار ، فهو لا جرم يستحقّ العقاب على تفويت الملاك الملزم على نفسه وإن لم يكن مشمولا للخطاب .

   ولكنّه يتوقّف على إحراز وجود الملاك بعد سقوط الأمر ، ليصدق التفويت بالإضافة إليه ، وأنّى لنا بإثباته بعد عدم السبيل إلى استكشافه من غير ناحية الأمر المفروض سقوطه(2) .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) المدارك 6 : 200 ـ 201 .

(2) تقدّم البحث حوله بنطاق أوسع في الجزء الخامس من كتاب الصلاة .

ــ[157]ــ

   وكيفما كان ، فلا إشكال في عدم وجوب القضاء على الكفّار بعد الإسلام ، لما عرفت من الأخبار التي من أجلها يحمل الأمر به الوارد في صحيح الحلبي ـ قال: سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن رجل أسلم بعد ما دخل (من) شهر رمضان أيّام (ما) «فقال : ليقض ما فاته»(1) ـ على الاستحباب ، أو على محامل اُخر كالمرتدّ كما فعله الشيخ (قدس سره)(2) ، وإلاّ فالحكم قطعي لا سترة عليه كما عرفت .

   هذا ، وربّما يستدلّ لسقوط القضاء في المقام بالرواية المشهورة المعروفة من أنّ الإسلام يجبّ ما قبله ويهدم(3) .

   ولكنّها بعد الفحص التامّ والتتبّع الكامل غير موجـودة في كتب أحاديثنا جزماً ، ولا مأثورة عن أحد من المعصومين (عليهم السلام) قطعاً ، وإنّما هي مرويّة بغير طرقنا عن علي (عليه السلام) تارةً ، وعن النبىّ (صلّى الله عليه وآله) اُخرى .

   نعم، رويت في بعض كتبنا مرسلا ـ كمجمع البحرين وغوالي اللآلئ عنه (صلّى الله عليه وآله)(4) ـ ومجرّد كونها مشهورة في كتب المتأخّرين ـ فإنّ كتب السابقين أيضاً خالية عنها ـ لا يستوجب اعتبارها بوجه .

   إذن فالرواية لا أساس لها ولا تستأهل بحثاً حولها . والعمدة إنّما هي النصوص الخاصّة مضافاً إلى السيرة القطعيّة حسبما عرفت .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 10 : 329 /  أبواب أحكام شهر رمضان ب 22 ح 5 .

(2) التهذيب 4 : 246 ، الاستبصار 2 : 107 .

(3) غوالي اللآلئ 2 : 224 ، مسند أحمد 4 : 199 و 204 و 205 .

(4) مجمع البحرين 2 : 21 ، غوالي اللآلئ 2 : 224 .

ــ[158]ــ

   ولو أسلم في أثناء النهار لم يجب عليه صومه((1)) وإن لم يأت بالمفطر ولا عليه قضاؤه (1) ، من غير فرق بين ما لو أسلم قبل الزوال أو بعده ، وإن كان الأحوط القضاء((2)) .

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

   (1) بلا خلاف فيه ولا إشـكال فيما لو أسلم بعد الزوال ، كما صرّح به في صحيحة العيص المتقدّمة ، النافية للصوم عن اليوم الذي أسلموا فيه إلاّ أن يكونوا أسلموا قبل طلوع الفجر .

   وإنّما الإشكال فيما لو أسلم قبل الزوال ، فقد نُسب إلى الشيخ وجوب الصوم حينئذ بعد تجديد النيّة ، لبقاء وقتها ، فيُحسب له صوم هذا اليوم ، ولو خالف ثبت عليه القضاء(3) .

   وهو (قدس سره) مطالَب بالدليل ، فإنّ ظرف النيّة عند الفجر ، وقيام الناقص مقام التامّ خلاف الأصل ، ودليل التجديد خاصّ بالمسافر الذي يقدم أهله ، ولا دليل على التعدّي عن مورده ، فمقتضى القاعدة عدم صحّة الصوم منه أداءً ولا وجوبه قضاءً .

   على أنّ ذلك هو مقتضى إطلاق صحيحة العيص المتقدّمة ، حيث تضمّنت نفي القضاء إلاّ عن اليوم الذي أسلموا فيه قبل طلوع الفجر ، فلا قضاء فيما لو أسلموا بعده ، سواء أكان قبل الزوال أم بعده ، مع الإفطار أم بدونه ، فما ذكره (قدس سره) لم يُعرف له وجه صحيح .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) بناءً على ما هو المعروف من تكليف الكفّار بالفروع يجب عليه الإمساك فيما بقي من النهار على الأظهر .

(2) لا وجه للاحتياط إذا صام اليوم الذي أسلم فيه .

(3) المبسوط 1 : 286 .

ــ[159]ــ

إذا  كان قبل الزوال (1) .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

   (1) مورد هذا الاحتياط ما لو أفطر قبل أن يسلم ، أو لم يفطر ولم يجدّد النيّة ، أمّا لو جدّد قبل أن يفطر فلا موضوع للاحتياط ، لأنّه إن كان مأموراً بالصوم فقد فعل ، وإلاّ فلم يفت عنه شيء كي يقضيه . فعبارة المتن لا تستقيم على إطلاقها ، وقد تقدّم نظيره في الصبي .

   بقي هنا شيء ، وهو : أ نّه بعد الفراغ عن عدم وجوب القضاء ولا الأداء لليوم الذي أسلم فيه سواء أكان قبل الزوال أم بعده بمقتضى إطلاق صحيحة العيص الناطقة بأنّه يكلَّف بالصوم فيما إذا أسلم قبل الفجر كما مرّ ، فهل يجب عليه الإمساك بقيّة النهار تأدّباً وإن لم يكن مأموراً بالصوم ؟

   لا يبعد القول بالوجوب ، بناءً على تكليف الكفّار بالفروع كالاُصول كما عليه المشهور حتّى لو أسلم بعد الزوال فضلا عمّا قبله ، نظراً إلى أ نّه حال الكفر كان مأموراً بالصوم كبقيّة الفروع وكان مقدوراً له بالقدرة على مقدّمته وهي اختيار الإسلام ، غايته أ نّه عصى فبطل منه الصوم ، والصوم الباطل محكوم صاحبه بوجوب الإمساك بقيّة النهار كما استفيد من الروايات السابقة ، ومن المعلوم أ نّه نصوص المقام لا تنفي ذلك ، بداهة أنّها ناظرة إلى حكمه من حيث الصوم بما هو صوم، لا من حيث وجوب الإمساك الذي هو حكم تكليفي محض.

   نعـم ، بنـاءً على ما هو الأصحّ من عدم تكليفهم إلاّ بالاُصـول لم يجـب الإمساك المزبور ، إذ لم يكن مخاطباً بالصوم حال الكفر حسب الفرض ، فتركه الصيام إلى زمان الإسلام لم يتضمّن مخالفةً لتكليف شرعي ، وبعدما أسلم لم يكن مأموراً بصوم هذا اليوم حسب الفرض أيضاً ، ومن البيّن أنّ دليل وجوب الإمساك تعبّداً خاصّ بمن وجب عليه الصوم وأبطله ، أو لم يتمّ في حقّه ، أمّا




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net