الخامس : الرقاب ، وهم ثلاثة أصناف : 

الكتاب : المستند في شرح العروة الوثقى-الجزء 14:الزكاة   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 4612


ــ[71]ــ

   الخامس : الرّقاب ، وهم ثلاثة أصناف (1) :

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

كلّ أمر قربي يتوصّل به إلى مرضاة الله ، ولا شبهة أنّ من مصاديقه الصرف لتأليف القلب والجلب إلى ما فيه تشييد الدين وتقوية الإسلام والمسلمين ، سواء أكان المعطى له مسلماً ضعيف العقيدة لأجل تركيز مبادئ الاسلام ومفاهيمه في ذهنه أم كافراً يرجى تأليف قلبه إلى الجهاد أو إلى الإسلام .

   إذن فلاثمرة مهمّة للبحث عن اختصاص المؤلّفة بالمسلمين أو بالكافرين أو التعميم لهما بعد جواز الدفع لكلّ منهما بالعنوان الآخر على التقديرين حسبما عرفت.

   (1) على المشهور بينهم من الاختصاص بالأصناف الثلاثة المذكورين في المتن ، أعني : المكاتب العاجز عن أداء مال الكتابة ، والعبد تحت الشدّة ، ومطلق عتق العبد شريطة عدم وجود المستحقّ للزكاة .

   وزاد بعضهم صنفاً رابعاً ، وهو من وجب عليه العتق كفارةً ولم يجد ما يكفّر به فإنّه يُعتَق عنه .

   وزاد آخرون صنفاً خامساً، وهو الصرف لعتق الرقاب مطلقاً بلا قيد  ولا شرط .

   فالأقوال في المسألة ثلاثة ، وستعرف أنّ الأخير هو الأظهر .

   أمّا القول الأوّل : فيستدلّ له في الصنف الأوّل بمرسلة الصدوق : قال سُئل الصادق (عليه السلام) عن مكاتب عجز عن مكاتبته وقد أدّى بعضها «قال : يؤدّى عنه من مال الصدقة ، إنّ الله عزّ وجلّ يقول في كتابه : (وَفِي الرِّقَابِ) » ورواها الشيخ أيضاً بإسناده عن محمّد بن أحمد بن يحيى ، عن أبي إسحاق ، عن بعض أصحابنا ، عن الصادق (عليه السلام) (1) .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 9 : 293 /  أبواب المستحقين للزكاة ب 44 ح 1 ، الفقيه 3 : 74 / 258 ، التهذيب 8 : 275 / 1002 .

ــ[72]ــ

   فقد تضمّنت تطبيق الإمام (عليه السلام) صرف الزكاة من سهم الرقاب الوارد في الآية المباركة على مورد السؤال.

   لكنّك خبير بعدم الحاجة في إثبات هذه الدعوى إلى التمسّك بمثل هذه الرواية الضعيفة بالإرسال بطريقيها .

   إذ مضافاً إلى أنّ صرف الزكاة من سهم الرقاب في مورد السؤال ممّا لا خلاف فيه ولا إشكال يدلّ عليه نفس الآية الشريفة ، لانطباق هذا السهم على الصرف في المكاتب قطعاً .

   فإنّ الصرف من سهم الرقاب تارةً يكون بشراء الرقبة فتبدّل العين الزكوية بها ثمّ يعتقها المالك بنفسه أو يأذن ولي الأمر بإنشاء جديد .

   واُخرى : بالصرف في نفس العتق مباشرةً بأن يدفع المال إلى العبد أو إلى مولاه لكي يسدّد به مال الكتابة فيترتّب عليه العتق قهراً .

   ولا شبهة أنّ الثاني أولى ، بل لعلّه القدر المتيقّن ، فإنّ الأوّل محقّق لموضوع العتق ، أمّا الثاني فهو صرف فيه ابتداء وبلا واسطة .

   وكيفما كان ، فلا حاجة إلى الاستناد إلى هذه المرسلة . على أ نّها لا تدل على الاختصاص المنسوب إلى المشهور بوجه كما لا يخفى .

   ويستدلّ له في الصنف الثاني : ـ وهو العبد تحت الشدّة ـ بما رواه الكليني بإسناده عن أبي بصير عن أبي عبدالله (عليه السلام) ، قال : سألته عن الرجل يجتمع عنده من الزكاة الخمسمائة والستمائة ، يشتري به نسمة ويعتقها ؟ «فقال : إذن يظلم قوماً آخرين حقوقهم» ثمّ مكث مليّاً ثمّ قال : «إلاّ أن يكون عبداً مسلماً في ضرورة فيشتريه ويعتقه» (1) .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 9 : 291 / أبواب المستحقين للزكاة ب43 ح1، الكافي 3 : 557 / 2، التهذيب 4 : 100 / 282 .

ــ[73]ــ

   والكلام فيها يقع من حيث السند تارةً ومن ناحية الدلالة اُخرى :

   أمّا السند : فقد رواها في الكافي بإسناده عن عمرو ، عن أبي بصير ، عن أبي  عبدالله (عليه السلام) ، ورواها الشيخ في التهذيب عن الكافي ، عن عمرو بن أبي نصر ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) .

   ويظهر من صاحب الوسائل أنّ بعض نسخ التهذيب مطابق لما في الكافي ، حيث إنّه (قدس سره) روى هذه الرواية أوّلاً عن الكافي ، ثمّ عقّبها برواية اُخرى عنه ثمّ قال ما لفظه : ورواه الشيخ بإسناده عن محمّد بن يعقوب وكذا الذي قبله . فيظهر من ذلك أنّ نسخ التهذيب مختلفة .

   وكيفما كان، فإن كان الراوي عمرو بن أبي نصر، عن أبي عبدالله (عليه السلام) ـ كما في أكثر نسخ التهذيب ـ فهو ثقة ، فإنّه هو مولى السكوني واسمه زيد أو زياد ، وقد وثّقه النجاشي صريحـاً(1). وإن كان شخصاً آخر يروي عن أبي بصير ـ كما في الكافي ـ فهو مجهول الحال . وحيث إنّ الأصل في الرواية هو الكافي ـ  إذ الشيخ يرويها عنه كما سمعت ولم يعلم من هو عمرو الراوي عن أبي بصير ـ  فلا جرم تكون الرواية محكومة بالضعف .

   هذا، ومن العجيب توصيف الرواية بـ : ما أورده الشيخ في الصحيح ، كما عن صاحب المدارك(2)، وكأ نّه (قدس سره) قصر النظر على التهذيب ولم يراجع الكافي .

 وأعجب منه توصيفها بصحيح أبي بصير كما في المستمسك (3) ، فإنّه إنّما يعبّر

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) رجال النجاشي : 290 / 778 .

(2) المدارك 5 : 217 .

(3) مستمسك العروة 9 : 251 .

ــ[74]ــ

عنها بالصحيحة لو كان الراوي عمرو بن أبي نصر لا أبي بصير حسبما عرفت .

   وأمّا الدلالة فالإمعان في قوله (عليه السلام) : «إذن يظلم قوماً آخرين حقوقهم» ـ الذي هو بمثابة التعليل ـ يرشدنا إلى جواز الصرف في مطلق العتق في حدّ نفسه ـ عكس ما يدّعيه المستدلّ من الاختصاص ـ غير أنّ فيه إضاعة لحقّ الآخرين ، فكان مرجوحاً لأجل الابتلاء بالمزاحم ، وراجحاً بعد وجود مزاحم أقوى وهو كون العبد في شدّة ، كيف ؟! ولو كان الصرف المزبور ممنوعاً في حدّ ذاته لاستند المنع إليه ـ أي إلى عدم المقتضي ـ لا إلى وجود المانع المزاحم، ولم يكن موقع للتعليل ولا للتفصيل بين الشدّة وعدمها . إذن فالرواية على خلاف المطلوب أدلّ كما لا يخفى ، فتدبّر جيّداً .

   وكيفما كان ، فلا حاجة إلى الاستناد إلى هذه الرواية الضعيفة بعد كون الآية الشريفة صريحة في جواز صرف الزكاة في الرقاب ، ووضوح كون العبد تحت الشدّة هو الفرد البارز بل القدر المتيقّن منها .

   ويستدلّ له في الصنف الثالث ـ وهو مطلق عتق العبد شريطة عدم وجود المستحقّ ـ بموثّقة عبيد بن زرارة، قال: سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عزّ وجلّ أخرج زكاة ماله ألف درهم فلم يجد موضعاً يدفع ذلك إليه ، فنظر إلى مملوك يباع فيمن يريده فاشتراه بتلك الألف الدراهم التي أخرجها من زكاته فأعتقه، هل يجوز ذلك ؟ «قال : نعم ، لا بأس بذلك» إلخ (1) .

   ويندفع : بعدم دلالتها على اختصاص الصرف بعدم وجدان مصرف آخر للزكاة ـ كما هو المدّعى ـ فإنّ هذا القيد إنّما ذكر في كلام السائل دون الإمام (عليه السلام) ليدلّ على الحصر ، ومن البيّن أنّ المورد لا يخصّص الوارد . إذن فلا مانع من التمسّك بإطلاق الآية الدالّة على جواز الصرف في مطلق الرقاب .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 9 : 292 /  أبواب المستحقين للزكاة ب 43 ح 2 .

ــ[75]ــ

   والمتحصّل ممّا تقدّم : انّ القول الأوّل المنسوب إلى المشهور لا يمكن المساعدة عليه .

   وأمّا القول الثاني المنسوب إلى المحقّق في مختصر النافع وإلى العلاّمة في التذكرة (1) فيستدلّ له بما رواه علي بن إبراهيم في تفسيره عن العالم (عليه السلام): «فقال: الفقراء هم الذين ـ إلى أن قال : ـ وفي الرقاب : قوم لزمتهم كفّارات في قتل الخطأ وفي الظهار وفي الأيمان وفي قتل الصيد في الحرم وليس عندهم ما يكفّرون وهم مؤمنون، فجعل الله لهم منهما في الصدقات ليكفّر عنهم» (2) .

   ولكنّها ضعيفة السند بالإرسال كما تقدّم . هذا أوّلا .

   وثانياً : إنّ مفاد الرواية جواز صرف الزكاة في مطلق الكفّارة وإن لم تكن هي العتق كما يفصح عنه قوله : «وفي قتل الصيد في الحرم» فإنّ من الواضح أنّ كفّارته بدنة لا عتق الرقبة ، ولا قائل بهذه التوسعة بالضرورة ، فظاهر الرواية لا قائل به ، وخصوص العتق لا تدلّ عليه الرواية .

   هذا، ومقتضى القاعدة عدم الجواز،  إذ الظاهر من قوله تعالى : (وَفِي الرِّقَابِ) وكذلك الأخبار المتضمّنة لهذا السهم هو صرف الزكاة في العتق ، وهو يتحقّق بأحد نحوين :

   إمّا بالصرف في العتق مباشرةً بأن يُشترى بها عبد فتبدّل الزكاة به ثمّ يعتق، والقدر المتيقّن عبد في شدّة كما تقدّم .

   أو بالصرف في الانعتاق بأن يؤدّى بها مال الكتابة فيترتّب عليه الانعتاق قهراً حسبما مرّ .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) المختصر النافع : 59 ، التذكرة 5 : 255 .

(2) الوسائل 9 : 211 /  أبواب المستحقين للزكاة ب 1 ح 7 ، تفسير القمي 1 : 299 .

ــ[76]ــ

   ومن الواضح أنّ شيئاً منهما لا ينطبق على محلّ الكلام ، ضرورة أنّ الدفع ممّن عليه كفّارة ليشتري به عبداً أو يعتقه لا يعد صرفاً لا في العتق ولا في الانعتاق ، وإنّما هو دفع للصرف في الشراء الذي هو مقدّمة للعتق ، فهو من صرف الزكاة في الكفّارة لا في الرقاب ، نظير دفعها للفقير بشرط أن يشتري بها عبداً ويعتقه .

   فالمتّجه حينئذ هو التفصيل فيمن عليه الكفّارة بين الفقير وغيره ، ففي الأوّل يجوز الدفع له من سهم الفقراء فيصرفها حينئذ فيما يشاء من عتق أو غيره . وفي الثاني لا يجوز لا من هذا السهم ـ لفرض كونه غنيّاً ـ ولا من سهم الرقاب ، لعدم كونه مورداً له حسبما عرفت .

   وأمّا القول الثالث : ـ أعني : الصرف في مطلق عتق الرقبة كيفما اتّفق من غير قيد ولا شرط، الذي اختاره صاحب المدارك ونسبه إلى المفيد وابن إدريس والعلاّمة وولده وقوّاه في الحدائق(1) وإن كان له كلام في كيفيّة الصرف ، ولا يبعد أن يكون هو الصحيح ـ فيدل عليه أوّلاً إطلاق الكتاب العزيز ، وكذلك الروايات الواردة في كون الرقاب من مصارف الزكاة ، حيث إن كلاًّ منهما مطلق وخال من أيّ تقييد. وقد عرفت أنّ النصوص التي استدلّ بها المشهور للاختصاص بالأصناف الثلاثة مخدوشة سنداً أو دلالةً على سبيل منع الخلوّ وكذا غيرها، فلا تنهض لتقييد إطلاقات الكتاب والسنّة .

   وثانياً : صحيحة أيّوب بن الحرّ، قال : قلت لأبي عبدالله (عليه السلام) مملوك يعرف هذا الأمر الذي نحن عليه ، أشتريه من الزكاة فأعتقه ؟ قال : فقال : «اشتره واعتقه» إلخ (2) .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) المدارك 5 : 217 ، الحدائق 12 : 183 .

(2) الوسائل 9 : 293 /  أبواب المستحقين للزكاة ب 43 ح 3 .

ــ[77]ــ

   فإنّ الموضوع فيها مطلق المملوك من غير قيد ولا شرط ، سوى أ نّه يعرف هذا الأمر ، أي يقول بالولاية ولا يكون من المخالفين .

   واحتمال كونها ناظرة إلى الدفع من سهم سبيل الله في غاية البعد ، إذ فيه :

   أوّلاً : أنّ هذا السهم لا توسعة له بحيث يتناول المقام ونحوه من كلّ أمر حسن محبوب يتضمّن إدخال السرور في قلب المؤمن ، وإلاّ لساغ الإعطاء من هذا السهم لتزويج الغني أو لتزيين الغنيّة . وهو كما ترى، بل مناف لحكمة التشريع وجعل الزكاة كما لا يخفى ، بل هو خاصّ بما فيه مصلحة عامّة كبناء القناطر وتعمير المساجد والبعث إلى الحجّ وما شاكل ذلك من الخدمات الاجتماعيّة كما سيجيء في محلّه إن شاء الله تعالى .

   وثانياً : إنّ ذلك مناف لنفس الصحيحة ، إذ أنّ سياقها بقرينة ذكر المملوك يشهد بأنّ السؤال إنّما هو عن الشراء من سهم الرقاب وأ نّه المرتكز في ذهن السائل ، فالإجابة بالجواز من سهم سبيل الله لا ينطبق عليه .

   ويؤيّد الصحيحة رواية أبي محمّد الوابشي عن أبي عبدالله (عليه السلام) ، قال : سأله بعض أصحابنا عن رجل اشترى أباه من الزكاة زكاة ماله «قال: اشترى خير رقبة، لابأس بذلك»(1).

   فإنّها واضحة الدلالة على جواز العتق من سهم الرقاب بلا قيد ولا شرط ، غير أنّ السند ضعيف ، لجهالة الوابشي ، فلا تصلح إلاّ للتأييد .

   فتحصّل : أنّ الأصحّ من بين الأقوال إنّما هو القول الأخير .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 9 : 251 /  أبواب المستحقين للزكاة ب 19 ح 1 .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net