الثامن : ابن السبيل 

الكتاب : المستند في شرح العروة الوثقى-الجزء 14:الزكاة   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 4828


ــ[116]ــ

   الثامن : ابن السبيل، وهو المسافر الذي نفدت نفقته أو تلفت راحلته بحيث لايقدر معه على الذهاب(1).

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الدفع لهم من هذا السهم تكثيراً للحجّاج وتعظيماً لشعائر الإسلام ، بل الظاهر أنّ الأمر كذلك حتّى لو استطاعوا وتمكّنوا ولكنهم لا يقدمون إلاّ بهذا الوجه كما اُفيد في المتن ، وذلك بعين المناط المتقدّم ، وقد عرفت عدم شمول قوله : «لا تحلّ الصدقة لغني» لمثل ذلك ، فإنّ الممنوع هو التمليك والإنفاق على حذو الاعطاء للفقير ، أمّا هنا فيعطى للغني ليصرفه في جهة خاصّة لا أ نّه يملكه ليتصرّف به كيفما شاء .

   وبالجملة : ما هو مناط الجواز ـ وهو الحاجة إلى صرف الزكاة ـ موجود هنا أيضاً فلا يشمله ذاك الدليل .

   وملخّص الكلام : أنّ العبرة بالحاجة إلى الصرف في جهة خاصّة من الحجّ أو الجهاد ونحوهما ، لا بحاجة المعطى له ، كما لو احتاجت البلدة إلى المسجد أو القنطرة ـ مثلاً ـ أو أنّ المحافظة على بيضة الإسلام استدعت بعث المسلمين إلى الحجّ أو إلى الدفاع عن بلادهم ، فإنّه لا عبرة في هذه الموارد بحاجة الأشخاص بل بحاجة الجهة نفسها، فإن احتاجت جاز الصرف من سهم سبيل الله، وإلاّ فلا.

   (1) فلا يعمّ مطلق المسافر الذي لا مال له ، بل يختصّ بغير القـادر على الذهاب إلى وطنه لنفاد زاده أو راحلته بحيث يصدق عليه المحتاج . وهذا هو المشهور في تعريفه حيث فسّروه بالمنقطع .

   ويمكن الاستدلال له مضافاً إلى أنّ ذلك هو مقتضى حكمة التشريع لما تقدّم من أنّ الزكاة إنّما شرّعت لرفع الحاجة وسدّ الخلة ، أ نّه لا يبعد القول بأنّ الاحتياج مأخوذ في نفس المفهوم ، حيث يستفاد من إضافة الابن إلى السبيل ـ  كنظائر هذا التعبير، مثل : ابن البطن، ابن الوقت  ـ نوع اختصاص وملازمة بين

ــ[117]ــ

الطرفين كاختصاص الابن بأبيه ، فكما أ نّه يلازمه ولا يفارقه فكذلك من همّه بطنه أو مراعاة الوقت الحاضر أو المنقطع في الطريق، فإنّ هؤلاء أيضاً ملازمون لهذه الاُمور ولا ينفكّون عنها .

   فابن السبيل إذن كناية عمّن يلازم الطريق ولا يفارق السفر ، لعجزه عن الوصول إلى الوطن بحيث أصبح السفر بمثابة الأب وهو بمنزلة الابن في عدم المفارقة عنه ، ومن الواضح اختصاص ذلك بالمسافر العاجز لا مطلق من لا مال له وإن كان قادراً على الذهاب إلى وطنه ولو بالاستدانة ونحوها .

   ويؤيّده تفسير ابن السبيل بالمنقطع فيما رواه علي بن إبراهيم في تفسيره «قال : وابن السبيل أبناء الطريق الذين يكونون في الأسفار في طاعة الله فيقطع عليهم» إلخ (1) .

   ولكنّها لأجل إرسالها لا تصلح إلاّ للتأييد .

   ويعضده أنّ ابن السبيل الذي قورن مع إخوانه من الفقراء والمساكين ونحوهما في مواضع سبعة من الكتاب العزيز قد خصّ بالتعبير عنه بصيغة المفرد والباقي بصيغة الجمع ، ولعلّ النكتة فيه الإيعاز إلى قلّة أفراده في قبال غيره ، فلو كان المراد مطلق المسافر لكان الأولى الإتيان بصيغة الجمع أيضاً، لكثرة أفراده، وإنّما القليل خصوص المعوزين المحتاجين لنفاد نفقتهم أو راحلتهم ، لجريان العادة على أخذ المسافرين معهم ما يكفي مؤونتهم ، ومع نفادها يمكنهم التحصيل ولو بالاستدانة، فالقليل هم العاجزون عن ذلك أيضاً، فمن ثمّ عبّر عنه بصيغة الإفراد .

   ثمّ لا يخفى أنّ المراد من السفر المأخوذ في مفهوم ابن السبيل هو السفر العرفي، سواء أكان بالغاً حدّ المسافة الشرعيّة أم لا، وسواء أقصّر أم أتمّ ، لكونه قاصداً للإقامة أو متجاوزاً للثلاثين متردّداً ، لوضوح عدم مدخليّة للتقصير في صدق

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 9 : 211 /  أبواب المستحقين للزكاة ب 1 ح 7 ، تفسير القمي 1 : 299 .

ــ[118]ــ

وإن كان غنيّاً في وطنه (1) .

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ابن السبيل فلا ينافيه الإتمام ، بل ربّما كان مؤكّداً للعنوان ، لكشفه عن عجزه عن الخروج عن البلد حتّى بمقدار يسير موجب للتقصير فضلاً عن العود إلى الوطن .

   وبالجملة : المقوّم لمفهوم ابن السبيل هو المسافر المنقطع لا المسافر المقصّر، وقد تقدّم في صلاة المسافر أنّ الحكم عليه بالإتمام تخصيصٌ حكمي لا خروج موضوعي ، فهو مسافر محكوم عليه بالإتمام .

   وما في بعض الأخبار من أنّ المقيم بمكّة عشرة بمنزلة أهلها ، لا يمكن الأخذ بها حتّى في موردها ، فالمقيم مسافر يتمّ تخصيصاً في دليل وجوب التقصير على المسافر ، فهو أيضاً من مصاديق ابن السبيل .

   (1) فإنّ ابن السبيل بعنوانه الخاصّ موضوع مستقلّ للزكاة في قبال سائر العناوين من الفقير والمسكين وغيرهما ، ومقتضى الإطلاق ـ ولا سيّما بقرينة المقابلة ـ عدم اعتبار الفقر الشرعي فيه ، فيجوز الإعطاء لكلّ محتاج في السفر وإن كان غنيّاً في بلده ، بل ومن الطبقة الراقية من الأغنياء .

   وقد تقدّم غير مرّة عدم التنافي بينه وبين ما دلّ على أ نّه لاتحلّ الصدقة للغني، حيث عرفت أنّ الممنوع هو الدفع للغني بشخصه على حذو الدفع للفقير ليتملّكه ويتصرّف فيه كيفما شاء . أمّا في المقام فيعطى لعنوانه الخاصّ ـ وهو كونه ابن السبيل  ـ ليصرفه في جهة معيّنة ـ  وهي الإيصال إلى البلد  ـ من غير تمليك للشخص ، كما في نظيره في الغارم من الصرف في أداء الدين فحسب .

   ولعلّه يشير إلى هذا الفرق اختلاف التعبير في الآية المباركة حيث تضمّنت التعدية بلام الملكيّة في مصارف أربعة وبـ «في» الظرفيّة في الأربعة الباقية ، فقال عزّ من قائل: (إِنَّما الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالمَسَاكِينِ وَالعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ)




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net