هل مؤونة النقل تحتسب من الزكاة ؟ - التخيّر بين النقل والحفظ مع كونه مرجوّ الوجود 

الكتاب : المستند في شرح العروة الوثقى-الجزء 14:الزكاة   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 3768


ــ[227]ــ

ومؤونة النقل حينئذ من الزكاة (1)

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

اليأس ، فلا بدّ من النقل مقدّمةً لأداء الواجب .

   وأمّا الاستدلال لذلك بصحيحة ضريس المتقدّمة ففي غير محلّه ، إذ الظاهر من قول السائل: ففي من نضعها، أ نّه عازم على الدفع إلى الفقير ولايريد الصرف في سائر المصارف ، فالأمر بالنقل في هذه الحالة إرشاد إلى طريق يوصل السائل إلى مطلوبه ، لأ نّه حكم تكليفي مولوي ليدلّ على الوجوب ، كيف ؟! ولو اُريد ذلك للزم التقييد باليأس عن الفقير وبتعذّر مصرف آخر ، ومن البيّن أن ذينك التقييدين يستوجبان حمل الصحيحة على الفرد النادر جدّاً ، إذ ليت شعري كيف يمكن فرض بلد لا يوجد ولا يرجى فيه لا المستحقّ ولا مصرف آخر حتّى سهم سبيل الله مع أنّ الطرق إلى الله بعدد أنفاس الخلائق كما تقدّم ؟! ولو كان فهو من الندرة بمكان، ولازمه ما عرفت من الحمل على النادر المستهجن .

   هذا ، ومع الغضّ وتسليم إمكان التقييد من غير محذور فيه فالإطلاق من هذه الناحية معارض بالإطلاق الذي تبتني عليه دلالة الأمر على الوجوب ، حيث قد ذكرنا في محلّه أ نّها لم تكن وضعيّة بل بالإطلاق ، أي السكوت في مقام البيان وعدم نصب قرينة على جواز الترك ، حيث ينتزع العقل من ذلك اتّصاف الطلب بالوجوب ، وبما أ نّه يمتنع الجمع بين الإطلاقين بأن يلتزم بوجوب النقل حتّى مع رجاء الوجدان وإمكان الصرف في جهة اُخرى ، إذ لم يقل به أحد ولا يمكن القول به كما سبق، فلا جرم يدور الأمر بين رفع اليد عن الأوّل بحمل الأمر على الإرشاد حسبما عرفت وبين تقييد مورد الصحيحة باليأس وامتناع الصرف ، وحيث لا ترجيح لأحدهما على الآخر فلا محالة تصبح الرواية مجملة وغير صالحة للاستدلال بها ، فالعمدة في الاستدلال ما عرفت ، فلاحظ .

   (1) الظاهر أنّ هذه المسألة غير محرّرة في كلمات أكثر الفقهاء ، فإنّهم وإن تعرّضوا لمؤونة الكيل والوزن لكن مؤونة النقل مهملة وغير معنونة .

ــ[228]ــ

   وكيفما كان ، فيستدلّ لكون المؤونة المزبورة من الزكاة تارةً بأ نّها لمصلحتها ، واُخرى بأصالة البراءة عن تحمّلها .

   وكلاهما كما ترى :

   أمّا الأوّل : فلعدم الدليل على جواز صرف كلّ ما كان في مصلحة المال ما لم تثبت الولاية للمتصرّف ، ألا ترى أ نّه لا يجوز إصلاح دار الجار بمال الجار ما لم يوكّله في ذلك .

   وبالجملة : ما لم تثبت الولاية على التصرّف في الزكاة لا يجوز الصرف منها في حفظها وإن كان لصالحها .

   وأمّا الثاني : فإن اُريد به اصالة البراءة عن وجوب الصرف على المالك فهو وإن صحّ لكنّه لا يثبت جواز الصرف من الزكاة ، فإنّ غاية ما هناك وجوب الإيصال إلى المستحقّ ، وأمّا جواز الصرف منها للإيصال فالأصل المزبور لا يقتضيه .

   وإن اُريد به أصالة البراءة عن الضمان لو صرف ، فمن البيّن أ نّه لا مساغ لهذا الأصل بعد إطلاق ما دلّ على سببيّة الإتلاف للضمان الذي لا قصور في شموله للمقام ، فإنّه لا مجال للأصل العملي مع وجود الدليل الاجتهادي . إذن فلا مناص من إلتماس دليل آخر غير ما ذكر .

   ويمكن أن يستدلّ له باندراج المقام في الاُمور الحسبيّة ، إذ بعد خروج الزكاة المعزولة عن ملك المالك والقطع من مذاق الشرع بعدم رضائه ببقائها كذلك وتعطيلها إلى أن يعرضها التلف ، بل لا بدّ من إيصالها إلى أربابها وصرفها في مستحقّها ، فلا جرم يجب حسبةً على كل أحد التصدّي لذلك والقيام بهذا المهمّ ، بماله من المقدّمات التي منها صرف مقدار منها في سبيل مؤونة النقل إمّا بإجازة من الحاكم الشرعي إن كان ، وإلاّ فمن عدول المؤمنين ، ولو لم يكن أحد فطبعاً يكون هو المتولّي والمتصدّي لذلك .

ــ[229]ــ

وأمّا مع كونه مرجو الوجود فيتخيّر بين النقل والحفظ (1) إلى أن يوجد . وإذا تلفت بالنقل لم يضمن مع عدم الرجاء وعدم التمكّن من الصرف في سائر المصارف (2) .

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

   ويجري هذا التقرير في الأموال الشخصيّة أيضاً ، فلو كانت تركة الميّت في بلد ووارثه في بلد آخر ولم يتيسّر الاستئذان منه في صرف المال في سبيل الإيصال وكان في معرض التلف ساغ بل وجب حسبةً صرف شيء منه لمؤونة النقل بإذن من الحاكم الشرعي ، وإلاّ فالعدول ، وإلاّ فهو المتصدّي لذلك ، لما عرفت من القطع بعدم رضاء الشارع ببقائه على حاله ليكون عرضةً للتلف .

   ولا شبهة في عدم الضمان حينئذ بعد أن كانت أمانة بيده ما لم يكن متعدّياً أو مفرّطاً .

   وتدلّ عليه صريحاً صحيحة محمّد بن مسلم ، قال : قلت لأبي عبدالله (عليه السلام) : رجل بعث بزكاة ماله لتقسّم فضاعت ، هل عليه ضمانها حتّى تقسّم ؟ «فقال : إذا وجد لها موضعاً فلم يدفعها إليه فهو لها ضامن حتّى يدفعها ، وإن لم يجد لها من يدفعها إليه فبعث بها إلى أهلها فليس عليه ضمان ، لأ نّها قد خرجت من يده» إلخ (1) .

   (1) فلا يجب عليه النقل بعينه ، إذ لا مقتضي له بعد إمكان الحفظ ورجاء الوجود وقصور دليل الوجوب عن الشمول للمقام ، فلا جرم يتخيّر بين الأمرين .

   (2) فإنّ هذه الصورة هي القدر المتيقّن من صحيحة ابن مسلم المتقدّمة النافية للضمان وكذا غيرها ، وهذا ممّا لا إشكال فيه ولا خلاف .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 9 : 285 /  أبواب المستحقين للزكاة ب 39 ح 1 .

ــ[230]ــ

وأمّا معهما (1) فالأحوط الضمان ((1)) .

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

   (1) أي مع الرجاء أو التمكّن في قبال ما افترضه أوّلاً من عدمهما معاً، فالمراد بمقتضى المقابلة انتفاء مجموع الأمرين من الرجاء والتمكّن، المتحقّق بانتفاء أحدهما تارةً وبانتفاء كلّ منهما اُخرى ، فلا تختصّ العبارة بالصورة الأخير كما توهّم .

   وكيفما كان ، فيقع الكلام في الضمان تارةً مع الرجاء ، واُخرى مع التمكّن من الصرف في سائر المصارف .

   أمّا في الأوّل : فالظاهر عدم الضمان، إذ مضافاً إلى أنّ ذلك هو مقتضى القاعدة باعتبار أنّ العين أمانة في يده ولم يصدر منه تعدٍّ ولا تفريط فلا موجب للضمان، أ نّه قد علّق عدم الضمان في صحيحة ابن مسلم المتقدّمة على عدم وجود المستحقّ لا على عدم رجائه ، حيث قال (عليه السلام) : «وإن لم يجد لها من يدفعها» إلخ ، فإنّ إطلاقها يشمل صورتي الرجاء واليأس كما لا يخفى .

   وأمّا الثاني : فقد يقال بالضمان ، ولكن صاحب الجواهر اختار العدم ، نظراً إلى أنّ الموضوع لنفي الضمان هو النقل مع عدم وجود المستحقّ لا مع عدم وجود مصرف آخر للزكاة ، فإطلاقه يشمل المقام (2) .

   وهذا هو الصحيح ، فإنّ ما يستدلّ به للضمان روايتان :

   إحداهما : صحيحة ابن مسلم المتقدّمة ، بدعوى أنّ المراد من الموضع الذي علّق عليه الضمان في قوله : «إذا وجد لها موضعاً» إلخ ، هو المعنى الأعمّ الشامل للمستحقّ ولغيره من سائر المصارف ، فكأ نّه (عليه السلام) علّق عدم الضمان على عدم التمكّن من الصرف في شيء من المصارف الثمانية المنفي في الفرض .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) لا بأس بتركه .

(2) الجواهر 15 : 432 ـ 433 .

ــ[231]ــ

   ثانيتهما : صحيحة زرارة المتقدّمة ، حيث ورد فيها : «ولكن إن (إذا) عرف لها أهلاً فعطبت أو فسدت فهو لها ضامن حتّى يخرجها» (1) ، حيث علّق الضمان على وجدان الأهل ، بدعوى شمول الأهل لمطلق المصرف من غير اختصاص بالمستحقّ ، وشيء منهما لا يتمّ .

   أمّا الأخيرة : فمضافاً إلى ظهور الأهل في الشخص لا في مطلق الصرف كما لا يخفى ، أنّ موردها ـ على ما عرفت سابقاً ـ إنّما هو التلف عند الوكيل ـ  أي الأخ المبعوث إليه الزكاة ، وأ نّه يضمن مع وجود الأهل لو أخّر الصرف حتّى تلف ولا يضمن مع عدمه  ـ لا عند المالك الناقل بأن يعرضه التلف في الطريق الذي هو محلّ الكلام ، فلا علاقة للرواية بالمقام بوجه .

   وأمّا الاُولى : فلقرائن تشهد بإرادة المستحقّ من الموضع لا مطلق الصرف :

   منها : التعبير بالتقسيم ، فإنّه ظاهر في التوزيع على الفقراء كما لا يخفى .

   ومنها : التعبير بـ «الدفع» في قوله : «فلم يدفعها إليه» ، فإنّ الذي يدفع إليه هو الفقير ، ولو اُريد المعنى الآخر لعبّر بالصرف بدلاً عن الدفع كما لا يخفى .

   ومنها : قوله : «وإن لم يجد لها من يدفعها إليه» فإنّ الموصول ظاهر في ذوي العقول ـ  أي لم يجد شخصاً من الفقراء يدفعها إليه  ـ فلا يشمل مطلق الصرف . فهي إذن تدلّ على دوران الضمان مدار وجود الفقير وعدمه .

   ويؤكّد ما ذكرناه من إناطة عدم الضمان بعدم وجود الفقير في البلد وإن أمكن الصرف في سائر الجهات إطلاق عدّة من الروايات :

   منها : معتبرة أبي بصير عن أبي جعفر (عليه السلام) «قال : إذا أخرج الرجل الزكاة من ماله ثمّ سـمّاها لقوم فضاعت أو أرسل بها إليهم فضاعت فلا شيء عليه» (2) .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 9 : 286 /  أبواب المستحقين للزكاة ب 39 ح 2 .

(2) الوسائل 9 : 286 /  أبواب المستحقين للزكاة ب 39 ح 3 .

ــ[232]ــ

ولا فرق في النقل بين أن يكون إلى البلد القريب أو البعيد (1) مع الاشتراك في ظنّ السلامة وإن كان الأولى التفريق في القريب ما لم يكن مرجّح للبعيد .
ـــــــــــــــــــــ

   ومعـتبرة اُخرى له ، قال : قلت لأبي جعفر (عليه السلام) : جعلت فداك ، الرجل يبعث بزكاة ماله من أرض إلى أرض فيُقطع عليه الطريق «فقال : قد أجزأته عنه ، ولو كنت أنا لأعدتها» (1) .

   ومعتبرة بكير بن أعين ، قال : سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن الرجل يبعث بزكاته فتُسرق أو تضيع «قال : ليس عليه شيء» (2) .

   فإنّه كيف يمكن حمل هذه المطلقات على صورة امتناع الصرف في سائر الجهات التي هي فرض نادر جدّاً ، لتيسّر الصرف في شيء منها غالباً ، ولا أقلّ من سهم سبيل الله كما تقدّم سابقاً ، فكيف يمكن حمل المطلق على الفرد النادر ؟! فيكون ذلك خير شاهد على التعميم . إذن فلا تصحّ الصحيحة لتقييد المطلقات النافية للضمان بما إذا تعذّر الصرف في البلد بقول مطلق ، بل العبرة بوجود الفقير وعدمه حسبما عرفت ، فلا ضمان مع فقده سواء أكان مرجوّاً أم لا ، وسواء أمكن الصرف في سائر الجهات أم لا وإن كان الاحتياط ممّا لا ينبغي تركه .

   (1) لإطلاق الأدلّة بعد فقد ما يصلح للتقييد .
ــــــــــــــ

(1) الوسائل 9 : 287 /  أبواب المستحقين للزكاة ب 39 ح 6 .

(2) الوسائل 9 : 287 /  أبواب المستحقين للزكاة ب 39 ح 5 .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net