عدم جريان الفضوليّة في دفع الزكاة - هل يجوز للوكيل الأخذ من الزكاة لنفسه ؟ 

الكتاب : المستند في شرح العروة الوثقى-الجزء 14:الزكاة   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 3891


ــ[337]ــ

   [ 2814 ] السادسة والعشرون : لا تجري الفضوليّة ((1)) في دفع الزكاة (1)، فلو أعطى  فضولي زكاة شخص من ماله من غير إذنه فأجاز بعد ذلك لم يصحّ .

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

إلى كلّ منهما كما عرفت . وهكذا الحال في كلّ مورد كان القبض موضوعاً لحكم من الأحكام ، كاعتباره في الهبة وفي بيع الصرف والسلم ، فإنّه يتحقّق بقبض الوكيل أيضا .

   ومنه المقام، فتبرأ الذمّة عن الزكاة بدفعها إلى وكيل الفقير ويكون قبضه بمثابة قبض الفقير نفسه ، وتبرأ الذمّة وإن تلفت في يد الوكيل قبل الوصول إلى الفقير .

   كما لا مانع من أن يجعل الفقير جعلاً للوكيل على ذلك ، عملاً بإطلاق دليل الجعالة .

   (1) قد عرفت فيما سبق جريان الوكالة في أداء الزكاة بمقتضى القاعدة المعتضدة بالروايات الخاصّة .

   وهل تجري الفضوليّة فيه أيضاً ، بأن يدفع الفضولي زكاة شخص من ماله ـ أي من مال ذلك الشخص ـ فتبرأ الذمّة بعد لحوق الإجارة ، أم لا ؟ كما اختاره في المتن .

   يبتني ذلك على مسألة كبرويّة تعرّضنا لتفصيلها في بيع الفضولي من كتاب المكاسب (2) ، وهي أنّ صحّة الفضولي هل هي مطابقة لمقتضى القاعدة من غير حاجة إلى ورود دليل بالخصوص في آحاد موارد العقود الفضوليّة وما ورد من الأدلّة في بعض الموارد الخاصّة مؤكّدة لها ، أم أ نّها على خلاف مقتضى القاعدة يقتصر فيها على موارد قيام الدليل فحسب ؟

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) فيه إشكال ، والجريان لا يخلو من وجه .

(2) مصباح الفقاهة 2 : 607 وما يليها .

ــ[338]ــ

   فعلى الأوّل : تجري الفضوليّة في المقام ويكون التمليك الصادر من الفضولي المقرون بقبول الفقير والملحوق بإجازة المالك كافياً وإن كان عارياً عن النصّ الخاصّ ، بخلاف الثاني .

   هذا ، وقد ذكرنا في محلّه أنّ الأوّل هو الأظهر والأوفق بالصناعة ، نظراً إلى أنّ الخطاب في قوله تعالى : (أَوْفُوا بِالعُقُودِ) (1) ونحوه من أدلّة اللزوم متوجّه إلى من كان العقد مضافاً ومستنداً إليه، ويكفي في تحقّق الاستناد وحصول الإضافة الإجازة اللاّحقة ، فإنّها تجعل العقد الصادر من الفضولي منسوباً إلى المالك بقاءً وإن لم يكن كذلك حدوثاً ، ولا فرق بين الحدوث والبقاء من هذه الجهة ، فالإجازة اللاّحقة بمثابة الوكالة السابقة في صحّة استناد العقد وإضافته إلى المالك المجيز حقيقةً ، فلا جرم يكون مشمولاً لدليل وجوب الوفاء بالعقد . وعلى ذلك ، فجريان الفضوليّة في المقام وبراءة الذمّة عن الزكاة بدفع الفضولي المتعقّب بالإجازة مطابق لمقتضى القاعدة .

   فإن قلت : يمتاز المقام عن سائر موارد الفضولي بخصوصيّة من أجلها يحكم بالفساد ، وهي أنّ الصادر من الفضولي في سائر المقامات ليس إلاّ مجرّد إنشاء العقد على مال الغير ، وهو لا يعدّ تصرّفاً في ملكه فلا ضير فيه ، وأمّا في المقام فالدفع من مال الغير إلى الفقير فضولاً تصرّف في ملكه بغير إذنه وهو محرّم فيكف يقع أداءً للزكاة التي هي أمر عبادي ؟!

   قلت أوّلاً : إنّ هذا أخصّ من المدّعى ، لجواز غفلة الفضولي عن الحرمة أو اعتقاده الوكالة ، ولا سيّما إذا كان مسبوقاً بها وقد عزله الموكّل ولكنّه نسي العزل ، فلا تكون الحرمة سارية في جميع فروض المسألة .

   وثانياً : إنّ الدفع الصادر من الفضولي وإن كان محرّماً إلاّ أ نّه لا يقع مصداقاً

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) المائدة 5 : 1 .

ــ[339]ــ

   نعم ، لو كان المال باقياً في يد الفقير أو تالفاً مع ضمانه ـ بأن يكون عالماً بالحال ((1)) ـ يجوز له الاحتساب إذا كان باقياً على فقره (1) .

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

لأداء الزكاة ولا يتّصف بالعبادة إلاّ بعد لحوق الإجازة التي ترتفع معها الحرمة عندئذ ، فالدفع وإن كان محرّماً حدوثاً لكنّه محلّل بقاءً ، وبهذا الاعتبار يقع مصداقاً للامتثال ، فما كان حراماً لم يكن مصداقاً للواجب ، وما كان مصداقاً له لا حرمة فيه .

   وبعبارة اُخرى : المرتكب للحرام إنّما هو الفضولي ولا كلام لنا معه ، وإنّما العبرة باستناد الفعل إلى المالك المتحقّق بالإجازة ، وفي هذه الحالة لا حرمة بتاتاً ، فلا مانع من تحقّق الامتثال به حسبما عرفت .

   (1) إذا بنينا على عدم جريان الفضوليّة في المقام ـ كما عليه الماتن ـ أو بنينا على الجريان ولكن المالك لم يجز ، فقد يكون المال باقياً في يد الفقير ، واُخرى تالفاً مضموناً عليه ، وعلى التقديرين فيجوز للمالك الاحتساب حينئذ من الزكاة مع بقاء الفقير على فقره . وهذا كلّه ظاهر لا غبار عليه .

   وإنّما الكلام في تقييد الماتن الضمان بما إذا كان الفقير عالماً بالحال ، فإنّه غير واضح ، لثبوته في صورة الجهل أيضا .

   نعم ، يتّجه التفصيل فيما لو كان المال للدافع نفسه ، فإنّ الفقير يضمن حينئذ مع العلم دون الجهل ، لظهور التسليط المطلق في المجّانيّة ، نظير من أعطى زكاته لمن يعتقد فقره أو مع اعتقاد وجوب الزكاة عليه ، فإنّ القابض إن كان عالماً بعدم فقره أو بعدم وجوب الزكاة على المعطي ضمن ، وإلاّ فلا .

   لكن المفروض في المسألة أنّ المال لغير الدافع ـ  كما يظهر بالتأمّل في العبارة  ـ

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) إذا ثبت الضمان في حال العلم ثبت مع الجهل أيضاً ، إذ المفروض أنّ المال لغير الدافع .

ــ[340]ــ

   [ 2815 ] السابعة والعشرون : إذا وكّل المالك شخصاً في إخراج زكاته من ماله أو أعطاه له وقال : ادفعه إلى الفقراء ، يجوز له الأخذ منه لنفسه إن كان فقيراً مع علمه ((1)) بأنّ غرضه الإيصال إلى الفقراء (1) ، وأما إذا احتمل كون غرضه الدفع إلى غيره فلا يجوز .

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

وعليه ، فالضمان كما يثبت في فرض العلم يثبت في فرض الجهل أيضاً ، وللمالك حقّ الرجوع إلى كلّ من الدافع والفقير ، لأنّ كلاًّ منهما قد وضع يده عليه فيشمله عموم : على اليد ، كما هو الحال في باب تعاقب الأيدي .

   نعم ، لو رجع المالك إلى الفقير فللفقير الرجوع في صورة الجهل إلى الدافع ، لكونه مغروراً من قبله ، والمغرور يرجع إلى من غرّه .

   فالتفصيل بين الجهل والعلم إنّما يتّجه في قرار الضمان لا في أصل الضمان كما لا يخفى .

   (1) يريد (قدس سره) بالغرض ما هو مقصود المالك من العبارة ومراد له منها بالإرادة الجدّيّة وإن كان اللفظ في نفسه قاصراً عن إفادته أحياناً . وعليه ، فإن كان المقصود من الكلام ولو بمعونة القرائن الحاليّة أو المقاليّة معلوماً وأ نّه على سبيل العموم من دون نظر إلى شخص خاصّ لكونه بصدد تفريغ الذمّة بالدفع إلى مطلق الفقير وإن كان هو المعطى له ، أو أ نّه على سبيل الخصوص مثل أن يقول : اعطه لجيرانك أو لأصحابك الغير الصادق على المعطى له بنفسه ، فلا كلام ، إذ له الولاية على التطبيق على من شاء ولا بدّ من اتّباع نظره .

   وإنّما الكلام فيما لو كان مقصوده من العبارة مجملاً فلم يعلم إرادة التوسعة أو التضييق .

   فقد ورد في جملة من النصوص جواز الأخذ ، فيكون ذلك بمثابة الإذن من

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) لا يبعد جواز الأخذ منه بمثل ما يعطي لغيره مع عدم العلم به أيضا .

 
 

ــ[341]ــ

الولي الحقيقي ـ وهو الشارع المقدّس ـ الذي ولايته أقوى وأولى من المالك وإن لم يحرز الإذن منه . ومعلومٌ أنّ مورد هذه النصوص هو صورة الجهل بغرض المالك ، وإلاّ فمع العلم به سعةً أو ضيقاً كان هو المتّبع ، لثبوت الولاية له على التطبيق حسبما عرفت .

   وهذه النصوص بين ما تضمّن جواز الأخذ مطلقاً وبين ما قيّده بمقدار ما يعطي لغيره ، الموجب لتقييد الأوّل به ، عملاً بصناعة الإطلاق والتقييد .

   فمن الأوّل : صحيحة سعيد بن يسار ، قال : قلت لأبي عبدالله (عليه السلام) : الرجل يعطى الزكاة فيقسّمها في أصحابه ، أياخذ منها شيئاً ؟ «فقال : نعم» (1) .

   ومن الثاني : صحيحة عبدالرحمان بن الحجّاج : عن الرجل يعطي الرجل الدراهم يقسّمها ويضعها في مواضعها وهو ممّن تحلّ له الصدقة «قال : لا بأس أن يأخذ لنفسه كما يعطي غيره» (2) ، ونحوهما صحيحة الحسين بن عثمان (3) .

   ولكن بإزائها ما يظهر منه المنع، وهي صحيحة اُخرى لعبدالرحمن  بن الحجّاج، قال : سألته عن رجل أعطاه رجل مالاً ليقسّمه في محاويج أو في مساكين وهو محتاج ، أياخذ منه لنفسه ولا يعلمه ؟ «قال : لا يأخذ منه شيئاً حتّى يأذن له صاحبه» (4) .

   فربّما يتوهّم معارضتها لما سبق ومن ثمّ حملها الشيخ على الكراهة (5) .

   ولكن الظاهر عدم المعارضة بوجه لتحتاج إلى الحمل ، لأ نّها تنظر إلى موضوع غير الموضوع الذي تنظر إليه الروايات المتقدّمة، فإنّ النصوص المتقدّمة

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 9 : 287 /  أبواب المستحقين للزكاة ب 40 ح 1 .

(2) الوسائل 9 : 288 /  أبواب المستحقين للزكاة ب 40 ح 3 .

(3) الوسائل 9 : 288 /  أبواب المستحقين للزكاة ب 40 ح 2 .

(4) الوسائل 17 : 277 / أبواب ما يكتسب به ب 84 ح 3 .

(5) الاستبصار 3 : 54 .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net