الثالث : الحريّة 

الكتاب : المستند في شرح العروة الوثقى-الجزء 14:الزكاة   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 4085


ــ[370]ــ

   الثالث : الحرّيّة ، فلا تجب على المملوك (1) وإن قلنا : إنّه يملك ، سواء كان قنّاً أو مدبّراً أو اُمّ ولد .

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

   (1) قد سبق أنّ الحرّيّة شرط في زكاة المال بلا إشكال ، لتظافر الأخبار على عدم الوجوب على العبد ولو كان له ألف ألف كما تقدّم (1) .

   وأمّا الفطرة فالظاهر أنّ الحكم فيها متسالم عليه أيضاً ، إذ لم ينسب الخلاف منّا إلاّ إلى الصدوق (قدس سره) في خصوص المكاتب كما سيجيء إن شاء تعالى .

   وإنّما الكلام في دليله ، فإن تمّ الإجماع المدّعى في المقام ـ والظاهر أ نّه تامّ ـ فلا كلام ، وإلاّ فقد استدلّ في الجواهر بالروايات المستفيضة الدالّة على أنّ زكاة العبد على سيّده والزوجة على زوجها ، فإنّ مفادها عدم وجوب الزكاة على العبد نفسه (2) .

   ولكنّه كما ترى ، إذ النفي عن العبد في تلك النصوص لم يكن من حيث عبوديّته ، بل من أجل عيلولته لمولاه وأنّ زكاة العيال على المعيل وإن كان حرّاً كالزوجة ونحوها ، كما صرّح فيها بقوله : «من حرّ أو عبد صغير أو كبير» بعد قوله : «تصدّق عن جميع من تعول» كما في صحيحة ابن مسلم (3) ، وفي بعضها عنوان الخادم، وفي بعضها رفيق الزوجة ، وفي بعضها كل من ضممت إلى عيالك ، إلى غير ذلك .

   وعلى الجملة : لاتعرّض في شيء من تلك الأدلّة لعنوان العبوديّة والمولويّة، بل لم ترد في ذلك ولا رواية واحدة فضلاً عن أن تكون متظافرة . وإنّما النظر

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) شرح العروة 23 : 20 .

(2) الجواهر 15 : 485 ـ 486 .

(3) الوسائل 9 : 329 /  أبواب زكاة الفطرة ب 5 ح 6 .

ــ[371]ــ

أو مكاتباً ((1)) (1) مشروطاً أو مطلقاً ولم يؤدّ شيئاً، فتجب فطرتهم على المولى .

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

فيها مقصور على عنوان العيال ، الذي لا فرق فيه بين المملوك وغيره ، فالاستدلال بها على المطلوب في غير محلّه .

   نعم ، يمكن الاستدلال له ـ مضافاً إلى إمكان دعوى الاطمئنان بعدم الفرق بين زكاتي المال والفطرة من هذه الجهة ، سيّما بضميمة ما ورد من أنّه تجب الفطرة على من تجب زكاة المال عليه ـ بأنّ الفطرة لو وجبت على العبد فإمّا أن يؤدّيها من مال نفسه ، أو من مال مولاه ، ولا ثالث .

   والثاني باطل ، بداهة عدم جواز التصرّف في مال الغير بغير إذنه . وكذا الأوّل ، لكونه محجور التصرّف ، فإنّه كَلٌّ على مولاه لا يقدر على شيء، بل قد ورد النصّ بعدم جواز تصرّف العبد حتّى في مال نفسه ، ولا شكّ أنّ أدلّة وجوب الفطرة منصرفة عمّن يحرم عليه التصرّف في ماله . هذا بناءً على أنّ العبد يملك كما هو الأصحّ ، وعلى المبنى الآخر فالأمر أوضح .

   (1) على المعروف خلافاً للصدوق كما سمعت (2) ، فالتزم بالوجوب ، وتبعه بعض المتأخّرين كما في الجواهر (3) ، استناداً إلى صحيح علي بن جعفر : عن المكاتب ، هل عليه فطرة شهر رمضان أو على من كاتبه ؟ وتجوز شهادته ؟ «قال : الفطرة عليه ولا تجوز شهادته» (4) .

   وقد حمل الصدوق الجملة الأخيرة على الإنكار لا الإخبار ، أي كيف تجب عليه الفطرة ولا تجوز شهادته ؟! بل شهادته جائزة كما أنّ الفطرة عليه واجبة .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الأحوط بل الأظهر فيه الإخراج ، ولا سيّما إذا تحرّر بعضه .

(2) الفقيه 12 : 117 / 502 .

(3) الجواهر 15 : 486 .

(4) الوسائل 9 : 365 /  أبواب زكاة الفطرة ب 17 ح 3 .

ــ[372]ــ

   وكيف ما كان، فلا يهمّنا ذلك ، إذ لا يفرق الحال في الاستدلال لما نحن بصدده ، غايته أ نّه على الإخبار تكون الجملة الأخيرة معارضة بما دلّ على جواز شهادة العبد ، فترفع اليد عن هذه الفقرة بالمعارضة ، أو تحمل على التقيّـة كما صنعه صاحب الوسائل .

   ولكن الجملة الاُولى التي هي محلّ الاستشهاد لا معارض لها فيؤخذ بها بعد صحّة السند ، لصحّة الطريق إلى كتاب عليّ بن جعفر ، وقد عمل بها الصدوق وبعض المتأخّرين .

   ولكن صاحب الجواهر مع اعترافه بصحّة السند ذكر أ نّها لا تنهض لتقييد ما دلّ على عدم الوجوب ، سيّما مع معارضتها بمرفوعة محمّد بن أحمد بن يحيى .

   أقول : ليت شعري أيّ إطلاق كان لدينا كي لم يكن قابلاً للتقييد بها ؟! فإنّ الروايات المستفيضة التي ادّعاها قد عرفت حالها ، وعمدة المستند كان هو الإجماع الذي هو دليل لبّي ، أو الوجه الذي ذكرناه من محجوريّة العبد الغير الشامل للمقام ، لعدم منع المكاتب عن التصرّف في ماله قطعاً .

   فلم يكن لدينا أيّ دليل لفظي ليدّعى عدم قبول إطلاقه للتقييد ، وعلى تقدير وجوده فلم نر أيّ مانع من تقييده بمثل هذه الصحيحة ، سيّما مع التصريح في السؤال بأ نّه على المكاتب أو على من كاتبه ـ أي مولاه ـ أو غيره ، فجوابه (عليه السلام) بأ نّها عليه يكون مقيّداً بطبيعة الحال لإطلاق ما دلّ على النفي عن العبد لو كان هناك إطلاق .

   وأمّا ما ذكره (قدس سره) من المعارضة فبإزاء هذه الصحيحة روايتان :

   إحداهما : مرفوعة محمد بن أحمد عن أبي عبدالله (عليه السلام) «قال : يؤدّي الرجل زكاة الفطرة عن مكاتبه» (1) .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 9 : 330 /  أبواب زكاة الفطرة ب 5 ح 9 .

ــ[373]ــ

   والاُخرى : رواية حمّاد بن عيسى المتقاربة مع الاُولى متناً مع اختلاف يسير (1) .

   أمّا الاُولى : فهي ضعيفة السند بالرفع ، ودلالةً من أجل أنّ موردها المكاتب الذي يعول عليه مولاه بقرينة قوله : «وما أغلق عليه بابه» ، فلا تدلّ على وجوب الزكاة على المولى للمكاتب الذي لم يغلق الباب عليه ولم يكن من عياله ، فهي إذن أجنبيّة عن محلّ الكلام .

   وأمّا الثانية : فهي أيضاً ضعيفة السند ، فإنّ علي بن الحسين الواقع في هذا السند هو علي بن الحسن الضرير ، ومجموع روايات هذا الشخص في الكتب الأربعة ستّة ، ثلاثة منها بالعنوان المزبور ـ أعني : علي بن الحسين بن الحسن الضرير ـ ذُكر اثنان منها في الكافي وواحدة في التهذيب ، وراية اُخرى بعنوان : علي بن الحسين الضرير ، رواها في التهذيب أيضاً ، وروايتان بعنوان : علي بن الحسين ، وهما أيضاً في التهذيب ، وجميع هذه عن حمّاد .

   فيعلم من ذلك أنّ المراد به في هذه الرواية هو الضرير ، وهو مهمل لم يذكر في كتب الرجال ، ولو فرضنا أ نّه لم يظهر ذلك فغايته أ نّه مجهول لم يعلم المراد منه .

   على أنّ الدلالة أيضاً قاصرة ، لعين ما عرفت في السابقة من أنّ الفطرة عن المكاتب إنّما وجبت من حيث العيلولة لا بما أ نّه مملوك ، وإلاّ فلا يحتمل وجوب الفطرة عن رقيق الزوجة ـ المذكورة في هذه الرواية ـ إذا لم تكن من العائلة .

   فتحصّل : أنّ ما ذكره الصدوق هو الصحيح ، فإنّ الرواية صحيحة والدلالة واضحة ، وليس لها معارض ، ولا إجماع على خلافها ، ولا إعراض عنها ، فلا بدّ من العمل بها حسبما عرفت .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 9 : 331 /  أبواب زكاة الفطرة ب 5 ح 13 .

ــ[374]ــ

   نعم ، لو تحرّر من المملوك شيء وجبت عليه وعلى المولى بالنسبة (1) مع حصول الشرائط .

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

   (1) كما عن غير واحد ، ولكنّه غير ظاهر ، إذ المكاتب المفروض إن كان عيالاً للمولى فلا إشكال في أنّ فطرته عليه حتّى لو كان رقّاً بتمامه فضلاً عن بعضه كما تقدّم ، وإلاّ فلم تكن فطرته عليه حتّى لو كان رقّاً بتمامه ، لما عرفت من عدم الدليل على كون فطرة العبد بما هو عبد على مولاه ، إذ لم نجد على ذلك ولا رواية واحدة ، وما ادّعاه في الجواهر من الروايات المستفيضة (1) أجنبيّة عن ذلك ، وإنّما هي بعنوان العيلولة كما سبق .

   وحينئذ فإن عملنا بالرواية المتقدّمة المتضمّنة أنّ فطرة المكاتب على نفسه كما هو الصحيح ثبت الحكم في المقام بالطريق الأولى ، لثبوت الحكم في المكاتب الذي لم يتحرّر منه شيء ، فما ظنّك بمن قد تحرّر ؟!

   وإن لم نعمل بها وجبت فطرته على نفسه أيضاً في خصوص المقام ، عملاً بإطلاقات وجوب الفطرة على كلّ مكلّف واجد للشرائط السليمة عن المقيّد في محلّ الكلام . وقد عرفت أنّ الخروج عنها في المملوك لا يستوجب الخروج في المكاتب ، إذ المخرج إمّا الإجماع ولا إجماع هنا بعد تحقّق الخلاف ، أو الانصراف لمكان المحجوريّة ولا حجر في المكاتب بالضرورة ، فإنّه مأذون في التصرّف في ماله والدفع تدريجاً لأجل التحرير .

   فتحصّل : أنّ مقتضى الإطلاقات وجوب الفطرة عليه حتّى بناءً على عدم العمل بالصحيحة ومع العمل أوضح .

   فما ذكر وجهاً للتقسيط من أنّ كلاًّ من المولى والمكاتب لا يكلّفان بالتمام ، لأصالة البراءة ، فيوزّع عملاً بالجهتين .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الجواهر 15 : 486 .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net