السابع:الفاضل عن مؤونة سنته \ روايات العامّة بخصوص هذا القسم 

الكتاب : المستند في شرح العروة الوثقى-الجزء 15:الخُمس   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 4425


ــ[194]ــ

   السابع : ما يفضل عن مؤونة سنته(1) ومؤونة عياله من أرباح التجارات ومن سائر التكسّبات من الصناعات والزراعات والإجارات حتى الخياطة

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

وتسليمه إلى أربابه ، ولا شكّ حينئذ في وجوب التخميس ثانياً وثالثاً وهكذا ، لكونه في كلّ مرّة موضوعاً جديداً لشراء الذمّي الأرض من المسلم فيعمّه النصّ ويشمله الحكم إلى أن لا يبقى منه شيء يقبل التخميس .

   وأمّا لو أراد الشراء قبل الدفع لكي تخلص له الأرض بأجمعها :

   فبناءً على أنّ متعلّق الخمس ماليّة الأرض ـ كما في الزكاة ـ لا شخصيّتها فأربابه لا يملكون إلاّ خمس هذه الأرض بما أ نّه مال لا بما أ نّه أرض ، ومن الواضح أنّ شراء هذه الماليّة لا يستوجب التخميس ، لعدم كونه مصداقاً لشراء الأرض ، بل لشراء ماليّتها ، ولا خمس إلاّ في شراء الأرض نفسها لا ماليّتها كما هو ظاهر .

   فلو كانت الأرض تسوى مائة دينار فله شراء خمس هذه الماليّة الذي قد تسوى عشرين واُخرى أقلّ حسب اختلاف الأحوال ، إذ قد لا ينتفع من خمس الأرض مستقلاًّ ما ينتفع به في ضمن المجموع ، فلو اشترى ذلك لم يكن عليه خمس آخر ، فإنّه مثل ما لو أدّى الخمس من القيمة ابتداءً في أ نّه يملك بذلك تمام الأرض من دون أن يجب عليه الخمس ثانياً ، لعدم كونه شراءً جديداً للأرض حسبما عرفت .

   وأمّا بناءً على القول بالاشاعة كما اخترناه فلا يفرق الحال بين الصورتين كما لا يخفى .

   (1) ينبغي التكلّم في مقامين :

   أحدهما : في أصل التشريع وأ نّه هل يجب الخمس في هذا القسم كما وجب في سائر الأقسام ، أو لا ؟

ــ[195]ــ

والكتابة والنجارة والصيد وحيازة المباحات واُجرة العبادات الاستئجاريّة من الحجّ والصوم والصلاة والزيارات وتعليم الأطفال وغير ذلك من الأعمال التي لها اُجرة .

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

   ثانيهما : في أ نّه بعد الفراغ عن الوجوب فهل ثبت سقوطه والعفو عنه بنصوص التحليل إمّا مطلقاً أو في الجملة ، أو لا ؟

   ولنؤخّر البحث عن المقام الثاني، حيث سيتعرّض له الماتن في المسألة الأخيرة من كتاب الخمس ونتابعه في البحث ، فهو موكول إلى محلّه إن شاء الله تعالى .

   والكلام الآن متمحّض في المقام الأوّل ، والبحث عنه يقع في جهات :

   الجهة الاُولى : الظاهر تسالم الأصحاب واتّفاقهم قديماً وحديثاً على الوجوب، إذ لم ينسب الخلاف إلاّ إلى ابن الجنيد وابن أبي عقيل (1) ، ولكن مخالفتهما على تقدير صدق النسبة ـ من أجل عدم صراحة العبارة المنقولة عنهما في ذلك ـ لا تقدح في تحقّق الإجماع ، ولا سيّما الأوّل منهما المطابقة فتاواه لفتاوى أبي حنيفة غالباً كما لا يخفى .

   بل في الجواهر : أنّ هذا هو الذي استقرّ عليه المذهب والعمل في زماننا هذا ، بل وغيره من الأزمنة السابقة (2) .

   وكيفما كان ، فيدلّنا على الحكم بعد الإجماع والسيرة العمليّة القطعيّة المتّصلة بزمن المعصومين (عليهم السلام) :

   أوّلاً : الكتاب العزيز ، قال تعالى : (وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُم مِن شَيْء فَأَنَّ للهِِ خُمُسَهُ

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) حكاه في الحدائق 12 : 347 .

(2) الجواهر 16 : 60 .

ــ[196]ــ

وَلِلرَّسُولِ) (1) ، فإنّ الغنيمة بهذه الهيئة وإن أمكن أن يقال بل قيل باختصاصها بغنائم دار الحرب إمّا لغةً أو اصطلاحاً ـ  وإن كان لم يظهر له أيّ وجه  ـ إلاّ أنّ كلمة «غَنِمَ» بالصيغة الواردة في الآية المباركة ترادف «رَبِحَ» و «استفادَ» وما شاكل ذلك ، فتعمّ مطلق الفائدة ، ولم يتوهّم أحد اختصاصها بدار الحرب .

   ولعلّ في التعبير بالشيء ـ الذي فيه من السعة والشمول ما ترى ـ إيعازاً إلى هذا التعميم ، وأنّ الخمس ثابت في مطلق ما صدق عليه الشيء من الربح وإن كان يسيراً جدّاً ـ كالدرهم ـ غير المناسب لغنائم دار الحرب كما لا يخفى .

   ويعضده إطلاق الخـطاب في بعض الآيات السابقة ، وهي قوله تعالى : (وَاعْلَمُوا أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَولاَدُكُمْ فِتْنَةٌ) إلخ (2) ، وقوله تعالى : (يَا أَ يُّهَا ا لَّذِينَ آمَنُوا إِن تَتَّقُوا اللهَ يَجْعَل لَكُمْ فُرْقَاناً) (3) ، فإنّه عامّ لجميع المؤمنين لا لخصوص المقاتلين .

   ولا ينافيه ذكر القتال في الآيات السابقة عليها واللاحقة لها ، لما هو المعلوم من عدم كون المورد مخصّصاً للحكم الوارد عليه .

   ومن ثمّ اعترف القرطبي في تفسيره وكذا غيره بشمول لفظ الآية لعموم الفوائد والأرباح ، غير أ نّه خصّها بغنائم دار الحرب من أجل الإجماع الذي ادّعى قيامه على ذلك (4) .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الأنفال 8 : 41 .

(2) الأنفال 8 : 28 .

(3) الأنفال 8 : 29 .

(4) الجامع لأحكام القرآن 8 : 1 .

ــ[197]ــ

   فإذا كانت هيئة «غَنِمَ» عامّة فلا جرم كانت هيئة «غنيمة» أيضاً كذلك ، إذ لا دلالة في هيئة «فعيلة» على الاختصاص .

   وكيفما كان ، فلا ينبغي التأمّل في إطلاق الآية المباركة في حدّ ذاتها وشمولها لعامّة الأرباح والغنائم .

   وتشهد لذلك أخبار كثيرة دلّت على أ نّها الإفادة يوماً فيوماً ، تكون بضميمة نصوص التحليل ـ حيث إنّه متفرّع على أصل التشريع فتدلّ عليه أيضاً ـ بالغة حدّ التواتر الإجمالي كما لا يخفى .

   فالحكم ممّا لا ينبغي الاشكال فيه .

   نعم ، هاهنا إشكال معروف قد تداول على الألسن ولا سيّما في الآونة الأخيرة ، وحاصله :

   أنّ الآية لو كانت مطلقة وكان هذا النوع من الخمس ثابتاً في الشريعة المقدّسة فلماذا لم يعهد أخذه من صاحب الشرع؟! حيث لم ينقل لا في كتب الحديث ولا التأريخ أنّ النبيّ الأعظم (صلّى الله عليه وآله) أو أحداً من المتصدّين بعده حتى وصيّه المعظّم في زمن خلافته الظاهريّة تصدّى لأخذ الأخماس من الأرباح والتجارات كما كانوا يبعثون العمّال لجباية الزكوات ، بل قد جعل سهم خاصّ للعاملين عليها ، فإنّه لو كان ذلك متداولاً كالزكاة لنقل إلينا بطبيعة الحال .

   وإن تعجب فعجب أ نّه لم يوجد لهذا القسم من الخمس عين ولا أثر في صدر الإسلام إلى عهد الصادقَين (عليهما السلام) ، حيث إنّ الروايات القليلة الواردة في المقام كلّها برزت وصدرت منذ هذا العصر ، أمّا قبله فلم يكن منه اسم ولا رسم بتاتاً حسبما عرفت .

   والجواب : إمّا بناءً على ما سلكناه من تدريجيّة الأحكام وجواز تأخير

ــ[198]ــ

التبليغ عن عصر التشريع بإيداع بيانه من النبيّ إلى الإمام ليظهره في ظرفه المناسب له حسب المصالح الوقتيّة الباعثة على ذلك ، بل قد يظهر من بعض النصوص أنّ جملة من الأحكام لم تنشر لحدّ الآن وأ نّها مودعة عند وليّ العصر (عجّل الله تعالى فرجه) وهو المأمور بتبليغها متى ما ظهر وملأ الأرض قسطاً وعدلاً . فالأمر على هذا المبنى ـ الحاسم لمادّة الإشكال ـ ظاهر لا سترة عليه .

   وإمّا مع الغض عن ذلك فبإبداء الفرق بين الزكاة والخمس ، نظراً إلى أنّ الأوّل ملك للفقراء وحقّ يصرف في مصالح المسلمين، وهو (صلّى الله عليه وآله) مأمور بالأخذ ، قال تعالى : (خُذْ مِنْ أَموَالِهِمْ صَدَقَةً) إلخ (1) ، فمقدّمة للأخذ الواجب عليه لا محيص له (صلّى الله عليه وآله) من بعث العمّال لجباية الزكوات .

   وأمّا الخمس فهو حقّ له (صلّى الله عليه وآله) ولأقربائه ، فيشبه الملك الشخصي ، حيث لا تعود فائدته لعامّة المسلمين ، ومن ثمّ لم يؤمر في مورده إلاّ بمجرّد التبليغ كما في سائر الأحكام من الصلاة والصيام دون الأخذ ، فلم يكن ثَمّة باعث على جبايته ، بل قد لا يناسب ذلك شأنه وجلالته كما لا يخفى . فلا مجال لقياس الخمس على الزكاة ، فإنّه مع الفارق الواضح حسبما عرفت .

   وبالجملة : فعلى تقدير تسليم عدم بعث العمّال لأخذ الأخماس فهذا لا يكشف عن عدم الوجوب بوجه ، كيف ؟! ووجوب الخمس في الركاز ممّا أصفقت عليه العامّة ورووا فيه روايات كثيرة (2) ، ومع ذلك لم ينقل ولا في مورد واحد أنّ النبيّ (صلّى الله عليه وآله) أو من بعده بعث أحداً لجبايته ، فعدم البعث والحثّ للأخذ لازمٌ أعمّ لعدم الوجوب فلا يكشف عنه أبداً .

   على أنّ العامّة قد رووا هذا الخمس عن النبيّ (صلّى الله عليه وآله) ، فقد

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) التوبة 9 : 103 .

(2) راجع عمدة القارئ في شرح البخاري 9 : 99 باب ما يجب فيه الخمس الركاز .

ــ[199]ــ

ورد في صحيح البخاري والترمذي : أنّ رجلاً من بني عبد قيس جاء إلى النبيّ (صلّى الله عليه وآله) فلمّا أراد الانصراف أمره (صلّى الله عليه وآله) بالصلاة والصيام والزكاة وإعطاء الخمس ممّا
غنم(1). فإنّ من الواضح عدم إرادة الخمس من غنائم دار الحرب ، لعدم فرض قتال أو غزو ، بل المراد خمس الأرباح والمتاجر كما لا يخفى .

   والإنصاف أ نّه لم يتّضح لدينا بعد، ماذا كانت الحالة عليه في عصره (صلّى الله عليه وآله) ، بالإضافة إلى أخذ هذا النوع من الخمس وعدمه ، كيف ؟! والعهد بعيد والفصل طويل ، وقد تخلّل بيننا عصر الاُمويّين الذين بدّلوا الحكومة الإسلاميّة حكومةً جاهليّة ، ومحقوا أحكام الدين حتى أنّ كثيراً من الناس لم يعرفوا وجوب الزكاة الثابت بنصّ القرآن كما يحكيه لنا التأريخ والحديث .

   بل في صحيح أبي داود وسنن النسائي : أنّ أكثر أهل الشام لم يكونوا يعرفون أعداد الفرائض .

   وعن ابن سعد في الطبقات : أنّ كثيراً من الناس لم يعرفوا مناسك حجّهم .

وروى ابن حزم عن ابن عباس : أ نّه خطب في البصرة وذكر زكاة الفطرة وصدقة الصيام فلم يعرفوها حتى أمر من معه أن يعلّم الناس .

   فإذا كان الحال هذه بالإضافة إلى مثل هذه الأحكام التي هي من ضروريّات الإسلام ومتعلّقة بجميع الأنام فما ظنّك بمثل الخمس الذي هو حقّ خاصّ له ولقرابته ولم يكن من الحقوق العامّة كما في الزكاة ، بل لخصوص بني هاشم زادهم الله عزّاً وشرفاً ، فلا غرابة إذن في جهلنا بما كان عليه أمر الخمس في عصره (صلّى الله عليه وآله) أخذاً وصرفاً .

   إلاّ أنّ هذا كلّه لا يكشف عن عدم الوجوب ، وعدم الوصول لا يلازم عدم

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) صحيح البخاري 2 : 131 ، سنن الترمذي 5 : 8 / 2611 .

ــ[200]ــ

التشريع بعد أن نطق به الكتاب العزيز والسنّة المتواترة ولو إجمالاً حسبما عرفت وستعرف .

   وممّا يؤكّد ذلك أ نّه لا خلاف بيننا وبين العامّة في عدم جواز دفع الزكاة لبني هاشم وأنّ الصدقة عليهم حرام ، حتى أ نّه لا يجوز استعمالهم عليها والدفع من سهم العاملين ، وقد رووا في ذلك روايات متواترة ، كما وردت من طرقنا أيضاً حسبما تقدّم في كتاب الزكاة (1) ، وفي بعضها : أنّ الله تعالى قد عوّض عنها الخمس إكراماً لهم وتنزيهاً عن أوساخ ما في أيدي الناس (2) .

   وفي صحيح مسلم وغيره : أنّ الفضل بن العبّاس وشخصاً آخر من بني هاشم كانا محتاجين إلى الزواج ولم يكن لديهما مهر فاشتكيا ذلك إلى رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وطلباً منه أن يستعملهما على الزكاة ليحصلا على المهر من سهم العاملين فلم يرتض (صلّى الله عليه وآله) بذلك ، بل أمر شخصين أن يزوّجا ابنتيهما منهما ، وجعل مهرهما من الخمس بدلاً عن الزكاة (3) . والروايات بذلك متظافرة بل متواترة من الطرفين كما عرفت .

   ومن الواضح الضروري أنّ الحرب ليست قائمة بين المسلمين والكفّار مدى الدهر ليتحقّق بذلك موضوع الخمس من غنائم دار الحرب فتدفع إليهم :

   إمّا لاستيلاء الكفّار كما في هذه الأعصار وما تقدّمها بكثير ، ولعلّ ما سيلحقها أيضاً بأكثر ، حيث أصبح المسلمون مستعمرين وإلى الله المشتكى .

   أو لاستيلاء الإسلام كما في عهد الإمام المنتظر (عجّل الله تعالى فرجه) وجعلنا من أنصاره وأعوانه .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) شرح العروة  24 : 179 .

(2) الوسائل 9 : 513 /  أبواب قسمة الخمس ب 1 ح 8 .

(3) صحيح مسلم 2 : 752 / 167 .

 
 

ــ[201]ــ

   وعليه ، فلو كان الخمس مقصوراً على غنائم دار الحرب ولم يكن متعلّقاً بما له دوام واستمرار من الأرباح والتجارات فكيف يعيش الفقراء من بني هاشم في عصر الهدنة الذي هو عصر طويل الأمد بعيد الأجل كما عرفت ، والمفروض تسالم الفريقين على منعهم عن الزكاة أيضاً كما مرّ ؟! إذن فما هو الخمس المجعول عوضاً عنها في هذه الظروف ؟!

   فلا مناص من الالتزام بتعلّقه كالزكاة بما له دوام واستمرار وثبات وقرار في جميع الأعصار ، لتستقيم العوضيّة وتتمّ البدليّة الأبديّة ، ولا يكون الهاشمي أقلّ نصيباً من غيره، وليس ما هو كذلك إلاّ عامّة الأرباح والمكاسب حسبما عرفت.

   فتحصّل : أنّ الاستشكال في وجوب الخمس في هذا القسم ساقط لا يُعبأ به بتاتاً .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net