حكم هبة المال للحج - حصول الإستطاعة بالزّكاة والخمس 

الكتاب : المعتمد في شرح العروة الوثقى-الجزء الاول:الحج   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 5845


ــ[133]ــ

   [ 3034 ] مسألة 37 : إذا وهبه ما يكفيه للحج لأن يحج وجب عليه القبول على الأقوى ، بل وكذا لو وهبه وخيّره ((1)) بين أن يحج به أو لا ، وأما لو وهبه ولم يذكر الحجّ لا تعييناً ولا تخييراً فالظاهر عدم وجوب القبول كما عن المشهور (1) .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الحجّ وبذل له ما يتمم ذلك وجب عليه القبول ويجري عليها ما يجري على الاستطاعة المالية ، ويعتبر حينئذ الرجوع إلى الكفاية ، لأنّ المفروض أن له مالاً فيشمله قوله (عليه السلام) : «يحجّ ببعض ويبقي بعضاً لقوت عياله» .

   (1) لو وهب له المال ليحج به وجب عليه القبول ، لاطلاق دليل البذل وصدق العرض على ذلك ، ولا يختص العرض بالبذل والاباحة ، ولو ملّكه مالاً وخيّره بين الحجّ وغيره كزيارة الرضا (عليه السلام) ذكر المصنف (قدس سره) أنه يجب عليه القبول كالأوّل ، وأما لو وهبه ولم يذكر الحجّ لا تعييناً ولا تخييراً فلا يجب القبول .

   أقول : ما ذكره من عدم وجوب القبول في الهبة المطلقة صحيح ، لأن الاستطاعة تحصل بأحد أمرين : إمّا أن يكون له مال يكفيه للحج أو يبذل له ذلك ، وشيء من الأمرين غير صادق في المقام ، والقبول تحصيل للاستطاعة وهو غير واجب .

   وأمّا القول بوجوب القبول على تقدير الهبة مع التخيير بين الحجّ وغيره فهو مبني على دعوى صدق الاستطاعة حينئذ ، فإن عرض شيء آخر أيضاً لا يضر بصدق عرض الحجّ ، لأن عرض الحجّ غير مشروط بعدم عرض غيره ، إذ لا معنى لعرض الحجّ إلاّ بذل مال يفي للحج ، والتعيين لا خصوصية له ، ولكن الظاهر عدم صحّة ذلك ، فإن التخيير يرجع إلى أن بذله للحج مشروط بعدم صرفه المبذول في جهة اُخرى ، أو الابقاء عنده ، ولا يجب على المبذول له تحصيل الشرط ، وإن شئت قلت : إنّ موضوع الوجوب هو البذل للحج ، والهبة مع التخيير المزبور بذل للجامع بين الحجّ

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) وللقول بعدم الوجوب وجه وجيه ، فإن التخيير يرجع إلى أن بذله للحج مشروط بعدم صرفه المبذول في جهة اُخرى أو الإبقاء عنده ، ولا يجب على المبذول له تحصيل الشرط .

ــ[134]ــ

   [ 3035 ] مسألة 38 : لو وقف شخص لمن يحج أو أوصى أو نذر كذلك فبذل المتولي أو الوصي أو الناذر له وجب عليه ، لصدق الاستطاعة بل إطلاق الأخبار وكذا لو أوصى له بما يكفيه للحج بشرط أن يحج فإنه يجب عليه بعد موت الموصي (1) .

   [ 3036 ] مسألة 39: لو أعطاه ما يكفيه للحج خمساً أو زكاة وشرط عليه أن يحجّ به فالظاهر الصحّة((1)) ووجوب الحجّ عليه إذا كان فقيراً أو كانت الزكاة من سهم سبيل الله (2) ((2)).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

وغيره ، والبذل للجامع لا يكون بذلاً للحج ز بشخصه وإلاّ وجب القبول في الهبة المطلقة أيضاً ، فإنّها لا تنفك عن التخيير في صرف الموهوب في الحجّ أو غيره .

   (1) قد عرفت أن الاستطاعة تتحقق بأحد أمرين : إما بالاستطاعة المالية وإما بالبذلية ، فلو وقف شخص لمن يحج أو أوصى بمال لمن يحج أو نذر كذلك ، وبذل المتولي أو الوصي المال ، يصدق عنوان الاستطاعة وإن لم يكن الباذل مالكاً ، فإن إطلاق أخبار العرض والبذل يشمل المقام ولا تختص بما إذا كان الباذل مالكاً ، وكذلك يصدق عنوان الاستطاعة البذلية فيما لو أوصى له بما يكفيه للحج بشرط أن يحجّ فيجب عليه الحجّ بعد موت الموصي .

   (2) يقع الكلام في مقامين .

   أحدهما في حصول الاستطاعة ووجوب الحجّ فيما إذا أعطاه من الزكاة أو الخمس بعنوان الفقر وشرط عليه الحجّ .

   ثانيهما  فيما إذا  أعطاه الزكاة من سهم سبيل الله ليحج بها .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) فيه إشكال بل منع .

(2) تقدم الإشكال في جواز صرف الزكاة من سهم سبيل الله في غير الجهات العامة .

ــ[135]ــ

   أمّا الأوّل : فالظاهر عدم صحّة الشرط ، ويتوقف بيان ذلك على توضيح معنى الشرط وذكر الأقسام المتصوّرة له فنقول : إن الشرط في ضمن عقد ليس هو مجرّد الالتزام بشيء المقارن للعقد ، وإنما هو أمر مربوط به ، والربط المتصور فيه على وجوه :

   الأوّل : تعليق المنشأ بأمر متوقع الحصول ، كتعليق البيع على مجيء مسافره أو نزول المطر ، بمعنى أن المنشأ ليس هو التمليك على الإطلاق بل حصّة خاصّة منه وهو التمليك على تقدير مجيء المسافر مثلاً ، وهذا هو التعليق الذي أجمعوا على بطلانه في جميع العقود والايقاعات إلاّ الوصية والتدبير .

   الثاني : أن يعلق المنشأ على الالتزام بشيء لا على نفس ذلك الشيء ، كتعليق البيع على التزام المشتري بعمل كالخياطة مثلاً ، فالالتزام بها هو المعلق عليه لا نفس الخياطة ، ولا بأس بهذا التعليق لأنه تعليق على أمر حاصل معلوم الوجود ، فالالتزام من المشتري متحقق على الفرض فيكون نظير التعليق بكون هذا اليوم يوم الجمعة مع العلم بأنه يوم الجمعة وأمثال ذلك من الاُمور الحاصلة المعلومة ، والفرق بينه وبين الأوّل أنه في الأوّل يعلق المنشأ على أمر خارجي متوقع الحصول وفي الثاني يعلق المنشأ على الالتزام بأمر خارجي ، والالتزام من المشتري حاصل بالفعل ، ولا مانع من الشرط على النحو الثاني بل يجب الوفاء به عملاً بأدلّة وجوب الوفاء بالشرط كقوله (عليه السلام) : «المؤمنون عند شروطهم»(1) وهذا جار في جميع العقود ومنه باب النكاح ، فلو اشترطت الزوجة بأنّ حق السكنى لها أو اشترطت الإنفاق عليها بمقدار كذا ونحو ذلك من الشروط يجب عليه الوفاء ، فإن الشرط يرجع إلى تعليق الزوجية المنشأة على التزام الزوج بما اشترط عليه ، ولو قبل الزوج النكاح من دون التزامه بذلك بطل النكاح .

   الثالث : أن يكون التزام البائع بالبيع معلقاً على الفعل الخارجي كالخياطة مثلاً

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل  21 : 276 /  أبواب المهور  ب 20 ح 4 .

ــ[136]ــ

لا نفس البيع والمنشأ ، فإن في البين أمرين : أحدهما إنشاء الملكية ونفس البيع ، ثانيهما الالتزام بذلك ، فالتعليق يرجع إلى الالتزام لا إلى المنشأ ، والشرط في هذه الصورة معناه أنه لو حصلت الخياطة خارجاً فهو ملتزم بالبيع وإلاّ فلا ، ويرجع ذلك إلى جعل الخيار له عند التخلف ، وهذا يجري في كل عقد قابل للفسخ كالبيع والإجارة وأضرابهما ، وأما مثل النكاح فلا يؤثر هذا الشرط في فسخه ، لأن له رافعاً خاصاً كالطلاق وإن ذهب بعضهم إلى جريان ما ذكر حتى في مثل النكاح .

   وبالجملة : الشرط الصحيح يتصور بأحد أمرين : إما تعليق المنشأ على الالتزام وإما تعليق الالتزام بالعقد على الأمر الخارجي ، وأما تعليق المنشأ على الأمر الخارجي فهو باطل بالاجماع ، هذا ما يرجع إلى الشرط والتعليق بحسب الكبرى .

   وأما في المقام فلا يجري شيء ممّا ذكر ، لأن التعليق لا معنى له في المقام أصلاً لعدم قابلية تعليق الفعل الخارجي كالاعطاء على شيء ، وإنما التعليق يتصور في الاُمور الاعتبارية ، وأما الاُمور الخارجية التكوينية فغير قابلة للتعليق ، بل إما تقع وتحصل في الخارج وإما لا تقع ولا تحصل ، فهي تتصف بالوجود والعدم كالأكل والضرب والاعطاء ، فإن الأكل إما أن يتحقق في الخارج وإما لا يتحقق ، وهكذا الاعطاء الخارجي لا معنى لتعليقه ، ويرجع الاعطاء المشروط إلى مجرّد الالتزام المقارن له دون أن يرتبط أحدها بالآخر .

   وأما الملكية الشرعية وإن كانت قابلة للتعليق ولكنها ليست بيد المكلف وإنما هي بيد الشارع ، فما هو تحت يده ليس قابلاً للتعليق كالاعطاء وما هو قابل للتعليق كالملكية الشرعية ليس بيد المكلف حتى يعلقه ، وأما تعليق الالتزام بالاعطاء على الحجّ فلا أثر له ، لأنّ ما كان لله ليس له الرجوع فيه ، وهذا النحو من التعليق والالتزام في إعطاء الزكاة ليس بيده ، لأنّ المفروض أن ما أعطاه حُسب زكاة أو خمساً وليس له الرجوع لو لم يحج ، فالتعليق في نفس العمل وهو الاعطاء أو التعليق في الالتزام كل منهما غير قابل في المقام . نعم ، يبقى الالتزام المقارن من المعطى له في صرف ما أخذه في الحجّ ، لكنّه لا يؤثر ذلك شيئاً ولا يجب على الفقير العمل به فإنه

ــ[137]ــ

يدخل في باب الوعد لا محالة . نعم ، إذا أخذ الزكاة أو الخمس واستطاع بذلك يجب عليه الحجّ إن لم يقع في الحرج .

   وللتوضيح نزيد في البيان وإن إستلزم التكرار في الجملة ولكن لا يخلو من فائدة فنقول : إن الشرط ليس هو مجرّد الالتزام الابتدائي المقارن للعقد ، وإنما هو مرتبط به نحو ارتباط والتزام في ضمن التزام ، وهو يرجع إلى أحد أمرين على سبيل منع الخلو : إما تعليق المنشأ على الالتزام وهو أمر حاصل بالفعل فيجب الوفاء به ، وإما تعليق الالتزام بالمنشأ على أمر خارجي الذي مرجعه إلى جعل الخيار لنفسه ، وأما تعليق نفس المنشأ على أمر خارجي فقد عرفت أنه باطل بالاجماع ، وقد يجتمع الأمران في مورد واحد وقد يفترقان .

   أمّا مورد الاجتماع فهو ما لو باع داره واشترط على المشتري خياطة ثوبه مثلاً وقبل المشتري ذلك ، فإن المنشأ وهو بيع الدار معلق على التزام المشتري بالخياطة ويجب عليه الوفاء به ، وكذلك التزام البائع بالبيع معلق على الخياطة ، وأثره ثبوت الخيار للبائع إذا تخلف المشتري .

   وأمّا مورد الافتراق ، فقد يكون التعليق بالنحو الأوّل من تعليق المنشأ على الالتزام كما في الإيقاعات والعقود التي لا تقبل الفسخ كالنكاح ، فإنه غير قابل للفسخ ولا يجري فيه الخيار ، لأنه دائمي لا يزول إلاّ بمزيل ورافع خاص ، فإذا علق النكاح على شيء يرجع التعليق فيه إلى تعليق المنشأ على التزام الآخر فيجبر على الوفاء به ، فالثابت ليس إلاّ مجرد حكم تكليفي وهووجوب الوفاء على المشروط عليه ولا يوجب تخلفه الخيار وجواز الفسخ ، خلافاً لصاحب الجواهر الذي مال أو التزم بجريان الخيار في النكاح أيضاً  (1) وكذلك باب الايقاعات كالابراء والطلاق ، فإن الشرط فيها يرجع إلى تعليق المنشأ على الالتزام ويجب الوفاء به ، ولو لم يتحقّق الوفاء منه في الخارج عصياناً لا يضر ذلك بتحقق الابراء أو الطلاق ، لأن الابراء قد

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) لاحظ الجواهر 29 : 149 ، 30 : 366 .

ــ[138]ــ

تحقق وهو غير قابل للعود ، غاية الأمر يجب على المبرأ الوفاء بما اشترط عليه، وقد ينعكس الأمر بمعنى أن الشرط يرجع إلى تعليق الالتزام لا المنشأ ، وأثره جعل الخيار لنفسه عند التخلّف ، كالتعليق على الاُمور الخارجة عن تحت الاختيار ، نظير التعليق على كون العبد كاتباً أو كون الفراش منسوجاً بنسج البلد الفلاني وأمثال ذلك .

   ثمّ إن جميع ما ذكرنا إنما يجري في الاُمور القابلة للتعليق كالاُمور الاعتبارية ، وأما التكوينية فهي غير قابلة للتقييد ، لأنّ التقييد إنما يصح في مورد الاطلاق والسعة والأمر الخارجي التكويني في نفسه مضيق وغير قابل لعروض التقييد عليه ، نظير الائتمام الخارجي بالإمام الحاضر ، فإن الائتمام قد حصل وتحقق خارجاً سواء كان الإمام زيداً أو عمراً وإنما الدواعي تختلف باختلاف الموارد .

   وبالجملة : الاُمور التكوينية الخارجية تتصف بالوجود والعدم ولا يجري فيها التعليق ، ولا معنى لأن يقال : إن الائتمام الخارجي معلق على كون الإمام زيداً أو أن الأكل الخارجي معلق على أن يكون المأكول ملك نفسه ، فإن الائتمام والأكل قد تحققّا خارجاً على كل تقدير . وأما المقام الذي وجب عليه الخمس أو الزكاة فإنما يجب عليه الإعطاء والأداء والايتاء ، والذي تحت اختياره ليس إلاّ الاعطاء الخارجي وهذا غير قابل للتعليق ، وأما الملكية الشرعية فليست تحت يده واختياره وإنما هي بيد الشارع .

   وبعبارة اُخرى : إنما يجب على الشخص تفريغ ذمته من الزكاة إما بالعزل أو بنفس الاعطاء الخارجي ، والفعل الخارجي الصادر منه كالأداء والاعطاء غير قابل للتقييد والتعليق ، وأمّا التزامه بذلك فغير قابل للتعليق أيضاً ، لأنّ مرجعه إلى جعل الخيار وجواز الاسترداد ، وما أعطاه من الزكاة غير قابل للرجوع ، لأنّ ما كان لله لا يرجع كما في النص(1) فمرجع هذا الشرط إلى الالتزام المقارن للاعطاء وهو غير واجب الوفاء به ، ولا يصدق عليه عرض الحجّ وبذله .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 19 : 231 / أبواب الهبات ب 3 ح 1 ، 2 وب 6 ح 3 .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net