هل يعتبر في النشر اجتماع إنبات اللحم والدم وشدّ العظم ؟ 

الكتاب : مجمع الرسـائل - رسـالة في الرضاع   ||   القسم : الأصول   ||   القرّاء : 6856


هل يعتبر اجتماع الأمرين

الأوّل : هل يعتبر اجتماع كلا الأمرين أو يكفي أحدهما ؟ فنقول : إن كانت هذه الاُمور ـ أعني إنبات اللحم والدم ، وشدّ العظم ـ متلازمة ثبوتاً كما ليس ذلك بالبعيد ـ لأنّ الغذاء يكون بدلا عمّا يتحلّل من جميع أجزاء البدن ، وإن كان تأثيره في بعض كالعظم أخفى من تأثيره في البعض الآخر ـ فلا بحث .

وإن لم يكن الأمر كذلك فقد يقال إنّ مقتضى الجمع بين الروايات هو اعتبار اجتماعهما ، لتقييد إطلاق كل منهما بالآخر . ويندفع بما ذكرنا سابقاً(1) من أنّ مقتضى الجمع العرفي في أمثال هذه الموارد هو الحمل على كفاية كلّ من الحدّين ، لأنّ مقتضى إطلاق مفهوم كلّ منهما عدم كفاية الآخر بدلا عنه ، فيقيّد هذا الإطلاق بمنطوق الآخر ، كما ذكروا ذلك في تحديد حدّ الترخّص ، حيث ورد في بعض الروايات التحديد بما إذا خفي الجدران ، وفي بعضها الآخر بما إذا خفي الأذان(2) وقد جمعوا بينهما بكفاية كلّ منهما في وجوب قصر الصلاة على المسافر . فتكون النتيجة في المقام الاكتفاء بكلّ منهما في نشر الحرمة : إمّا إنبات اللحم وشدّ العظم ، وإمّا إنبات اللحم والدم .

ثمّ إنّ مقتضى النصوص التي أشرنا إليها(3) اعتبار كلا الأمرين ـ إنبات اللحم
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) في ص121 .
(2) الوسائل 8 : 470 / أبواب صلاة المسافر ب6 [لم يرد الحدّ الأول بهذا اللفظ رواية ، إذ الوارد فيها « إذا توارى من البيوت » ، والحدّ الثاني نقل بالمضمون] .
(3) الوسائل 20 : 374 / أبواب ما يحرم بالرضاع ب2 [ح2 ، 9 ، 14 ، 18 ، 19 ، 21 ، 23] 382 / ب3 .

ــ[136]ــ

وشدّ العظم ـ الذي هو أحد التقديرين المتقدّمين ، على ما هو المعروف بينهم .

إلاّ أنّه قد يتوهّم كفاية كلّ منهما استناداً إلى صحيحة علي بن رئاب المتقدّمة(1) حيث فصل فيها بين الأمرين بواو العاطفة ولفظة «لا» الظاهرة في استقلال كلّ من الأمرين في التأثير ، فإنّه قال (عليه السلام) فيها في جواب السؤال عن تحريم عشر رضعات : «لا ، لأنّه لا ينبت اللحم ولا يشدّ العظم عشر رضعات»(2).

ويندفع بأنّه لا شهادة في ذلك على استقلال كلّ منهما في التأثير ، وذلك لأنّ المركّب كما ينتفي بانتفاء أحد جزأيه كذلك ينتفي بانتفاء كلا جزأيه ، فإذا انتفى أحد الجزأين استند انتفاء المركّب إلى انتفاء ذلك الجزء ، كما أنّه إذا انتفى كلا الجزأين استند انتفاؤه إلى انتفاء كليهما ، وذلك يتبع واقع الأمر من حيث انتفاء كلا الجزأين أو أحدهما ، فإذا فرضنا أنّ نشر الحرمة يتوقّف على كلا الأمرين ـ شدّ العظم وإنبات اللحم ـ وفرضنا أنّ عشر رضعات لا تؤثّر في شيء منهما ، استند انتفاؤه إلى عدمهما بلا عناية أصلا ، مثلا : لو ترك شخص الركوع في صلاته وأتى بباقي الأجزاء والشروط استند فساد صلاته إلى عدم الركوع ، وإذا ترك شخص آخر في صلاته الركوع والسجود والطهارة استند فساد صلاته إلى عدم هذه الاُمور الثلاثة . وبالجملة : الظاهر اعتبار كلا الأمرين : شدّ العظم ، وإنبات اللحم .

ثمّ إنّ الظاهر أنّ المراد بانبات الدم في التقدير الآخر هو جريان الدم في العروق ، لا تبدّل الغذاء به في المعدة قبل أن يكون جزءاً للبدن ، فإنّ الظاهر من الروايات هو صيرورة اللبن جزءاً لبدن الطفل من عظمه ولحمه ودمه .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) في ص106 .
(2) الوسائل 20 : 374 / أبواب ما يحرم بالرضاع ب2 ح2 .

ــ[137]ــ

لغوية التحديد بالأثر والجواب عنها

الأمر الثاني : أنّ التحديد بالأثر ـ وهو إنبات اللحم وشدّ العظم ـ من حيث عدم إمكان حصول العلم به لأكثر الناس يكون لغواً ، فينحصر الحدّ في العدد والزمان ، ويكونان طريقاً إليه ، فليس هو حدّاً ثالثاً في عرضهما .

وأجاب صاحب الجواهر(1) عن ذلك بأنّه يمكن معرفة الأثر بأحد أمرين من دون توسيط الحدّين الآخرين :

أحدهما : الرجوع إلى أهل الخبرة ، كسائر الموضوعات التي يرجع فيها إليهم ، فيرجع في المورد إلى الأطباء أو إلى القوابل إن كنّ من أهل خبرة ذلك .

ثانيهما : تحقّق الرضاع مدّة طويلة كشهرين وثلاثة أو أكثر مع اختلال شرط الزمان والعدد ، كما إذا كانت الرضعة ناقصة في الحدّ العددي ، أو أكل الطفل شيئاً في اليوم والليلة بنحو لا يوجب إنبات لحمه وشدّ عظمه ، بل يحصل به مجرّد ملء المعدة وهذا أمر ممكن ، يتّفق كثيراً حتّى في الكبار ، فيحصل العلم عادة باستناد نبات اللحم واشتداد العظم إلى الارتضاع بعد مدّة طويلة . انتهى .

وما أفاده (قدّس سرّه) متين ، لا مانع من الموافقة عليه .

تنافي التحديد بالأثر مع التحديد بالزمان والعدد ، والجواب عنه

الأمر الثالث : أنّ نبات اللحم واشتداد العظم الوارد حدّاً لنشر الحرمة بالرضاع إن كان المنظور فيه تحقّقه الواقعي بالدقّة ، فهو يتحقّق بالأقل من رضعة واحدة ، لأنّ الغذاء إذا ورد في المعدة واستقرّ فيها تبدّل إلى الدم ، وجرى الدم في العروق ، فتستفيد منه جميع أجزاء البدن وتنمو به ، ويكون بدلا عمّا يتحلّل ، فلا وجه لجعل الحدّ من ناحية العدد خمس عشرة رضعة أو عشر رضعات على الخلاف
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) راجع الجواهر 29 : 271 ـ 276 ، 277 / كتاب النكاح .

ــ[138]ــ

ومن ناحية الزمان الإرضاع يوماً وليلة ، لأنّ ذلك تحديد بما يزيد عن الحدّ الواقعي فيكون لغواً .

وإن كان المنظور فيه تحقّقه بنظر العرف ، فنبات اللحم واشتداد العظم لا يتحقّق بنظر العرف بارضاع يوم وليلة وبالعدد الخاص ، فالتحديد بهذين الحدّين لا وجه له ، لعدم تحقّق الأثر على هذا بهما .

والجواب : أنّه لا مانع من أن يكون المقياس في الأثر الخاص هو نظر العرف إلاّ في موردين : أحدهما الارتضاع يوماً وليلة ، وثانيهما الارتضاع بالعدد الخاص بالشروط المقرّرة لهما ، فيكون دليل الحدّين الآخرين مخصّصاً لدليل التحديد بالأثر ، فيكون الموجب لنشر الحرمة اُموراً ثلاثة : الإرضاع إلى أن يتحقّق الأثر الخاص بنظر العرف ، والإرضاع يوماً وليلة ، والإرضاع بالعدد الخاص .

ومن هنا يظهر أنّه لا موجب للالتزام بما ذكروه من جعل نبات اللحم واشتداد العظم هو الأصل في نشر الحرمة ، وكون الحدّين الآخرين كاشفين عنه بالتعبّد الشرعي .

وأمّا توهّم دلالة بعض الروايات على أنّ الحدّ الأصلي هو نبات اللحم واشتداد العظم ، كصحيحة ابن رئاب ، حيث قال (عليه السلام) في جواب السؤال عمّا يحرم من الرضاع : « ما أنبت اللحم وشدّ العظم » ثمّ قال : « قلت : فتحرم عشر رضعات ؟ قال : لا ، لأنّه لا تنبت اللحم ولا تشدّ العظم عشر رضعات »(1) وكقوله (عليه السلام) في موثّقة هارون بن مسلم عن مسعدة بن زياد العبدي : « لا يحرم من الرضاع إلاّ ما شدّ العظم وأنبت اللحم »(2).
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 20 : 374 / أبواب ما يحرم بالرضاع ب2 ح2 .
(2) الوسائل 20 : 377 / أبواب ما يحرم بالرضاع ب2 ح9 .

ــ[139]ــ

فيندفع بأنّه لا ينافي ما ذكرناه ، لأنّ ذلك لا ينافي التخصيص في الموردين فتكون نتيجة الجمع بين الأدلّة أنّ المحرّم من الرضاع هو ما أنبت اللحم وشدّ العظم إلاّ إذا ارتضع يوماً وليلة ، أو بالعدد الخاص بالشروط المتقدّمة . وتعليله (عليه السلام) في الصحيحة(1) لعدم النشر بالعشر بأنّها لا تنبت اللحم ولا تشدّ العظم ـ بعد حملها على العشر المتفرّقات كما عرفت سابقاً(2) ـ لا يدلّ على أنّ العشر غير المتفرّقة تكون ناشرة للحرمة بهذا الملاك .

هذا تمام الكلام في التحديد بالأثر .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net