إذا نذر الحجّ من غير تقييد وكان مستطيعاً فهل يتداخلان ؟ 

الكتاب : المعتمد في شرح العروة الوثقى-الجزء الاول:الحج   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 3705


ــ[347]ــ

   [ 3126 ] مسألة 19 : إذا نذر الحجّ وأطلق من غير تقييد بحجّة الإسلام ولا بغيره وكان مستطيعاً أو استطاع بعد ذلك فهل يتداخلان فيكفي حجّ واحد عنهما أو يجب التعدّد أو يكفي نيّة الحجّ النذري عن حجّة الإسلام دون العكس ؟ أقوال ، أقواها الثاني((1)) لأصالة تعدد المسبب بتعدد السبب ، والقول بأنّ الأصل هو التداخل ضعيف (1) .

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ويقدّم حجّ الإسلام مطلقاً فلا مجال لهذه الفروع .

   (1) قد جعلوا هذه المسألة مبتنية على مسألة التداخل ، ولذا ذهب جماعة منهم المصنف (قدس سره) إلى عدم التداخل لأصالة تعدد المسبب بتعدد السبب كما هو الحال في سائر الواجبات ، وأما صحيحتا رفاعة ومحمّد بن مسلم : «عن رجل نذر أن يمشي إلى بيت الله الحرام فمشى هل يجزئه عن حجّة الإسلام ؟ قال (عليه السلام) : نعم» (2) فظاهرهما كفاية الحجّ النذري عن حجّة الإسلام مع عدم الاستطاعة وهو غير معمول به ، واختار بعضهم التفصيل والاكتفاء بنية الحجّ النذري عن حجّة الإسلام دون العكس ، لأن القاعدة الأوّلية تقتضي عدم التداخل ، وإنما يقال باكتفاء الحجّ النذري للنص ، وذهب جماعة إلى التداخل والاكتفاء بحج واحد عنهما .

   والظاهر أن مسألتنا هذه غير مبتنية على مسألة التداخل ، لأن التداخل إنما يجري فيما إذا تعدّد الشرط واتّحد الجزاء كما يقال : إذا ظاهرت فاعتق وإذا أفطرت فاعتق فيقع البحث المعروف من أن هذه الاُمور المتعددة الموجبة للجزاء هل هي أسباب حقيقية أم هي معرفات ؟ ذهب جماعة إلى أنها معرفات وأنه لا يجب إلاّ جزاء واحد عند تعدد الشرط ، وذهب آخرون إلى عدم التداخل وأن كل سبب يقتضي مسبباً مستقلاً فلا بدّ من تعدد الجزاء بتعدّد السبب ، وهو الصحيح لأنّ الظاهر من كل قضية شرطية حدوث الحكم بحدوث هذه الاُمور المعبّر عنها بالشرط ، وقد ذكرنا في محله

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) بل الأقوى هو الأوّل .

(2) الوسائل 11 : 70 / أبواب وجوب الحجّ ب 27 ح 1 ، 2 ، 3 .

ــ[348]ــ

واستدلّ للثالث بصحيحتي رفاعة ومحمّد بن مسلم : «عن رجل نذر أن يمشي إلى بيت الله الحرام فمشى هل يجزئه عن حجّة الإسلام ؟ قال (عليه السلام) : نعم» ، وفيه : أنّ ظاهرهما كفاية الحجّ النذري عن حجّة الإسلام مع عدم الإستطاعة وهو غير معمول به ، ويمكن حملهما على أنه نذر المشي لا الحجّ ثمّ أراد أن يحجّ فسُئل (عليه السلام) عن أنه هل يجزئه هذا الحجّ الذي أتى به عقيب هذا المشي أم لا فأجاب (عليه السلام) بالكفاية . نعم ، لو نذر أن يحجّ مطلقاً ـ أيّ حجّ كان ـ كفاه عن نذره حجّة الإسلام بل الحجّ النيابي وغيره أيضاً ، لأنّ مقصوده حينئذ حصول الحجّ منه في الخارج بأيّ وجه كان .

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

أنّ إطلاق الأسباب والمعرفات في باب الأحكام الشرعية ممّا لا أساس له أصلاً ، إذ ليست هذه الاُمور أسباباً للأحكام الشرعية فإنها أفعال اختيارية للمولى ولا يكون لفعل المكلف أو أي أمر خارجي دخل في تحققها ، بل هي موضوعات وموارد للحكم الشرعي .

   وبالجملة : هذا البحث يجري في تلك المسائل ، وأمّا في باب النذر فيتبع التعدّد والوحدة قصد الناذر، والشارع إنما يمضي ما التزمه الناذر على نفسه ، فإن النذر إنما هو التزام المكلف بشيء على نفسه فلا بدّ من النظر إلى متعلق نذره ، فإن كان التزامه متعلقاً بالجامع وبطبيعي الحجّ فينطبق ما التزم على نفسه على حجّ الإسلام قهراً ، لأنّ المفروض أن متعلق نذره مطلق وغير مقيّد بفرد خاص فلا موجب للتعدّد ، وأصالة عدم التداخل لا تجري في المقام ، فإنه بعدما كان المقصود من النذر هو المطلق والطبيعي فينطبق منذوره على المأتي به وإن قصد به حج الإسلام ، فيكون المأتي به ممّا يصدق عليه متعلق النذر ، ولا فرق في ذلك بين التصريح بالاطلاق وعدمه ، فما ذكره من عدم التداخل في صورة عدم التصريح بالاطلاق لا وجه له ، وقد صرّح الماتن (قدس سره) في آخر المسألة بكفاية حج واحد إذا صرح بالاطلاق ، ومن الواضح عدم الفرق بين التصريح بالاطلاق وعدمه بعدما كان المقصود هو الجامع الصادق على حج الإسلام ، والصحيحتان مؤكدتان لما ذكرنا .

ــ[349]ــ

   [ 3127 ] مسألة 20 : إذا نذر الحجّ حال عدم استطاعته معلقاً على شفاء ولده مثلاً فاستطاع قبل حصول المعلق عليه فالظاهر تقديم حجّة الإسلام ، ويحتمل تقديم المنذور إذا فرض حصول المعلق عليه قبل خروج الرفقة مع كونه فورياً ،

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

   وما ذكره من أن ظاهرهما كفاية الحجّ النذري عن حجّة الإسلام مع عدم الاستطاعة وهو غير معمول به ففيه : أنّ الظاهر منهما الإتيان بالحج ماشياً وفاء لنذره في حال الاستطاعة ، ثمّ يسأل عن الاجتزاء به عن حج الإسلام ، فالصحيح هو الاكتفاء بحج واحد عنهما .

   وهل يحتاج التداخل والاكتفاء بحج واحد إلى النيّة لهما فلو قصد أحدهما دون الآخر لا يجزئ لعدم القصد أم لا ؟ وجهان ، الظاهر هو الثاني لعدم اعتبار قصد العنوان في إتيان المنذور ، ولا يلزم الاتيان به بعنوان أنه متعلق النذر ، وإنما يلزم الاتيان به في الخارج ، لأنّ وجوب الوفاء بالنذر توصّلي لا يعتبر في إتيانه وسقوطه قصد العنوان بخصوصه ، فلو نذر أن يصوم اليوم المعين وصام ذلك اليوم وغفل عن أنه متعلق نذره أو غفل عن النذر بالمرّة صح صومه ، وكذا لو نذر أن يصلِّي صلاة اللّيل وصلاها ولكنّه نسي النذر ، وهكذا لو نذر أن يعطي ديناراً لزيد وأعطاه غافلاً عن أنه مورد النذر ففي جميع هذه الموارد ونحوها لا يعتبر قصد العنوان في سقوط النذر وامتثاله ، بل مجرّد إتيان متعلق النذر كاف في سقوطه ، ولو عكس الأمر وقصد عنوان النذر بخصوصه ولم يقصد حجّ الإسلام نلتزم بالاكتفاء عن حج الإسلام أيضاً ، كما إذا حج ويزعم أنه غير مستطيع ثمّ علم بالاستطاعة فإنه لا ريب في الاكتفاء به عن حج الإسلام وإن أتى به بقصد عنوان النذر .

   وبتعبير آخر الحجّ الصادر في أوّل سنة الاستطاعة من حج الإسلام سواء قصد هذا العنوان أم لا ، بل لو فرضنا أنه لم يعلم بهذا العنوان ولم يسمع به وحجّ كفى عنهما ويؤكد ذلك الصحيحتان ، وبالجملة : قصد العنوان غير لازم ويكتفي بالحجّ الواحد سواء قصد العنوانين أو قصد أحدهما .

ــ[350]ــ

بل هو المتعين ((1)) إن كان نذره من قبيل الواجب المعلق (1) .
ــــــــــــــــــــــــــــــ

   (1) لأنّ الميزان عنده (قدس سره) في تقديم أحد الواجبين على الآخر تقدّم سبب الوجوب ، ولذا قدّم حجّة الإسلام في الصورة الاُولى لأن سببها أسبق ، وأمّا لو حصل شفاء ولده المعلّق عليه قبل خروج الرفقة يقدم الحجّ النذري لا سيما إذا  كان نذره من قبيل الواجب المعلّق لأنّ سبب وجوب النذر أسبق من الاستطاعة، فإنّ الوجوب ثابت من أوّل النذر وإن كان المعلق عليه متأخراً زماناً عن الاستطاعة، وحينئذ يكون معذوراً في ترك حج الإسلام لكون النذر مانعاً عن تحقق الاستطاعة ، فإن بقيت إلى السنة اللاّحقة يجب حج الإسلام وإلاّ فلا .

   ويرد عليه ما ذكرناه غير مرة من أن الوجوب الناشئ من النذر بجميع صوره لا يزاحم حج الإسلام الواجب بالأصالة ، فإن النذر لا يوجب تفويت الواجب الأصلي ، فالمتعين تقديم حجّة الإسلام في كلتا الصورتين .
ـــــــــــــــ

(1) بل المتعين تقديم حجّة الإسلام .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net