حكم استئجار المعذور في ترك بعض الأعمال - صور موت النائب قبل الاتيان بالمناسك 

الكتاب : المعتمد في شرح العروة الوثقى-الجزء الثاني:الحج   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 4266


ــ[26]ــ

   [ 3150 ] مسألة 9 : لا يجوز استئجار المعذور في ترك بعض الأعمال ، بل لو تبرّع المعذور يشكل الاكتفاء به (1) .

   [ 3151 ] مسألة 10 : إذا مات النائب قبل الإتيان بالمناسك فإن كان قبل الإحرام لم يجزئ عن المنوب عنه ، لما مرّ من كون الأصل عدم فراغ ذمّته إلاّ بالإتيان بعد حمل الأخبار الدالّة على ضمان الأجير على ما أشرنا إليه، وإن مات بعد الإحرام ودخول الحرم أجزأ عنه(2)،

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

   (1) قد ذكرنا في باب قضاء الصلاة (1) عدم جواز استنابة المعذور ، بل ذكرنا عدم جواز الاكتفاء بتبرّعه ، وذلك لأنّ الذي يجب على المكلف أوّلاً إنما هو العمل التام الواجد لجميع الأجزاء والشرائط، ولا ينتقل الأمر إلى الفاقد إلاّ بعد العذر عن إتيان الواجد التام ، وهكذا الحال بالنسبة إلى النائب ، فإن الواجب على المكلف استنابة طبيعي النائب ولا يختص بشخص خاص ، فإذا تمكن المكلف من استنابة النائب القادر على إتيان الأعمال التامّة لا يجوز له استنابة العاجز المعذور الذي لا يتمكّن من إتيان العمل التام ، لعدم الدليل على جواز استنابة المعذور وجواز الاكتفاء بالناقص بعد فرض تمكنه من استنابة القادر .

   وبما قلنا يظهر أنّ التبرّع بالناقص لا يوجب فراغ ذمّة المتبرع له ، لأنّ الواجب عليه هو الحج الكامل التام .

   (2) موت النائب قبل الاتيان بالمناسك يتصور على أنحاء :

   الأوّل : ما إذا مات النائب بعد الإحرام وبعد دخول الحرم .

   الثاني : ما إذا مات بعد الإحرام وقبل الدخول في الحرم .

   الثالث : موته في الطريق بعد الخروج من بيته وبعد الشروع في السفر قبل الإحرام ، وأمّا الموت قبل الخروج من منزله فقد عرفت في المسألة السابقة ـ بما لا مزيد عليه ـ عدم الإجزاء جزماً خلافاً لصاحب الحدائق .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) في المسألة [ 1824 ] .

ــ[27]ــ

   أمّا الفرض الأوّل : فلا ريب في الإجزاء فيه ، لا لكون الحكم في الحاج عن نفسه كذلك ، لعدم التلازم والاشتراك في الحـكم بين النائب والمنوب عنه ، فإنّ الاشتراك بينهما إنّما هو في أفعال الحج وأعماله لا في اللوازم المترتبة على الحج ، إذ يمكن اختصاص كل منهما بحكم أجنبي عن الآخر ، فالتعدي من أحدهما إلى الآخر يحتاج إلى الدليل، بل إنّما نقول بالإجزاء في النائب أيضاً لأ نّه القدر المتيقّن من موثقة إسحاق ابن عمّار المتقدِّمة (1) .

   ولكن المصنف (قدس سره) ذكر أن الموثقة مطلقة من حيث الدخول في الحرم وعدمه ، وتقيد بمرسلة المقنعة «من خرج حاجاً فمات في الطريق فإنه إن كان مات في الحرم فقد سقطت عنه الحجّة» (2) الشاملة للحاج عن غيره أيضاً ، وضعفها سنداً بل ودلالة منجبر بالشهرة ، فالجمع بين موثقة إسحاق بن عمّار والمرسلة يقتضي الإجزاء عن المنوب عنه إذا مات النائب بعد الإحرام ودخول الحرم ، ولا تعارضها موثقة عمّار الدالّة على أن النائب إذا مات في الطريق يجب عليه الإيصاء (3) ، لأ نّها محمولة على ما إذا مات النائب قبل الإحرام ، أو على الاستحباب .

   ويرد عليه : أ نّه لا يمكن التقييد بالمرسلة ، لضعفها سنداً بالإرسال ، ودلالة لاختصاصها بالحاج عن نفسه بقرينة ذيلها لظهوره في الأصيل ، وأمّا ضعف الدلالة فلا ينجبر بالشهرة ولو قلنا بانجبار ضعف السند بها .

   فالأولى بل المتعيّن أن يقال: إنّ موثقة إسحاق وإن كانت مطلقة إلاّ أن القدر المتيقّن منها موت النائب بعد الإحرام ودخول الحرم ، فلا ينبغي الإشكال في الإجزاء في هذه الصورة .

   وأمّا الثاني : وهو ما إذا مات النائب بعد الإحرام وقبل دخول الحرم ، ففي الإجزاء

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) في ص 25 .

(2) الوسائل 11 : 69 / أبواب وجوب الحج ب 26 ح 4 ، المقنعة : 445 .

(3) الوسائل 11 : 186 / أبواب النيابة في الحج ب 15 ح 5 .

ــ[28]ــ

قولان ، والظاهر هو الإجزاء ، لصدق عنوان أنه مات في الطريق قبل أن يقضي مناسكه الذي ذكر في الموثق ، ولا معارض له سوى موثقة عمّار الساباطي «في رجل حج عن آخر ومات في الطريق ، قال : وقد وقع أجره على الله ، ولكن يوصي فإن قدر على رجل يركب في رحله ويأكل زاده فعل» (1) ، فإن المستفاد منها عدم الإجزاء عن المنوب عنه إذا مات النائب في الطريق وأن عليه أن يوصي أن يحج رجل آخر ، ولكن لا بدّ من حملها على الموت قبل الإحرام ، بيان ذلك :

   أنّ المستفاد من موثقة إسحاق هو الإجزاء إذا شرع في الأعمال ولو بالإحرام ، فإنّ قوله : «قبل أن يقضي مناسكه» معناه قبل الانتهاء من مناسكه وأعماله ، فإنّ القضاء هنا بمعنى الإتمام والانتهاء ، ومنه إطلاق القاضي على من يحكم بين المتخاصمين لانهائه النزاع بينهما ، ولا يصدق هذا المعنى إلاّ بعد الشروع في الأعمال ولا أقل في الإحرام .

   والحاصل: هذه الجملة «إن مات في الطريق أو بمكّة قبل أن يقضي مناسكه» ظاهرة في الإجزاء إذا مات في الطريق قبل الانتهاء من أعماله ولو بالشروع في الإحرام وعدم إتمامه ، كما أنها ظاهرة فيه إذا دخل مكّة ولم يتم مناسكه ، هذا بناء على رجوع القيد أعني «قبل أن يقضي مناسكه» إلى الأمرين أي الموت في الطريق والدخول إلى مكّة ، وأمّا إذا مات قبل الإحرام فلا يصدق عليه أنه مات قبل انتهاء عمله ، إذ لم يشرع في عمل حتى ينهيه ، هذا ما يستفاد من موثق إسحاق .

   وأمّا موثق عمّار الساباطي الدال على عدم الإجزاء إذا مات في الطريق فمطلق من حيث الإحرام وعدمه ، فتكون النسبة بينه وبين موثق إسحاق نسبة العموم والخصوص ، ومقتضى الجمع بينهما هو الإجزاء بعد الإحرام وعدمه قبله ، فيكون الحكم في النائب أوسع منه في الحاج عن نفسه ، لأنّ الحاج عن نفسه إذا مات إنما يجزئ حجّه إذا مات بعد الإحرام وبعد دخول الحرم ، ولكن النائب يجزئ إذا مات

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 11 : 186 / أبواب النيابة في الحج ب 15 ح 5 .

ــ[29]ــ

بعد الإحرام وإن لم يدخل الحرم ، لما عرفت أن الميزان في الإجزاء في مورد النائب بمجرد الشروع في العمل ولو بالإحرام وإن لم يتمه ، فتختص موثقة عمّار الدالّة على عدم الإجزاء بالموت قبل الإحرام .

   هذا كلّه بناء على رجوع القيد وهو قوله : «قبل أن يقضي مناسكه» إلى الأمرين وهما الموت في الطريق والدخول في مكّة كما هو الظاهر ، نظير ما إذا قيل : (جئني بزيد أو عمرو يوم الجمعة) ، فإن القيد يرجع إليهما معاً ، وأمّا لو قلنا بعدم ظهور رجوع القيد إلى الأمرين فتكون الرواية بالنسبة إلى الموت في الطريق مجملة ، لاحتمال اختصاص رجوع القيد إلى الأخير وهو الدخول إلى مكّة ، فحينئذ لا بدّ من الاقتصار على المتيقن وهو الإجزاء بعد الإحرام ودخول الحرم فلا ظهور للموثقة في الإجزاء قبل الإحرام .

   وبالجملة : لا يظهر من الموثقة الإجزاء قبل الإحرام سواء قلنا بأنها ظاهرة في الإجزاء بعد الإحرام كما هو الظاهر ، أو قلنا بأن القدر المتيقن منها هو الإجزاء بعد الإحرام وبعد دخول الحرم .

   وممّا بينا ظهر حال الصورة الثالثة وهي ما إذا مات في الطريق بعد الخروج من بيته وبعد الشروع في السفر وقبل الإحرام .

   فتلخص من جميع ما تقدّم أن صور المسألة أربع :

   الاُولى : ما إذا مات النائب في بيته ومنزله قبل أن يشرع في السفر ، ولا إشكال في عدم الإجزاء بذلك ، لما عرفت من أن مجرد الاستنابة والايجار لا يكفي في تفريغ ذمّة الميت ، بل لا بدّ من إتيـان العمـل خارجاً خـلافاً لصاحب الحدائق(1) (رحمه الله) مستشهداً بعدّة من الروايات التي تقدّمت وذكرنا ضعفها سنداً ودلالة .

   الثانية : ما إذا مات بعد الإحرام ودخول الحرم .

   الثالثة : إذا مات بعد الإحرام وقبل الدخول في الحرم .

   الرابعة : إذا مات بعد الخروج من منزلة وبعد الشروع في السفر وقبل الإحرام .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الحدائق 14 : 257 .

ــ[30]ــ

لا لكون الحكم كذلك في الحاج عن نفسه لاختصاص ما دلّ عليه به ، وكون فعل النائب فعل المنوب عنه لا يقتضي الإلحاق ، بل لموثقة إسحاق بن عمّار المؤيدة بمرسلتي الحسين بن عثمان والحسين بن يحيى الدالّة على أن النائب إذا مات في الطريق أجزأ عن المنوب عنه المقيّدة بمرسلة المقنعة «من خرج حاجاً فمات في الطريق فإنه إن كان مات في الحرم فقد سقطت عنه الحجة» الشاملة للحاج عن غيره أيضاً ، ولا تعارضها موثقة عمّار الدالّة على أن النائب إذا مات في الطريق عليه أن يوصي ، لأ نّها محمولة على ما إذا مات قبل الإحرام أو على الاستحباب . مضافاً إلى الاجماع على عدم كفاية مطلق الموت في الطريق ، وضعفها سنداً بل ودلالة منجبر بالشهرة والإجماعات المنقولة فلا ينبغي الإشكال في الإجزاء في الصورة المزبورة .

   وأمّا إذا مات بعد الإحرام وقبل دخول الحرم ففي الإجزاء قولان ، ولا يبعد الإجزاء وإن لم نقل به في الحاج عن نفسه ، لإطلاق الأخبار في المقام والقدر المتيقن من التقييد هو اعتبار كونه بعد الإحـرام ، لكن الأقوى عدمه ((1)) ، فحاله حال الحاج عن نفسه في اعتبار الأمرين في الإجـزاء ، والظاهر عدم الفرق بين حجّة الإسلام وغيرها من أقسام الحج ، وكون النيابة بالاُجرة أو بالتبرّع .

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

   ولا يخفى أنّ مقتضى القاعدة هو عدم الإجزاء في جميع الصور ، لعدم صدور العمل المستأجر عليه من الأجير، ويدلّ عليه مضافاً إلى ذلك موثق عمّار الساباطي المتقدّم(2) ، للأمر فيه بالإيصاء إذا حصلت أمارة الموت للنائب في أثناء الطريق ، وأمّا بحسب الروايات فلا ريب في الإجـزاء إذا مات بعد الإحرام ودخول الحـرم كما هو المستفاد من موثقة إسحاق بن عمّار ، وقد عرفت أن هذه الصورة هي القدر المتيقن من النص ، كما أن الظاهر منه هو الإجزاء إذا مات بعد الإحرام وقبل الدخول في الحرم

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) بل الأقوى هو الإجزاء .

(2) في ص 28 .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net