هل تشمل أدلّة العدول إلى الإفراد مورد الإجارة ؟ - حكم التبرع بالحج عن الميت والحي 

الكتاب : المعتمد في شرح العروة الوثقى-الجزء الثاني:الحج   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 4427


   وهل تشمل أدلّة التبديل إلى حج الإفراد والعدول المقام أم لا ؟ ذكر الماتن (قدس سره) أن فيه وجهين .

   ولا يخفى أن أدلّة جواز العدول إلى الإفراد كثيرة (1) خصوصاً في مورد النساء لما يعرضهن من الحيض ، وجملة منها وردت في الرجال لضيق الوقت عن أداء التمتّع وبعضها وردت في الرجل والمرأة معاً في مورد الضيق ، ولا ريب أن جملة منها منصرفة إلى الحاج عن نفسه وناظرة إليه ، ولكن جملة منها مطلقة تشمل الحاج عن نفسه وعن غيره وغير منصرفة إلى الحج النفسي ، فدعوى الانصراف في مجموع الروايات لا نعرف لها وجهاً ، فإن الانصراف المانع عن الأخذ بالاطلاق ما إذا بلغ إلى حد يكون قرينة متصلة وموجباً لظهور المطلق في قسم خاص أو يكون صالحاً للقرينيّة وموجباً للاجمال ، وأمّا في غير ذلك فيؤخذ بالاطلاق ويكون ظهوره متبعاً ويكون الانصراف بدوياً ، وبالجملة : مجرد كون قسم خاص متيقناً من الاطلاق لا يوجب الانصراف إليه ولا يوجب اختصاص المطلق به .

   ثم إنّه على تقدير جواز العدول لا ينبغي الريب في الإجزاء ، فإنّه بعد البناء على شمول الروايات للحج النيابي وعدم انصرافها إلى الحج عن نفسه يتعين الإجزاء ، لأنّ ما أتى به النائب بدل عما في ذمّة المنوب عنه بحكم الشارع ، فما ذكره الماتن (قدس سره) من أن الأقوى عدم الجواز لأنه غير ما على الميت لا يمكن المساعدة عليه بوجه .

   وأمّا الاُجرة فالكلام فيها ما تقدّم بعينه فيما إذا مات الأجير بعد الإحرام والحرم

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) راجع الوسائل 11 : 296 / أبواب أقسام الحج ب 21 .

ــ[76]ــ

   [ 3166 ] مسألة 25 : يجوز التبرّع عن الميت في الحج الواجب ـ أيّ واجب كان ـ  والمندوب(1)،

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

وأ نّه تفرغ ذمّة المنوب عنه فيما إذا كان الايجار على تفريغ الذمّة ، فحينئذ يستحق الأجير تمام الاُجرة ، وأمّا إذا كانت الاجارة على نفس الأعمال الخارجية فلا بدّ من تقسيط الاُجرة بالنسبة إلى الأعمال ، وتبديل الوظيفة غير ملازم لجعل الاُجرة بإزائه فإن الروايات الدالّة على جواز العدول ناظرة إلى تعيين الوظيفة وتبديلها وليست ناظرة إلى الاُجرة .

   (1) يقع الكلام تارة في التبرّع عن الميت واُخرى عن الحي .

   أمّا الأوّل : فلا  ريب في جواز التبرّع عنه في الحج الواجب والمندوب وتبرأ ذمّة الميت بذلك ، وتدل عليه عدّة من الروايات ، منها : معتبرة عامر بن عميرة ، قال «قلت لأبي عبدالله (عليه السلام) : بلغني عنك أنك قلت : لو أن رجلاً مات ولم يحج حجة الإسلام فحج عنه بعض أهله أجزأ ذلك عنه ، فقال : نعم ، أشهد بها على أبي أنه حدثني أن رسول الله (صلّى الله عليه وآله سلّم) أتاه رجل فقال : يا رسول الله إن أبي مات ولم يحج ، فقال له رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) حج عنه فإن ذلك يجزئ عنه» (1) وإنما تدل على ما ذكرنا بعد الفراغ عن عدم الفرق بين الأهل وغيره في التبرع عنه حسب الارتكاز في أذهان العرف . نعم ، لو كان مورد الرواية خصوص حج الولد عن والده مثلاً لاحتملنا الاختصاص ، ولكن المذكور في النص بعض الأهل ولا نحتمل الاختصاص به ، فالرواية من حيث الدلالة لا نقاش فيها .

   إنّما الكلام في السند ، فإنّ الشيخ في التهذيب رواها عن عمّار بن عمير(2) ، والظاهر أنه سهو من قلمه الشريف ، لعدم وجود هذا الاسم في الرواة ، فإنّ الشيخ بنفسه لم يذكره في رجاله مع حرصه (رحمه الله) على استقصاء الرواة وأصحاب الأئمة (عليهم

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 11 : 77 / أبواب وجوب الحج ب 31 ح 2 .

(2) التهذيب 5 : 404 / 1407 .

ــ[77]ــ

السلام) حتى عدّ المنصور العباسي من جملة أصحاب الصادق (عليه السلام) ، ولو كان من جملة الأصحاب والرواة لذكره في رجاله ، وأمّا الكليني فذكر «عامر» ولا ريب أنه أضبط ، بل الشيخ ذكر في رجاله عامر بن عمير (1) ، وذكر البرقي عامر بن عميرة كما في الكافي (2) ، والظاهر اتحادهما وإلاّ لذكره الشيخ في رجاله ، فاختصاص كل واحد منهما بذكر أحدهما يكشف عن اتحادهما . وكيف كان ، الرجل ثقة لأنه من رجال كامل الزيارات .

   ويؤكّد الرواية المذكورة الروايات الكثيرة الدالّة على الإحجاج بالاُجرة فإنها تدل على جواز التبرع أيضاً ، لأنّ احتمال دخل صرف المال في الصحّة بعيد جدّا .

   وبإزاء ذلك رواية معتبرة تدل على أن الحج عن الميت إنما يجزئ إذا صرف من مال الميت وإلاّ فلا يجزئ ، وهي موثقة سماعة : «عن الرجل يموت ولم يحج حجة الإسلام ولم يوص بها وهو موسر ، فقال : يحج عنه من صلب ماله ، لا يجوز غير ذلك» (3) .

   ولكنّها محمولة على عدم جواز التـصرّف في تركة الميت قبل أداء الحج من ماله ولا تدل على عدم جواز الحج عنه من مال آخر ، وذلك بشهادة صحيحة حكم بن حكيم : «إنسان هلك ولم يحج ولم يوص بالحج فأحج عنه بعض أهله رجلاً أو امرأة هل يجزئ ذلك ويكون قضاءً عنه ويكون الحج لمن حج ويؤجر من أحج عنه ؟ فقال : إن كان الحاج غير صرورة أجزأ عنهما جميعاً واُجر الذي أحجّه» (4) فإنها واضحة الدلالة على أن الميت له مال ، لقوله : «ولم يحج ولم يوص بالحج» إذ يعلم من ذلك أن الميت له مال ولكن لم يوص بالحج ، ولو لم يكن له مال لا أثر للوصيّة وعدمها ، فمورد الرواية الميت الذي له مال ولم يحج من ماله وأحج عنه بعض أهله فحكم (عليه السلام) بالإجزاء ولم يوجب صرف المال من تركته ، فيعلم أن الحكم

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) رجال الطوسي : 256 / 3608 .

(2) الكافي 4 : 277 .

(3) الوسائل 11 : 72 / أبواب وجوب الحج ب 28 ح 4 .

(4) الوسائل 11 : 73 / أبواب وجوب الحج ب 28 ح 8 .

ــ[78]ــ

بل يجوز التبرّع عنه بالمندوب وإن كانت ذمّته مشغولة بالواجب(1) ولو قبل الاستئجار عنه للواجب ، وكذا يجوز الاستئجار عنه في المندوب كذلك، وأمّا الحي فلا يجوز التبرّع عنه في الواجب إلاّ إذا كان معذوراً في المباشرة لمرض أو هرم ((1)) فإنّه يجوز التبرّع عنه ويسقط عنه وجوب الاستنابة على الأقوى كما مرّ ((2)) سابقاً

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

بعدم الجواز في تلك الرواية إنما هو للتصرف في التركة قبل أداء الحج .

   وبعبارة اُخرى : الحكم بعدم الجواز ناظر إلى جهة المال وأنه لا يجوز التصرّف بهذا المال إلاّ في سبيل الحج عن الميت ، وليس النظر إلى أنه لا يجوز الحج بغير مال الميت ولو على نحو التبرّع كما هو محل الكلام .

   فلا ينبغي الريب في جواز التبرّع عن الميت وهذا الحكم ممّا لا خلاف فيه ، مضافاً إلى السيرة المستمرّة الجارية بين المسلمين .

   أمّا الثاني : وهو الحج عن الحي ، فإن كان الحج واجباً عليه فلا يسقط بفعل الغير لعدم سقوط الواجب عن المكلف بإتيان الغير ، نعم ورد في الحي العاجز عن المباشرة إتيان الحج عنه ، وقد ذكرنا تفصيل ذلك في محلّه(3) وذكرنا أن الظاهر من الأدلّة وجوب الاستنابة ، بأن يجهز رجلاً صرورة لا مال له ويبعثه إلى الحج ، فلا يكتفي بالتبرّع ، هذا في الحج الواجب ، وأمّا المندوب فالظاهر جواز النيابة والتبرّع فيه للنصوص ، وقد عقد في الوسائل الباب 25 من أبواب النيابة لاسـتحباب التطوّع بالحج والعمرة عن المؤمنين أحياءً وأمواتا (4) .

   (1) ربّما يشكل ذلك بدعوى أنه مأمور بالواجب وهو متمكن منه على الفرض فكيف يصحّ الحج المندوب عنه .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) أو غير ذلك من الأعذار .

(2) مرّ عدم السقوط .

(3) في شرح العروة 26 : 194 ذيل المسألة [ 3069 ] .

(4) الوسائل 11 : 169 / أبواب النيابة في الحج ب 25 .

ــ[79]ــ

وأمّا الحج المندوب فيجوز التبرّع عنه كما يجوز له أن يستأجر له حتى إذا كان عليه حج واجب لا يتمكّن من أدائه فعلاً ، وأمّا إن تمكّن منه فالاستئجار للمندوب قبل أدائه مشكل ، بل التبرّع عنه حينئذ أيضاً لا يخلو عن إشكال في الحج الواجب ((1)) (1) .
ـــــــــــــــــــــــ

   ويدفع أوّلاً بأ نّه لا مانع من إتيان الحج المندوب مع اشتغال ذمّته بالحج الواجب على نحو الترتّب .

   وثانياً : أ نّه لم يدل دليل على أن كل مورد لا تصح فيه المباشرة لا تصح فيه النيابة والتسبيب ، ولذا تصح النيابة عن الحائض مع أنها غير قادرة على المباشرة ، كما تصح النيابة عن الميت مع أنه لا تعقل المباشرة فيه . وبالجملة : مقتضى إطلاق النصوص جواز التبرّع سواء كان المنوب عنه مكلّفاً أم لا، وسواء كان قادراً على المباشرة أم لا.

   (1) هذه الجملة أي قوله : «في الحج الواجب» موضعها في المسالة الآتية بعد قوله : «في عام واحد» ، لأنّ الكلام هنا في الحج المندوب ولا تلتئم هذه العبارة مع ما قبلها كما أن قوله : «والأقوى فيه الصحّة» في المسألة اللاحقة موقعه هنا والعبارة هكذا «بل التبرّع عنه حينئذ أيضاً لا يخلو عن إشكال وإن كان الأقوى فيه الصحّة» وفي المسألة اللاّحقة تكون العبارة هكذا «لا يجوز أن ينوب واحد عن اثنين أو أزيد في عام واحد في الحج الواجب» ، ولعل الناسخ اشتبه وأثبت كلاًّ منهما في غير موقعه ، والله العالم .
ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) هذه الجملة موضعها في المسألة الآتية بعد قوله (في عام واحد) ، وأمّا قوله (وإن كان الأقوى الصحّة) فموقعه هنا .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net