الأقوال في مقدار الفصل بين العمرتين 

الكتاب : المعتمد في شرح العروة الوثقى-الجزء الثاني:الحج   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 4081


ــ[138]ــ

وما عدا ما ذكر مندوب ، ويستحب تكرارها كالحج ، واختلفوا في مقدار الفصل بين العمرتين ، فقيل : يعتبر شهر ، وقيل : عشرة أيّام ((1)) ، والأقوى عدم اعتبار فصل فيجوز إتيانها كل يوم ، وتفصيل المطلب موكول إلى محلّه (1) .

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

حرجي في بعض الموارد لا في كل مورد ، فلو فرضنا أن المتكرر شاب قوي فلا حرج عليه ، وإنما يستلزم الحرج فيما إذا كان شيخاً كبيراً أو كان ضعيفاً أو كان الجو لا يساعده لشدّة الحر أو البرد ونحو ذلك من العوارض ، وإذن فالحكم يختلف باختلاف الموارد .

   وبالجملة : إذا كان الدليل للدخول حلالاً منحصراً بصحيح رفاعة فالتعدي من مورده لا وجه له لعدم القرينة على ذلك ، نعم الجصاص أو الحشاش أو نحوهما ممن ينقل الحوائج إلى البلد داخل في عنوان المجتلبة ، والميزان صدق هذا العنوان ولا يعتبر تكرر دخوله في شهر واحد ، بل لو أتى بحوائج البلد في كل شهرين يشمله النص لصدق عنوان المجتلبة عليه .

   ثمّ إن المصنف لم يتعرض لاستثناء من أتى بعمرة وخرج ثمّ رجع قبل انقضاء الشهر فإنه لا يجب عليه الاتيان بالعمرة ويجوز له الدخول بلا عمرة ، ونتعرض لذلك فيما بعد إن شاء الله تعالى .

 (1) قد اختلف الفقهاء في مقدار الفصل بين العمرتين ، فالمشهور أن الفصل بينهما بشهر واحد . وعن جماعة أنه عشرة أيّام ، واختار جماعة عدم اعتبـار الفصل بينهما فيجوز إتيانها في كل يوم منهم المصنف وصاحب الجواهر(2) ، ونسب إلى العماني اعتبار الفصل بسنة بين العمرتين(3) . ومنشأ الاختلاف اختلاف الروايات فإنّها على طوائف :

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الظاهر هو اختصاص كل شهر بعمرة فلا تصح عمرتان مفردتان عن شخص واحد في شهر هلالي ، نعم لا بأس بالاتيان بغير العمرة الاُولى رجاء .

(2) الجواهر 20 : 462 .

(3) مختلف الشيعة4 : 368 .

ــ[139]ــ

   منها : ما دلّ على اعتبار الفصل بعشرة أيّام كرواية الكليني والشيخ عن علي بن أبي حمزة عن أبي الحسن (عليه السلام) في حديث قال (عليه السلام) : «ولكل شهر عمرة ، فقلت : يكون أقل ؟ فقال : في كل عشرة أيّام عمرة» (1) والرواية ضعيفة بعلي ابن أبي حمزة وهو البطائني المشهور بالكذب .

   وروى الصدوق بسند آخر عن علي بن أبي حمزة عن أبي الحسن موسى (عليه السلام) «قال : لكل شهر عمرة ، قال وقلت له : يكون أقل من ذلك ؟ قال : لكل عشرة أيّام عمرة» (2) وهي كالاُولى ضعيفة بالبطائني .

   وربّما يحتمل اعتبار رواية الصدوق لأنّ علي بن أبي حمزة الذي روى عنه الصدوق هو الثمالي الموثق ، لأنه (قدس سره) يروي عنه في كتابه ، ولكن يبعده أن الثمالي لا رواية له في باب الأحكام . على أن الصدوق ذكر في مشيخة الفقيه أن ما رويته عن علي بن أبي حمزة فقد رويته عن محمّد بن علي ماجيلويه عن محمّد بن يحيى العطّار عن محمّد بن الحسين بن أبي الخطاب عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر البزنطي عن علي بن أبي حمزة (3) ، ولا يمكن رواية البزنطي عن الثمالي لأنّ الثمالي من أصحاب الباقر (عليه السلام) والبزنطي من أصحاب الرضا والجواد (عليهما السلام). هذا مضافاً إلى ضعف طريق الصدوق إلى علي بن أبي حمزة لأنه (قدس سره) يروي ذلك عن شيخه ابن ماجيلويه وهو ممّن لم يوثق ، وقد ذكرنا غير مرّة أنّ مجرّد كون الشخص من مشايخ الصدوق لا يوجب الوثاقة فإنّ بعض مشايخه من الضعفاء .

   وأمّا ما رواه في الجواهر(4) وعبر عنه بالموثق «السنة اثنا عشر شهراً يعتمر لكل شهر عمرة ، قال : فقلت : أيكون أقل من ذلك ؟ قال : لكل عشرة أيّام عمرة» فلا

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 14 : 308 / أبواب العمرة ب 6 ح 3 ، التهذيب 5 : 434 / 1508، الكافي 4 : 534 / 3 .

(2) الفقيه 2 : 239 / 1141 .

(3) الفقيه (المشيخة) 4 : 87 .

(4) الجواهر 20 : 463 .

ــ[140]ــ

وجود له وإنما هو ضم رواية إلى رواية اُخرى ، فإن الصدر من موثقة إسحاق بن عمّار(1) والذيل من خبر علي بن أبي حمزة المتقدّم ، فما صدر منه (قدس سره) اشتباه من قلمه الشريف فلا دليل على اعتبار الفصل بعشرة أيّام .

   ومنها : ما دلّ على الفصل بسنة كما في صحيح الحلبي وحريز وزرارة ، ففي الأوّل قال (عليه السلام) : «العمرة في كلّ سنة مرّة»(2) وفي غيره «لا تكون عمرتان في سنة» (3) .

   ولكن لا يمكن الالتزام بمضمونها فإنه مقطوع البطلان ، للسيرة القطعية والروايات المتضافرة بل المتواترة الدالّة على استحباب العمرة في كل شهر ، فلا بدّ من طرح الروايات الثلاث أو حملها على عمرة التمتّع فإنها في كل سنة مرّة كما حملها الشيخ على ذلك(4) ولا بأس به .

   ومنها : ما دلّ على الفصل بشهر واحد ، وقد دلّت عليه الروايات الكثيرة (5) ، وقد حمل بعضهم الروايات المتقدّمة المختلفة على اختلاف مراتب الفضل ، ومن ثمّ اختار صاحب الجواهر عدم اعتبار الفصل بين العمرتين وجواز الاتيان بها في كل يوم(6) ولكن قد عرفت أن الأقوى بحسب المستند هو اعتبار الفصل بشهر واحد .

   ثمّ إن المراد بالشهر هو ما بين الهلالين ، أي من أوّل رؤية الهلال السابق إلى رؤية الهلال الثاني إلاّ إذا قامت قرينة على أن المراد به مقدار ثلاثين يوماً ، كما في عدّة الوفاة والطّلاق ونحوهما مما يكفي فيه التلفيق ويلزم فيه مضي مقدار الشهر .

   ويدل على كون المراد بالشهر في المقام ما ذكرناه موثق إسحاق : «السنة اثنا عشر

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 14 : 309 / أبواب العمرة ب 6 ح 9 .

(2) الوسائل 14 : 309 /  أبواب العمرة  ب 6 ح 6 .

(3) الوسائل 14 : 309 / أبواب العمرة ب 6 ح 7 .

(4) التهذيب 5 : 435 / 1512 .

(5) الوسائل 14 : 309 / أبواب العمرة ب 6 .

(6) الجواهر 20 : 466 .

 
 

ــ[141]ــ

شهراً يعتمر لكل شهر عمرة» (1) فإن المراد بذلك اثنا عشر شهراً هلالياً ، فإذا قيل بعد ذلك : «لكل شهر عمرة» معناه أن العمرة تقع في كل شهر هلالي وأن كل شهر هلالي قابل لوقوع العمرة فيه وليس معناه اعتبار الفصل بثلاثين يوما . وعلى ما ذكرنا يجوز الاتيان بالعمرة في آخر شهر وبعمرة اُخرى في أوّل الشهر الذي يليه وإن كان الفصل بيوم واحد .

   ويؤكد ذلك بأمرين :

   أحدهما : ما في صحيح حماد الدال على عدم جواز الخروج من مكّة قبل الإحرام بالحج : «قلت : فإن جهل فخرج إلى المدينة أو إلى نحوها بغير إحرام ثمّ رجع في أبان الحج في أشهر الحج يريد الحج فيدخلها محرماً أو بغير إحرام ؟ قال : إن رجع في شهره دخل بغير إحرام ، وإن دخل في غير الشهر دخل محرماً» (2) فإنه من الظاهر أن المراد بالشهر فيه هو الشهر الهلالي لا مضي ثلاثين يوماً .

   ثانيهما : ما في صحيح بريد الوارد في من أفسد عمرته ، قال : «وعليه أن يقيم إلى الشهر الآخر فيخرج إلى بعض المواقيت فيحرم بعمرة» (3) فإن المراد بالشهر الآخر هو الذي يحل برؤية الهلال لا مضي ثلاثين يوماً .

   وبالجملة : المستفاد من النصوص أن كل شهر له عمرة وأمّا الفصل بمقدار الشهر أي مضي ثلاثين يوماً فلم يقدر في النصوص ، فإذا اعتمر في آخر يوم من شهر رجب له أن يعتمر في أوّل يوم من شهر شعبان ، وأمّا إذا اعتمر في أوّل يوم من رجب فليس له أن يعتمر في آخر يوم من رجب ، نعم لا بأس بالإتيان بها متكرراً في شهر واحد رجاءً وباحتمال المطلوبيّة الواقعيّة .

   ثمّ إنّ المستفاد من النصوص إنّما هو عدم مشروعية إتيان العمرتين لشخص واحد

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 14 : 309 / أبواب العمرة ب 6 ح 8 .

(2) الوسائل 11 : 303 / أبواب أقسام الحج ب 22 ح 6 .

(3) الوسائل 13 : 128 / أبواب كفارات الاستمتاع ب 12 ح 1 .

ــ[142]ــ

في الشهر ، فإنّ الحكم بعدم جواز الاتيان بها متكرراً في شهر واحد ينحل بالنسبة إلى كل مكلف لا بالنسبة إلى جميع النّاس . وبتعبير آخر : أنّ كل شخص مكلّف بعمرة واحدة في الشهر ونتيجة ذلك جواز الاتيان بعمرة اُخرى لشخص آخر ، كما لا مانع من الاتيان بعمرتين لشخصين أو أزيد .

   والحاصل : أن الممنوع هو إتيان العمرتين عن نفسه أو عن شخص واحد ، وأمّا إذا كانت إحدى العمرتين عن نفسه والاُخرى عن غيره أو كانت كلتاهما عن شخصين فلا مانع من ذلك ، ولذا لا مانع من جواز النيابة عن اثنين أو أكثر في يوم واحد .

   بل الظاهر عدم اعتبار الفصل بين العمرة المفردة وعمرة التمتّع ، فمن اعتمر عمرة مفردة جاز له الاتيان بعمرة التمتّع بعدها ولو كانت في نفس الشهر ، وكذا يجوز له الاتيان بالعمرة المفردة بعد الفراغ من أعمال الحج ، فإن الروايات المانعة عن إتيان العمرتين ناظرة إلى تكرار العمرة المفردة في شهر واحد ، فإن قوله (عليه السلام) : «يعتمر لكل شهر عمرة» في موثق إسحاق المتقدّم(1) منصرف إلى العمرة المفردة ولا يشمل عمرة التمتّع ، لأنّ عمرة التمتّع لا يجوز الاتيان بها إلاّ في أشهر الحج ولا تشرع إلاّ مرّة واحدة في السنة ، نعم لا يجوز الاتيان بالعمرة المفردة بين عمرة التمتّع والحج وتفصيل الكلام موكول إلى محلّه .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) في ص 141 .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net