تأخير الإحرام من مسجد الشجرة إلى الجحفة - عدول أهل المدينة إلى ميقات آخر 

الكتاب : المعتمد في شرح العروة الوثقى-الجزء الثاني:الحج   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 4299


ــ[264]ــ

   [ 3213 ] مسألة 1 : الأقوى عدم جواز التأخير إلى الجُحفة ـ  وهي ميقات أهل الشام  ـ اختياراً ، نعم يجوز مع الضرورة لمرض أو ضعف أو غيرهما من الموانع ، لكن خصها بعضهم بخصوص المرض والضعف ، لوجودهما في الأخبار فلا يلحق بهما غيرهما من الضرورات ، والظاهر إرادة المثال ، فالأقوى جوازه مع مطلق الضرورة ((1)) (1) .

  ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

وكثرة الأيّام ـ يعني الإحرام من الشجرة ـ  وأرادوا أن يأخذوا منها إلى ذات عرق فيحرموا منها ، فقال : لا ، وهو مغضب من دخل المدينة فليس له أن يحرم إلاّ من المدينة» (2) فإنها أيضاً تدل على عدم اختصاص الميقات بأهل المدينة بل يشمل كل من دخل المدينة ، والرواية معتبرة ، فإن إبراهيم ثقة وإن كان واقفياً ، وأمّا جعفر بن محمّد بن حكيم فإنه وإن لم يوثق في كتب الرجال ولكنه من رجال كامل الزيارات .

   ومنها : صحيح الحلبي «عن رجل نسي أن يحرم حتى دخل الحرم ، قال قال أبي : يخرج إلى ميقات أهل أرضه ، فإن خشي أن يفوته الحج أحرم من مكانه ، فإن استطاع أن يخرج من الحرم فليخرج ثمّ ليحرم» (3) فإنه يدل على أن من ترك الإحرام نسياناً وجب عليه العود إلى الميقات والإحرام منه ، ويستفاد منه أن الذاكر لا يجوز له المرور والتجاوز عن الميقات إلاّ محرماً . وغير ذلك من الروايات .

   (1) الظاهر أنه لا خلاف بينهم في جواز تأخير الإحرام من مسجد الشجرة إلى الجحفة للمريض والضعيف ، بل يجوز العدول من ميقات إلى ميقات آخر رعاية لضعفه ومرضه كما سيتضح ذلك إن شاء الله تعالى .

   إنّما الكلام في المختار وأنه هل يجوز له العدول من مسجد الشجرة إلى الجحفة من دون عذر ومرض أم لا ؟ المشهور والمعروف عدم جواز التأخير إلى الجحفة اختياراً

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) التعدي إلى غير موارد الضرر أو الحرج محل إشكال ، بل منع .

(2) الوسائل 11 : 318 / أبواب المواقيت ب 8 ح 1 .

(3) الوسائل 11 : 328 / أبواب المواقيت ب 14 ح 1 .

ــ[265]ــ

ونسب إلى بعض القدماء جواز التأخير اختياراً كما عن الجعفي (1) وابن حمزة في الوسيلة (2) .

   والصحيح ما ذهب إليه المشهور ، وتدل عليه طائفتان من الروايات :

   الاُولى : الروايات العامّة المتقدّمة الدالّة على التوقيت وأنه (صلّى الله عليه وآله) وقّت مواقيت معيّنة لا ينبغي لأحد أن يعدل عنها إلى غيرها ، والناهية عن التجاوز عنها إلاّ وهو محرم ، ففي صحيحة معاوية بن عمّار «من تمام الحج والعمرة أن تحرم من المواقيت التي وقّتها رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ، لا تجاوزها إلاّ وأنت محرم» ونحوها صحيحة علي بن جعفر (3) .

   الثانية : الروايات الخاصّة :

   منها : معتبرة أبي بكر الحضرمي ، قال «قال أبو عبدالله (عليه السلام) : إني خرجت بأهلي ماشياً فلم أهل حتى أتيت الجحفة وقد كنت شاكياً ، فجعل أهل المدينة يُسألون عنّي فيقولون : لقيناه وعليه ثيابه ، وهم لا يعلمون ، وقد رخص رسول الله (صلّى الله عليه وآله) لمن كان مريضاً أو ضعيفاً أن يحرم من الجحفة» (4) فإنها تدل على أن الترخيص مختص للمريض والضعيف ، وكذا ما في معتبرة أبي بصير الدالّة على أن الصادق (عليه السلام) أحرم من الجحفة ولم يحرم من الشجرة واعتذر (عليه السلام) بانه كان عليلاً (5) .

   وأمّا القائل بجواز الإحرام من الجحفة اختياراً فقد استدل بعدّة من الروايات :

 منها : صحيح علي بن جعفر «وأهل المدينة من ذي الحليفة والجحفة» (6) فإنه

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) نقل عنه في الدروس 1 : 493 .

(2) الوسيلة : 160 .

(3) الوسائل 11 : 307 / أبواب المواقيت ب 1 ح 2 ، 3 ، 9 .

(4) الوسائل 11 : 317 / أبواب المواقيت ب 6 ح 5 .

(5) الوسائل 11 : 317 / أبواب المواقيت ب 6 ح 4 .

(6) الوسائل 11 : 309 / أبواب المواقيت ب 1 ح 5 .

ــ[266]ــ

صريح في جواز الإحرام من الموضعين ، فأهل المدينة مخيرون بين الإحرام من ذي الحليفة والجحفة ، فتكون هذه الرواية قرينة على حمل الروايات الدالّة على الإحرام من ذي الحليفة على الأفضلية .

   والجواب : أن دلالته على التخيير بالاطلاق فيقيّد بالروايات الدالّة على اختصاص جواز الإحرام من الجحفة للمريض والضعيف .

   وبالجملة : يستفاد من الأدلّة أن أهل المدينة على قسمين المختار والمريض ، أمّا المختار فلا يجوز له الإحرام إلاّ من مسجد الشجرة ، وأمّا المريض فيجوز له الأمران .

   ومنها : صحيح معاوية بن عمّار «أنه سأل أبا عبدالله (عليه السلام) عن رجل من أهل المدينة أحرم من الجحفة ، فقال : لا بأس» (1) .

   والجواب : أن دلالته أيضاً بالأطلاق وترك الاستفصال فيقيّد بما دلّ على جواز الإحرام من الجحفة لخصوص العاجز . على أنه يمكن أن يكون الرجل المسؤول عنه مريضاً أو ضعيفاً أو لم يكن عازماً على الحج وخرج من المدينة لحاجة ثمّ بدا له الحج فأجاز له الإحرام من الجحفة وأنه لا يجب عليه الرجوع إلى ميقات بلده وهو ذو الحليفة.

   وبالجملة : لم يظهر من الرواية أن الرجل كان مختاراً أو كان عازماً على الحج من الأوّل .

   ومنها : صحيح الحلبي «من أين يحرم الرجل إذا جاوز الشجرة ؟ فقال: من الجحفة ولا يجاوز الجحفة إلاّ محرماً» (2) .

   وفيه : أن الصحيح يدل على حكم من تجاوز الشجرة ولا يدل على جواز تأخير الإحرام اختيارا .

   وهل يعم جواز التأخير إلى الجحفة سائر الأعذار كشدّة البرد أو الحر أو يختص بالمريض والضعيف كما في النص ؟ وجهان ، فعن جماعة منهم المصنف التعميم ، وعن

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 11 : 316 / أبواب المواقيت ب 6 ح 1 .

(2) الوسائل 11 : 316 / أبواب المواقيت ب 6 ح 3 .

ــ[267]ــ

آخرين الاختصاص بالمريض والضعيف .

   ولا يبعد التفصيل بين الضرر والحرج وبين غيرهما من الأعذار .

   ففي الأوّل يرتفع وجوب الإحرام من مسجد الشجرة لنفي الضرر والحرج من دون حاجة إلى دليل بالخصوص ، ولكن جوازه من الجحفة يحتاج إلى دليل آخر ، لأنّ نفي الضرر والحرج يرفع الحكم الثابت في موردهما ولا يثبت حكماً آخر ، فالمرجع حينئذ إطلاق ما دلّ على التخيير بين ذي الحليفة والجحفة كصحيح علي بن جعفر المتقدِّم(1) فإذا سقط وجوب أحد العدلين كما في المقام ـ على الفرض ـ يثبت العدل الآخر فيتعين عليه الإحرام من الجحفة .

   وبتعـبير آخر قد عرفت أنه لا مجال للعمـل بهذا الإطلاق بالنسبة إلى من كان متمكِّناً من الإحرام من ذي الحليفة ، لتقييده بما دلّ على جواز التأخير إلى الجحفة لخصوص المريض والضعيف ، وأمّا من لم يكن مكلّفاً بالإحرام من ذي الحليفة كما هو مفروض بحثنا فيتعيّن عليه الفرد الآخر من الواجب التخييري وهو الجحفة .

   وأمّا الثاني : وهو غير موارد الضرر والحرج كالحاجة الشخصية والحرج العرفي كالبرد والحر ونحو ذلك فيشكل الحكم بجواز التأخير إلى الجحفة ، لاختصاص دليل الجواز بالمريض والضعيف كما في معتبرة أبي بكر الحضرمي المتقدِّمة(2) ، وحملها على مجرّد المثال كما في المتن غير ظاهر ، بل صحيح إبراهيم بن عبدالحميد(3) يدل على عدم جواز الإحرام من غير مسجد الشجرة في الحرج العرفي كشدّة البرد ونحوها من الأعذار العرفية ، فالتعدي من مورد خبر أبي بكر الحضرمي إلى مطلق العذر والحرج وإن كان عرفياً مما لا وجه له ، ولا قرينة على إرادة المثال من المريض والضعيف ، بل القرينة على الخلاف موجودة وهي صحيحة إبراهيم المتقدِّمة .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) في ص 265 .

(2) في ص 265 .

(3) الوسائل 11 : 318 / أبواب المواقيت ب 8 ح 1 .

ــ[268]ــ

   [ 3214 ] مسألة 2 : يجوز لأهل المدينة ومن أتاها العدول إلى ميقات آخر كالجُحفة أو العقيق ، فعدم جواز التأخـير إلى الجحفة إنما هو إذا مشى من طريق ذي الحليفة ، بل الظاهر أ نّه لو أتى إلى ذي الحليفة ثمّ أراد الرجوع منه والمشي من طريق آخر جاز ، بل يجوز أن يعدل عنه ((1)) من غير رجوع فإن الذي لا يجوز هو التجاوز عن الميقات مُحلاً وإذا عدل إلى طريق آخر لا يكون مجاوزاً وإن كان ذلك وهو في ذي الحليفة ، وما في خبر إبراهيم بن عبدالحميد من المنع عن العدول إذا أتى المدينة مع ضعفه منزّل على الكراهة (1) .

  ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

   على أ نّه يمكن تقريب ما ذكرناه ببيان آخر وهو : أن معتبرة إبراهيم دلّت على عدم جواز العدول إلى غير مسجد الشجرة بالاطلاق ، وصحيح علي بن جعفر يدل على التخيير بين الإحرام من مسجد الشجرة والإحرام من الجحفة بالاطلاق أيضاً ، وقد رفعنا اليد عن إطلاقه بالنسبة إلى العليل والمريض وخصّصنا الجواز بهما، فتكون نسبة صحيح علي بن جعفر بعد تخصيصها برواية الحضرمي الدالّة على اختصاص الجواز بالمريض والضعيف إلى إطلاق صحيح إبراهيم بن عبدالحميد نسبة الخاص إلى العام فيختص صحيح إبراهيم بغير المريض والضعيف وتنقلب النسبة من التنـافي إلى العام والخاص فيختص الجواز بالمريض والضعيف .

   (1) لا ريب في جواز الخروج من المدينة إلى بلد آخر كالشام أو الطائف أو اليمن والإحرام من ميقات ذلك البلد ، ولا يجب عليه البقاء في المدينة ليحرم من ميقـاتها وما دلّ على أن ذا الحليفة ميقات لأهل المدينة منصرف إلى من يريد الحج من طريق المدينة ، وأمّا إذا أراد الحج من طريق آخر فلا يشمله وجوب الإحرام من ذي الحليفة بل يجب عليه الإحرام من ميقات البلد الذي أراد الحج منه .

   بل لو أتى مسجد الشجرة ثمّ بدا له السفر إلى مكان آخر وأراد الحج من هناك لا

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) هذا مشكل لصدق التجاوز عن الميقات وهو يريد مكّة ورواية ابن عبدالحميد لا بأس بها سندا .

ــ[269]ــ

مانع من الاجتياز عن ذي الحليفة بلا إحرام ، فإن الممنوع إنما هو التجاوز عن الميقات بلا إحرام لمن يريد الحج من ذي الحليفة ، وأمّا إذا أراد الحج من طريق آخر فلا إشكال في الاجتياز بلا إحرام .

   إنما الكلام فيما إذا أتى مسجد الشجرة ولم يرجع منه إلى الوراء ومن هنا أراد العدول إلى ميقات آخر كالجحفة ليحرم من هناك فهل يجوز له ذلك ، أو يتعين عليه الإحرام من هذا الميقات الذي وصل إليه ؟ اختار الجواز في المتن وقال (قدس سره) : «بل يجوز أن يعدل عنه من الميقات من غير رجوع» بدعوى عدم صدق التجاوز عن الميقات محلاً على ما إذا عدل إلى طريق آخر ، وما في خبر إبراهيم بن عبدالحميد من المنع عن العدول إذا أتى المدينة مع ضعفه سنداً منزل على الكراهة .

   ويردّه : أن التجاوز عن الميقات بلا إحرام صادق وإن عدل إلى طريق آخر ، غاية الأمر أنه تجاوز من الميقات بطريق غير مستقيم ، فإن الممنوع هو التجاوز عن الميقات بلا إحرام سواء كان بطريق مستقيم بأن يتجاوز عن الميقات ويتوجه إلى مكّة من دون عدول إلى طريق آخر ، أو بطريق غير مستقيم بأن يتجاوز عن الميقات ويذهب إلى ميقات آخر ، وأمّا رواية إبراهيم بن عبدالحميد فقد عرفت أنها معتبرة ، وجعفر ابن محمّد بن حكيم المذكور في السند من رجال كامل الزيارات .

   فالصحيح : أن من أتى مسجد الشجرة وكان قاصداً للحج لا يجوز له العدول إلى ميقات آخر ، بل يجب عليه أن يحرم من ميقات المدينة ولا يتجاوزه إلاّ محرماً كما في معتبرة إبراهيم .

   ثمّ إنه بناءً على جواز العدول إلى ميقات آخر فهل يتعين عليه الإحرام من الجحفة أو يجوز له الإحرام من أي ميقات شاء ؟ لم أر من تعرض لذلك .

   والتحقيق أن يقال : إنه إذا كان معذوراً من الإحرام من ذي الحليفة وغير متمكن منه فلا يجب الإحرام منه ويجوز له التجاوز عنه بلا إحرام لسقوطه عن كونه ميقاتاً بالنسبة إليه ، ففي الحقيقة مسجد الشجرة ليس ميقاتاً له أصلاً ، فحينئذ لا يتعيّن عليه الإحرام من الجحفة لعدم كون مسجد الشجرة بميقات له أصلاً ولم يجب عليه الإحرام




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net