الثامن : فخ ، وهو ميقات الصبيان 

الكتاب : المعتمد في شرح العروة الوثقى-الجزء الثاني:الحج   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 4053


ــ[287]ــ

   الثامن : فخّ ، وهو ميقات الصِّبيان في غير حج التمتّع عند جماعة ، بمعنى جواز تأخير إحرامهم إلى هذا المكان لا أ نّه يتعيّن ذلك، ولكن الأحوط ما عن آخرين((1)) من وجوب كون إحرامهم من الميقـات لكن لا يجرّدون إلاّ في فخّ ، ثمّ إن جواز التأخير على القول الأوّل إنما هو إذا مرّوا على طريق المدينة، وأمّا إذا سلكوا طريقاً لا يصل إلى فخّ فاللاّزم إحرامهم من ميقات البالغين(1).

  ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

   أمّا جواز الإحرام من أحد المواقيت فهو على القاعدة ، لأنّ كل ميقات ميقات لمن يمر عليه ولا يختص بأهل بلاد خاصّة فلا نحتاج إلى دليل خاص ، والتعليل ببعد المسافة وطول الزمان للأفضلية .

   (1) المعروف والمشهور بين الأصحاب أن فخّ ميقات الصبيان(2) ، وناقش فيه غير واحد بأن حكمهم حكم البالغين ، إذ لا فرق في الطبيعة الصادرة من البالغين وغيرهم إلاّ من حيث الوجوب والندب ، فجميع ما يعتبر في الحج بالنسبة إلى البالغين يعتبر فيه بالنسبة إلى غيرهم كما هو كذلك في سائر العبادات كالصلاة والصوم ، فإن جميع موانع الصلاة مانعة لصلاة الصبي أيضاً ، وكل ما يعتبر في الصلاة يعتبر في صلاة الصبي ما لم يرد دليل بالخصوص ، كما ورد جواز كشف الرأس في الصلاة بالنسبة إلى الأمة وبالجملة : إطلاق نصوص المواقيت والنهي عن تأخير الإحرام عنها يشمل إحرام الصبي أيضا .

   نعم ورد تجريد الصبيان من فخّ في صحيحتين :

 الاُولى : صحيحة أيوب أخي أديم ، قال : «سئل أبو عبدالله (عليه السلام) من أين تجرد الصبيان ؟ قال : كان أبي يجردهم من فخّ» (3) ورواه الكليني بسند ضعيف فيه

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) بل الظاهر ذلك ، وإنما يكون تجريدهم من فخّ لمن يمرّ بها .

(2) فخ بفتح أوّله وتشديد ثانيه واد بمكّة يبعد عنها بمقدار فرسخ واحد أستشهد فيه أبو عبدالله الحسين بن علي بن الحسن بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب (عليه السلام) سنة 169 هجرية .  معجم البلدان 4 : 237 .

(3) الوسائل 11 : 366 / أبواب المواقيت ب 18 ح 1 .

ــ[288]ــ

سهل بن زياد (1) ، ورواه الشيخ بسند صحيح عن أيوب بن الحر (2) .

   الثانية : صحيحة علي بن جعفر عن أخيه موسى (عليه السلام) مثل ذلك (3) .

   وليس التجريد بمعنى الإحرام ، بل التجريد معناه لغة إنما هو نزع شيء من شيء والمراد به في المقام نزع الثياب من الصبيان من فخّ ولا ينافي ذلك إحرامهم من الميقات ، فإن التجريد ونزع الثياب من جملة أحكام الإحرام ، وقد دلّ النص على عدم إجراء هذا الحكم بخصوصه على الصبيان إلى فخّ وجوّز لهم لبس المخيط ، فحالهم من هذه الجهة كالنّساء في جواز لبس المخيط ، غاية الأمر النّساء يجوز لهنّ لبس المخيط إلى الأخير والصبيان يجوز لهم لبس المخيط إلى فخّ ومنه يجرّدون من ثيابهم .

   وبالجملة : أقصى ما يستفاد من النص تجريد الصبيان من ثيابهم من فخّ وجواز لبس المخيط قبله وذلك أعم من الإحرام من فخّ ، ولا وجه لحمل كلمة التجريد على الإحرام ، فالمتبع حينئذ إطلاق نصوص المواقيت المقتضي لإحرامهم منها .

   وقد يقال كما في الحدائق(4) بان بعض النصوص يدل صريحاً على الإحرام بهم من الميقات كصحيحة معاوية بن عمّار عن أبي عبدالله (عليه السلام) «قال : انظروا من كان معكم من الصبيان فقدّموه إلى الجحفة أو إلى بطن مر، ويصنع بهم ما يصنع بالمحرم. الحديث» (5) .

 وفيه : أن مفاد هذه الصحيحة يشبه مضمون صحيحة أيوب المتقدِّمة (6) الدالّة على مجرّد نزع الثياب وتجريدهم عنها وترتيب لوازم الإحرام وإجراء أحكامه على الصبيان من هذه المواضع لا الإحرام بهم منها وذلك لذكر «بطن مرّ»(7) فإنّه غير ميقات جزماً

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الكافي 4 : 303 / 2 .

(2) التهذيب 5 : 409 / 1421 .

(3) الوسائل 11 : 336 / أبواب المواقيت ب 18 ح 2 .

(4) الحدائق 14 : 457 .

(5) الوسائل 11 : 278 / أبواب أقسام الحج ب 17 ح 3 .

(6) في ص 287 .

(7) بطن مرّ ، بفتح الميم وتشديد الراء : موضع على نحو مرحلة من مكّة . معجم البلدان 4 : 99 .

ــ[289]ــ

فيكون ذكره قرينـة على أنه لا نظر في هذه الروايات إلى الإحرام بهم من هذه المواضع .

   وبتعبير أوضح : المستفاد من هذه الصحاح أن الصبي لم يكن ملزماً باجراء أحكام الإحرام من الأوّل ومن مسجد الشجرة ، بل يجوز لهم تأخير نزع الثياب إلى الجحفة أو إلى بطن مرّ أو إلى فخّ ، وذلك لا ينافي الإحرام بهم من الميقات كمسجد الشجرة . ولولا هذه النصوص لكان إحرام الصبي كإحرام سائر النّاس من البالغين إلاّ أن هذه الروايات تدل على جواز لبس المخيط للصبي إلى الجحفة أو إلى فخّ وبطن مرّ رعاية لحاله وعدم تحمله للبرد ونحوه من المشاق ، فليست الروايات في مقام بيان ميقات خاص للصبيان .

   نعم ، خبر يونس بن يعقوب عن أبيه صريح في جواز إحرامهم من العرج أو الجحفة ، قال «قلت لأبي عبدالله (عليه السلام) : إن معي صبية صغاراً وأنا أخاف عليهم من البرد فمن أين يحرمون ؟ قال : ايت بهم العرج(1) فليحرموا منها ، فانّك إذا أتيت بهم العرج وقعت في تهامة ، ثم قال : فإن خفت عليهم فايت بهم الجحفة»(2) .

   ولكن لم يقل أحد بكون العرج ميقاتاً للصبيان ، وذلك قرينة على عدم جواز تأخير الإحرام إلى العرج . مضافاً إلى ضعف السند بوالد يونس ، إذ لم يرد في حقّه مدح ولا قدح .

   وقد يتوهّم من عبارة الحدائق(3) كون الرواية موثقة للتعبير عنها بالموثق عن يونس ، ولكن قد ذكرنا أكثر من مرّة أن المراد بذلك توثيق الرواية إلى يونس لا إلى ما بعد يونس وإلاّ لذكر موثقة والد يونس أو في الموثق عن أبي عبدالله (عليه السلام) .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) العرج بفتح العين وسكون الراء قرية من أعمال الفُرع على أيّام من المدينة .  لاحظ لسان العرب 2 : 323 .

(2) الوسائل 11 : 298 / أبواب أقسام الحج  ب 17 ح 7 .

(3) الحدائق 14 : 457 .

ــ[290]ــ

   وربّما يقال بأن الرواية معتبرة لوجود هذا السند بعينه في تفسير علي بن إبراهيم(1) فإنّه يروي عن يونس بن يعقوب عن يعقوب بن قيس عن أبي عبدالله (عليه السلام) ويعقوب بن قيس والد يونس، والمفروض أن جميع رجال التفسير ثقات ما لم يعارض بتضعيف غيره .

   وفيه : أن والد يونس بن يعقوب وإن كان يسـمّى يعقـوب بن قيس لتـصريح النجاشي(2) بذلك ، وكذا الشيخ صرّح في أصحاب الصادق (عليه السلام) من كتاب الرجال أن يعقوب بن قيس والد يونس بن يعقوب ، وكذا ذكر في أصحاب الباقر (عليه السلام) أن يعقوب بن يونس والد يونس بن يعقوب(3) إلاّ أنه لم يثبت أن يعقوب بن قيس المذكور في التفسير والد يونس بن يعقوب ، بل الظاهر أنه لم يكن والداً له وإلاّ لقال في التفسـير : عن يونس بن يعقوب عن أبيه ، كما هو المتعارف المتداول فيما إذا كان الراوي عن أبيه كما في الكافي والتهذيب والوسائل ، ولذا ترى جميع روايات أحمد بن محمّد بن خالد البرقي التي يرويها عن أبيه لم يذكروا اسم أبيه بل يقولون عن أبيه ، وإلاّ لاحتمل أن يكون المراد من محمّد بن خالد هو الأشعري لا البرقي الذي هو والد أحمد بن محمّد .

   فتحصل : أنه لا دليل على جواز تأخير إحرام الصبيان عن المواقيت بل حالهم حال البالغين وإنّما أجيز لهم لبس المخيط إلى فخّ ، ففي الحقيقة استثناء بالنسبة إلى لبس المخيط لا استثناء بالنسبة إلى الإحرام من مسجد الشجرة .

   ثمّ إنّ جواز تأخير الإحرام لهم ـ على القول به ـ يختص بمن يمر على فخّ ، وأمّا من لا يمر به كما إذا سلكوا طريقاً لا يصل إلى فخّ فاللاّزم إحرامهم من ميقات البالغين لاختصاص الدليل بذلك .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) تفسير علي بن إبراهيم 2 : 309 .

(2) رجال النجاشي : 446 / 1207 .

(3) رجال الطوسي : 323 / 4838 ، 149 / 1662 .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net