ما يتحقق به المحاذاة - طرق ثبوت المحاذاة 

الكتاب : المعتمد في شرح العروة الوثقى-الجزء الثاني:الحج   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 3911


ــ[294]ــ

فلا وجه للقول بكفاية أقربهما إلى مكّة ، وتتحقق المحاذاة بأن يصل في طريقه إلى مكّة إلى موضع يكون بينه وبين مكّة باب وهي بين ذلك الميقات ومكّة بالخط المستقيم ، وبوجه آخر يكون الخط من موقفه إلى الميقات أقصر الخطـوط في ذلك الطريق (1) ،

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

خاصّة في مورد خاص ، فالسير بمقدار ستة أميال ليس دخيلاً في الحكم فهذه الخصوصية ملغاة ، بدعوى أن الظاهر من الصحيحة كون العبرة بحذاء الشجرة سواء كان السير بالخط المستقيم أو غيره ، لكن فيما إذا كان البعد قليلاً كستّة أميال أو سبعة أو ثمانية ونحو ذلك ، وأمّا إذا كان الفصل كثيراً فلا عبرة بالمحاذاة ويجب عليه الرواح إلى الميقات ، كما لا وجه للتعدّي إلى سائر المواقيت فإنه يحتاج إلى دليل خاص .

   (1) وأمّا المحاذاة فقد ذكر المصنف (قدس سره) أنها تتحقق بأحد أمرين :

   الأوّل : أن يصل في طريقه إلى مكّة إلى موضع يكون بينه وبين مكّة كما بين ذلك الميقات ومكّة ، بمعنى أنه يكون مقدار المسافة بين موقفه إلى مكّة كالمسافة بين مكّة وذلك الميقات فالمسافتان متساويتان ، فذلك الموضع الذي وقف فيه يعتبر محاذياً للميقات .

   الثانية : أن يكون الخط الواصل بينه وبين الميقات أي الخط بين موقفه إلى الميقات أقصر الخطوط في طريقه وأقل من بقيّة الأماكن .

   وكلا هذين الأمرين غير تام .

   أمّا الأوّل : فلأن النسبة المذكورة ربّما تكون ثابتة في موارد كثيرة ومع ذلك لا تصدق على ذلك الموقف المحاذاة .

   وتوضيحه : أنا لو رسمنا دائرة وجعلنا مركزها مكّة المكرّمة فكل جزء من تلك الدائرة نسبته إلى المركز نسبة واحدة لا يختلف عن بقيّة أجزاء الدائرة ، لأنّ الخطوط الخارجة من المحيط إلى المركز متساوية ، فكل من وصل إلى الدائرة من كل طرف من

ــ[295]ــ

أطراف الخط الدائري يكون الفصل بين موقفه ومكّة مساوياً للفصل بين مسجد الشجرة ومكّة ، لأنّ جميع الخطوط المارة من المحيط إلى المركز متساوية ، ولازم ذلك أن تصدق المحاذاة على كل من وصل إلى الدائرة من أي جانب من جوانبها كان حتى إذا كان واقفاً في الطرف المواجه إلى مسجد الشجرة ، وهذا ممّا لا يمكن الالتزام به أصلاً ، ولا يعد ذلك من المحاذاة أبداً ، مع أن المسافة متحدة والفصل بينه وبين مكّة كالفصل بين مسجد الشجرة ومكّة .

   وبعبارة اُخرى : أن الذي قصد مكّة المكرّمة إن وقف في نصف الدائرة الواقع قبال مسجد الشجرة كان الشخص مواجهاً للميقات لا محاذياً له ، وإن وقف في النصف الآخر الذي وقع فيه مسجد الشجرة ، فإن كان موقفه على رأس أوّل ربع الدائرة كما لو بعد عن المسـجد بتسعين درجة ففي مثله لا تتحقق المحاذاة ، بل يكون المسجد خارجاً عن يمينه أو يساره .

   نعم ، تتحقّق المحاذاة للميقات فيما لو سار ووصل إلى مركز الدائرة وهي مكّة المشرفة ، فيكون مسجد الشجرة حينئذ عن يمينه أو يساره ، ولا فائدة في ذلك أبدا .

   وبتعبير آخر : أنا لو رسمنا خطين متقاطعين في دائرة يمر أحدهما من الجنوب إلى الشمال والآخر من المشرق إلى المغرب فتكون نتيجة ذلك أن الخطين يربّعان الدائرة وكل منهما يمرّ بالمركز ، أحدهما من مسجد الشجرة إلى الطرف المواجه له ، والآخر من الطرف الآخر إلى مقابله ويحدث بذلك زوايا ذات قوائم أربع ، فإذا وصل الذاهب إلى مكّة إلى أوّل الخطين من جانب الشجرة لا تتحقق بذلك محاذاة لمسجد الشجرة إلاّ إذا وصل إلى مكّة مركز الدائرة ، فيكون مسجد الشجرة عن يساره أو عن يمينيه بعد الوصول إلى مكّة المشرفة ، وما لم يصل لا يكون محاذياً مع أن البعد من موقفه إلى مكّة مساو للبعد بين مسجد الشجرة ومكّة ، لأنّ البعد من أوّل الربعين إلى مكّة يساوي البعد من الشجرة إلى مكّة مع أنه لا يحاذي مسجد الشجرة قطعاً ، وكذلك كلّما سار وتوجه إلى مكّة لاتتّحقق المحاذاة وإن قلّت المسافة إلاّ إذا وصل إلى مركز التقاطع

ــ[296]ــ

وهو مكّة المكرّمة كما قلنا ، فالمحاذاة لا تتحقق بتساوي المسافتين بين موقفه ومكّة وبين الميقات ومكّة ، لا من الجانب المواجه للشجرة من الدائرة ولا من جهة النصف الآخر الذي وقع فيه مسجد الشجرة .

   وأمّا الوجه الثاني فباطل أيضاً ، لأنه لو فرضنا أنه توجه إلى مكّة من موقفه الواقع على الخط المحيط للدائرة على درجة خمس وأربعين من الدائرة أي نصف الربع فدخل في الدائرة، فيكون بينه وبين مسجد الشجرة خطاً وهمياً موصلاً بينهما، ويشكل بذلك زاوية من الخطوط المارة في طريقه إلى مسجد الشجرة ، ولا ريب أن الخط المار من وسط المثلث أقرب الخطوط وأقصرها من الضلعين إلى الميقات مع أنه خارج عن المحاذاة .

   وبعبارة واضحة : لو كان الميزان في المحاذاة بكون الخط من موقفه إلى الميقات أقصر من سائر الخطوط فلازمه كون الخط من وسط الزاوية محاذياً ، لكونه أقصر وأقل مسافة من الخط الواصل بين موقفه والميقات ، مع أنّ ذلك خارج عن المحاذاة حساً ، لاستلزامه الانحراف عن الميقات يميناً أو شمالاً وليس بمواز له .

   فتحصل ممّا تقدّم : أنه لا دليل على كفاية مطلق المحاذاة إلاّ في خصوص مسجد الشجرة في صورة خاصّة مما يصدق عليه المحاذاة عرفاً ، فالتعدِّي إلى غير ذلك ممّا لا وجه له ، ولا إجماع في المقام ، ولذا لا نكتفي بالمحاذاة إذا كان الفصل كثيراً وإن كان محاذياً حقيقة حسب الدقة .

   والذي يؤكِّد ذلك أن مسجد الشجرة أبعد المواقيت إلى مكّة ، وأمّا الجحفة التي هي ميقات لأهل الشام وكذا العقيق الذي هو ميقات لأهل العراق فهما أقرب إلى مكّة من مسجد الشجرة ، فمن يأتي من العراق أو الشام أو المغرب متوجهاً إلى مكّة التي تقع في نقطة الجنوب بالنسبة إليهم يكون محاذياً لمسجد الشجرة قبل الوصول إلى الجحفة أو العقيق ، لأنهما أقرب إلى مكّة ، ومع ذلك يكون ميقاتهم الجحفة أو العقيق ، وهذا شاهد على عدم كفاية محاذاة الشجرة .

ــ[297]ــ

ثمّ إنّ المدار على صدق المحاذاة عرفاً ، فلا يكفي إذا كان بعيداً عنه فيعتبر فيها المسامتة كما لا يخفى . واللاّزم حصول العلم بالمحاذاة إن أمكن ، وإلاّ فالظن الحاصل من قول أهل الخبرة، ومع عدمه أيضاً فاللاّزم الذهاب إلى الميقات أو الإحرام من أوّل موضع احتماله واستمرار النيّة والتلبية إلى آخر مواضعه، ولا يضر احتمال كون الإحرام قبل الميقات حينئذِ مع أ نّه لا يجوز ، لأ نّه لا بأس به إذا كان بعنوان الاحتياط ، ولا يجوز إجراء أصالة عدم الوصول إلى المحاذاة أو أصالة عدم وجوب الإحرام لأ نّهما لا يثبتان كون ما بعد ذلك محاذياً والمفروض لزم كون إنشاء الإحرام من المحاذاة ، ويجوز لمثل هذا الشخص أن ينذر الإحرام قبل الميقات فيحرم في أوّل موضع الاحتمال أو قبله على ما سيأتي من جواز ذلك مع النذر والأحوط في صورة الظن أيضاً عدم الاكتفاء به وإعمال أحد هذه الاُمور ، وإن كان الأقوى الاكتفاء ، بل الأحوط عدم الاكتفاء بالمحاذاة مع إمكان الذهاب إلى الميقات ، لكن الأقوى ما ذكرنا من جوازه مطلقاً (1) .

  ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

   ثمّ إنّه بناءً على الاكتفاء بالمحاذاة مطلقاً فلو كان في طريقه ميقاتان فالعبرة بمحاذاة أبعدهما كما إذا فرضنا أنه يحاذي مسجد الشجرة والجحفة ، فاللاّزم أن يحرم من محاذاة مسجد الشجرة، لأنّ الظاهر من قوله: «فليكن إحرامه من مسيرة ستّة أميال» وجوب الإحرام من هذا المكان المحاذي ، فهو كأنه يمر بميقات ، وليس له التأخير إلى ميقات آخر فضلاً عن محاذيه ، وتشمله الأدلّة المانعة عن المرور بالميقات بلا إحرام .

   (1) إذا ثبت حجية بعض الظنون الخاصّة كخبر الواحد الثقة في الموضوعات ـ  وإن لم تثبت حجيته في بعض الموارد واحتياجه إلى شهادة عدلين  ـ فالتقييد في كلامه (قدس سره) بأ نّه يلزم حصول العلم بالمحاذاة إن أمكن وإلاّ فالظن ممّا لا وجه له ، لأنّ اللاّزم تحصيل الحجة كخبر الثقة أو الاطمئنان ، ولا تتوقّف حجيتهما على عدم التمكّن من العلم ، ولو فرضنا عدم حجية خبر الثقة وقول أهل الخبرة فلا يجوز العمل بالظن مطلقاً حتى إذا لم يتمكن من تحصيل العلم ، فلا بدّ حينئذ من أن يمضي إلى




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net