ترك الإحرام من الميقات مع عدم وجود ميقات آخر أمامه - هل يجب عليه القضاء بعد الفراغ عن فساد الحج ؟ 

الكتاب : المعتمد في شرح العروة الوثقى-الجزء الثاني:الحج   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 3521


   الجهة الثانية : ما إذا تجاوز عن الميقات الأوّل بلا إحرام عالماً عامداً ولم يتمكن من العود إليه لضيق الوقت أو لعذر آخر ولم يكن أمامه ميقات آخر ، فهل يفسد إحرامه وحجّه أم لا ؟

   المشهور هو الأوّل ، وذهب جماعة من المتأخرين إلى الصحّة وأنه يحرم من مكانه كما في الناسي والجاهل ، وقد اختاره صاحب المستند (1) وكشف اللثام (2) ، بل نسب إلى بعض القدماء ، وقد اتفقوا على أن الجاهل والناسي يحرمان من مكانهما إذا لم يدخلا الحرم، وإذا دخلا فيه بغير إحرام يخرجان منه ويحرمان من أدنى الحل، فكذلك العامد ، نظير من جعل نفسه فاقداً للماء اختياراً ، فإنه يتعين عليه التيمم وتصح صلاته وإن كان الفقدان بسوء اختياره .

   ويظهر من المصنف أن القائل بالصحّة قاس المقام بباب التيمم عند فقدان الماء اختياراً وأنه لا فرق بين المقام وهناك . وأورد عليه بأن القياس في غير محله ، لأنه قد ثبت في باب التيمم بدلية التراب عن الماء مطلقاً حتى في حال فقدان الماء اختياراً ، ولم تثبت البدلية في المقام عند الترك العمدي .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) مستند الشيعة 11 : 196 .

(2) كشف اللثام 5 : 230 .

ــ[333]ــ

   ولكن الظاهر أن القائل بالصحّة إنما ذكر ذلك تشبيهاً لا اعتماداً عليه وتمسكاً به وإنما مستنده صحيح الحلبي «عن رجل ترك الإحرام حتى دخل الحرم ، فقال : يرجع إلى ميقات أهل بلاده الذي يحرمون منه فيحرم ، فإن خشي أن يفوته الحج فليحرم من مكانه ، فإن استطاع أن يخرج من الحرم فليخرج» (1) فإن إطلاقه يشمل العامد وليس فيه ما يظهر اختصاصه بالجاهل والناسي ، بل قوله : «عن رجل ترك الإحرام» ظاهر في الترك العمدي ، ولا أقل من الاطلاق .

   ولكن صاحب الجواهر (2) (قدس سره) رجح روايات التوقيت العامّة على هذه الصحيحة ، ومقتضى تلك الروايات هو البطلان ، لأنّ مقتضى إطلاقها شرطية الإحرام من الميقات مطلقاً ، خرجنا عنه في خصوص الجاهل والناسي ، وأمّا في العامد فيبقى إطلاق الروايات الدالّة على الشرطية على حالها ، وأمّا صحيح الحلبي فنخصصه بمورد العذر يعني غير العامد ، فرفع اليد عن إطلاق صحيح الحلبي أولى من رفع اليد عن إطلاق تلك الروايات لوجوه .

   وذكر في المستمسك أن المراد بالوجوه المرجحة شهرة تلك الروايات وكثرتها وشهرة الفتوى بها ، والحمل على الصحّة في صحيح الحلبي ، باعتبار أن حمل الترك في صحيح الحلبي على الترك العمدي خلاف حمل فعل المسلم على الصحّة ، لأنّ المسلم الذي يريد الحج وأداء الواجب لا يترك الإحرام عمداً من الميقات ، فالمتبع إطلاق تلك الروايات الموقتة الدالّة على البطلان ، نعم ورد النص في صحّة إحرام خصوص الجاهل والناسي(3).

   أقول : أمّا الحمل على الصحّة فلم يتحصل لنا معنىً صحيح له ، لأنّ الحمل على الصحّة إنما يجري فيما إذا صدر فعل من المسلم وشك في صدور الفعل عنه صحيحاً أو فاسداً ، وأمّا حمل السؤال عن فعل من الأفعال على الصحّة فلا معنى له ، فإنه يمكن

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 11 : 330 / أبواب المواقيت ب 14 ح 7 .

(2) الجواهر 18 : 132 .

(3) المستمسك 11 : 319 .

ــ[334]ــ

السؤال عن الحرام اليقيني ، كما يصح أن يسأل عن رجل إذا زنى أو شرب الخمر مثلاً وأنه ما هو حكمه وغير ذلك من المحرمات التي وقعت في الأسئلة ، فإن السؤال قد يقع عن قضية فرضية لا يلزم انتسابها إلى أحد .

   وأمّا تقديم الروايات العامّة التوقيتية على صحيح الحلبي لكثرتها وشهرتها وشهرة الفتوى بها فلا وجه له ، لأنّ صحيح الحلبي نسبته إلى تلك الروايات نسبة الخاص إلى العام ، ولا ريب في تقدّم الخاص على العام ، فإن مورد صحيح الحلبي خشية فوت الحج ، وتلك مطلقة من هذه الجهة ، فترجيح المطلقات أو العمومات على صحيح الحلبي مما لا وجه له ، فما ذهب إليه كاشف اللثام وصاحب المستند من الحكم بالصحّة هو الصحيح وإن ارتكب أمراً محرماً بتركه الإحرام من الميقات الأوّل .

   الجهة الثالثة : أنه بعد الفراغ عن فساد الحج والإحرام كما ذهب إليه المشهور هل يجب عليه القضاء أم لا ؟

   اختار المصنف وجوب القضاء إذا كان مستطيعاً ، فإن الحج إذا فات عنه يجب الاتيان به فوراً ففوراً ، يعني يجب عليه الاتيان به في سنة الاستطاعة ، فإن لم يأت به فيها يجب عليه أداؤه في السنة اللاحقة وهكذا ، فالتعبير عنه بالقضاء فيه مسـامحة وأمّا إذا لم يكن مستطيعاً فلا يجب عليه قضاؤه لعدم وجوب الحج عليه من الأوّل فكيف بوجوب القضاء ، نعم قد ارتكب أمراً محرماً بالمرور على الميقات محلاّ .

   خلافاً للشهيد الثاني حيث ذهب إلى وجوب القضاء ولو لم يكن مستطيعاً ، وذكر المصنف أنه لا دليل له إلاّ دعوى وجوب الحج والإحرام عليه لدخول مكّة ، فمع تركه يجب قضاؤه .

   وأشكل عليه بأنه إذا بدا له ولم يدخل الحرم أو دخل الحرم ولم يدخل مكّة ينكشف أن الإحرام لم يكن واجباً عليه من الأوّل ، وإنما تخيل أن الحج واجب عليه .

 واحتمال وجوب الإحرام عليه واقعاً بمجرد قصد الدخول إلى مكّة وإن لم يدخلها كما نسب إلى الشهيد الثاني(1) لا دليل عليه ، لأنّ مقتضى الأدلّة وجوب الإحرام

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) المسالك 2 : 222 .

ــ[335]ــ

لدخول مكّة لا على من يقصد الدخول وإن لم يدخلها ، فلا معنى لوجوب القضاء مع عدم وجوب الإحرام .

   مضافاً إلى أن الذي يجب عليه لدخول مكّة إنما هو الإحرام الجامع بين الحج والعمرة لا وجوب الحج ، فلم يفت منه حج حتى يجب قضاؤه ، ومجرّد القصد إلى الحج لا يوجب تعيّن الحج عليه ، ولو سلمنا وجوب الحج عليه لدخول مكّة إلاّ أنّ القضاء يحتاج إلى دليل خاص ، لأ نّه بأمر جديد ، وقضاء الحج إنما ثبت في موارد خاصّة ، ومجرّد وجوب الحج عليه أداءً لا يوجب ثبوت القضاء .

   فتحصل : أنه يصح إحرامه وحجّه لإطلاق صحيح الحلبي ، وهذا الحكم لا إجماع على خلافه ، وعلى فرض الفساد فقد أثم بترك الإحرام بالمرور على الميقات ولا يجب القضاء .

   ثمّ إن هنا رواية وهي ما رواه عبدالله بن الحسن عن جدّه علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر (عليه السلام) ، قال : «سألته عن رجل ترك الإحرام حتى انتهى إلى الحرم فأحرم قبل أن يدخله ، قال : إن كان فعل ذلك جاهلاً فليبن مكانه ليقضي ، فإنّ ذلك يجزئه إن شاء ، وإن رجع إلى الميقات الذي يحرم منه أهل بلده فإنّه أفضل»(1) . ولا يخفى أنه لا محصل لقوله «فليبن» أو «فليبين» ، ويمكن أن يكون فليلبِّي ووقع فيه التصحيف ، وعلى كل تقدير المراد من هذه الجملة صحّة الإحرام بقرينة قوله : «فإن ذلك يجزئه» ، ففي الرواية جهتان :

   الاُولى : أن مقتضى الرواية أن الجاهل لا يجب عليه الرجوع إلى الميقات وإن كان الرجوع أفضل ، فتكون الرواية أجنبية عن محل كلامنا ، لأنّ كلامنا في العامد .

   الثانية : مقتضى المفهوم منها أنّ العالم العامد لا يجزئه الإحرام من مكانه ويفسد إحرامه ، فتكون مقيّدة لإطلاق صحيح الحلبي المتقدِّم(2) .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 11 : 331 / أبواب المواقيت ب 14 ح 10 ، قرب الاسناد : 242 / 956 .

(2) في ص 333 .

ــ[336]ــ

   وفيه أوّلاً : أن مورد الرواية غير معمول به ، لأنّ مقتضاها الإحرام من مكانه وإن كان متمكِّناً من العود إلى الميقات ، ولم يقل به أحد .

   وثانياً : أن الرواية ضعيفة بعبدالله بن الحسن العلوي ، فإنه لم يرد فيه أي توثيق ومدح ولم يذكر في كتب الرجال .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net