ترك السعي عمداً ، عالماً أو جاهلاً - نسيان السعي 

الكتاب : المعتمد في شرح العروة الوثقى-الجزء الرابع:الحج   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 5541


ــ[132]ــ


أحكام السّعي

   تقدّم أن السعي من أركان الحج ، فلو تركه عمداً عالماً بالحكم أو جاهلاً به أو بالموضوع إلى زمان لا

يمكنه التدارك قبل الوقوف بعرفات بطل حجّه ولزمته الاعادة من قابل ، والأظهر أنه يبطل إحرامه أيضاً

، وإن كان الأحوط الأولى العدول إلى الافراد وإتمامه بقصد الأعم منه ومن العمرة المفردة (1) .

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ــــــ

   على أنه لو كان الصعود على الصفا واجباً من باب المقدّمة العلمية لوجب في المروة كذلك ، ولم يقل

به أحد حتى الشهيد .

   وما ورد في صحيح معاوية بن عمار «فاصعد على الصفا حتى تنظر إلى البيت» (1) محمول على

الاستحباب للنظر إلى البيت .

   وأمّا إلصاق عقبيه بالصفا ورؤوس الأصابع بالمروة من هذا الشوط فلم يعرف له وجه أيضاً ، لأن

الواجب هو البدأة من الصفا والختم بالمروة ، وذلك لا يتوقف على إلصاق عقبيه أو أصابعه بهما ، بل

لو ألصق ظهره بالصفا وبطنه بالمروة يصدق عليه البدأة من الصفا والختم بالمروة ، ولو كان إلصاق

العقب واجباً لظهر وشاع ، بل لا يجب حتى إلصاق الظهر والبطن ، بل العبرة بالصدق العرفي في البدأة

والاختتام ، ولا يلزم التدقيق والتحقيق ، ويدلنا على ذلك بوضوح جواز السعي راكباً وعلى المحمل

(2) .

   (1) لو ترك السعي عالماً عامداً أو جاهلاً أو ناسياً فمقتضى الأصل بطلان الحج وفساده ، لفقدان

المركب بانتفاء جزئه ، فالحكم بالصحة حينئذ يحتاج إلى دليل خاص ، وقد ذكرنا (3) أن حديث الرفع

لا يتكفل الحكم بالصحة ، لأنّ حديث الرفع شأنه رفع الأحكام ولا نظر له إلى إثبات الحكم .

فالاكتفاء بالناقص يحتاج إلى الدليل .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 13 : 476 / أبواب السعي ب 4 ح 1 .

(2) الوسائل 13 : 496 / أبواب السعي ب 16 .

(3) في مصباح الاُصول 2 : 267  ذيل الأمر الثالث .

ــ[133]ــ

   مسألة 341 : لو ترك السعي نسياناً  أتى به حيث ما ذكره ، وإن كان تذكّره بعد فراغه من أعمال

الحج ، فان لم يتمكن منه مباشرة أو كان فيه حرج ومشقّة لزمته الاستنابة ويصحّ حجّه في كلتا

الصورتين (1) .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ــــــ

   نعم ، في خصوص الناسي نلتزم بالصحة كما في نسيان الطّواف ، لأدلّة خاصة سنذكرها إن شاء الله

تعالى .

   وأمّا الترك عن جهل فيدخل في الترك العمدي حتى إذا كان عن قصور فضلاً عن تقصير فانه ملحق

بالعامد ، ومع قطع النظر عما تقتضيه القاعدة فالنصوص دلت على بطلان الحج بترك السعي عمداً ،

ويصدق ذلك على الترك عن جهل فانه أيضاً من الترك العمدي ، لأن العمد هو القصد إلى شيء

وذلك يصدر من العالم والجاهل ، فان الجاهل الملتفت قد يترك الشيء أو يفعل شيئاً عن قصد وإرادة ،

فالجاهل مقابله العالم لا العامد ، مثلاً الجاهل بوجوب القراءة في الصلاة يترك القراءة عن قصد وعمد ،

لكن تركه مستند إلى جهله لا إلى عصيانه ، والعامد يقابله غير الملتفت كالناسي .

   وبالجملة : لو ترك السعي عمداً ولو جاهلاً ، فان لم يمكن تداركه بطل حجّه أو عمرته المتمتع بها أو

المفردة ، وبطل إحرامه أيضاً كما تقدم في المباحث السابقة(1) لأن الاحرام إنما يجب وينعقد للأعمال

والمناسك اللاّحقة، فاذا لم يأت بالأعمال ينحل إحرامه وينكشف بطلان إحرامه من الأوّل ، وإن كان

الأحوط الأولى العدول إلى الإفراد وإتمامه بقصد الأعم منه ومن العمرة المفردة ، هذا كله في التارك

الملتفت علماً أو جهلاً .

   (1) إذا ترك السعي من غير التفات ، كما إذا ترك السعي نسياناً صح حجّه ويجب عليه أن يعيد

السعي كما في صحيح معاوية بن عمار(2) ، وفي صحيح ابن مسلم «ويطاف عنه» (3) فهل يجمع

بينهما بالتخيير ، أو يحمل صحيح معاوية على عدم المشقة وعدم الحرج وصحيح ابن مسلم على

الحرج والمشقة في السعي بنفسه ؟

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) في الصفحة 121 .

(2) الوسائل 13 : 486 / أبواب السعي ب 8 ح 3 .

(3) الوسائل 13 : 485 / أبواب السعي ب 8 ح 1 .

ــ[134]ــ

   ذكر بعضهم بأنه لا موجب للتقييد بل يجمع بينهما بالتخيير (1) .

   ولكن الصحيح ما ذهب إليه المشهور من لزوم السعي عليه بنفسه مباشرة إن لم يكن فيه حرج

ومشقة ، وإلاّ لزمته الاستنابة ، فانهم وإن لم يتعرّضوا لوجه التقييد ولكن الوجه فيه : أن الوجوب في

المقام وجوب نفسي لا شرطي ، فان الوجوب قد يكون وجوباً شرطياً أو شطرياً كالاستقبال والتشهد

بالنسبة إلى الصلاة ، والأمر به يكون إرشاداً إلى الشرطية أو الجزئية ، وكذلك النهي عن إتيان شيء في

الصلاة يكون إرشاداً إلى المانعية .

   ومقتضى هذه الأوامر شرطية الاستقبال أو جزئية التشهد للصلاة مطلقاً ، سواء كان المكلف ملتفتاً

أم لا ، فان الشرطية أو الجزئية ثابتة في جميع الأحوال ولا تختص بحال دون حال ، وكذلك المانعية ،

فمقتضى ذلك أنه لو ترك جزءاً أو شرطاً بطلت صلاته سواء كان عالماً أم لا ، فان الاجتزاء بالناقص

يحتاج إلى الدليل ، فلا يمكن الحكم بالصحة بمجرد الجهل بالجزئية أو الشرطية إلاّ بحديث لا تعاد(2)

ولو لم يكن هذا الحديث الشريف لحكمنا بالفساد .

   وأمّا إذا كان الأمر مولوياً وجوبياً كما في المقام ، فان الأمر بالطواف والسعي والقضاء أمر مولوي

وكذلك الأمر بالاستنابة ، وليس الأمر في المقام إرشادياً ، فيدور الأمر بين وجوب السعي بنفسه

مباشرة وبين وجوب الاستنابة ، ولا ريب أن كل تكليف مشروط بالقدرة وعدم الحرج ، فلو فرض

أن السعي مباشرة غير مقدور له أو لا يتمكن من التدارك بنفسه للعسر والحرج يرتفع الوجوب بدليل

نفي الحرج فالوجوب النفسي المباشري المستفاد من صحيح معاوية بن عمار يتقيد بنفسه بالقدرة وعدم

الحرج ، فاذا كان صحيح معاوية بن عمار مقيداً بذلك فنسبته إلى صحيح ابن مسلم نسبة الخاص إلى

العام ، لأن صحيح ابن مسلم مطلق من حيث القدرة وعدمها فالنتيجة مع المشهور .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) المستند 12 : 176 .

(2) الوسائل 1 : 372 /  أبواب الوضوء ب 3 ح 8  .

ــ[135]ــ

   ومع قطع النظر عما ذكرنا من الوجه، لا موجب لحمل صحيح معاوية بن عمار على خصوص

القادر، بل ما ذكره النراقي (عليه الرحمة) من الحمل على التخيير هو الصحيح.

   ولكن قد عرفت الوجه لما ذهب إليه المشهور فالحق معهم .

   ولزيادة التوضيح نقول : إن من ترك السعي نسياناً ولا يتمكن من القضاء والتدارك بنفسه لحرج

ومشقة أو خرج شهر ذي الحجة فحجه صحيح بلا إشكال ، ويجب عليه القضاء والتدارك إن كان

متمكناً من ذلك ، وإلاّ فيطاف عنه ، هذا ما ذكره المشهور .

   وأمّا النصوص الواردة في المقام فثلاثة :

   منها : صحيح معاوية بن عمار الآمرة بالاعادة بنفسه مباشرة(1) والمراد بالاعادة الاتيان به لا

الاعادة بالمعنى المصطلح .

   ومنها : صحيح ابن مسلم الآمر بالاستنابة والطّواف عنه(2) .

   ومنها : خبر زيد الشحام الدال على الطّواف عنه والاستنابة (3) .

   والمشهور جمعوا بينها بالتمكن وعدمه ، بمعنى أنه يجب عليه السعي بنفسه مباشرة في صورة التمكن

وعدم الحرج وإلاّ فيطاف عنه .

   واُشكل عليهم بأنه لا وجه له ، بل مقتضى القاعدة والجمع بين الأخبار هو التخيير .

   ولكن الصحيح ما ذهب إليه المشهور ، لأن صحيح معاوية بن عمار مقيد بالقدرة وعدم الحرج كما

هو شأن جميع التكاليف الالهية ، وصحيح ابن مسلم الدال على الاستنابة مطلق من هذه الجهة ، أي

من جهة أن يطوف المكلف بنفسه أم لا ، فيرفع اليد عن إطلاقه بالتقييد بصحيح معاوية بن عمار ،

والنتيجة وجوب السعي والطّواف بنفسه مباشرة إذا كان متمكناً وإلاّ فالاستنابة ، فوجوب الاستنابة في

فرض عدم التمكّن من السعي مباشرة .

   وربما يتخيل العكس بأن صحيح معاوية بن عمار مطلق من حيث وجوب

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 13 : 485 /  أبواب السعي ب 8 ح 1 .

(2) الوسائل 13 : 486 /  أبواب السعي ب 8 ح 3 .

(3) نفس المصدر ح 2 .

ــ[136]ــ

الاستنابة وعدمه ، ويقيد بوجوب الاستنابة المستفاد من صحيح ابن مسلم ، فالنتيجة : أن السعي

مباشرة في طول الاستنابة ، يعني إذا لم يتمكن من الاستنابة فيطوف بنفسه .

   وهذا توهّم فاسد جداً ، إذ لا نحتمل أن يكون السعي بنفسه في طول الاستنابة ، بل إما في عرضها

أو مقدّم عليها ، وأمّا احتمال أن الواجب الأوّل هو الاستنابة ثم السعي بنفسه ففاسد غايته .

   وقد يقرّب ما ذكرنا بتقريب أوضح ، وحاصله : أن كل أمر نفسي مولوي ظاهر في الوجوب

التعييني فيما لم تكن قرينة متصلة أو منفصلة على خلافه ، فالوجوب التعييني ما يقتضيه إطلاق الدليل ،

فاذا ورد أمران في موضوع واحد ولا قرينة على أن الواجب شيء واحد بل يحتمل أنه واجبان، فيثبت

أن كل واحد واجب تعييني ولا موجب، ولا وجه لرفع اليد عن ذلك ، بل نلتزم بالوجوبين معاً ، كما

ورد الأمر في مورد القتل الخطأي بالدية والكفارة ، فانه نلتزم بوجوبهما معاً ويؤخذ باطلاق كل من

الدليلين وهذا ممّا لا إشكال فيه . وكذلك ورد في بعض الأجزاء المنسية في الصلاة الأمر بالقضاء

وسجدتي السهو فانه نلتزم بوجوبهما معاً .

   وأمّا إذا كان التكليف واحداً ولم نحتمل تعدد الواجب فلا نحتمل الوجوب التعييني لهما معاً ، كما في

مورد الأمر بصلاة الظهر والجمعة أو بالقصر والتمام في موارد التخيير فحينئذ يقع التعارض بين الدليلين

، ولكن التعارض ليس بين أصل الوجوبين لعدم المنافاة بين ثبوت أصل الوجوب لهما معاً ، وإنما المنافاة

بين الوجوبين التعيينيين فكل من الدليلين ينفي الوجوب التعييني للآخر ، فالنتيجة سقوط الاطلاقين

وثبوت الوجوبين التخييريين .

   وأمّا مقامنا فقد ورد الأمر بالسعي بنفسه في صحيح معاوية بن عمار وورد الأمر بالاستنابة في صحيح

ابن مسلم ونعلم بعدم وجوبهما معاً ، ولكن سقوط الاطلاقين في المقام لا موجب له ، وذلك لأن

سقوط الاطلاق من صحيح ابن مسلم لا بدّ منه للعلم بأن الاستنابة إمّا واجب تخييري أو طولي ، إذ لا

نحتمل أن الاستنابة واجب تعييني فانها إمّا تخييري أو في مرتبة متأخرة عن السعي بنفسه فلا إطلاق

لصحيح ابن مسلم وهذا بخلاف صحيح معاوية بن عمار فانه لا مانع من إطلاقه فيؤخذ به وبطبيعة

الحال




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net