حكم صيام اليوم الثالث من أيّام التشريق في مكّة 

الكتاب : المعتمد في شرح العروة الوثقى-الجزء الرابع:الحج   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 4060


   ولكن هذه الزيادة والتطبيق غير مذكورة في الرواية على طريق الشيخ ، مضافاً إلى ذلك أن أحداً

من الفقهاء لم يلتزم بهذا التفصيل . هذا مضافاً إلى ضعف سند الرواية على طريق الكليني ، لأن أحمد

بن محمد بن عيسى لا يمكن روايته عن رفاعة بلا واسطة، فان رفاعة من أصحاب الصادق (عليه

السلام) ولم يدرك الرضا (عليه السلام) وأحمد بن عيسى من أصحاب الجواد والعسكري (عليهما

السلام) بل كان حيّاً في سنة 280 والشاهد على ذلك أن أحمد بن محمد يروى عن الحسين بن سعيد

فهو في رتبة متأخرة عن الحسين بن سعيد ، والحسين بن سعيد يروي عن رفاعة مع الواسطة فكيف

يروي أحمد بن محمد عن رفاعة بلا واسطة ، فالعمدة رواية العيص وروايتي حماد(1) وقد عرفت حالها

والجواب عنها .

   تنبيه وهو أنه : لو نفر اليوم الثاني عشر كما هو الغالب وبقي اليوم الثالث عشر في مكة كما هو

الغالب أيضاً ، فهل يجوز له صوم اليوم الثالث عشر وهو في مكة أم لا ؟

   الظاهر أنه لم يستشكل أحد في الجواز ، لأن الممنوع من صيام أيام التشريق لمن كان في منى ، وأمّا

من كان خارجاً من منى فلا إشكال فيه إلاّ من الشيخ فان المحكي عنه المنع عن صيامها لمن كان في مكة

(2) ويمكن أن أراد بمكة مكة وتوابعها وضواحيها فان المراد بأيام الأكل والشرب هو أيام منى ، وأمّا

في نفس بلدة مكة المكرمة فلا مانع من الصيام .

   ثم إنّ محل الكلام هو الصوم يوم النفر من منى ، سواء اُريد به النفر الأوّل أو النفر الثاني أي اليوم

الثاني عشر والثالث عشر ، والروايات الدالّة على المنع من صوم أيام التشريق لا تفرق بين الثاني عشر

والثالث عشر ، كما أن ما دلّ على جواز صوم يوم النفر لا يفرق بين الثاني عشر والثالث عشر ،

والتعارض قد عرفت إنما هو بالنسبة

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) المتقدمة في ص 284 .

(2) النهاية : 255 .

ــ[288]ــ

والأحوط أن يبادر إلى الصوم بعد رجوعه من منى ولا يؤخره من دون عذر (1) .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ــــــ

إلى من كان في منى ، وأمّا الحصبة فالمراد بها بعد النفر كما في صحيح حماد والعيص(1) فيعارضان بما في

رواية صفوان(2) الناهية عن صيام أيام منى فتشمل يوم النفر أيضاً وبعد التعارض المرجع ما دل على

المنع من صيام أيام منى ، لأنها أيام أكل وشرب لا صيام فيها كما في الروايات العامّة .

   فتحصل من مجموع ما ذكرنا : أنّ من كان في منى لايجوز له الصوم في أيام التشريق ولا بدّ له من

تأخير الصوم إلى رجوعه من منى ، وإذا رجع من منى اليوم الثاني عشر فلا مانع له من صيام الثالث

عشر وإن كان من أيام التشريق ، وبعبارة اُخرى : لا يجوز له صيام الثاني عشر مطلقاً سواء كان في منى

أو في غيره ، وأمّا الثالث عشر فلا يجوز له صيامه إذا كان بمنى ، وأمّا إذا كان بمكة أو غيرها فيجوز له

صومه .

   (1) وهل تجب المبادرة إلى صيام ثلاثة أيام بعد رجوعه من منى ؟

   نسب المدارك إلى الأصحاب وجوب المبادرة (3) ولا يخفى أن المستفاد من عدّة من الروايات

وجوب المبادرة لقوله : «يصوم يوم الحصبة ويومين بعده»(4) نعم هنا مطلقات لا يستفاد منها وجوب

المبادرة وإنما تدلّ على لزوم الصوم بعد أيام التشريق وبعد رجوعه من منى ، فالعمدة روايات الحصبة

الدالّة على لزوم المبادرة ، ولكن مع ذلك لا نقول بوجوب المبادرة لصحيحة زرارة الدالّة على جواز

التأخير إلى العشر الأواخر من ذي الحجة «من لم يجد ثمن الهدي فأحب أن يصوم الثلاثة الأيام في العشر

الأواخر فلا بأس بذلك» (5) فلابد من حمل تلك الروايات على الاستحباب ، نعم يجب صومها قبل

الرجوع إلى أهله .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) المتقدمين في ص 284 .

(2) المتقدمة في ص 285 .

(3) المدارك 8 : 50 .

(4) كما في الوسائل 14 : 178 /  أبواب الذّبح ب 46 ح 1 .

(5) الوسائل 14 : 182 / أبواب الذبح ب 46 ح 13 .

ــ[289]ــ

   تعقيب : الروايات الواردة في من لم يصم الثلاثة الأيام قبل العيد وأنه يصومها يوم الحصبة وبعده

بيومين على طوائف ثلاث :

   الاُولى : ما يستفاد منه أنه يبدأ بالصوم من اليوم الرابع عشر ، وأن يوم الحصبة هو اليوم الرابع

عشر لا يوم النفر كما في مجمع البحرين(1) وغيره، ويدل على ذلك صحيحة عبدالرحمن بن الحجاج

وقد استشهد صاحب المجمع بها أيضاً «فقال له عباد : وأيّ أيام هي ؟ قال : قبل التروية بيوم ويوم

التروية ويوم عرفة ، قال : فان فاته ذلك ؟ قال : يصوم صبيحة الحصبة ويومين بعد ذلك . قال : فلا

تقول كما قال عبدالله بن الحسن قال: فأيّ شيء قال ؟ قال : يصوم أيام التشريق ، قال : إن جعفراً

كان يقول : إن رسول الله (صلّى الله عليه وآله) أمر بديلاً ينادي أن هذه أيام أكل وشرب فلا يصومن

أحد» (2) .

   فان هذه الرواية صريحة في أن يوم الحصبة هو اليوم الرابع عشر ، للقرينة القطعية على ذلك وهي

نقله (عليه السلام) عن النبي (صلّى الله عليه وآله) المنع عن صيام أيام التشريق ، وهي اليوم الحادي

عشر والثاني عشر والثالث عشر ، ولو جاز الصوم في اليوم الثالث عشر لما تم استشهاده (عليه

السلام) بمنع النبي (صلّى الله عليه وآله) وكان قوله (عليه السلام) موافقاً لقول عبدالله بن الحسن

الذي ردّه بنهي رسول الله (صلّى الله عليه وآله) عن صوم هذه الأيام الثلاثة .

   الثانية : ما ذكر فيه أن يصوم يوم الحصبة ويومين بعده من دون تعرض فيه لتفسير يوم الحصبة وأنه

يوم النفر كما في صحيحة معاوية بن عمار ، فانه بعد ما حكم بأنه يصوم قبل التروية ويوم عرفة ، «

قال قلت : فان فاته ذلك ، قال : يتسحر ليلة الحصبة ويصوم ذلك اليوم ويومين بعده» (3) ونحوها

صحيحة رفاعة على طريق الشيخ «قال : يصوم الثلاثة أيام بعد النفر ، قلت : فان جماله لم يقم عليه ،

قال : يصوم

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) مجمع البحرين 2 : 44 .

(2) الوسائل 14 : 192 / أبواب الذبح ب 51 ح 4 .

(3) الوسائل 14 : 179 / أبواب الذبح ب 46 ح 4 .

ــ[290]ــ

يوم الحصبة وبعده بيومين» (1) فان حملنا الحصبة المذكورة فيهما على ما في صحيحة عبدالرحمن

المتقدمة فيكون المراد منها اليوم الرابع عشر ، وأمّا لو حملت على ما ذهب إليه الفقهاء وهو اليوم

الثالث عشر فيدل الخبران على البدأة بالصوم من اليوم الثالث عشر ، ولكنهما غير دالّين على الصوم

ولو كان في منى إلاّ بالاطلاق ، ونخرج عنه ونقيده بالصوم في مكة للروايات الناهية عن صيام أيام منى

.

   وتوضيح ذلك : أنه إذا قلنا بأن دلالة صحيحة معاوية بن عمار وصحيحة رفاعة على جواز صوم

اليوم الثالث عشر بالنسبة إلى الصوم في منى ومكة بالاطلاق، ودلالة الروايات الناهية عن الصوم أيام

منى(2) بالعموم الوضعي ، واللاّزم تقديم العموم الوضعي على الاطلاق ، فالنتيجة أن صوم اليوم

الثالث عشر ممنوع إذا كان بمنى ، وأمّا إذا كان في غير منى فيجوز صومه .

   وإن قلنا بأن دلالة تلك الروايات الناهية عن صيام أيام منى ليست بالعموم الوضعي وإنما هي

بالعموم الاستغراقي وهو بالاطلاق أيضاً ، ولكن يقدّم على العموم البدلي فالنتيجة واحدة ، فان إطلاق

ما دل على صيام اليوم الثالث بالنسبة إلى مكة ومنى على البدل ، ولكن النهي عن صيام أيام التشريق

وأيام منى على نحو العموم الاستغراقي ويقدّم على البدلي ، فالنتيجة عدم جواز صيام الثالث عشر إذا

كان بمنى .

   وإن قلنا بأن العموم الاستغراقي لا وجه لتقديمه على البدلي ، لأن كلاً منهما يحتاج إلى مقدمات

الحكمة ، فقهراً يتحقق التعارض ويتساقطان والمرجع العمومات الناهية عن صيام ثلاثة أيام كما في

روايات بديل وندائه من قبل النبي (صلّى الله عليه وآله) بأن لا يصوموا أيام منى فانها أيام أكل

وشرب(3) .

   الطائفة الثالثة : روايتان لحماد ورواية لعيص(4) فسّرت الحصبة فيها بيوم النفر

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) التهذيب 5 : 232 .

(2) الوسائل 10 : 516 / أبواب الصوم المحرم ب 2 .

(3) الوسائل 10 : 517 / أبواب الصوم المحرم ب 2 .

(4) الوسائل 14 : 198 / أبواب الذبح ب53 ح3 وص182 ب46 ح14 وص197 ب52

ح5.

ــ[291]ــ

وهي معارضة لصحيحة عبدالرحمن حيث فسرت يوم الحصبة باليوم الرابع عشر كما عن أهل
اللغة(1) فتسقط هذه الروايات الثلاث للمعارضة . مضافاً إلى أن المراد بالنفر غير واضح ، لأن النفر

نفران : الأول وهو اليوم الثاني عشر ، والنفر الثاني وهو اليوم الثالث عشر ، فان اُريد به النفر الثاني

أي اليوم الثالث عشر كما عن الفقهاء فيجري فيه ما ذكرناه في صحيحة رفاعة على طريق الشيخ

وصحيحة معاوية بن عمار وأنهما مطلقتان بالنسبة إلى الصوم في مكة أو في منى ، فاذا كانت الدلالة

بالاطلاق فتعارض ما دل على المنع من صيام ثلاثة أيام فيرجع إلى العمومات الناهية عن صيام ثلاثة أيام

كما في روايات بديل ، وإن اُريد به النفر الأوّل أي اليوم الثاني عشر ـ وإن كان لا قائل به بذلك ـ

فالمعارضة بين هذه الروايات الثلاث وما دلّ على المنع من صيام أيام التشريق أوضح ، لأن لازم ذلك

اختصاص المنع بيوم واحد وهو اليوم الحادي عشر وهذا بعيد جداً فيتساقطان بالمعارضة ، فاليوم الثاني

عشر لا يصومه مطلقاً سواء كان في مكة أو في منى ، فان رجع في اليوم الثاني عشر إلى مكة يصوم

اليوم الثالث عشر وإن رجع في اليوم الثالث عشر يصوم اليوم الرابع عشر ، وأمّا اليوم الثالث عشر

فلا يصومه إذا كان بمنى .

   وهنا رواية اُخرى نعدّها طائفة رابعة يستفاد منها أن المراد بالنفر اليوم الرابع عشر وهي معتبرة أبي

بصير عن أحدهما (عليهما السلام) «قال : سألته عن رجل تمتع فلم يجد ما يهدي حتى إذا كان يوم

النفر وجد ثمن شاة أيذبح أو يصوم ؟ قال : بل يصوم فان أيام الذبح قد مضت» (2) فان المراد بالنفر

بقرينة قوله في ذيل الرواية «فان أيام الذبح قد مضت» هو اليوم الرابع عشر ، لأن أيام الذبح تنتهي

في اليوم الثالث عشر وإطلاق النفر على اليوم الرابع عشر باعتبار خروج الحجاج ونفرهم إلى بلادهم

في اليوم الرابع عشر غالباً، فتكون هذه المعتبرة قرينة على أن المراد بالنفر في بقيّة الروايات هو اليوم

الرابع عشر .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) تقدم ذكر مصدره في ص 289 .

(2) الوسائل 14 : 177 / أبواب الذبح ب 44 ح 3 .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net