حكم من لاط بخنثى - عدم تقييد الوطء بالعلم والعمد والاختيار 

الكتاب : المباني في شرح العروة الوثقى- الجزء الثاني:النكاح   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 11791


   ولو كان الموطوء خنثى حرمت اُمّها وبنتها على الواطئ ، لأ نّه إمّا لواط أو زنا وهو محرم (2)

ـــــــــــــــــــــــــــــ
   (2) سيأتي منّا عند تعرض الماتن (قدس سره) لهذه المسألة أنّ الزنا بالمرأة لا  يوجب تحريم اُمها وبنتها إلاّ في الخالة والعمة . وعليه فلا مجال لإثبات الحرمة في وطء الخنثى كما هو الحال فيما إذا كان الخنثى هو الواطئ ، وذلك لعدم إحراز ذكوريته فلا يحرز صدق اللواط على الفعل الذي صدر منه أو الذي وقع عليه .

   نعم ، لو التزمنا بثبوت الحرمة بسبب الزنا بالمرأة حرمت على الواطئ اُم الموطوء بلا كلام ، إذ إنّها محرمة سواء أ كان الفعل لواطاً أم كان زنا .

   وأما حرمة البنت فقد يقال بعدم ثبوتها ، نظراً لعدم حصول العلم بالتحريم . وذلك لأنّ البنت التي تحرم باللواط إنّما هي التي تتولد من ماء الموطوء ، في حين إنّ البنت

ــ[238]ــ

إذا كان سابقاً كما مرّ ((1)) (1) .

   والأحوط حرمة المذكورات على الواطئ وإن كان ذلك بعد التزويج (2)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

التي تحرم بالزنا إنّما هي التي تولدها الموطوءة من ماء غيره . إذن فلا تحرم البنت المولودة من ماء الخنثى لعدم إحراز كونها بنتاً للملوط به ، كما لا تحرم بنتها المولودة من ماء الغير لعدم إحراز كونها بنتاً للمرأة المزني بها .

   نعم ، لو جمع الواطئ بينهما ثبتت الحرمة من جهة العلم الإجمالي .

   إلاّ أ نّه مدفوع بأنّ مقتضى إطلاق دليل حرمة بنت الملوط به هو حرمتها مطلقاً حتى ولو كان الموطوء قد حمل بها من ماء غيره . وإن كان هذا الفرض لا تحقق له في الخارج ، إلاّ في الخنثى المشكل التي تحمل من الغير وتحمل امرأة اُخرى منه ، إلاّ أنّ ندرة الفرض لا تمنع من شمول إطلاق الدليل له ، ولا مقتضي لتقييده بما إذا كانت البنت مخلوقة من ماء الموطوء .

   وعلى هذا فتحرم بنت الخنثى على الواطئ بالعلم التفصيلي ، إما لكونها بنت الملوط به ، أو كونها بنت المزني بها .

   (1) وهو من سهو القلم ، والصحيح كما يأتي .

   (2) الكلام في هذا الفرع يقع في مقامين :

   الأوّل : في اقتضاء هذا الفعل الشنيع لرفع الحلية الفعلية وعدمه .

   الثاني : في اقتضائه لرفع الحلية الشأنية ـ الثابتة بأصل الشرع ـ وعدمه .

   أما المقام الأوّل : فلا يخفى أنّ الفرض وإن كان مشمولاً لإطلاق الحكم بالحرمة في النصوص ، إلاّ أنّ هذا الإطلاق مقيد بما دلّ على أنّ الحرام لا يفسد الحلال . ففي معتبرة سعيد بن يسار : «إنّ الحرام لا يفسد الحلال» (2) ومثله معتبرة هشام بن المثنى (3) .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) هذا من سهو القلم والصحيح «كما يأتي» ، ثمّ إنّه يأتي ما هو المختار من أنّ الزنا بالمرأة لا يوجب تحريم اُمّها وبنتها إلاّ في الخالة والعمّة ، وعليه فلا تحرم اُمّ الخنثى وبنتها على الواطئ لعدم إحراز كونه ذكراً .

(2) الوسائل ، ج 20 كتاب النكاح ، أبواب ما يحرم بالمصاهرة ، ب 6 ح 6 .

(3) الوسائل ، ج 20 كتاب النكاح ، أبواب ما يحرم بالمصاهرة ، ب 6 ح 10 .

ــ[239]ــ

   فإنّ الظاهر من عدم الإفساد إنّما هو عدم ارتفاع الحلية الفعلية ، فيكون مقتضاه أنّ اللواط الواقع زمان كون المرأة زوجة لهذا الرجل وحلالاً له ، لا يوجب حرمتها عليه بالفعل وارتفاع الحلية الفعلية من حين وقوع العمل الشنيع .

   وبعبارة اُخرى نقول : إنّ أدلة حرمة المذكورات وإن كانت مخصصة لما دلّ على أنّ «الحرام لا يحرم الحلال» فكأنّ مقتضاه ثبوت الحرمة وارتفاع الحلية الفعلية بمقتضى الإطلاق في مفروض المسألة ، إلاّ أنّ هذا الإطلاق غير سليم عن المعارض والمقيد ، إذ قد دلّت المعتبرتان اللتان تقدم ذكرهما على عدم ارتفاع الحلية الفعلية نتيجة لهذا الفعل الشنيع ، ومن هنا فلا محيص عن تقييد ذلك الإطلاق بهما والالتزام بعدم ارتفاع الحلية الثابتة بالفعل .

   هذا ولكن قد وردت في المقام رواية تدلّ على ارتفاع الحلية الفعلية إذا ما لاط الرجل بأخي زوجته، وهذه الرواية هي رواية ابن أبي عمير، عن بعض أصحابنا، عن أبي عبدالله (عليه السلام) في رجل يأتي أخا امرأته ، فقال : «إذا أوقبه حرمت عليه المرأة» (1) .

   ودلالتها واضحة ، إذ إنّها ظاهرة في كون الفعل في زمان كون المرأة زوجة للرجل واتصافها بذلك ، وقد حكم فيه الإمام (عليه السلام) بارتفاع الحلية الفعلية ، ومن هنا يظهر فساد حمل المرأة على كونها زوجة له في السابق .

   نعم ، هذه الرواية نظراً لضعف سندها بالإرسال لا يمكن الاعتماد عليها ، وبذلك فتكون النتيجة هو ما اخترناه من عدم ارتفاع الحلية الفعلية .

   وأمّا المقام الثاني : أعني اقتضاء اللواط بعد التزويج لرفع الحلية الشأنية ، بحيث لا يكون للزوج التزوج منها ثانياً فيما لو طلقها بعد الفعل ، وعدمه ـ فقد ذهب جماعة منهم صاحب الجواهر (قدس سره) إلى الثاني ، محتجاً باستصحاب الجواز (2) .

   والظاهر أنّ مراده (قدس سره) من الاستصحاب إنّما هو الاستصحاب التعليقي

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل ، ج 20 كتاب النكاح ، أبواب ما يحرم بالمصاهرة ، ب 15 ح 2 .

(2) الجوهر 29 : 449 .

ــ[240]ــ

خصوصاً إذا طلّقها((1)) وأراد تزويجها جديداً (1) .

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ببيان أنّ للزوج قبل أن يرتكب هذا الفعل أن يطلق زوجته ثم يتزوج بها ثانياً ، فإذا ارتكب ذلك وشكّ في بقاء الجواز وعدمه ، كان مقتضى استصحاب الجواز الثابت قبل الفعل هو الحكم بالجواز بعد الفعل أيضاً .

   إلاّ أنّ ما ذكره (قدس سره) لا يمكن المساعدة عليه ، وذلك لأ نّا لا نقول بحجية الاستصحاب التعليقي ، على ما تقدم بيانه في المباحث الاُصولية مفصلاً .

   على أ نّه لو تنزلنا عن ذلك وقلنا بحجية الاستصحاب التعليقي فلا مجال للتمسك به في المقام ، وذلك لوجود الدليل على ارتفاع الحلية ، ألا وهو إطلاق ما دلّ على ثبوت الحرمة بمجرد صدور هذا العمل الشنيع ، فإنّ مقتضاه ارتفاع الحلية مطلقاً ـ الفعلية والشأنية ـ غير أ نّا قد رفعنا اليد عنه في الأوّل نظراً لوجود الدليل الدال على عدم ارتفاعها ، فبقي الإطلاق في الثاني محكماً إذ ليس في قباله شيء يعارضه ، سوى ما يتوهّم من قولهم (عليهم السلام) : «الحرام لا يحرم الحلال» إلاّ أ نّك قد عرفت أ نّه مخصص بمعتبرتي حماد بن عثمان وإبراهيم بن عمر ، الدالتين على ثبوت الحرمة في الفرض .

   إذن فلا محيص من الالتزام بإيجاب اللواط للحرمة ، ورفع الحلية الشأنية الثابتة بأصل الشرع في المقام لا محالة .

   والحاصل أ نّه لا بدّ من التفصيل في المقام بين الحلية الفعلية والحلية الشأنية ، حيث لا ترتفع الاُولى نتيجة للواط الزوج بأخي امرأته أو ابنها ، في حين ترتفع الثانية بذلك .

   (1) وقد تقدم بيانه في المقام الثاني من التعليقة السابقة ، حيث عرفت أنّ لواط الزوج في أثناء الزوجية موجب لارتفاع الحلية الشأنية .

   وأوضح من هذا الفرض حكماً ما لو وقع اللواط بعد الطلاق أيضاً ، حيث يحكم بالحرمة فليس له أن يتزوج بها ثانياً بلا كلام .

   والوجه فيه ظاهر ، فإنّ التزويج السابق الذي كان حلالاً قد مضى وقته ولا أثر له

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) لا بأس بترك الاحتياط في غير هذه الصورة .

 
 

ــ[241]ــ

   والاُم الرضاعية كالنسبية ، وكذلك الاُخت والبنت (1) .

   والظاهر((1)) عدم الفرق في الوطء(2) بين أن يكون عن علم وعمد واختيار أو مع

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

فعلاً ، وأما بعد ذلك فلا بدّ من حلية جديدة وهي غير ثابتة ، لحرمة المرأة عليه نظراً لإطلاق الدليل ، حيث لم يفرض فيه أنّ المرأة لم تكن له حلالاً في السابق .

   والظاهر أنّ الحكم مما لا خلاف فيه ، فيكون هذا الإطلاق مخصصاً لقولهم (عليهم السلام) : «الحرام لا يحرم الحلال» .

   (1) بلا خلاف في ذلك إلاّ ما نسب إلى العلاّمة (قدس سره) في القواعد من الاستشكال فيه (2) بدعوى ظهور الروايات في النسبية .

   غير أنّه غريب منه (قدس سره)، إذ لا ينبغي الإشكال في إرادة النسبية من النصوص ، وإنّما الحكم بحرمة الرضاعية لأجل ما دلّ على أ نّه «يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب» فإنّ هذه الأدلة حاكمة على ما تقدمت ، حيث تنزل الاُم الرضاعية بمنزلة الاُم النسبية ، فيثبت لها ما ثبت للنسبية .

   والحاصل أنّ الحكم بحرمة الرضاعية ليس من جهة شمول أدلة التحريم لها مباشرة كي يرد ما ذكره (قدس سره) ، وإنّما هو من جهة التنزيل الثابت بأدلته .

   (2) وكأنّ الوجه في ذلك هو التمسك بإطلاق دليل الحرمة ، حيث لم يقيد بالعلم والعمد والاختيار .

   إلاّ أنّ للمناقشة فيه مجالاً واسعاً ، وذلك فإنّ ظاهر التعبير بـ «اللعب» و «العبث» المذكور في النصوص هو صدور الفعل عن علم منه ، بحيث يكون على علم بأنّ من يلعب به غلام ومع ذلك يرتكب الفعل الشنيع ، وإلاّ فلا يصدق عليه اللعب بالغلام .

   على أ نّا لو تنزلنا عن ذلك وقلنا بصدق اللعب حتى مع الجهل والاشتباه ، يكفينا حديث الرفع في عدم ثبوت الحرمة الأبدية بالنسبة إلى الخاطئ .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) فيه إشكال بل منع  .

(2) قواعد الأحكام 2 : 15 .

ــ[242]ــ

الاشتباه، كما إذا تخيله امرأته، أو كان مكرهاً، أو كان المباشر للفعل هو المفعول(1) .
ـــــــــــــــــــــ

فعلاً ، وأما بعد ذلك فلا بدّ من حلية جديدة وهي غير ثابتة ، لحرمة المرأة عليه نظراً لإطلاق الدليل ، حيث لم يفرض فيه أنّ المرأة لم تكن له حلالاً في السابق .

   ومن هنا يظهر الحال في الإكراه ، فإنّه وإن صدق على المكره أ نّه لعب بالغلام وعبث به ، إلاّ أنّ الحرمة الثابتة للعابث بالغلام ترتفع عن المكره بمقتضى حديث الرفع .

   فالحاصـل أنّ الحكم بثبوت الحرمة في صورة الجهل أو الخطأ أو الإكراه مشكل جداً ، بل مقتضى الأدلة هو عدم ثبوتها .

   (1) فيه إشكال بل منع ، باعتبار أنّ ظاهر النصوص الواردة في المقام إنّما هو استناد الفعل إلى الفاعل ، فإنّ موضوعها هو الرجل اللاّعب بالغلام أو العابث به ، ولا يصدق هذا العنوان إلاّ إذا كان المباشر للفعل هو الفاعل ، وأما في غير ذلك ـ  بأن كان المفعول هو المباشر بحيث لم يستند الفعل إلى الفاعل  ـ فلا تشمله النصوص ، ومن هنا فلا مجال للحكم بالحرمة الأبدية فيه أيضاً .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net