حكم ما إذا وطئ الثانية بعد وطئ الاُولى وإخراج إحداهما عن ملكه 

الكتاب : المباني في شرح العروة الوثقى- الجزء الثاني:النكاح   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 4320


   [ 3782 ] مسألة 46 : إذا وطئ الثانية بعد وطء الاُولى ، حرمتا عليه مع علمه بالموضوع والحكم (5) .

ــــــــــــــــــــــــــــــــ
   (5) ذكر صاحب المسالك (قدس سره) ـ على ما نقله عنه في الجواهر ـ أ نّه يظهر من المحقق (قدس سره) وجود القائل بحرمة الاُولى وحلية الثانية حينئذ ، ثم أورد عليه بأ نّه لم يظهر لهذا القول قائل بل لم ينقله سوى المصنف (1) . وأما المحقق نفسه فقد اختار بقاء الاُولى على الحلّية والثانية على الحرمة (2) وكأ نّه لِما ورد من أنّ «الحرام لا يفسد الحلال» .

   لكن الظاهر أنّ الصحيح في المقام هو ما اختاره الماتن (قدس سره) ، وفاقاً للأكثر . والوجه فيه :

   أمّا حرمة الثانية ، فلإطلاقات أدلة المنع ، حيث إنّ مقتضاها عدم الفرق بين الوطء الأوّل وغيره ، مضافاً إلى صحيحة الحلبي الآتية .

   وأمّا حرمة الاُولى ، فلجملة من النصوص :

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الجواهر 29 : 387 ، مسالك الافهام 7 : 321 .

(2) الشرائع 1 : 339 .

ــ[354]ــ

   كصحيحة الحلبي عن أبي عبدالله (عليه السلام) ، قال : قلت له : الرجل يشتري الاُختين فيطأ إحداهما ثم يطأ الاُخرى بجهالة ، قال : «إذا وطئ الأخيرة بجهالة لم تحرم عليه الاُولى ، وإن وطئ الأخيرة وهو يعلم أ نّها عليه حرام حرمتا عليه جميعاً» (1) .

   وصحيحة أبي بصير ، قال : سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن رجل كانت له اُختان مملوكتان فوطئ إحداهما ثم وطئ الاُخرى ، أيرجع إلى الاُولى فيطأها ؟ قال : «إذا وطئ الثانية فقد حرمت عليه الأولة حتى تموت، أو يبيع الثانية من غير أن يبيعها من شهوة لأجل أن يرجع إلى الاُولى»(2).

   وصحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام) ، قال : سألته عن رجل عنده اُختان مملوكتان فوطئ إحداهما ثم وطئ الاُخرى ، فقال : «إذا وطئ الاُخرى فقد حرمت عليه الاُولى حتى تموت الاُخرى» . قلت : أرأيت إن باعها ؟ فقال : «إن كان إنّما يبيعها لحاجة ولا يخطر على باله من الاُخرى شيء فلا أرى بذلك بأساً ، وإن كان إنّما يبيعها ليرجع إلى الاُولى فلا» (3) .

   ومثلها خبر أبي الصباح الكناني عن أبي عبدالله (عليه السلام)(4) .

   وخبر علي بن أبي حمزة عن أبي إبراهيم (عليه السلام) ، قال : سألته عن رجل ملك اُختين ، أيطؤهما جميعاً ؟ قال : «يطأ إحداهما ، فإذا وطئ الثانية حرمت عليه الاُولى التي وطئ حتى تموت الثانية أو يفارقها ، وليس له أن يبيع الثانية من أجل الاُولى ليرجع إليها إلاّ أن يبيع لحاجة أو يتصدق بها أو تموت» (5) . إلى غيرها من النصوص .

   والحاصل أنّ المستفاد من مجموع هذه النصوص هو حرمة الاُختين معاً ، فيما إذا وطئ الثانية بعد وطئه للاُولى ، ومن هنا فتخصيص الحكم بالاُولى أو الثانية لا يعرف له وجه .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل ، ج 20 كتاب النكاح ، أبواب ما يحرم بالمصاهرة ، ب 29 ح 5 .

(2) الوسائل ، ج 20 كتاب النكاح ، أبواب ما يحرم بالمصاهرة ، ب 29 ح 7 .

(3) ، (4) الوسائل ، ج 20 كتاب النكاح ، أبواب ما يحرم بالمصاهرة ، ب 29 ح 9 .

(5) الوسائل ، ج 20 كتاب النكاح ، أبواب ما يحرم بالمصاهرة ، ب 29 ح 10 .

ــ[355]ــ

وحينئذ فإنْ أخرج الاُولى عن ملكه حلت الثانية مطلقاً (1) وإن كان بقصد الرجوع إليها (2) . وإن أخرج الثانية عن ملكه ، يشترط في حلّية الاُولى أن يكون إخراجه لها لا  بقصد الرجوع إلى الاُولى (3) وإلاّ لم تحلّ .

   وأمّا في صورة الجهل بالحرمة موضوعاً أو حكماً ، فلا يبعد بقاء الاُولى على حلِّيّتها والثانية على حرمتها (4) وإن كان الأحوط عدم حلِّيّة الاُولى إلاّ بإخراج الثانية (5)

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

   (1) بلا خلاف في ذلك بينهم ، وتدلّ عليه صحيحة عبدالله بن سنان وغيرها .

   (2) لإطلاق الأدلة .

   (3) لصحيحتي أبي بصير ومحمد بن مسلم المتقدمتين ، وغيرهما من النصوص . فيكون الحكم ثابتاً على نحو التعبد ، وبه تقيد القواعد المقتضية للحل بمجرّد إخراج الثانية عن ملكه ، نظراً لارتفاع محذور الجمع بين الاُختين .

   (4) لصحيحة الحلبي المتقدمة ، فإنّها صريحة في التفصيل بين فرض العلم والجهل وعدم حرمة الاُولى فيما إذا كان وطؤه للثانية عن جهالة .

   (5) اختاره صاحب الجواهر (قدس سره) (1) ، مستنداً إلى معتبرة عبدالغفار الطائي المتقدمة عن أبي عبدالله (عليه السلام) في رجل كانت عنده اُختان فوطئ إحداهما ثم أراد أن يطأ الاُخرى ، قال : «يخرجها عن ملكه» . قلت : إلى من ؟ قال : «إلى بعض أهله» . قلت : فإن جهل ذلك حتى وطئها ؟ قال : «حرمتا عليه كلتاهما» (2) .

   بدعوى ظهورها في عدم الفرق في الحكم ـ  أعني حرمتهما معاً  ـ بين صورتي العلم والجهل ، إذ تثبت الحرمة في كلتا الصورتين من غير اختلاف بينهما في هذه الجهة .

   نعم ، هما تختلفان في جهة اُخرى غير هذه الجهة هو المحلل ، فإنّ في فرض العلم لا  تحلّ الاُولى إلاّ بإخراج الثانية عن ملكه لا لغاية الرجوع إلى الاُولى ، وهذا بخلاف

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الجواهر 29 : 389 .

(2) الوسائل ، ج 20 كتاب النكاح ، أبواب ما يحرم بالمصاهرة ، ب 29 ح 6 .

ــ[356]ــ

فرض الجهل حيث تحل الاُولى بمجرد إخراج الثانية عن ملكه حتى وإن كان ذلك لأجل الرجوع إلى الاُولى .

   ومن هنا تكون هذه المعتبرة معارضة لصحيحة الحلبي .

   وما قيل من تعيّن العمل بصحيحة الحلبي ، لأنّ رواية الطائي ليست بحجة في نفسها ، غير مسموع ، لما عرفت من أنّ رجال السند كلّهم ثقات أجلاّء ولا مجال للخدشة فيهم .

   نعم ، ربّما يجمع بينهما بحمل معتبرة الطائي على الكراهة ، لكونها ظاهرة في ثبوت الحرمة في فرض الجهل ، في حين إنّ صحيحة الحلبي صريحة في الجواز . إلاّ أ نّه بعيد جداً ، فإنّه ليس من الجمع العرفي ، لما عرفت غير مرة أنّ النفي والإثبات إذا وردا في دليلين على عنوان واحد كان الدليلان من المتعارضين لا محالة ، وحيث إنّ المقام من هذا القبيل فلا مجال لحمل النهي فيه على الكراهة .

   وكذا الحال فيما ذكره صاحب الجواهر (قدس سره) من أنّ المراد بقوله (عليه السلام) في صحيحة الحلبي : «لم تحرم عليه الاُولى» أ نّها لا تحرم في فرض الجهل بمثل ما تحرم في فرض العلم ، إذ في فرض العلم تحرم عليه الاُولى ولا تحلّ عليه إلاّ بإخراج الثانية عن ملكه لا لغرض الرجوع إلى الاُولى ، وهذا بخلاف فرض الجهل فإنّها تحرم عليه لكنها تحلّ بمجرد إخراج الثانية عن ملكه وإن كان ذلك لأجل الرجوع إلى الاُولى . ومن هنا فلا تكون هذه الصحيحة معارضة لمعتبرة عبدالغفار الطائي الدالة على ثبوت الحرمة (1) .

   فإنّه بعيد عن العبارة جداً وغريب منه (قدس سره) .

   ثم إنّه قد ذكر أنّ معتبرة عبدالغفّار الطائي تتقدم على صحيحة الحلبي عند المعارضة ، نظراً لموافقتها للإطلاقات ، حيث إنّ مقتضاها عدم الفرق في ثبوت الحرمة بين صورتي العلم والجهل (2) .

   وما أفاده (قدس سره) وإن كان مما لا بأس به في نفسه ، إلاّ أنّ من الممكن دعوى
كون الإطلاقات مقيدة في نفسها حتى مع قطع النظر عن صحيحة الحلبي ومعارضتها

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) ، (2) الجواهر 29 : 391 .

ــ[357]ــ

ولو كان بقصد الرجوع إلى الاُولى . وأحوط من ذلك كونها كصورة العلم (1) .
ـــــــــــــــــــــ

على العمل فيما إذا صدر عن جهالة (1) فتكون مقيدة للاطلاقات .

   وكيف كان ، فالذي يقتضيه التحقيق هو القول بعدم معارضة صحيحة الحلبي لمعتبرة عبدالغفار الطائي مطلقاً .

   وذلك فلأنّ المراد بالجهل في صحيحة الحلبي هو الجهل بالحكم قطعاً ، وذلك قوله (عليه السلام) بعد الحكم بعدم ثبوت الحرمة في فرض الجهالة : «وإن وطئ الأخيرة وهو يعلم أ نّها عليه حرام حرمتا عليه جميعاً» فإنّه يكشف بكل وضوح عن أنّ المراد بالجهل هو ما يقابل العلم بكونها عليه حرام ، المعبّر عنه بالعلم بالحكم .

   وهذا بخلاف الجهل المذكور في معتبرة الطائي ، إذ الظاهر من قول السائل بعد جوابه (عليه السلام) بوجوب إخراج الاُولى عن ملكه ولو إلى بعض أهله : (فإن جهل ذلك حتى وطئها) أنّ الجهل إنّما هو في وجود المحـلل للثانية بعد وطئه للاُولى وإلاّ لكان يختاره ولم يكن يرتكب الحرام ، إلاّ أنّ الجهل في أصل الحرمة أو في كونها اُختاً لموطوءته الاُولى .

   ومن هنا تكون هذه المعتبرة في عداد النصوص المطلقة ، الدالة على ثبوت الحرمة الأبدية لهما معاً عند وطئه للثانية ، من غير تقييد بصورة العلم أو الجهل ، فتقيد بصحيحة الحلبي وصحيحة عبدالصمد لا محالة ، وبذلك تنحلّ مشكلة التعارض بينهما من دون أن تصل النوبة إلى شيء مما قيل .

   (1) إلاّ أ نّه لم يعرف لذلك قائل .
ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل ، ج 8 كتاب الصلاة ، أبواب الخلل ، ب 30 ح 1 .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net