حرّية الولد إذا كان أحد أبويه حرّاً - رقية المتولد من زنا الحرّ بالمملوكة 

الكتاب : المباني في شرح العروة الوثقى- الجزء الثالث:النكاح   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 4925


   وأما إذا كان أحد الأبوين حراً، فالولد حر إذا كان عن عقد صحيح(2) أو شبهة

ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
   (2) أما إذا كانت الاُم حرّة ، فلا إشكال ولا خلاف في حرية الولد . وتدلّ عليه ـ  مضافاً إلى السـيرة القطعية المتصلة بعهد المعصـومين (عليهم السلام) ـ جملة من النصوص الصحيحة الدالّة بإطلاقها أو نصّها على المدعى ، كصحيحة عبدالله بن سنان عن أبي عبدالله (عليه السلام)، قال في العبد تكون تحته الحرّة، قال : «ولده أحرار، فإن أعتق المملوك لحق بأبيه»(1) . وغيرها من النصوص التي يأتي ذكرها .

   وأما لو كان الأب حرّاً وكانت الاُم أمة ، فالمشهور شهرة عظيمة بل ادعي عليه الإجماع أنه يلحق بالأب في الحرية ، ولا عبرة بعبودية الاُم . وقد دلّت على ذلك جملة من النصوص الصحيحة ، كمعتبرة جميل بن دراج ، قال : سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن رجل تزوّج بأمة فجاءت بولد ؟ قال : «يلحق الولد بأبيه» قلت : فعبد تزوّج حرّة ؟ قال : «يلحق الولد باُمة» (2) . وغيرها من الأخبار .

   ولكن قد خالف في ذلك ابن الجنيد ، فالتزم بتبعية الولد للاُم في الرقية إلاّ إذا اشترط حريته (3) .

   واستدلّ عليه بعدة روايات معتبرة ، كصحيحة الحلبي عن أبي عبدالله (عليه السلام) في رجل زوّج أمته من رجل وشرط عليه أنّ ما ولدت من ولد فهو حرّ فطلّقها زوجها أو مات عنها فزوّجها من رجل آخر ، ما منزلة ولدها ؟ قال :

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل ، ج 21 كتاب النكاح ، أبواب نكاح العبيد والإماء ، ب 30 ح 3 .

(2) الوسائل ، ج 21 كتاب النكاح ، أبواب نكاح العبيد والإماء ، ب 30 ح 2 .

(3) المختلف 7 : 168 .

ــ[56]ــ

«منزلتها، ما جعل ذلك إلاّ للأوّل، وهو في الآخر بالخيار، إن شاء أعتق، وإن شاء أمسك»(1).

   وهذه المعتبرة كما تراها صريحة في لحوق الولد بالأمة في صورة عدم الاشتراط .

   ومن هنا فيقع التعارض بينها وبين النصوص المتقدِّمة ، التي دلّت على تبعية الولد للأب ـ في هذا الفرض ـ  صراحة . وحيث لا مجال لحملها على صورة الاشتراط نظراً إلى أنّ الظاهر منها أنه (عليه السلام) إنما هو في مقام بيان تبعية الولد للأب من حيث حرية الأب بحدّ ذاتها ، ومع قطع النظر عن جهة اُخرى كالاشتراط ، يتعين حمل صحيحة الحلبي على التقيّة ، إذ ينسب إلى العامة القول باللحوق إلى الأم .

   وإلاّ فلا محيص عن الالتزام بسقوط الطائفتين معاً للتعارض ، ويكون المرجع حينئذ هو عمومات أو إطلاقات الآيات الكريمة والنصوص الشريفة المثبتة للأحكام التكليفية والوضعية ، حيث إن مقتضاها ثبوت هذه الأحكام لجميع المكلفين من دون توقّف على إذن أحد أو رضاه ، إلاّ أنه قد خصص بالدليل المنفصل بالمملوك ، حيث لا يقدر على شيء ولا بدّ له في جميع تصرفاته من إذن مولاه .

   ولما كان أمر المخصص يدور بين الأقل والأكثر ، إذ لا يعلم أنّ الخارج هل هو خصوص المتولد من المملوكين ، أو ما يعمّ المولود من الحر والمملوكة ، فلا بدّ من الاقتصار على القدر المتيقّن والرجوع في المشكوك إلى العام ، حيث إن الشبهة حكمية .

   وإذا ثبت وجوب التكليف عليه من دون تقيّد بإذن أحد ، ثبت عدم رقيته بالدلالة الالتزامية ، وقد ذكرنا في المباحث الاُصولية أن الدلالات الالتزامية حجة في الأمارات . فإنّ المولود يولد من دون أن يكون تحت سلطان أحد ، أو يكون تكليفه متوقّفاً على إذن أحد، على ما تقتضيه إطلاقات وعمومات الكتاب والسنّة في الأحكام التكليفية والوضعية .

   ومن هنا يمكن أن يقال : إنّه لا حاجة في الترجيح إلى القول بأنّ ما دل على

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل ، ج 21 كتاب النكاح ، أبواب نكاح العبيد والإماء ، ب 30 ح 13 .

ــ[57]ــ

مع العقد أو مجردة(1) حتى فيما لو دلست الأمة نفسها بدعواها الحرية فتزوجها حر على
الأقوى((1))، وإن كان يجب

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

اللحوق بالحر في المقام مخالف للعامّة ـ  بخلاف معتبرة الحلبي حيث إنها موافقة لهم على ما نسب إليهم ذلك  ـ فإن ما دل على اللحوق بالحر موافق للكتاب، فيترجح على الطائفة الثانية من دون أن تصل النوبة إلى المرجح الثاني ، أعني مخالفة العامة .

   ومع قطع النظر عن هذين المرجحين وإطلاقات وعمومات الكتاب والسنّة فالمرجع بعد تساقط الطائفتين إنما هو أصالة الحرية . ومعنى هذا الأصل هو ما ذكرناه في مبحث البراءة من المباحث الاُصولية ، من جريان الاستصحاب بالنسبة إلى مقام الجعل أيضاً فيما إذا تردد الحكم بين إلزامي وغيره ـ سواء في ذلك الوضعي والتكليفي ـ الراجع إلى التردد في الإطلاق والتقييد ، إذ الذي يحتاج إلى الجعل إنما هو الإلزام والتقييد دون الإباحة والترخيص ، فإنهما ثابتان في غير ما أمر الله بفعله أو نهى عنه بالعقل والآيات والنصوص ، فإن البشر مطلق العنان في تصرفاته يفعل ما يريد ويترك ما يشاء غير ما أمر به المولى عز وجل . ومن هنا فإذا شككنا في جعل التقييد كان لنا التمسّك بالأصل لنفيه .

   وعليه فحيث إن مرجع الرقية إلى التقييد بخلاف الحرية حين إن مرجعها إلى الإطلاق ، كان المرجع عند الشك في جعلها لفرد هو أصالة العدم ، ولا يعارض ذلك بأصالة عدم جعل الحرية حيث لا أثر لهذا الجعل بالمرة ، فيحكم بحرية هذا المولود لا محالة .

   إذن فالصحيح هو ما ذهب إليه المشهور بل كاد أن يكون إجماعاً ، من لحوق الولد بالحر من الوالدين ، سواء أكان هو الأب أم كان الاُم .

   (1) فإنّ الحر المشتبه إذا كان هو الزوج ، فلا إشكال في لحوق الولد به .

   وتدلّ عليه ـ مضافاً إلى أصالة الحرية ـ  جملة من النصوص المعتبرة ، كالتي وردت

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) فيه تفصيل يأتي .

ــ[58]ــ

فيمن تزوّج امرأة ادعت الحرية فأولدها ، ثمّ انكشف كونها أمة ، حيث حكم (عليه السلام) بتبعية الولد للأب في الحرية (1) . والتي وردت فيمن يشتري الأمة من السوق فيستولدها ، ثمّ يظهر كونها مغصوبة ولم يجز مالكها البيع ، فحكم الإمام (عليه السلام) بحرية الولد أيضاً (2) . فإن هذه النصوص تدلّ على تبعية الولد للأب الحر وحريته فيما إذا  كان هو المشتبه في الوطء .

   وأما إذا كان الاشتباه من جانب الاُم الحرّة ، فالمشهور والمعروف بينهم هو الحكم بتبعية الولد لها في الحرية . وقد خالف في ذلك الشيخ المفيد (قدس سره) في المقنعة ووافقه عليه الشيخ الطوسي (قدس سره) ، حيث إنه (قدس سره) قد أورد كلام المفيد (قدس سره) وذكر رواية تدلّ عليه من دون أن يعلق عليه بشيء فيظهر منه الرضا بما ذكر في المتن .

   وهذه الرواية هي رواية العلا بن رزين عن أبي عبدالله (عليه السلام) ، قال في رجل دبّر غلاماً له فأبق الغلام ، فمضى إلى قوم فتزوج منهم ولم يعلمهم أنه عبد فولد له أولاد وكسب مالاً، ومات مولاه الذي دبّره فجاء ورثة الميت الذي دبر العبد فطالبوا العبد ، فما ترى ؟ فقال : «العبد وولده لورثة الميت» . قلت : أليس قد دبر العبد ؟ قال : «أنه لما أبق هدم تدبيره ورجع رقاً» (3) .

   إلاّ أنّ هذه الرواية مضطربة السند إلى حد لم يعهد لها مثيل في الروايات على الإطلاق ، فإنّ الشيخ (قدس سره) قد ذكرها في التهذيب في موردين .

   أحدهما في باب (العقود على الإماء) وقد ورد السند هكذا : البزوفري ، عن أحمد ابن إدريس ، عن الحسين (الحسن) بن أبي عبدالله بن أبي المغيرة (عن ابن أبي المغيرة) عن الحسن بن علي بن فضال ، عن العلا بن رزين .

   وثانيهما في (باب التدبير) وقد ورد السند هكذا : البزوفري ، عن أحمد بن إدريس

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 21 : 95  أبواب نكاح العبيد ، باب 9 ح 26618 .

(2) الوسائل 21 : 94  أبواب نكاح العبيد ، باب 9 ح 26616 .

(3) التهذيب 7 : 247 ح 1071 ،  الاستبصار 3 : 139 ح 501 .

ــ[59]ــ

عن الحسن بن علي ، عن أبي عبدالله (عبدالله) بن المغيرة (أبي المغيرة) عن الحسن بن عليّ بن فضال ، عن العلاء بن رزين . هذا بحسب الطبعة القديمة .

   وأمّا الطبعة الحديثة فقد ورد في المورد الأوّل هكذا : البزوفري ، عن أحمد بن إدريس ، عن الحسن بن أبي عبدالله بن أبي المغيرة ، عن الحسن بن علي بن فضال عن العلاء بن رزين (1) .

   وأمّا المورد الثاني فقد ورد فيه: البزوفري، عن أحمد بن إدريس، عن الحسن بن علي بن عبدالله بن المغيرة، عن الحسن بن علي بن فضال، عن العلا بن رزين (2) .

   وقد ذكرها صاحب الوافي (قدس سره) أيضاً في موردين، ففي (باب النِّكاح) رواها عن البزوفري، عن القمي، عن الحسن بن أبي عبدالله ، عن ابن المغيرة ، عن ابن فضال ، عن العلا بن رزين (3) من دون تعرّض لاختلاف النسخ .

   وأما في (باب التدبير) فقد ذكر أن في أكثر النسخ : الحسين بن علي أبي عبدالله بن أبي المغيرة ، عن الحسن بن علي بن فضال ، عن العلا بن رزين . إلاّ أن في بعضها الحسن بدلاً عن الحسين ، كما أن في بعضها الحسين بن علي ، عن أبي عبدالله بن أبي المغيرة ، عن الحسن بن علي بن فضال ، عن العلا بن رزين . ثمّ استظهر بعد ذلك كلّه أنّ الصحيح هو ما ورد في المورد الثاني من الطبعة الحديثة للتهذيب (4) .

   ثمّ إن صاحب الوسائل (قدس سره) قد رواها أيضاً في موردين ، فقد رواها في (أبواب التدبير) عن محمد بن الحسن ، عن البزوفري ، عن أحمد بن إدريس ، عن الحسين بن علي ، عن عبدالله بن المغيرة ، عن الحسن بن علي بن فضال ، عن العلا بن رزين (5) .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) التهذيب 7 : 353  /  1437 .

(2) التهذيب 8 : 265  /  966 .

(3) الوافي 2 : ج 12 ، ص 83 ، أبواب وجوه النِّكاح ، باب الرّجل يدلِّس نفسه .

(4) الوافي 3 : ج 6 ص 89 ، أبواب العتق والانعتاق ، باب التدبير .

(5) الوسائل ، ج 23  كتاب التدبير والمكاتبة ، ب 10 ح 2 .

ــ[60]ــ

   كما رواها في أبواب (نكاح العبيد والإماء) عن محمد بن الحسن ، عن البزوفري عن الحسين بن أبي عبدالله ، عن ابن أبي المغيرة ، عن الحسن بن علي بن فضال ، عن العلا بن رزين(1) من دون أن يتعرض إلى اختلاف النسخ في كلام الموردين .

   ثمّ لا يخفى أن السند في المورد الثاني من الوسائل لا يخلو من سقط . فإن البزوفري لا يمكنه أن يروي عن الحسين بن أبي عبدالله مباشرة ومن دون واسطة ، لاختلاف طبقتهما ، ومن هنا فمن المطمأنِّ به سقوط (أحمد بن إدريس) من القلم أو الطبع .

   وعلى هذا فالرواية ساقطة من حيث السند ، ولا مجال للاعتماد عليها .

   ومنه يظهر الحال فيما ذكره صاحب الحدائق (قدس سره) ، من أن المشهور وإن ذهبوا إلى تبعية الولد لأشرف أبويه ، وهو الاُم في المقام لكونها حرّة ، إلاّ أنّ الرواية المعتبرة لما كانت واردة في خصوص هذا المورد ودالّة على إلحاقهم بأبيه العبد ، فلا بدّ من تخصيص القاعدة (2) .

   فإنّ هذه الرواية غير معتبرة ، كما عرفت . على أنه لو فرض تمامية سندها فهي مبتلاة بالمعارض ، وهو صحيح محمد بن مسلم ، قال : سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن مملوك لرجل أبق منه فأتى أرضاً فذكر لهم أنه حر من رهط بني فلان ، وأنه تزوّج امرأة من أهل تلك الأرض فأولدها أولاداً ، وأنّ المرأة ماتت وتركت في يده مالاً وضيعة وولدها ، ثمّ أن سيده بعد أتى تلك الأرض فأخذ العبد وجميع ما في يديه وأذعن له العبد بالرق ؟ فقال : «أما العبد فعبده ، وأما المال والضيعة فإنه لولد المرأة الميتة لا يرث عبد حراً» . قلت : فإن لم يكن للمرأة يوم ماتت ولد ولا وارث ، لمن يكون المال والضيعة التي تركتها في يد العبد ؟ فقال : «يكون جميع ما تركت لإمام المسلمين خاصة» (3) فإنها واردة في محل النزاع وصريحة في حرية الولد .

   فلو تمّ سند تلك الرواية لكانت معارضة بهذه الرواية ، فتسقطان معاً لا محالة

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل ، ج 21 كتاب النكاح ، أبواب نكاح العبيد والإماء ، ب 28 ح 1 .

(2) الحدائق 24 : 233 .

(3) الوسائل ، ج 21 كتاب النكاح ، أبواب العيوب والتدليس ، ب 11 ح 3 .

 
 

ــ[61]ــ

عليه حينئذ دفع قيمة الولد إلى مولاها (1) .

   وأما إذا كان عن عقد بلا إذن مع العلم من الحر بفساد العقد ، أو عن زناً من الحرّ منهما ، فالولد رقّ((1)) (2) .

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ويكون المرجع حينئذ هو عمومات ما دلّ على تبعية الولد لأشرف أبويه، وأصالة الحرية .

   ومن الغريب أن الشيخ (قدس سره) وصاحب الحدائق (قدس سره) لم يلتفتا إلى هذه الرواية عند تمسكهما برواية العلا بن رزين ، مع تضلعهما في الأخبار .

   (1) وسيأتي الحديث في هذا الفرع والذي سبقه في المسألة الثانية عشرة من هذا الفصل إن شاء الله .

   (2) فإنّ الحر الزاني ان كان هو الأب كان الولد رقّاً .

   لكن لا لما قيل من انتفاء الانتساب عنه شرعاً ، فيلحق بالاُم المملوكة فيكون رقاً لا محالة ، فإنه مردود بأنه لم يعثر في شيء من الأخبار المعتبرة منها وغير المعتبرة ما يدلّ على انتفاء النسب بين الزاني أو الزانية والولد ، إذ غاية ما ورد في النصوص إنما هو نفي التوارث بينهما ، ومن الواضح أنه لا يدلّ على انتفاء النسب ، فإنه ثابت في القاتل والكافر ، والحال أنه لا قائل بانتفاء النسب بينهما .

   وأما قوله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) : «الولد للفراش وللعاهر الحجر» (2) فهو أجنبي عن محل الكلام بالمرة ، فإن مورده إنما هو حالة الشك وفرض عدم العلم، فلا يشمل ما إذا علم تكون الولد من ماء الزاني ، حيث لا يلحق الولد بالزوج بلا خلاف .

   ومن هنا كان التزامنا بترتّب جميع أحكام الاُبوة والبنوّة ـ عدا الإرث ـ عليهما فلا يجوز للزاني أن يتزوّج من البنت المخلوقة من مائه .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) هذا إذا كانت الاُمّ أمة ، وأمّا إذا كانت الاُمّ حرّة فلا يبعد أن يكون الولد حرّاً وإن كانت زانية أو عالمة بفساد العقد ، وسيأتي منه (قدس سره) في المسألة الرابعة عشرة الفرق بين الزِّنا وفساد العقد على خلاف ما ذكره هنا .

(2) الوسائل ، ج 21 كتاب النكاح ، أبواب نكاح العبيد والإماء ، ب 74 ح 1 .

ــ[62]ــ

   بل لجملة من النصوص المعتبرة التي دلّت على الحكم بالصراحة ، كصحيحة سماعة ، قال : سألته عن مملوكة قوم أتت قبيلة غير قبيلتها وأخبرتهم أنها حرّة فتزوّجها رجل منهم فولدت له، قال: «ولده مملوكون إلاّ أن يقيم البيِّنة أنه شهد لها شاهدان أنها حرّة، فلا يملك ولده ويكونون أحراراً»(1).

   وهي وإن كانت تشمل بإطلاقها صورة الوطء شبهة أيضاً ، إلاّ أنه لا بدّ من تقييد الإطلاق بغير فرض الشبهة ، وذلك للنصوص المعتبرة المتقدِّمة الدالة على لحوق الولد بالحر إذا كان مشتبهاً ، وبذلك تكون الرواية دالة على لحوق الأولاد بالأمة في فرض الزنا وإن كان أبوهم حراً .

   وصحيحة عاصم بن حميد عن أبي عبدالله (عليه السلام) في رجل ظن أهله أنه قد مات أو قتل ، فنكحت امرأته وتزوّجت سريته ، فولدت كل واحدة منهما من زوجها ثمّ جاء الزوج الأوّل وجاء مولى السرية ، فقضى في ذلك : «أن يأخذ الأوّل امرأته فهو أحقّ بها، ويأخذ السيد سريته وولدها إلاّ أن يأخذ رضاه من الثمن ثمن الولد»(2). ومثلها صحيحة محمد بن قيس عنه (عليه السلام) (3) .

   فإنهما ظاهرتان في الزنا ، حيث إنهما واردتان فيمن ظن موت الرجل فتزوّج بامرأته أو جاريته المسراة ، ومن الواضح أن الظن لا يغني شيئاً فيكون الفعل زنا لا محالة .

   ومعتبرة حريز عن زرارة ، قال : قلت لأبي عبدالله (عليه السلام) : أمة أبقت من مواليها فأتت قبيلة غير قبيلتها ، فادعت أنها حرّة فوثب عليها حينئذ رجل فتزوّجها ، فظفر بها مولاها بعد ذلك وقد ولدت أولاداً ، قال : «إن أقام البينة الزوج على أنه تزوّجها على أنها حرّة أعتق ولدها وذهب القوم بأمتهم ، وإن لم يقم البينة أوجع ظهره واسترق ولده» (4) .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل ، ج 12 كتاب النكاح ، أبواب نكاح العبيد والإماء ، ب 67 ح 2 .

(2) الوسائل ، ج 21 كتاب النكاح ، أبواب نكاح العبيد والإماء ، ب 67 ح 6 .

         وفيه : «إلاّ أن يأخذ من رضا من الثمن له ثمن الولد» وجعلت عبارة المتن نسخة بدل .

(3) الوسائل ، ج 25 كتاب الغصب ، ب 6 ح 1 .

(4) الوسائل ، ج 21 كتاب النكاح ، أبواب نكاح العبيد والإماء ، ب 67 ح 3 .

ــ[63]ــ

   وهذه الرواية معتبرة سنداً ، باعتبار أن عبدالله بن يحيى المذكور في سندها من جملة رواة تفسير علي بن إبراهيم ، وليس هو الكاهلي كما توهمه بعضهم .

   نعم ، ذكر الكليني (قدس سره) في الكافي هذه الرواية بعين هذا المتن والسند ، إلاّ أن فيه عبدالله بن بحر بدل عبدالله بن يحيى وهو ممن لم يوثق ، وحيث إن الكليني أضبط نقلاً ، يشكُل اعتبار هذه الرواية معتبرة من جهة السند .

   وخبر علي بن حديد عن بعض أصحابه عن أحدهما (عليهما السلام) في رجل أقرّ على نفسه بأنه غصب جارية رجل فولدت الجارية من الغاصب ، قال : «تردّ الجارية والولد على المغصوب منه إذا أقرّ بذلك الغاصب» (1) .

   والحاصل أنّ الصحيح في المقام وإن كان هو ما ذهب إليه المشهور من عدم لحوق الولد بأبيه الحر ، إلاّ أن الوجه فيه لم يكن ما ذكروه من عدم الانتساب إليه شرعاً فإنك قد عرفت بطلانه ، وإنما كان هو النصوص المعتبرة الواردة في المقام .

   ومن هنا يظهر اندفاع توهّم أن الولد لما كان مولوداً من الحر كان مقتضى أصالة الحرية وما دلّ على عدم استرقاق من كان أحد أبويه حراً هو الحكم بحريته ، فإنه في غاية الفساد ، فإنّ النصوص التي تقدّمت تمنع من الرجوع إلى الأصل ، وتخصّص عمومات ما دلّ على عدم استرقاق من كان أحد أبويه حراً .

   وإن كان الحر الزاني هي الاُم ، فقد يقال بأنّ الولد مملوك لمالك الأب ـ العبد ـ  . لكنّه مدفوع بأنه لا أساس له سوى ما ذكرناه من دعوى ارتفاع النسب بالزنا ، فهو حينئذ لا يكون ولداً للحرّة ، فيتبع أباه في الرقية لا محالة . لكنّك قد عرفت فسادها حيث لا دليل عليها بالمرّة .

   ومن هنا فالقول بتبعيته للاُم هو المتعين ، فإنه نماء لها ، والرجل ليس إلاّ لقاحاً . ويدلّ عليه ما دلّ على أنه لا يسترق من كان أحد أبويه حراً ، ومع التنزل عنه تكفينا إطلاقات وعمومات الكتاب والسنّة المقتضية للحرية ، حيث لا دليل على رقيته والشبهة حكمية ، ومع الإغماض عنها فأصالة الحرية هي المحكمة .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الكافي 5 : 405 .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net